الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلْيصلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفارَةَ لَها إِلَّا ذَلِكَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] "(1). ولمسلمٍ: "مَن نَسيَ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْها، فَكَفَّارَتهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (572)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة، ومسلم (684/ 314)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، وأبو داود (442)، كتاب: الصلاة، باب: فيمن نام عن الصلاة أو نسيها، والنسائي (613)، كتاب: المواقيت، باب: فيمن نسي صلاة، والترمذي (178)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة، وابن ماجه (696)، كتاب: الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها.
(2)
رواه مسلم (684/ 315)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 140)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 289)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 669)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 309)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 183)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 56)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 572)، و"فتح الباري" لابن رجب (3/ 350)، =
(عن) أبي حمزة (أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم): أنه (قال: من نسي صلاة) من الصلوات الخمس، (فليصلها)، وفي لفظ البخاري:"فليصل" بحذف المفعول، قال في "الفتح": في جميع الروايات، قال: ورواه مسلم: "فليصلها"؛ وهو أبين للمراد (1)(إذا ذكرها) في أي وقت كان، ولا يؤخرها إلى الغد (لا كفارة لها)؛ أي: الصلاة المنسية (إلا ذلك)؛ أي: أن يصليها عند ذكره لها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة؛ لأن الواجب خمس صلوات، لا أكثر، فمن قضى الفائتة، كمل عدد المأمور به؛ وهذا مقتضى ظاهر الخطاب من قول الشارع صلى الله عليه وسلم:"فليصلها"، ولم يذكر زيادة، وقال -أيضًا-:"لا كفارة لها إلا ذلك"، فاستفيد من هذا الحصر؛ أن لا تجب غير إعادتها.
وذهب الإمام مالك: إلى أن من ذكر -بعد أن صلى صلاة- أنه لم يصل التي قبلها؛ فإنه يصلي التي ذكر، ثم يصلي التي كان صلاها؛ مراعاة للترتيب.
وأما حديث أبي قتادة، عند مسلم، في قصة النوم عن الصلاة؛ حيث قال:"فإذا كان الغد، فليصلها عند وقتها"(2) من كون ظاهره يقتضي: إعادة المقضية مرتين: عند ذكرها، وعند حضور مثلها من الوقت الآتي؛ فمتروك الظاهر.
= و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 114)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 71)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 92)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 2).
(1)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 71).
(2)
رواه مسلم (681)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها.
بل صرحوا: بأنه غلط، مع أن اللفظ المذكور ليس صريحًا في ذلك؛ لاحتمال أن يريد بقوله:"فليصلها عند وقتها"؛ أي: الصلاة التي تحضر، لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها.
لكن في رواية أبي داود، من حديث عمران بن حصين، في هذه القصة:"من أدرك منكم صلاة الغداة من غد [صالحًا]، فليقض معها مثلها"(1).
ولفظ أبي داود في حديث أبي قتادة: "فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت"(2).
قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب؛ لتحرز فضيلة الوقت في القضاء، انتهى (3).
قال في "الفتح": لم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك -أيضًا-، بل عدوا الحديث غلطًا من راويه؛ وحكى ذلك: الترمذي وغيره، عن البخاري (4).
ويؤيد ذلك: ما رواه النسائي، من حديث عمران بن حصين: أنهم قالوا: يا رسول اللَّه! ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا، ينهاكم اللَّه عن الربا، ثم يأخذه منكم!! "(5).
(1) رواه أبو داود (438)، كتاب: الصلاة، باب: فيمن نام عن الصلاة أو نسيها، لكن من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو داود (437)، كتاب: الصلاة، باب: فيمن نام عن الصلاة أو نسيها.
(3)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 139).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 71).
(5)
تقدم تخريجه.
قال قتادة -الراوي عن أنس-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14])، وفي لفظ من حديث أنس، عند مسلم، بعد قوله:"فليصلها إذا ذكرها؛ فإن اللَّه تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} "(1) ، وفي بعض الروايات، عن أبي ذر، في كتاب البخاري:"للذكرى"؛ بلامين، وفتح الراء، بعدها ألف مقصورة (2) -، ووقع عند مسلم، من طريق يونس: أن الزهري كان يقرؤها كذلك (3).
وقد اختلف في ذكر هذه الآية؛ هل هي من كلام قتادة، أو هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ الأصح: الثاني (4)،-كما سيأتي قريبًا-.
(ولمسلم)، دون البخاري:(من نسي صلاة، أو نام غيرها؛ فكفارتها أن يصليها، إذا ذكرها)، وفي رواية له، من طريق المثنى، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها؛ فليصلها إذا ذكرها، فإن اللَّه تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} "(5).
وظاهر هذا: أن الجميع من مرفوع كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
واستدل به على: أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا قص علينا، ولم ينسخ، وهو معتمد مذهبنا؛ لأن المخاطب بهذه الآية: موسى عليه السلام.
(1) رواه مسلم برقم (684/ 316).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 72).
(3)
رواه مسلم (680)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيلها. في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 72).
(5)
تقدم تخريجه برقم (684/ 316).
قال في "الفتح": وهو الصحيح في الأصول، ما لم يرد ناسخ (1).
قلت: وكأنه أراد بالصحيح: عنده، وأما عند الشافعية: فليس شرعُ من
قبلنا شرعًا لنا.
واختلف في المراد بقوله تعالى: {لِذِكْرِي} ، فقيل: المعنى: لتذكرني فيها، وقيل: لأذكرك بالمدح، وقيل: إذا ذكرتها؛ أي: لتذكري لك إياها؛ وهذا يعضد قراءة من قرأ: "للذكرى".
وقال النخعي: اللام للظرف، أي: إذا ذكرتني (2)، أي: إذا ذكرت الصلاة، فقد ذكرتني؛ فإن الصلاة عبادة لله تعالى، فمتى ذكرها العبد، ذكر المعبود؛ فكأنه أراد: لذكري الصلاة.
قال التوربشتي (3): الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث، وكأن المعنى: أقم الصلاة لذكرها؛ لأنه إذا ذكرها، ذكر اللَّه تعالى، [أ] ويقدر المضاف؛ أي: لذكر صلاتي [أ] وذكر الضمير فيه موضع الصلاة؛ لشرفها (4).
تنبيهات:
الأول: تمسك بدليل الخطاب من قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة
…
إلخ" من قال: إن العامد لا يقضي الصلاة؛ لأن انتفاء الشرط، يستلزم انتفاء
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 72).
(2)
رواه عبد بن حميد في "تفسيره"، كما في "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 561).
(3)
هو فضل اللَّه بن حسن التوربشتي، فقيه محدث من أهل شيراز، شرح "مصابيح البغوي" شرحًا حسنًا، وسماه:"الميسر"، وله تصانيف منها:"المعتمد في المعتقد"، و"مطلب الناسك في علم المناسك"، وغيرها، توفي سنة (661 هـ). انظر:"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (8/ 349)، و"هدية العارفين" للبغدادي (1/ 434).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 72).
المشروط؛ فيلزم منه: أن من لم ينس، لا يصلي.
ومن قال: يقضي العامد، تمسك بأن ذلك يستفاد من مفهوم الخطاب؛ فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا وجب القضاء على الناسي، مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه، فالعامد أولى.
وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله: "نسي"؛ لأن النسيان يطلق على الترك، وسواء كان عن ذهول، أم لا؛ ومنه قوله تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19]، {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67].
ويقوي ذلك قوله: "لا كفارة لها"، والنائم والناسي لا إثم عليهما.
قال في "الفتح": وهو بحث ضعيف؛ لأن الخبر بذكر النائم ثابت، وقد قال:"لا كفارة لها"، والكفارة قد تكون عن الخطأ، كما تكون عن العمد، والقائل بأن العامد لا يقضي، لم يرد أنه أخف حالًا من الناسي، بل يقول: إنه لو شرع له القضاء، لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم، بخلاف العامد؛ فالعامد أسوأ حالًا من الناسي، فكيف يستويان؟!
ويمكن أن يقال: إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها، بخلاف الناسي؛ فإنه لا إثم عليه مطلقًا، ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول؛ لأنه قد خوطب بالصلاة، وترتبت في ذمته؛ فصارت دينًا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه؛ فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها، ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر من رمضان عامدًا؛ فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه؛ قاله في "الفتح"(1).
(1) المرجع السابق، (2/ 71 - 72).
الثاني: يجب قضاء الفوائت؛ وفاقًا، على الفور؛ خلافًا للشافعي.
قال في "الفروع": نص على الفورية الإمام أحمد، إن لم يتضرر في بدنه، أو معيشة يحتاجها؛ وهذا ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا ذكرها".
وإنما تحول صلى الله عليه وسلم بأصحابه لما ناموا، وقال:"إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان"(1)؛ لأنه سنة كفعل سنة قبل الفرض -يعني: فلا ينافي الفورية-، ويجوز التأخير لغرض صحيح؛ كانتظار رفقة، أو جماعة للصلاة (2).
قال المجد في "منتقى الأحكام"، في قوله صلى الله عليه وسلم:"من نسي الصلاة، فليصلها إذا ذكرها؛ فإن اللَّه قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ": فيه: أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور، وأنها تقضى في أوقات النهي، وغيرها.
فال: وفيه دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد نسخه (3).
ويجب الترتيب في قضاء الفوائت؛ خلافا للشافعي. وقيل: في خمس؛ وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك.
والدليل على اعتبار الترتيب: أنه صلى الله عليه وسلم رتب (4)، وفعله بيان لمجمل
(1) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (680) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 267).
(3)
انظر: "المنتقى في الأحكام" للمجد ابن تيمية (1/ 229)، حديث رقم (483).
(4)
روى النسائي (662)، كتاب: الأذان، باب: الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد، والإقامة لكل واحدة منهما، والترمذي (179)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات، بأيتهن يبدأ؟ والإمام أحمد في "المسند"(1/ 375)، وغيرهم، من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء اللَّه. قال: فأمر بلالًا، فأذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.
الأوامر المطلقة، وهي تشمل الأداء والقضاء، مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(1)، وتقدم ذلك، واللَّه أعلم.
الثالث: دل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا كفارة لها، إلا ذلك": على أن من مات، وعليه صلاة: أنها لا تقضى عنه، ولا يطعم عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا تسقط الصلاة بحج، ولا بتضعيف صلاة في المساجد الثلاثة، ولا غير ذلك؛ إجماعًا، وقال: إن عجز، فمات بعد التوبة، غفر له، واللَّه تعالى الموفق (2).
* * *
(1) تقدم تخريجه. وانظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 267).
(2)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 404).