الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: نَحْوُهُ (1).
وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (642)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، و (5147)، كتاب: الأطعمة، باب: إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، ومسلم (559)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، وأبو داود (3757)، كتاب: الأطعمة، باب: إذا حضرت الصلاة والعشاء، والترمذي (354)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، وابن ماجه (934)، كتاب: الصلاة، باب: إذا حضرت الصلاة ووضع العشاء.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 241)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 148)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 164)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 160)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 198). وانظر: مصادر الشرح المتقدمة في الحديث السابق.
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (560)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، وأبو داود (89)، كتاب: الطهارة، باب: أيصلي الرجل وهو حاقن؟. =
(وعن) عبد الله (ابن) أميرِ المؤمنين (عمرَ) بنِ الخطاب (رضي الله عنهما؛ نحوُه)، أي: مثل حديث أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها الذي تقدم.
ولفظه: قال ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع عَشاءُ أحدِكم، وأقيمتِ الصلاةُ، فابدؤوا بالعَشاء، ولا يَعْجَلَن حتى يفرغَ منه".
زاد البخاري: وكان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام.
(ولـ) لإمام (مسلم عنها)؛ أي: عائشة رضي الله عنها، (قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة)؛ أي: كاملة، بل مكروهة، يعني: لا كمال لصلاة من (بحضرة طعام)، وهو يريد أكله؛ لاشتغال باله به، وذهاب كمال خشوعه، فيكره له الصلاة حينئذ، (ولا) صلاة كاملةً للشخص، و (هو يدافعه) مفاعَلَة من الدفع (الأخبثان)، وهما الغائط والبول، كما جاء مصرَّحًا به في بعض الأحاديث (1)، كأنهما يدفعان أنفسَهما؛ ليُفتح لهما المخرجُ فيبرزان، ويدفعهما الشخص بضم المخرج، وانضمام فخذيه ليدفعهما إلى الداخل، وهذا حقيقة المفاعلة.
ولا شك أن هذه الحالة تُنقص الخشوع، أو تذهبه بالكلية، فإن أدى
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 45)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 493)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 165)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 46)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 148)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 316)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 152).
(1)
كما في رواية ابن حبان في "صحيحه"(2073).
ذلك إلى الإخلال بركن أو شرط أو واجب في الصلاة، فَسَدت الصلاةُ بذلك الإخلال، وإلا، فالمشهور فيه الكراهة (1).
قال الإمام ابن مفلح في "الفروع": ويكره ابتداؤها -يعني: الصلاة- مع مدافعة أحد الأخبثين؛ وفاقًا، وعنه -يعني: الإمام أحمد-: يعيد مع المدافعة، وعنه: إن أزعجه. وذكر ابن أبي موسى: أنه الأظهر، وعن الإمام مالك كالروايات (2).
وفي "النكت": لم أجد أحدًا صرح بكراهة صلاة من طرأ عليه ذلك، ولا من طرأ عليه التوقان إلى الأكل في أثناء الصلاة (3).
والحاصل: أنه متى كان الشخص حاقنًا، كُرهت له الصلاة، ولو خاف فوتَ الجماعة.
قال في "شرح المقنع": لا نعلم فيه خلافًا، وهو قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي. فإن خالف، وفعل، صحت صلاته؛ وفاقًا لأبي حنيفة، والشافعي. وقال مالك: أَحَبُّ إلي أن يعيدَ الصلاة إذا شغله ذلك؛ لظاهر الخبر (4).
وأنه قال: يعيد في الوقت وبعده، وتأوله بعض أصحابه على أنه إن شغله حتى لا يدري كيف يصلي، فهو الذي يعيد مطلقًا، وأما إن شغله شغلًا خفيفًا لم يمنعه من إقامة حدودها، وصلى ضامًّا بين وَرِكيه، فهذا يعيدُ
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 148).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 430).
(3)
نقله المرداوي في "الإنصاف"(2/ 92).
(4)
انظر: "الشرح الكبير" لشيخ الإسلام ابن أبي عمر (1/ 603).
في الوقت فقط (1)، لعله ندبًا إن لم يُخِلَّ بركن ولا شرط. وإلا، فقد قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام، فأكمل صلاته، تجزئه، وكذلك إذا صلى حاقنًا (2)، ومراد ابن عبد البر: ما عدا أهل الظاهر؛ فإنهم قالوا ببطلانها إذن، والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: مثل مدافعة الأخبثين أن يصلي مع ريح محتبسة، على الصحيح من المذهب (3). قال في "المطلع": هي في معنى مدافعة أحد الأخبثين (4).
الثاني: لإيراد عائشة رضي الله عنها هذا الحديثَ سببٌ، وهو ما روى مسلم، عن ابن أبي عتيق، قال: تحدثت أنا والقاسم عند عائشة حديثًا، وكان القاسم رجلًا لَحّانًا، وكان لأم ولد، فقالت له عائشة: مالكَ لا تحدِّثُ كما يحدِّث ابن أخي هذا؟ أما إني قد علمت من أين أُتيت، هذا أدبته أمه، وأنت أدبتك أمك، قال: فغضب القاسم، وأضبَّ عليها، فلما رأى مائدة عائشة قد أُتي بها، قام، قالت: أين؟ قال: أُصلي، قالت: اجلس غُدَرُ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكرته (5).
قولها: اجلس غُدَرُ! أي: يا غدر! فحذفَتْ حرفَ النداء، وغُدَرُ معدولٌ عن غادر للمبالغة، يقال للذكر: غُدَرُ، والأنثى: غَدارِ كقطامي، وهما
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 148 - 149)،
(2)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (22/ 206).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 430)، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 92).
(4)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 86).
(5)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
مختصان بالنداء في الغالب، كما في "النهاية"(1).
الثالث: حمل بعضهم النهيَ عن الدخول في الصلاة مع مدافعة الأخبثين: على أن خروج النجاسة عن مقرها يجعلها كالبارزة، ويوجب انتقاضَ الطهارة، وتحريم الدخول في الصلاة من غير التأويل الذي أشرنا إليه أولًا، وهو الإخلال ببعض الشروط أو الأركان، وهو حملٌ بعيد؛ لأنه إحداثُ سبب آخرَ من نواقض الطهارة من غير دليلٌ صريح؛ لأن نقض الطهارة منوط بإخراج الحدث وبروزه إلى الخارج، وهذا ظاهر، والله أعلم (2).
* * *
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 345)، وعنده:"كقطامِ" بدل "كقطامي"، وهو الصواب.
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 149).