الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأذان
وهو لغةً: الإعلام، قال تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3].
قال الأزهري: الأذان: اسم من قولك: آذَنْتُ فلانًا بأمرِ كذا أو كذا، أُؤْذِنُه إيذانًا؛ أي: أعلمتُه (1).
واشتقاقه من الأَذَن -بفتحتين-، وهو الاستماع.
وشرعًا: الإعلامُ بوقت الصلاة، بألفاظٍ مخصوصة (2).
قال القرطبي وغيره: الأذانُ -على قلة ألفاظه- مشتملٌ على مسائل العقيدة؛ لأنه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمَّنُ وجودَ الله وكمالَه، ثم ثَنَّى بالتوحيدِ ونفي الشريك، ثمَّ بإثبات الرسالة، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقبَ الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تُعرف إلا من جهة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المَعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدًا. ويحصل بالأذان الإعلامُ بدخول الوقت، والدعاءُ إلى الجماعة، وإظهارُ شعائر الإسلام (3).
(1) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (15/ 17)، (مادة: أذن).
(2)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 47)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 77).
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي (2/ 7، 14).
والحكمة في اختيار القول له دون الفعل: سهولةُ القول، وتيسيرُهُ لكل واحد في كل زمان ومكان (1).
وهو أفضلُ من الإقامة، ومن الإمامة -على الأصح-؛ وفاقًا للشافعي (2).
وفي "الفتح": اختُلف أَيُّما أفضلُ، الأذان أو الإقامة؟ ثالثها: إن علم من نفسه القيامَ بحقوق الإمامة، فهي أفضل، وإلا، فالأذان، وفي كلام الشافعي ما يومىء إليه، انتهى (3).
ويشهد لفضل الأذان عليها حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمامُ ضامِنٌ، والمؤذِّنُ مؤتَمَنٌ، اللهمَّ أرشِدِ الأئمةَ، واغفرْ للمؤذنين" رواه أبو داود، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، إلا أنهما قالا:"فأَرشد الله الأئمة واغفر للمؤذنين"(4).
وفي رواية لابن خزيمة: "المؤذنون أُمناء، والأئمةُ ضُمناء، اللهمَّ اغفرْ للمؤذنين، وسَدِّدِ الأئمةَ" ثلاث مرات (5).
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 77).
(2)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 405).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 77).
(4)
رواه أبو داود (517)، كتاب: الصلاة، باب: ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، والترمذي (207)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، وابن خزيمة في "صحيحه"(1528)، وابن حبان في "صحيحه"(1671). إلا أن لفظ ابن خزيمة هو كلفظ أبي داود والترمذي.
(5)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1531)، والإمام الشافعي في "مسنده" (ص: 33)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 430).
ورواه الإمام أحمد، من حديث أبي أمامة بإسناد حسن (1).
فالأمانة أعلى من الضَّمان، والمغفرةُ أعلى من الإرشاد، وإنَّما لم يتولَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعدِه الأذانَ؛ لضيق وقتهم عنه (2).
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات": الأذانُ والإقامةُ أفضلُ من الإمامة، في أصح الروايتين عن الإمام أحمد، واختيار أكثر الأصحاب.
وأما إمامته صلى الله عليه وسلم وإمامةُ الخلفاء الراشدين، فكانت متعيِّنة عليهم، فإنها وظيفةُ الإمام الأعظم، ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامةُ في حقِّهم أفضلَ من الأذان؛ لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذانُ أفضلُ (3).
ولا يُكره الجمع بينهما، وما في البيهقي من حديث جابر مرفوعًا في النهي عن ذلك ضعيف (4).
وصح عن عمر: لو أُطيقُ الأذانَ مع الخلافة لأَذَّنْتُ، رواه سعيد بن منصور، وغيره (5).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 265)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8097)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 432)، بلفظ:"الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن".
(2)
انظر: "المغني" لابن قدامهَ (1/ 242).
(3)
وانظر: "الفتاوى الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 405 - 406).
(4)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 433) وقال: هذا حديث إسناده ضعيف بمرة، إسماعيل بن عمرو بن نجيح أبو إسحاق الكوفي حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وجعفر بن زياد ضعيف. ورواه أيضاً: ابن حبان في "المجروحين"(3/ 17)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 398).
(5)
ورواه عبد الرازق في "المصنف"(1869)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2334)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 290)، والبيهقي في "السنن =
وفي "الفروع": وله الجمعُ بينهما اتفاقًا. وذكر أبو المعالي: أفضلُ؛ وفاقًا للشافعي، وأن ما صلح له، فهو أفضل (1).
فائدة:
اختلف في السَّنة التي فُرض فيها الأذان؛ رجح في "الفتح" كغيره: أنه كان في السنة الأولى من الهجرة. وقيل: في الثانية (2).
وأصل ذلك ما في "الصحيحين"، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحَيَّنون الصلاةَ، فليس ينادي لها أحدٌ، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: نتَّخِذُ ناقوسًا مثلَ ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قَرْنًا مثلَ قرن اليهود، فقال عمر: ألا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال! قم فنادِ بالصلاة"(3).
وروى البيهقي في "سننه"، عن أنس رضي الله عنه، قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد رسول الله، سعى رجل في الطريق فنادى: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، فاشتدَّ ذلك على الناس، فقالوا: لو اتَّخذنا ناقوسًا يا رسول الله؟ قال: "ذلك للنصارى"، فقالوا: لو اتخذنا بوقًا؟ قال: "ذلك لليهود"، قال: فأُمر بلالٌ أن يشفع الأذان، ويوترَ الإقامة (4).
= الكبرى" (1/ 433)، وغيرهم.
(1)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 271).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 78).
(3)
رواه البخاري (579)، كتاب: الأذان، باب: بدء الأذان، ومسلم (377)، كتاب: الصلاة، باب: بدء الأذان، واللفظ له.
(4)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 390). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" =
وروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه، قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يُعمل ليضرب به الناس في الجمع للصلاة، وهو كاره لموافقة النصارى، أطاف بي من الليل وأنا نائم رجلٌ، عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحملُه، فقلت له: يا عبد الله! ألا تبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حَيَّ على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر غيرَ بعيد، ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، قد قامتِ الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحتُ، أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه بما رأيت، فقال:"إن هذه لرؤيا حق إن شاء الله"، ثم أمر بالتأذين، فكان بلال يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وفي لفظ: فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقمْ مع بلال فألقِ عليه ما رأيتَ، فليؤذِّنْ به، فإنه أندى صوتًا منك"، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، فسمع ذلك عمرُ وهو في بيته، فخرج يجرُّ رداءه، يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله! لقد رأيتُ مثلَ ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فلله الحمد".
= (369)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(5984).
(1)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 42).
ورواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه"، وقال: خبرُ عبدِ الله بن زيد ثابتٌ صحيح من جهة النقل؛ لأن محمد بن إسحاق قد سمعه من محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وليس هو مما دلسه (1).
وقال الترمذي، عن البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديثُ الأذان (2).
وقال محمد بن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في الأذان خبرٌ أصح من هذا (3).
وبما ذكرنا يُعرف طريقُ الجمع بين هذا، وما مرَّ من حديث ابن عمر: بأن النِّداءَ الأولَ الذي كان يُنادى به: الصَّلاةَ، كما في "سنن البيهقي"، ثم رأى عبد الله بن زيد؛ فإن قوله في حديث ابن عمر:"يا بلال! قم فناد بالصلاة" ظاهرٌ في أنه قبل رؤيا عبد الله بن زيد (4).
وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه رأى الأذان أيضاً (5).
وفي "وسيط الغزالي": أنه رآه بضعة عشر رجلًا (6).
(1) رواه أبو داود (499)، كتاب: الصلاة، باب: كيف الأذان، والتر مذي (189)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في بدء الأذان، وابن ماجه (706)، كتاب: الأذان والسنة فيها، باب: بدء الأذان، وابن خزيمة في "صحيحه"(371).
(2)
انظر: "سنن الترمذي"(1/ 361).
(3)
رواه عنه ابن خزيمة في "صحيحه"(372)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 390).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 78).
(5)
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2020)، عن بريدة رضي الله عنه.
(6)
انظر: "الوسيط" للغزالي (2/ 44).
وفي "شرح التنبيه"(1) للجيلي: أربعة عشر.
وأنكره ابن الصلاح، والنووي، ونقل مغلطاي: أن في بعض كتب الفقه: أنه رآه سبعة.
قال في "الفتح": ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه (2).
وما قيل: إن أول من أذن جبريلُ في السماء الدنيا، فسمعه عمرُ وبلال، فسبق عمرُ بلالًا، فأخبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بلال، فقال:"سبقك بها عمر" لا يثبت (3).
وكذا ما ورد أنه شُرع قبل الهجرة ليلة الإسراء، وأنه خرج مَلَكٌ من الحجاب، فقال: الله أكبر الله أكبر، وفي آخره: ثم أخذ الملكُ بيده، فأم بأهل السماء، فلا يصح، ولا يثبت شيء من ذلك (4).
والحكمة في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم؛ للتسوية بعبده، والرفع لذكره بلسان غيره؛ ليكون أقوى لأمره، و [أفخم](5) لشأنه، وهو حسن بديع، كما أبداه السهيلي (6).
(1) هو كتاب: "موضح السبيل في شرح التنبيه" لعبد العزيز بن عبد الكريم الجيلي، الفقيه الشافعي المعروف بـ "المعيد"، فرغ منه سنة (629 هـ). انظر:"كشف الظنون"(2/ 1904)، و"هدية العارفين"(1/ 305).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 78).
(3)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(118)، عن كثير بن مرة الحضرمي رضي الله عنه. وسنده واه، كما ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 78).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 78)، وعزاه إلى البزار من حديث علي رضي الله عنه، ثم قال: وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود، وهو متروك.
(5)
في الأصل: "أفخر"، والتصويب من "الروض الأنف" للسهيلي (2/ 357).
(6)
انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (2/ 357).
ويؤخذ منه: حكمةُ عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد، حتى أضيف إليه عمر؛ للتقوية، وليتم نصاب الشهادة.
ومما يكثر السؤالُ عنه بين أهل العلم: هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه، أولا؟
فقد وقع عند السهيلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ في سفر، وصلَّى بأصحابه وهم على رواحلهم، السماءُ من فوقهم، والبِلَّةُ من أسفلهم، أخرجه الترمذي، من حديث أبي هريرة (1).
وليس هو من حديث أبي هريرة، ولكنه من حديث يعلى بن مرة (2).
وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة للسفر، وعزاه للترمذي، وقوَّاه (3).
قال في "الفتح": لكن وجدنا في "مسند الإمام أحمد" من الوجه الذي أخرجه الترمذي، ولفظه: فأمر بلالًا فأذن (4)، فعرف أن في رواية الترمذي اختصارًا، وأن قوله: أذن: أمر بلالًا به، كما يقال: أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفًا، وإنما باشر العطاء غيره، ونسب للخليفة؛ لأنه الآمر (5).
فعُلم من هذا السياق، وأمر الشارع لسيدنا بلال رضي الله عنه في عدة أحاديث: أن الأذان والإقامة فرضُ كفاية للصلوات الخمس المؤدَّاة،
(1) المرجع السابق، (2/ 360).
(2)
رواه الترمذي (411)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر، وقال: غريب.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 79).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 173)، وعنده:"فأمر المؤذن فأذن".
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 79).
والجمعة، على الرجال الأحرار، جماعة في الأمصار والقرى، وغيرهم، هذا معتمد المذهب.
وقيل: سُنَّة؛ وفاقًا للثلاثة (1).
وفي "الروضة": هو فرض، وهي سنة، فعلى معتمد المذهب، وقيل: وعلى أنهما سنة: يُقاتَلون على تركهما؛ خلافًا لأبي حنيفة (2).
وذكر الحافظ -قدس الله روحه- في هذا الباب أربعة أحاديث.
* * *
(1) انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (2/ 232).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 271). ولعلَّ الإمام ابن مفلح الذي نقل عنه الشارح هذا النص يعني بالروضة: "روضة الناظر وجنة المناظر" لابن قدامة المقدسي رحمه الله.