الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمْرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ؛ رَفَعَهُمَا كذَلِكَ، وَقَالَ:"سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ"، وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُوِد (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (702)، كتاب: صفة الصلاة، باب: رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، واللفظ له، و (703)، باب: رفع اليدين إذا كبَّر، وإذا ركع، وإذا رفع، و (705)، باب: إلى أين يرفع يديه، و (706)، باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين، ومسلم (390)، (21 - 23)، كتاب: الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، وأبو داود (722)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين في الصلاة، و (741، 742)، باب: افتتاح الصلاة، والنسائي (876)، كتاب: الافتتاح، باب: العمل في افتتاح الصلاة، و (877)، باب: رفع اليدين قبل التكبير، و (878)، باب: رفع اليدين حذو المنكبين، و (1057)، كتاب: التطبيق، باب: رفع اليدين حذو المنكبين عند الرفع من الركوع، و (1059)، باب: ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع، والترمذي (255)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في رفع اليدين عند الركوع، وابن ماجه (858)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 191)، و"الاستذكار" =
عن أبي عبد الرحمن (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان) تقدم أنها تفيد الكثرة والمداومة، (يرفع يديه حذو)؛ أي: مقابل (منكبيه) تثنية مَنْكِب، وهو مجمع عظم العضد والكتف (1).
(إذا افتتح الصلاة) بتكبيرة الإحرام.
وفي رواية: كان يرفع يديه حين يكبر (2)، فهو دليل المقارنة.
وقد ورد تقديم الرفع على التكبير، وعكسه، أخرجهما مسلم؛ ففي لفظٍ عند مسلم: رفع يديه ثم كبر (3). وفي لفظٍ عنده: كبر ثم رفع يديه (4).
وفي المقارنة، وتقديم الرفع على التكبير، خلافٌ بين العلماء (5).
والمرجح عند علمائنا؛ كالشافعية: المقارنة. قال في "الفروع": ويرفع
= لابن عبد البر (1/ 407)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 56)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 260)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 18)، و"شرح مسلم " للنووي (4/ 93)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 220)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 458)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 296)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 252)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 220)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 271)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 167)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 196).
(1)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (1/ 771)، (مادة: نكب)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 221).
(2)
هي رواية البخاري المتقدم تخريجها برقم (705) عنده.
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (390/ 22).
(4)
رواه مسلم (391)، كتاب: الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 218).
يديه ندباً، نص عليه -يعني: الإمام أحمد-، أو إحداهما عجزاً مع ابتداء التكبير؛ وفاقاً للشافعي، وينهيه معه، نصَّ عليه، وعنه: يرفعهما قبله، ثم يحطُّهما بعده، وفاقاً للحنفية.
ولم يعتبروا حطَّهما بعده؛ لأنه ينفي الكبرياء عن غير الله، وبالتكبير يثبتها لله، والنفي مقدم؛ ككلمة الشهادة، وقيل: يُخَيَّر، وهو أظهر.
وقال الشافعي: يرفعهما معه، ثم يحطهما بعده، انتهى (1).
والمرجح عند المالكية؛ كمعتمد المذهب: أنه يرفع يديه مع التكبير، وينتهي بانتهائه (2)، وهو الذي صححه النووي من الشافعية في "شرح المهذب"(3)، ونقله عن نص الشافعي (4)، وصحح في "الروضة" تبعاً لأصلها: أنه لا حد لانتهائه (5).
وحكمته: ما ذكرناه من النفي والإثبات.
وقيل: الحكمة في اقترانها: أن يراه الأصم، ويسمعه الأعمى.
وقيل: الإشارة إلى طرح الدنيا، والإقبال بكليته على العبادة.
وقيل: إلى الاستسلام والانقياد؛ ليناسب فعلُه قولَه: الله أكبر (6)، أو لاستعظام ما دخل فيه.
وقيل: إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود.
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 361).
(2)
انظر: "حاشية الدسوقي"(1/ 247).
(3)
انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (3/ 251).
(4)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (7/ 200).
(5)
انظر: "روضة الطالبين" للنووي (1/ 231).
(6)
قال القرطبي في "المفهم"(2/ 20): هذه أنسبها.
وقيل: ليستقبل بجميع بدنه.
وقال الربيع: قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله، واتباع سنة نبيه (1).
ونقل ابن عبد البر، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: رفع اليدين من زينة الصلاة (2). [وعن عقبة بن عامر قال:] بكل رفعٍ عشر حسناتٍ، بكل أصبع حسنة (3).
وقال أبو حفص من أئمة مذهبنا: يجعل المصلي يديه حذو منكبيه، وإبهاميه عند شحمة أذنيه؛ جمعاً بين الأخبار. وقاله في "التعليق" -يعني: القاضي أبا يعلى-.
قال: وإن اليد إذا أطلقت، اقتضت الكف، وإن الإمام أحمد أومأ إلى هذا الجمع، وهو تحقيق مذهب الشافعي.
قال في "الفروع": ولعل المراد: مكشوفتان، فإنه أفضل هنا، وفي الدعاء. قال: ورفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه، كما أن السبابة إشارة إلى الوحدانية، ذكره ابن شهاب، انتهى (4).
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم": أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام. وحكي وجوبه عند تكبيرة الإحرام عن داود، وبه قال أحمد بن [سيَّار](5) من أصحابنا، انتهى (6).
(1) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (7/ 201)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 82).
(2)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (4/ 83).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 218).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 361).
(5)
في الأصل: "يسار"، والتصويب من "شرح مسلم" للنووي.
(6)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 95).
واعترض عليه: بأن مالكاً لا يرى استحبابه، كما في رواية عنه، نقله صاحب "التبصرة" منهم، وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم.
وأسلم العبارات قول ابن المنذر: لم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة (1).
وقول ابن عبد البر: أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة (2).
وممن قال بوجوب رفع اليدين أيضاً: الأوزاعي، والحميدي شيخ البخاري، وابن خزيمة، قاله في "الفتح"، قال: وحكاه القاضي حسين، عن الإمام أحمد (3).
قلت: ولم يحكه عنه في "الإنصاف" مع التزامه ذكر الخلاف، والله أعلم.
فائدة: قال ابن عبد البر: كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي، والحميدي شيخ البخاري (4).
قال في "الفتح": ونقل بعض الحنفية عن أبي حنيفة: يأثم تاركه.
ونقل ابن خزيمة: أنه ركن، واحتج ابن حزم بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (5)، وقد قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(6)، وكان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر للركوع (7).
(1) انظر: "المنتقى في شرح الموطأ" لأبي الوليد الباجي (2/ 119).
(2)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 408).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 219).
(4)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 411).
(5)
انظر: "المحلى" لابن حزم (3/ 234).
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 219).
قال الإمام ابن القيم: في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ": كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر للركوع إلى أن يحاذي بهما فروع أذنيه، كما رفعهما في الاستفتاح، صح عنه ذلك، كما صح عنه التكبير للركوع (1).
ونقل البخاري عقب هذا الحديث، عن شيخه علي بن المديني، قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع، والرفع منه؛ لحديث ابن عمر هذا (2).
(و) كان صلى الله عليه وسلم (إذا رفع رأسه) الشريف (من الركوع) مكبراً، (رفعهما)؛ أي: يديه (كذلك)؛ أي: كما رفعهما عند تكبيرة افتتاح الصلاة التي هي تكبيرة الإحرام.
وقد صنف الإمام البخاري في هذه المسألة جزءاً مفرداً، وحكى فيه عن الحسن، وحميد بن هلالٍ: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحداً.
وقال محمد بن نصر المروزي: اجتمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك، إلا أهل الكوفة. وقال ابن عبد [البر] (3): لم يرو أحدٌ عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع على حديث ابن عمر، وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك (4).
(1) انظر: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) لابن القيم (ص: 233 - 234).
(2)
وهذا في رواية ابن عساكر، كما ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"
(2/ 220)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.
(3)
في الأصل: "الحكم"، والتصويب من "فتح الباري" لابن حجر (2/ 220).
(4)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (9/ 213)، و"الاستذكار" له أيضًا (1/ 408).
ولم يحك الترمذي عن مالك غيره (1). ونقل الخطابي (2)، وتبعه القرطبي في "المفهم" (3): أنه آخر قولي مالكٍ، وأصحهما.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى المصرية": رفع اليدين عند الركوع والاعتدال عنه، لم يعرفه أكثر فقهاء الكوفة؛ كإبراهيم النخعي، وأبي حنيفة، والثوري، وغيرهم.
وأما أكثر فقهاء أهل الأمصار، وعلماء الآثار، فإنهم عرفوا ذلك، بما استفاضت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كالأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وهو إحدى الروايتين عن مالك.
فإنه قد ثبت في "الصحيحين"، من حديث ابن عمر، وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك بين السجدتين (4).
وثبت هذا في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث (5)، ووائل بن حجر (6)، وأبي حميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهم أبو قتادة (7). قال: وهو معروف من حديث علي بن أبي طالب (8)،
(1) انظر: "سنن الترمذي"(2/ 37).
(2)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 193).
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي (2/ 20).
(4)
كما تقدم تخريجه في حديث الباب.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
تقدم تخريجه.
(8)
رواه أبو داود (744)، كتاب: الصلاة، باب:(119)، والترمذي (3423)، كتاب: الدعوات، باب:(32)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (864)، =
وأبي هريرة (1)، وعدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رأى من يصلي لا يرفع يديه في الصلاة، حَصَبَه (2).
وقال عقبة بن عامر: له بكل إشارة عشر حسنات (3)، انتهى (4).
وقال الإمام أحمد: رفع اليدين من تمام الصلاة، فمن رفع يديه أتمُّ صلاةً ممن لم يرفع يديه.
وقال محمد بن سيرين: رفع اليدين من تمام صحتها (5)، وحكي عنه: أن من تركه، أعاد.
وقال الإمام أحمد مرة: لا أدري.
قال القاضي: إنما توقف على نحو ما يقوله ابن سيرين، ولم يتوقف على التمام الذي هو تمام فضيلة أو سنة.
وقال الإمام أحمد عن رفع اليدين: من تركه، فقد ترك السنة.
وقال له المروذي: من ترك الرفع يكون تاركاً للسنة؟ قال: لا نقول هكذا، ولكن نقول: راغب عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي: إنما هذا على طريق الاختيار في العبارة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سمى
= كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
(1)
رواه أبو داود (738)، كتاب: الصلاة، باب: افتتاح الصلاة، وابن ماجه (860)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
(2)
رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 289).
(3)
تقدم ذكره. وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (9/ 225).
(4)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 448).
(5)
انظر: "مسائل الإمام أحمد - رواية أبي داود"(ص: 50).
تارك السنة: راغباً عنها، فَأَحَبَّ اتباعَ لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا، فالراغب -في التحقيق- هو التارك.
وقال الإمام أحمد لمحمد بن موسى: لا ينهاك عن رفع اليدين إلا مبتدع، فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والكوفيون حجتهم: أن عبد الله بن مسعود لم يكن يرفع يديه، وهم معذورون قبل أن تبلغهم السنة الصحيحة، فإن عبد الله بن مسعود هو الفقيه الذي بعثه عمر بن الخطاب ليعلم أهل الكوفة السنة، لكن لقد حفظ الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الصحابة- رضوان الله عليهم-. وابن مسعود لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا أول مرة، لكنهم رأوه يصلي ولا يرفع إلا أول مرة، والإنسان قد ينسى وقد يذهل، وقد خفي عن ابن مسعود نسخ التطبيق في الصالأة، فكان يصلي، وإذا ركع، طبق بين يديه، كما كانوا يفعلون ذلك أول الإسلام (2)، ثم نسخ التطبيق، وأمروا بالرُّكَب (3)، وهذا لم يحفظه ابن مسعود رضي الله عنه (4).
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح، ثم لا يعود، أخرجه أبو داود (5)، فرده الإمام الشافعي بأنه لم
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 379).
(2)
رواه مسلم (534)، كتاب: المساجد ومواضح الصلاة، باب: الندب إلى وضح الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق.
(3)
رواه مسلم (535)، كتاب: المساجد ومواضح الصلاة، باب: الندب إلى وضح الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(4)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 448 - 449).
(5)
رواه أبو داود (748)، كتاب: الصلاة، باب. من لم يذكر الرفع عند الركوع، =
يثبت، قال: ولو ثبت، لكان المثبت مقدماً على النافي (1). وقد صححه بعض أهل الحديث، لكنه استدل به على عدم الوجوب.
والطحاوي (2): إنما نصب الخلاف مع من يقول بوجوبه؛ كالأوزاعي، وبعض أهل الظاهر (3).
وقد نسب بعض المغاربة فاعل رفع اليدين إلى البدعة، وعبارة ابن دقيق العيد: لما ظهر لبعض متأخري فضلاء المالكية قوة الرفع في الأماكن الثلاث على حديمث ابن عمر، اعتذر عن تركه في بلاده، وقال: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في الركوع، والرفع منه، ثبوتاً لا مردَّ لصحته، فلا وجه للعدول عنه، إلا أنَّ في بلادنا هذه يستحب للعالم تركُه؛ لأنه إن فعله، نسب إلى البدعة، وتأذَّى به في عرضه، وربما تعدت الأذية إلى بدنه، ووقاية البدن والعرض بتركه سنةً واجبٌ في الدين، انتهى (4).
وقد قال البخاري في "جزء رفع اليدين": من زعم أنه بدعة، فقد طعن في الصحابة؛ فإنه لم يثبت عن أحدٍ منهم تركُه، قال: والأسانيد أصح من أسانيد ترك الرفع. وذكر البخاري أيضاً: أنه رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة.
= بلفظ: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فصلى، فلم يرفع يديه إلا مرة. قال أبو داود: هذا مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ.
(1)
انظر: "اختلاف الحديث" للإمام الشافعي (ص: 523).
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (1/ 195).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 220).
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 221).
وذكر الحاكم (1)، وأبو قاسم بن منده (2): ممن رواه: العشرة المبشرة.
قال في "الفتح": وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ: أنه تتبع من رواه من الصحابة، فبلغوا خمسين رجلاً (3)، انتهى (4).
تنبيه:
زعم بعض من لا تحقيق لديه في علوم الآثار: أن النبي المختار صلى الله عليه وسلم إنما رفع يديه بسبب المنافقين الذين كانوا يصلون بالأصنام تحت آباطهم، فلما عدم ذلك الآن، لم يستحب رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام، وهذا مع كونه معلوماً عدمُ ثبوته، فهو جهل فاحش.
ومن المعلوم أنهم كانوا يرفعون أيديهم مع تكبيرة الإحرام، فكانت تسقط الأصنام لو كانت، ثم إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرهم على شيء من ذلك أبداً، وهذا لا ينبغي الاشتغال برده؛ لظهور فساده، ولا شك أن الرفع عند الركوع والرفع منه كالرفع عند تكبيرة الإحرام، فعلى من أسقط هذا أن يسقط الآخر، ولهذا لما صلى الإمام الجليل عبد الله بن المبارك بجنب أبي حنيفة رضي الله عنهما، فرفع ابن المبارك يديه عند الركوع والرفع منه، قال له أبو حنيفة: تريد أن تطير؟ فقال له ابن المبارك: إن كنت تطير في أول مرة، فأنا أطير في هذه المرة، وإن كنت لا تطير في أول مرة، فأنا لا أطير في هذه المرة، والله الموفق.
(1) رواه عنه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 74). وانظر: "نصب الراية" للزيلعي (1/ 417).
(2)
في كتاب له سماه: "المستخرج من كتب الناس". انظر: "طرح التثريب" للعراقي (2/ 264).
(3)
انظر: "طرح التثريب" للعراقي (2/ 254).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 220).
(وقال) صلى الله عليه وسلم في حال رفعه من ركوعه مع رفع يديه: (سمع الله لمن حمده).
قال في "الفروع": معنى سمع -هنا-: أجاب (1).
وقال ابن دقيق العيد: وقد فسر قوله: "سمع الله لمن حمده": استجاب الله دعاء من حمده (2)، (ربنا ولك الحمد) وتقدم الكلام على ذلك، وله قول:"ربنا لك الحمد" بلا واو، وبها أفضل على الأصح، ولَهُ قولُ:"اللهم ربنا ولك الحمد"، وبلا واو أفضل، نص عليه الإمام أحمد، وهو رواية عند مالك (3).
قال الأثرم: سمدت أحمد يثبت الواو، وفي "ربنا ولك الحمد"، ويقول: ثبتت في عدة أحاديث (4).
تنبيه:
مال الإمام ابن القيم إلى عدم ثبوت الواو في صيغة: "اللهم ربنا ولك الحمد"، وهي في "صحيح البخاري" في رواية الكشميهني (5).
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 378).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 222).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 349).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 282).
(5)
قال ابن القيم في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "(ص: 207): ولا يهمل أمر هذه الواو في قوله: "ربنا ولك الحمد"، فإنه قد ندب بها في "الصحيحين"، وهي تجعل الكلام في تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما؛ فإن قوله:"ربنا" متضمن في المعنى: أنت الرب، والملك القيوم الذي بيديه أَزِمَّة الأمور، وإليه مرجعها، فعطف على هذا المعنى المفهوم مِن قوله:"ربنا" قولَه: "ولك الحمد"، متضمن ذلك معنى قول الموحد: له الملك وله الحمد. قلت: وهذا يخالف ما نقله =
ومعتمد المذهب: الإجزاء بالصيغ الأربع، والله أعلم.
(وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يفعل ذلك)، يعني: رفع اليدين (في السجود)، أي: لا في الهُوِيِّ إليه، ولا في الرفع منه، وفي البخاري، من حديث ابن عمر: ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود (1).
وقد روى يحيى القطان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، هذا الحديث، وفيه: ولا يرفع بعد ذلك، أخرجه الدارقطني في "الغرائب"، بإسنادٍ حسنٍ. وظاهره يشمل النفي عمَّا عدا المواطن الثلاثة.
تنبيه:
قد ورد الحديث، وصح برفع اليدين إذا قام من الركعتين بعد التشهد عن ابن عمر، واختلف الحفاظ في رفعه، وعلى كل، فهي زيادٌ من ثقةٍ، فعلى من قال بالرفع القولُ بها (2).
قال ابن خزيمة من الشافعية: هو سنةٌ، وإن لم يذكره الشافعي؛ فالإسناد صحيحٌ (3). وقد قال: قولوا بالسنة، ودعوا قولي (4).
وقال ابن دقيق العيد: قياس نظر الشافعي: أن يستحب الرفع فيه (5).
= الشارح رحمه الله عن ابن القيم من ميله إلى عدم ثبوت الواو. والله أعلم. وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 217).
(1)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 221).
(2)
قاله الخطابي، كما في "معالم السنن"(1/ 194).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 222 - 223).
(4)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(5/ 497)، والسمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص: 109)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(51/ 389).
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 220).
قال في "الفتح": وأطلق النووي في "الروضة": أنه نص عليه (1)، لكن الذي في "الأم" خلاف ذلك؛ قإنه قال: ولا نأمره أن يرفع يديه في شيءٍ من الذكر في الصلاة التي لها ركوعٌ وسجودٌ إلا في هذه المواضع الثلاثة، يعني: عند الافتتاح، والركوع، والرفع منه (2).
وأما ما وقع في أواخر "البويطي": يرفع يديه في كل خفضٍ ورفعٍ، فيحمل الخفض على الركوع، والرفع على الاعتدال منه، وإلا فظاهره مخالفٌ لما عليه الجمهور، انتهى (3).
وفي "الفروع": ثم ينهض في ثلاثيةٍ أو رباعيةٍ مكبراً، ولا يرفع يديه وفاقاً، وعنه: بلى، اختاره صا حب "المحرر" -يعني: المجد-، وحفيده -يعني: شيخ الإسلام-، وهي أظهر، انتهى (4).
وفي "الفتاوى المصرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية: سئل: هل رفع اليدين بعد القيام من الجلسة بعد الركعتين الأُول، مُندوبٌ إليه؟ وهل فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد من الصحابة؟
أجاب: نعم، هو مندوب إليه في الصلاة عند محققي العلماء العاملين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وهو أحد الروايتين عن الإمام أحمد، وقولُ طائفةٍ من أصحابه، وأصحاب الشافعي، وغيرهم. وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الصحاح"، و"السنن"؛ ففي "البخاري"، و"سنن أبي داود"، والنسائي، عن نافع: أن ابن عمر- رضي الله عنهما كان إذا دخل في
(1) انظر: "روضة الطالبين" للنووي (1/ 251).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 104).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 223).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 386).
الصلاة، كبر، ورفع يديه، وإذا ركع، رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من الركعتين، رفع يديه، ورفع ابن عمر ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم (1).
ورواه الإمام أحمد، وأبو داود مرفوعاً، وفيه: وإذا قام من الركعتين، رفع يديه كذلك، وكبر (2).
ورواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح (3)، ومثله في حديث أبي حميدٍ الساعدي. رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ما جه، والنسائي، والترمذي، وصححه (4).
فهذه ثلاثة أحاديث صحيحةٍ ثابتةٍ، مع ما في ذلك من الآثار، وليس لها ما يصلح أن يكون معارضاً مقاوماً، فضلاً عن أن يكون راجحاً، والله أعلم (5).
* * *
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 133)، وتقدم تخريجه عند أبي داود.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 105)، و"مجموع الفتاوي" له أيضاً (22/ 452 - 453).