المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع لأحكام متفرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله

‌الحديث الخامس

عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ: "مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وبُيُوتَهُمُ نَارًا، كمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ"(1). وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "شَغَلُونَا عنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى؛ صَلَاةِ العَصْرِ"، ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ" (2).

وَلَهُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: حَبَسَ المُشْرِكُونَ

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2773)، كتاب: الجهاد، باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، واللفظ له، و (3885)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق، و (4259)، كتاب: التفسير، باب:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، و (6033)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء على المشركين، ومسلم (627)، (1/ 436)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر، وأبو داود (409)، كتاب: الصلاة، باب: في وقت صلاة العصر، والنسائي (473)، كتاب: الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر، والترمذي (2984)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البقرة، وابن ماجه (684)، كتاب: الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر.

(2)

رواه مسلم (627)(1/ 437)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر. ووقع عنده: " .. ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء".

ص: 15

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ العَصْرِ حَتَّى احْمَرتِ الشَّمْسُ، أَوِ اصْفَرَّتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"شَغَلُونا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى؛ صَلَاةِ العَصْرِ، مَلا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وقُبُورَهُمْ نَارًا"، أَوْ "حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وقُبُورُهُمْ نَارًا"(1).

* * *

(عن) سيدنا (عليِّ بنِ أبي طالب) أميرِ المؤمنين، وأبي رَيْحانتي سيدِ العالمين، الهُمامِ الدرغامِ (رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يومَ الخندق) وهو غزوة الأحزاب، وكانت في الخامسة على الصحيح المعتمد عند محققي أهل المغازي والسير: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا،؛ يعني: المشركين.

وقد استشكل هنا الحديث بأنه تضمن دعاء صدرَ من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستحقه، وهو من مات منهم مشركًا، ولم يقع أحد الشقين ظاهرًا، وهو البيوت، أما القبور، فوقع في حق مَنْ مات منهم مشركًا لا محالة.

ويجاب: بأن تُحمل البيوتُ على سكانها، وبه يتبين رجحانُ الرواية

(1) رواه مسلم (628)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر، وابن ماجه (686)، كتاب: الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 592)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 253)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 127)، وشرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 139)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 303)، "طرح التثريب" للعراقي (2/ 168)، و"فتح الباري" لابن حجر (7/ 405، 8/ 195)، و"عمدة القاري" للعيني (14/ 203)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 393).

ص: 16

بلفظ: "قلوبَهم وأجوافَهم"(1)، كما يأتي في كلام المصنف -رحمه الله تعالى-.

(كما شغلونا)؛ أي: منعونا. ولفظ البخاري: "حبسونا"(2).

(عن) فعل صلاة (الصلاة الوسطى) تأنيث الأوسط.

والأوسط: الأَعْدَلُ من كل شيء، وليس المراد به التوسُّطَ بين شيئين؛ لأن فُعْلَى معناها التفضيل، ولا يُبنى للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقصَ، والوسطُ بمعنى الخيار والعدل يقبلُهما، بخلاف المتوسط، فلا يقبلهما، فلا يُبنى منه أفعلُ تفضيل (3).

(حتى)، أي: استمر إشغالهم لنا عنها إلى أن (غابت الشمس).

(وفي لفظ لـ) لإمام (مسلم) من حديث عليٍّ رضي الله عنه: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاةِ العصر). وزاد في آخره: (ثم صلاها بين المغرب والعشاء).

وفي لفظٍ لهما، من حديث علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاةِ الوسطى، صلاةِ العصر، ملأ الله بيوتَهم وقبورَهم نارًا"(4).

وفي لفظٍ: "كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى، حتى غابت الشمس"(5).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 198).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4259).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 195).

(4)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (6033)، ومسلم (627)، (1/ 436).

(5)

هو لفظ مسلم المتقدم تخريجه برقم (627)، (1/ 436).

ص: 17

وفي بعض طرق البخاري: "حتى غابت الشمس، وهي صلاة العصر" خرجه في: الأدعية (1). وليس في شيء من طرقه عن علي: ثم صلى صلى الله عليه وسلم العصر بعدما غربت الشمس.

(و) في لفظٍ (له)؛ أي: لمسلم دون البخاري في حديث (عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حبس)؛ أي: منع (المشركون) من الأحزاب الذين تحزَّبوا وساروا مع أبي سفيان إلى المدينة؛ لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريشٍ، وكان قائدُهم أبا سفيان، وغطفانَ، وقائدُهم عُيينة بن حصن في بني فزارة، وبني مر، وقائدهم عوفُ بنُ حارثة المُرِّيُّ، وأشجعَ، وقائدهم مسعد بن رحيلة.

فكان جملةُ من وافى الخندقَ من المشركين عشرة آلاف؛ أربعةَ آلاف من قريش، والبقيةُ من غيرها.

وكان الذين حرضوا الأحزاب على ذلك، نفرٌ من اليهود، منهم: سلامِ بن مِشْكَم، وابن أبي الحُقَيْق، وحُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ، وكِنانةُ بنُ الربيعِ، وهَوْذةُ بنُ قَيْس، وأبو عامرٍ الفاسقُ من الأنصار، وهو والدُ حنظلةَ الغسيلِ- رضي الله عنه.

فساروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحاصروه وأصحابَه، وكان قد أشار سلمانُ الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق، فحُفر.

واشتد القتال في بعض أيام الخندق حتى اقتحم بعضُ المشركين الخندقَ، وشغلوا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك اليوم (عن صلاة العصر).

وفي السير: أنه صلى الله عليه وسلم في بعض أيام الخندق استمر به القتال من جوانب

(1) تقدم تخريجه برقم (6033) عنده.

ص: 18

الخندق إلى الليل، ولم يُصَلِّ هو ولا أحدٌ من الصحابة الظهرَ ولا العصرَ (1).

(حتى احمرت الشمسُ، أو اصفرت) الشمس وحينئذ يكون خرجَ وقتُ الاختيار، ودخل وقت الضرورة، ولا تؤخَّر الصلاة عن وقت الاختيار إلى وقت الضرورة.

وقد يُتوهَّم من ظاهر هذا مخالفةٌ لما في حديث عليٍّ من صلاتها بين المغرب والعشاء، وليس كذلك، بل انتهى الحبس إلى هذا الوقت، ولم تقع الصلاة إلا بعد المغرب.

وكان التأخير من حين الاصفرار إلى ما بعد المغرب؛ للاشتغال بأسباب الصلاة من نحو الطهارة أو غيرها مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مقتضيًا لجواز التأخير إلى ما بعد الغروب (2).

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شغلونا عن) فعل (الصلاة الوسطى)؛ أي: الفُضْلى، (صلاةِ العصر) بالجرِّ على أنه بدل، ويصحّ الرفع على تقدير: وهي، والنصب على أنها مفعول لفعل محذوف تقديره: أعني، ونحوه.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ملأ الله أجوافَهم وقبورَهم)، يعني: مشركي الأحزاب (نارًا).

(أو) قال: (حشا اللهُ أجوافَهم وقبورَهم نارًا).

الشكُّ وقع بين لفظتي: ملأ، وحشا، وتمسك بظاهر ذلك من لم يجوِّزْ رواية الحديث بالمعنى؛ لكون ابنِ مسعود رضي الله عنه تردد بين اللفظتين، مع تقاربهما في المعنى، ولا حجةَ في ذلك؛ لما بين اللفظتين

(1) انظر: "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (11/ 301).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 143).

ص: 19

من التفاوت، فإن قول: حشا الله تقتضي من التراكم وكثرة أجزاء المحشو ما لاتقتضيه ملأ.

وقد قيل: إن شرط الراوية بالمعنى؛ كون اللفظين مترادفين، على أن لك أن تقول: على كل حال رواية اللفظ بعينه أفضل، فلعل ابنَ مسعود رضي الله عنه تحرى الأفضل، وإن لم ير المنع من الرواية بالمعنى (1).

تنبيهان:

الأول: لا يخفى أن هذه الأحاديث ناطقةٌ بأن الصلاة الوسطى هي صلاةُ العصر، وهي في البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث علي (2).

وفي مسلم أيضاً عنه بلفظ: "كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس"(3)، يعني بالوسطى: العصر.

وروى الإمام أحمد، والترمذي، من حديث سَمُرَةَ، رفعه، قال:"صلاة الوسطى: صلاة العصر"(4).

وروى ابن جرير، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رفعه:"الصلاةُ الوسطى: صلاة العصر"(5).

وأخرج من طريق كُهيل بن حرملَة: سئل أبو هريرة عن الصلاة

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

تقدم تخريجه عندهم في حديث الباب.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 22)، والترمذي (182)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر، وقال: حسن.

(5)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 559).

ص: 20

الوسطى، فقال: اختلفنا فيها ونحن بِفِناء بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا أبو هاشم بنُ عتبة، فقال: أنا أعلمُ لكم، فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلينا، فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر (1).

ومن طريق عبد العزيز بنِ مروان: أنه أرسل إلى رجل، فقال: أيَّ شيء سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال: أرسلني أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلامٌ صغير، فقال:"هي العصر"(2).

ومن حديث أبي مالك الأشعري، رفعه:"الصلاةُ الوسطى صلاةُ العصر"(3).

وروى الترمذي، وابن حبان، من حديث ابن مسعود، مثلَه (4).

وروى ابن جرير، من طريق عُروةَ بن هشام، عن أبيه، قال: كان في مُصحف عائشةَ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر (5).

وأخرج، من حديث أم سلمة، وأبي أيوب، وأبي سعيد، وزيد بن

(1) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 559)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(560)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 174)، والطبراني في "المعجم الكبير"(7198).

(2)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 560).

(3)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 561)، والطبراني في "المعجم الكبير"(3458).

(4)

رواه الترمذي (181)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر، وقال: حسن صحيح، وابن حبان في "صحيحه"(1746).

(5)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 555).

ص: 21

ثابت، وأبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم من قولهم: إنها صلاة العصر (1).

وقد اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى على عشرين قولًا، أصحُّها كلِّها: أنها العصر، وهذا قول علي رضي الله عنه؛ فقد روى الترمذي، والنسائي، من طريق زِرِّ بنِ حُبيش، قال: قلنا لعبيدة: سل عليًا عن الصلاة الوسطى، فسأله، فقال: كنا نرى أنها الصبح حتى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومَ الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاةِ العصر"(2)، انتهى.

قال في "الفتح": وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله: "صلاة العصر" مُدْرَجٌ من تفسير بعض الرواة، وهي نصٌّ في أن كونها صلاةَ العصر من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن مسعود، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وعبد الله بن عمرو، وسَمُرة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة رضي الله عنهم، وهو مذهب الإمام أحمد، والأصحُّ من مذهب أبي حنيفة، وقد صار إليه معظم الشافعية، لصحة الحديث فيه.

قال الترمذي: هو قولُ أكثرِ علماء الصحابة (3).

وقال الماوردي: هو قول جمهور التابعين.

(1) انظر: "تفسير الطبري"(2/ 555) وما بعدها.

(2)

رواه النسائي في "السنن الكبرى"(360). ولم أره في "سنن الترمذي" من رواية زر بن حبيش، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه، والله أعلم. وإنما رواه الترمذي (2984)، من طريق أبي حسان الأعرج، عن عبيدة، به، بسياق آخر.

(3)

انظر: "سنن الترمذي"(1/ 342).

ص: 22

وقال ابن عبد البر: هو قول أكثر أهلِ الأثر (1)، وبه قال من المالكية: ابنُ حبيب، وابن العربي، وابن عَطِية (2).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الفتاوى المصرية": الصلاةُ الوسطى هي العصرُ بلا شك عند من عرف الأحاديث المأثورة؛ ولهذا اتفق على ذلك علماء الحديث، وإن كان للصحابة والعلماء في ذلك مقالات متعددة، فإنهم تكلموا بحسب اجتهادهم، انتهى (3).

قال في "الإنصاف": نص الإمام أحمد أن الصلاة الوسطى هي العصر، وقطع به الأصحاب. قال: ولا أعلم عنه ولا عنهم فيها خلافًا، انتهى (4).

قال ابن دقيق العيد: اختلفوا في تعيين الصلاة الوسطى؛ فمذهب أحمد، وأبي حنيفة رضي الله عنهما: أنها العصر؛ ودليله: هذا الحديث مع غيره، وهو قويٌّ في المقصود، وهذا المذهب هو الصحيح في المسألة، انتهى (5).

وهو مذهب النخعي، والحسن، وقتادة، والضحاك، والكلبي، ومقاتل، وداود، وابن المنذر.

قال النووي في "شرح المهذب": الصحيح من المذاهب فيها مذهبان:

(1) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (4/ 289).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 196).

(3)

انظر: "الفتاوى المصرية"(1/ 224)، و"مجموع الفتاوى" كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية (23/ 106).

(4)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 432).

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 139).

ص: 23

الصبح، والعصر. قال: والذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر، وهو المختار، انتهى (1).

وقال الزركشي في "الخادم"(2): كان بعض الفضلاء يتوقف في نسبة ذلك إلى الشافعي؛ فإن الأحاديث المصرِّحةَ بأنها العصر، من جملة من رواها الشافعي، ولم يخفَ عنه أمرُها مع شهرتها.

وقد نقل البيهقي عنه في "المعرفة": أنه قال في "سنن حرملة": حديثُ عائشة يدل على أنها ليست العصر، كذا قال (3).

ولا يخفى على ذي لبٍّ وبصيرةٍ واطلاع على الأحاديث الصحيحة الكثيرة أنها العصرُ بلا ريبٍ ولا نُكْرٍ، ولاسيما مع ما ورد من الوعيد الشديد على مَنْ تهاونَ في شأنها مما لم يأت مثلُه في غيرها؛ كما في حديث بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تركَ صلاةَ العصر، فقد حَبِطَ عملهُ" رواه البخاري، والنسائي، وابن ماجه، ولفظه:"بَكِّروا بالصَّلاةِ في يومِ الغَيْمِ؛ فإنه من فاتَتْهُ صلاةُ العصرِ، حَبِطَ عملُه"(4).

(1) انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (3/ 65).

(2)

هو كتاب: "خادم الرافعي والروضة" في الفروع، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركسي الشافعي، المتوفى سنة (749 هـ). ذكر في "بغية المستفيد": أنه أربعة عشر مجلدًا، كل مجلد منه خمس وعشرون كراسة، وذكر أنه شرح فيه مشكلات "الروضة"، وفتح مقفلات "فتح العزيز"، وهو على أسلوب التوسط للأذرعي، وأخذه جلال الدين السيوطي يختصر من الزكاة إلى آخر الحج، ولم يتم، وسماه:"تحصين الخادم". انظر: "كشف الظنون" لحاجي خليفة (1/ 698).

(3)

انظر "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 305) حديث رقم (2834).

(4)

رواه البخاري (528)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: إثم من ترك العصر، والنسائي (474)، كتاب: الصلاة، باب: من ترك صلاة العصر، وابن ماجه (694)، كتاب: الصلاة، باب: ميقات الصلاة في الغيم.

ص: 24

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تركَ صلاةَ العصرِ مُتَعَمِّدًا، فقد حبطَ عملُه" رواه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح (1).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"الذي تفوتُه صلاةُ العصر، فكأنَّما وُتِرَ أهلَه ومالَه" رواه الإمام مالك، والبخارى، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وزاد في آخره: قال مالك: تفسيرُه ذهابُ الوقت (2).

وعن نوفل بن معاوية مثلُه، رواه النسائي (3).

قوله: "فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه" معناه: أُصيب بأهله وماله، ومثلُه قوله - تعالى-:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].

وقيل: "وتر" في الآية بمعنى: نقص. وقيل: في الحديث معناه: سُلِبَ أهلَه وماله. يقال: وترتُ الرجلَ: إذا قتلتُ له قتيلًا، أو أخذتُ ماله.

وحقيقة الوتر كما قال الخليل: هو الظلمُ في الدم. فعلى هذا استعمالُه

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 442)، بلفظ:"من ترك صلاة العصر متعمدًا حتى تفوته، فقد أحبط عمله".

(2)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 11)، ومن طريقه: البخاري (527)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: إثم من فاتته العصر، ومسلم (626)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر، وأبو داود (414)، كتاب: الصلاة، باب: في وقت صلاة العصر، والنسائي (512)، كتاب: المواقيت، باب: التشديد في تأخير العصر. ورواه الترمذي (175)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر، وابن ماجه (685)، كتاب: الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر، وابن خزيمة في "صحيحه"(335)، من طرق أخرى.

(3)

رواه النسائي (478)، كتاب: الصَّلاة، باب: صلاة العصر في السفر.

ص: 25

في المال مجازٌ، لكن قال الجوهري: الموتور: هو الذي قُتل له قتيل فلم يدرك بدمه. تقول: منه وَتَر، وتقول أيضاً: وَتَرهَ حقَّه؛ أي: انتقصه (1). وقيل: الموتور: من أُخذ أهلُه ومالُه وهو ينظر، وذلك أشدُّ لِغَمِّه (2).

ومذهب مالك، والشافعي: أن الصلاة الوسطى صلاةُ الفجر، واحتجَّ لهما: بأن في مصحف عائشةَ رضي الله عنها: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وصلاة العصر (3)، وكذا في مصحف حفصة (4)، وغيرهما. وفيه: أن في مصحف عائشة: وهي العصر.

وأيضًا هذا لا ينهض الاستدلالُ به كما لا يخفى، واحتجَّ لهما أيضاً بقوله- تعالى-:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، ولا حجةَ فيه؛ لأن القنوتَ يطلق بالاشتراك على القيام، وعلى السكوت، وعلى الدعاء، وعلى كثرة العبادة، فلا يتعين القنوتُ الذي هو في صلاة الصبح.

واحتجوا أيضاً بمَظِنَّةِ المشقة، وهو معارض بمشقة الاشتغال في صلاة العصر.

قال ابن دقيق العيد: ولو لم يعارض بذلك، لكان المعنى الذي ذكروه في صلاة الصبح ساقطَ الاعتبار مع النص على أنها العصر. قال: وللفضائل والمصالح مراتبُ لا يحيط بها البشر، فالواجب اتباعُ النصوص، انتهى (5).

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 843)، (مادة: وتر)، وعنده: تقول منه: وَتَرَه يَتِرُه وَتْرا وتِرَةً، وكذلك: وتَرَهُ حقَّه؛ أي: نَقَصَه.

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 30). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 147).

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 139).

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 140 - 141)،

ص: 26

وقيل: إنها الظهر، وهو القول الثاني لأبي حنيفة، ورجحه الجلال السيوطيُّ في رسالةٍ له، والصحيحُ المعتمد: أنها العصر، والله تعالى أعلم.

الثاني: ربما احتج من قال بأن آخر وقت الاختيار لصلاة العصر ما لم تحمرَّ الشمس، بهذا الحديث، وتقدم أن معتمد المذهب-: أن آخره صيرورة ظلِّ الشيء مثليه سوى ظل الزوال، وهو اختيار الخِرَقي، وأبي بكر، والقاضي، وكثيرٍ من أصحابه، وقدَّمه في "المحرر"(1)، و"الفروع"(2)، و"الإقناع"(3)، وقطع به في "المنتهى"(4)، وغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:"الوقتُ ما بين هذين"(5).

وعن الإمام أحمد رواية: حتى تصفرَّ الشمس، اختاره جماعة.

قال في "الفروع": وهي أظهرُ؛ خلافًا للشافعي (6)، وصحَّحها في "الشرح الكبير"، وابن تميم، وجزم بها في "الوجيز"، واختارها الموفق، والمجد (7)؛ لما روى ابن عمر [و]رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وقتُ العصرِ ما لم تصفرَّ الشمسُ" رواه مسلم (8).

(1) انظر: "المحرر في الفقه" للمجد ابن تيمية (1/ 28).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 261).

(3)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 127).

(4)

انظر: "منتهى الإرادات" لابن النجار الفتوحي (1/ 151).

(5)

رواه أبو داود (393)، كتاب: الصلاة، باب: في المواقيت، والترمذي (149)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: حسن صحيح، وغيرهما.

(6)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 261).

(7)

وانظر: "كشاف القناع" للبهوتي (1/ 252).

(8)

رواه مسلم (612)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس.

ص: 27

قال في "الفروع": وآخرُه -أي: وقت صلاة العصر المختار- حتى يصير فيء الشيء مثلَيه سوى ظِلِّ الزوال. وعنه: حتى تصفر الشمس، اختاره جماعةٌ، وهي أظهر؛ خلافًا للشافعي.

وفي "التلخيص": ما بينهما وقتُ جواز، ثم هو وقتُ ضرورة إلى غروبها؛ اتفاقًا، قال: وتعجيلُها أفضل؛ وفاقًا لمالك، والشافعي. وقيل: إلا مع غيم؛ وفاقًا لأبي حنيفة، والمذهب: الأفضلُ تعجيلُها بكل حال (1).

فائدة:

يُسن لمن صلى العصرَ جلوسُه بعدها في مصلَّاه إلى غروب الشمس، وبعدَ فجرٍ إلى طلوعها؛ لما روى الإمام أحمد بإسنادٍ حسن، عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأَنْ أقعدَ أذكرُ اللهَ وأُكَبِّرُهُ وأَحْمَدُهُ وأُسَبِّحُهُ وأُهَلِّلُهُ حتى تطلعَ الشمسُ، أحبُّ إلي من أن أُعْتِقَ رَقَبتينِ من ولدِ إسماعيل، ومنَ العصرِ حتى تَغْرُبَ الشمسُ، أَحَبُّ إليَّ من أن أُعتقَ أربعَ رقابٍ من ولدِ إسماعيلَ"(2).

وروى أبو داود، من حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أقعدَ معَ قومٍ يذكرون اللهَ من صلاةِ الغَداةِ حتى تطلعَ الشمسُ، أحبُّ إليَّ من أن أُعتق أربعةً من ولدِ إسماعيلَ، ولأَنْ أقعدَ مع قومٍ يذكرونَ الله من صلاةِ العصرِ إلى أن تغربَ الشمسُ، أَحَبُّ إليَّ من أن أُعتقَ أربعة"(3).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 261).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 255)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8028)، وفي "الدعاء"(1882).

(3)

رواه أبو داود (3667)، كتاب: العلم، باب: في القصص.

ص: 28

ورواه أبو يعلى، وقال في الموضعين:"أَحَبُّ إليَّ من أَنْ أُعتقَ أربعةً من ولدِ إسماعيلَ، ديةُ كلِّ رجلٍ منهم اثنا عشرَ ألفًا"(1)، والله أعلم.

* * *

(1) رواه أبو يعلى في "مسنده"(3392)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(6/ 466)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 38).

ص: 29