الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السُّوَائيِّ رضي الله عنه، قَالَ: أَتيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ في قُبةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَم، قَالَ: فَخَرَج بلَالٌ بوَضُوءً؛ فَمِنْ نَاضِحٍ، وَنَائِلٍ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم علَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ؛ كَأَنَي أَنْظُرُ إلَى بيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ، وأَذَّنَ بلَالٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتبَّعُ فَاهُ، هَاهُنَا، وهَاهُنَا؛ يَقُولُ يَمِينًا وشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاح؛ ثُمَ رُكزَتْ لَه عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكعَتَينِ؛ حَتَى رَجَعَ إِلىَ المَدِيْنَةِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (185)، كتاب: الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس، و (369)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: الصلاة في الثوب الأحمر، و (473)، كتاب سترة المصلي، باب سترة الإمام من خلفه، و (477)، باب: الصلاة إلى العنزة، و (479)، باب: السترة بمكة وغيرها، و (607)، كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامهَ، وكذلك بعرفة وجمع، و (3360)، كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، و (3373)، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم، و (5449)، كتاب: اللباس، باب: التشمير في الثياب، و (5521)، باب: القبة الحمراء من أدَم.
ورواه مسلم (503)، (1/ 360 - 361)، كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلى، واللفظ له، وأبو داود (520)، كتاب: الصلاة، باب: في المؤذن يستدير في =
(عن أبي جُحَيفة) -بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبالفاء-، واسمه (وهب بن عبد الله)، على المشهور. وقيل: وهب بن جابر. وقيل: وهبُ الله بنُ وُهيب -بالتصغير-. وقيل غير ذلك، ابنِ مسلمِ بنِ جُنَادة - بضم الجيم (السُّوائيِّ) -بضم السين المهملة وتخفيف الواو وألف ممدودة بعدها همزة- نسبة إلى سوة (1) بنِ عامرِ بنِ صعصعةَ، بطنٍ كبيرٍ من هوازن.
نزل أبو جُحيفة الكوفة، وابتنى بها دارًا، وكان من أصاغر الصحابة.
= أذانه، و (688)، باب: ما يستر المصلي، والنسائي (137)، كتاب: الطهارة، باب: الانتفاع بفضل الوضوء، و (470)، كتاب: الصلاة، باب: صلاة الظهر في السفر، و (643)، كتاب: الأذان، باب: كيف يصنع المؤذن في أذانه، و (772)، كتاب: القبلة، باب: الصلاة في الثياب الحمر، و (5378)، كتاب: الزينة، باب: اتخاذ القباب الحمر، والترمذي (197)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند الأذان، وابن ماجه (711)، كتاب: الأذان، باب: السنة في الأذان.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 313)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 514)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 102)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 216)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 178)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 376)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 218)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 76)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 295، 573)، و"عمدة القاري" للعيني (3/ 74)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 28).
(1)
كذا في الأصل: والصواب: "سواءة". قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(2/ 432): ووقع في شرح ابن العطار، أنها نسبة إلى بني سواه، وقال ابن السمعاني، وابن دقيق العيد: نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة. وقال الزركشي في "النكت"(ص: 76): نسبة إلى قبيلة بني سُواء.
قيل: إنه لما توفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم كان لم يبلغ الحلم، لكنه سمع منه، وروى عنه.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وأربعون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة.
روى ابنُه عون عنه: أنه قال: أكلتُ ثريدةً بلحم، وأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأنا أَتَجَشَّاُ، فقال:"اكْفُفْ أو احْبِسْ عليكَ جُشاءكَ أبا جُحيفةَ" فإن أكثرَ الناس شبعًا في الدنيا، أطولُهم جوعًا يومَ القيامة"، قال: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تعشَّى لا يتغدى، وإذا تغدى لا يتعشَّى (1).
جعله علي رضي الله عنه على بيت المال في الكوفة، وشهد معه مشاهده كلها، وكان يسميه: وهب الله، ووهب الخير.
ومات رضي الله عنه بالكوفة في إمارة بشر بن مروان.
وفي "جامع الأصول": توفي سنة أربع وسبعين (2).
وفي "تهذيب النووي": سنة اثنتين وسبعين (3).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(8929)، وابن عبد البر في "الاستيعاب"(4/ 1620)، ومن طريقه: ابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة"(1/ 328).
(2)
انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير (15/ 467 - قسم التراجم).
(3)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 63)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 428)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1619)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (1/ 199)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 47)، و"تهذيب الكمال" للمزي (31/ 132)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 489)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 202)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 626)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (11/ 145).
(قال رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو) الواو للحال؛ أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم (في قبة له) صلى الله عليه وسلم. والقبة من الخيام: بيتٌ صغير مستدير، وهو من بيوت العرب (1).
وتلك التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم (حمراء من أدم).
قال في "القاموس": الأديم: الجلدُ، أو أحمرُه، أو مدبوغُه، ويجمع على آدِمَة، وأُدُم، والأَدَم: اسم [للجمع](2).
والحاصل: أنه وصف القبة بكونها حمراء من جلد.
(قال) أبو جُحيفة: (فخرج بلال) رضي الله عنه من تلك القبة (بوَضوء)؛ أي: بالماء الذي توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبادر الناس إلى التبرك بذلك الماء، (فـ) كانوا قسمين (من ناضحٍ) عليه من ذلك الماء، وهؤلاء القسم الذين بادروا فظفروا بمطلوبهم، (و) من (نائل) دون ذلك.
فالنضحُ: الرشُّ على بدنه وثيابه.
قيل: معناه أن بعضهم كان ينال منه مالا يفضلُ منه شيء، وبعضهم كان ينال منه ما ينضحُه على غيره (3)، ويشهد لهذا: الروايةُ في الصحيح: ورأيت بلالًا أخرج وضوءًا، فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئا، تمسَّحَ به، ومن لم يصب منه، أخذ من بَلَلِ يد صاحبه (4).
وفيه: التماسُ البركة بما لابَسَه الصالحون؛ فإنه ورد في الوضوء الذي
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 3).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1389)، (مادة: أدم).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 178).
(4)
هي رواية البخاري برقم (369)، ومسلم (503)، (1/ 360)، المتقدم تخريجها في حديث الباب.
توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي معناه كلُّ ما لابسه الصالحون (1).
(قال) أبو جُحيفة رضي الله عنه: (فخرج النبي صلى الله عليه وسلم)؛ يعني: من القبة و (عليه حُلَّة) هي -بضم الحاء المهملة وتشديد اللام، فهاء تأنيث-: ثوبان غير لِفقين، رداءٌ لا وإزار، سُفَيا بذلكٌ؛ لأن كل واحد منهما يحلُّ على الآخر (2).
قال الخليل: لا يقال حلة لثوب واحد (3).
وقال أبو عبيد: الحُلَلُ: برود اليمن (4).
وقال بعضهم: لا يقال له حلة حتى تكون جديدة؛ لحلِّها عن طَيِّها.
وفي الحديث: أنه رأى رجلًا عليه حلة، ائتزر بإحداهما، وارتدى بالأخرى (5)، فهذا يدل على أنها ثوبان كما في "المطالع"(6).
ونقل في "النهاية": الحلة: إزار ورداء إذا كانا من جنس واحد (7).
وفي "المحكم" لابن سيده: الحلة: بردٌ، أوغيره (8)؛ كما في "الفتح"(9).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 178 - 179).
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 196).
(3)
انظر: "العين" للخليل بن أحمد (3/ 28).
(4)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 228).
(5)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(2606) في قصة ذي البجادين، بلفظ: "فاتزر نصفًا، وارتدى نصفًا
…
".
(6)
وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 196).
(7)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 432).
(8)
انظر: "المحكم" لابن سيده (2/ 371)، (مادة: حلل).
(9)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 297).
(حمراء) قال الإمام المحقق ابن القيم: غلطَ من ظنَّ أن الحلة كانت حمراء بحتًا، لا يخالطها غيرُها، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حُمْر مع الأسود، كسائر البرود اليمنية.
قال: وهي معروفة بهذا الاسم؛ باعتبار ما فيها من الخطوط، وإلا، فالأحمر البحت نهى عنه صلى الله عليه وسلم أشدَّ النهي (1)، انتهى.
قال في "الفتح": وقد تلخص من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر سبعة أقوال:
الأول: الجواز مطلقًا، جاء عن علي، وطلحة، وعبد الله بن جعفر، والبراء، وغير واحد من الصحابة رضي الله عنهم، وعن سعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، وأبي قلابة، وأبي وائل، وطائفة من التابعين.
الثاني: المنع مطلقًا، لما روى ابن عمر [و]رضي الله عنهما، قال: مر على النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجل عليه بردان أحمران، فسلم عليه، فلم يردَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه. رواه أبو داود، والترمذي وحَسَّنَه، والبزار (2).
وأخرج ابن ماجه، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: نهى
(1) روى البخاري في "صحيحه"(5500)، كتاب: اللباس، باب: لبس القَسِّيِّ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحمر، والقَسِّيِّ وانظر:"زاد المعاد" لابن القيم (1/ 137).
(2)
رواه أبو داود (4569)، كتاب: اللباس، باب: في الحمرة، والترمذي (2807)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجل، والقسَيِّ، والبزار في "مسنده"(2381)، إلا أنهم قالوا:"ثوبان أحمران" بدل "بردان أحمران".
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُفَدَّم -بالفاء وتشديد الدال المهملة-، وهو: المشبَعُ بالعصفر (1).
وأخرج ابن أبي شيبة، من مرسل الحسن:"الحمرةُ من زينة الشيطان، والشيطانُ يحبُّ الحُمْرَة"(2).
ووصله أبو علي بن السكن، وأبو أحمد بن عدي (3).
وروى البيهقي في "الشعب"، عن رافع بن يزيد الثقفي، رفعه:"إن الشيطانَ يحثُّ الحمرةَ، فإياكم والحمرةَ وكلَّ ثوبٍ ذي شهرةٍ"، وأخرجه ابن منده، لكنه ضعيف (4). وأما قول الجوزقاني: إنه باطل، فباطل، كما نبه عليه في "الفتح"(5).
(1) رواه ابن ماجه (3601)، كتاب: اللباس، باب: كراهية المعصفر للرجال.
(2)
لم أره في "مصنف ابن أبي شيبة". وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(19975). ولعلَّ الحافظ ابن حجر أراد عبد الرزاق، فسبق قلمه إلى ابن أبي شيبة، والله أعلم.
(3)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(3/ 325).
(4)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(6327)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(7708).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 305 - 306). قلت: ولم يتمَّ الشارحُ رحمه الله كلامَ الحافظ ابن حجر الذي كان قد بدأ به في مسألة لبس الثوب الأحمر، حيث ذكر قولين من السبعة التي حكاها الحافظ، ثم ذكر أربعة أخرى فيما بعد، ونجمل كلامه، فنقول كما قال:
القول الثالث: يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفًا.
الرابع: يكره لبس الأحمر مطلقًا؛ لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في البيوت والمهنة.
الخامس: يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج. =
وقال ابن عبد البر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من الألوان الخضرةَ، ويكره الحمرةَ، ويقول:"هي زينةُ الشيطان"(1)، انتهى.
ونص الإمام أحمد رضي الله عنه على كراهة لبس الأحمر المُصْمَت للرجال.
قال في "المغني": قال أصحابنا: يكره، وهو مذهب ابن عمر رضي الله عنهما (2).
وقال الإمام ابن مفلح في "الآداب": يكره للرجال لبس أحمر مُصْمَت، نص عليه. وقال الموفق: إنه لا يكره (3).
وهو مذهب الثلاثة، واستظهره في "الفروع"(4).
= السادس: اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر؛ لورود النهي عنه، ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ.
السابع: تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما، فلا.
ثم قال: والتحقيق في هذا المقام: أن النهي عن لبس الأحمر، إن كان من أجل أنه لبس الكفار، فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء، وإن كان من أجل أنه زي النساء، فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء، فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة، فيمنع حيث يقع ذلك، وإلا، فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت، انتهى. وقد أعاد الشارح رحمه الله في كتاب: اللباس، كلامَ الحافظ ابن حجر، فسرد الأقوال السبعة التي حكاها الحافظ، وبالله التوفيق.
(1)
ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"(2/ 856)، وقد تقدم تخريجه من حديث رافع بن يزيد الثقفي مرفوعًا، ومن مرسل الحسن.
(2)
انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 341).
(3)
انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (4/ 165).
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 313).
وعنه: يكره شديدُ الحمرة دون خفيفها، ومعتمدُ المذهب: كراهةُ ذلك، ولو بطانةً.
قال في "الآداب": وأولُ من لبس الثياب الحمرَ آلُ قارون وآلُ فرعون، ثم قرأ:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص: 79]، قال: في ثياب حمر، نقل ذلك عن الإمام أحمد رضي الله عنه، وقيل له: الثوب الأحمر تغطى به الجنازة؟ فكرهه (1).
وقولهم: المصمت؛ يعني: الذي لا يخالطه لونٌ غيرُ الاحمرار (2). والمراد بالكراهة للتنزيه.
وقيل: يكره لبسُ المشبَع بالحمرة دونَ ما كان صبغُه خفيفًا، كما جاء عن عطاء، وطاوس، ومجاهد.
وقيل: إنما يكره لقصد الزينة والشهرة.
وقيل: ما صُبغ غزلُه ثم نسج، لم يكره، وأما ما نسج ثم صبغ، فيكره.
وقيل: يختص النهي بالمعصفر، والله أعلم (3).
قال أبو جُحَيفة رضي الله عنه: (كأني أنظر) يعني: وقتئذْ حدثهم بهذا الحديث (إلى بياض ساقيه) الشريفتين، تثنية ساق، وهو ما بين الكعب والركبة، والجمع: سؤق، وسيقان، وأسؤق (4).
وفيه جواز النظر إلى الساق، وهو إجماع في الرَّجُل حيث لا فتنةَ، كما في "الفتح".
(1) انظر: "الآداب الشرعية" لابن المفلح (4/ 166).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 199)، (مادة: صمت).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 305 - 306).
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1156)، (مادة: سَوَق).
(قال) أبو جحيفة: (فتوضأ)؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم ـ، (وأذن بلال، قال) أبو جحيفة: (فجعلت أتتبع) أنا (فاه)؛ أي: فمَه، يعني: ما يخرج منه (هاهنا وهاهنا) بالأذان (يمينًا)؛ أي: جهة اليمين، (وشِمالًا) أي: جهة اليسرى.
(يقول): في حال التفاته يمينًا: (حَيَّ على الصلاة)؛ أي: هَلُمُّوا إليها، وأَقْبلوا عليها، ويقول حال التفاته شمالًا:(حَيَّ على الفلاح)؛ أي: أقبلوَا على البقاء الدائم والفوز والنجاح (1).
فمحلُّ الالتفات في الأذان لا يكون إلا عند الحَيْعَلَتين، وبوب عليه ابن خزيمة، وقيد كون الانحراف بفمه دون بدنه كلِّه، قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه (2).
وساق الحديث، من طريق وكيع، ولفظه: فجعل يقول في أذانه هكذا، ويحرف رأسه يمينًا وشمالًا (3).
ولفظه عند الترمذي: [رأيتُ] بلالًا يؤذن ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه (4).
قال في "الفتح": قوله: "ويدور" مدرج (5).
وعند أبي داود: "ولم يستدر"(6). وجمعوا بين اللفظين بأن من أثبت
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 574).
(2)
انظر: "صحيح ابن خزيمة"(1/ 202).
(3)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(387).
(4)
تقدم تخريجه، برقم (197) عنده.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 115).
(6)
تقدم تخريجه، برقم (520) عنده، ورواه من طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 395).
الاستدارة، عَنَى: استدارة الرأس، ومن نفاها، عنى استدارة الجسد كله.
ومشى ابن بطال على ظاهره، فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله (1).
قال ابن دقيق العيد: وفيه دليل على استدارة المؤذن للإسماع عند الدعاء إلى الصلاة، وهو وقت التلفظ بالحيعلتين. واختلفوا في موضحين:
أحدهما: هل تكون قدماه قارَّتين مستقبلتَي القبلة، ولا يلتفت إلا بوجهه دون بدنه، أو يستدير كله؟.
الثاني: هل يستدير مرتين؛ إحداهما عند قوله: حيَّ على الصلاة المرتين، والأخرى عند قوله: حي على الفلاح كذلك؟ أو يلتفت يمينًا ويقول: حي على الصلاة، ثم حي على الصلاة عن شماله، وكذا في الأخرى؟ قال: رُجِّح الثاني؛ لأنه يكون لكل جهة نصيبٌ منها. قال: والأولُ أقرب إلى لفظ الحديث، قال: وهما عند الشافعية، انتهى (2).
وفي "الفروع" لابن مفلح: ويلتفت -يعني: المؤذنَ- يَمْنَةً ثم يَسْرَةً اتفاقًا في الحَيْعلة. وعن أبي حنيفة: لا. وذكر غير واحد من أصحابه مذهَبَه، كقولنا.
قال: وقيل: يقول يمينًا: حي على الصلاة، ثم يُعيده يسارًا، ثم كذلك حيَّ على الفلاح.
قال: ولا يُزيل قدميه؛ لفعل بلال، وكالخطبة، لا ينتقل فيها، ذكره في "الفصول" -يعني: ابن عقيل-. قال: وظاهره: يُزيل صدره؛ خلافًا للشافعي.
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 115).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 179).
قال: ونقل حرب: ويلتفت يَمْنَةً ويَسْرَةً، وكأنه لم يعجبه الدورانُ في المنارة، وعنه: يزيل قدميه في منارة، ونحوِها، نصره في "الخلاف"، وغيره، واختاره "صاحب المحرر"؛ وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك، وجزم به في "الروضة"، وابن الفرج حفيد الجوزي في كتابه "المَذْهَب الأحمد"(1).
قال في "الإقناع": ولا يزيل قدميه، قال القاضي، والمجد، وجمع: إلا في منارة، ونحوها، انتهى (2).
وصوَّبه في "الإنصاف" قال: لأنه أبلغُ في الإعلام، وهو المعمول به، انتهى (3).
وأما وضع الإصبعين في الأذنين: ففي حديث أبي جُحيفة: أن بلالًا وضعَ إصبعيه في أُذنيه، رواه الإمام أحمد، والترمذي، وصحَّحه أبو عوانة (4).
وعن سعدٍ القُرَظِيِّ: أن رسول الله أمر بلالًا بذلك، وقال:"إنه أرفعُ لصوتك" رواه ابن ماجه (5).
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 275 - 276)، ووقع في المطبوع:"وأبو الفرج" بدل "ابن الفرج". ونظر فيه المرداوي في "تصحيح الفروع"(2/ 15)؛ لأن "المُذْهَب الأحمد" لأبي المحاسن وأبي محمد يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، فقوله:"أبو الفرج" غيرُ مُسلَّم، وكذا قوله:"حفيد الجوزي"، وإنما هو ولد الشيخ أبي الفرج شيخ الإسلام، ويعرف والده بابن الجوزي، فلعلَّ هنا نقصًا، والله أعلم.
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 120).
(3)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (1/ 416).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 308)، والترمذي (197) -كما تقدم-، عنه، وأبو عوانة في "مسنده"(960).
(5)
رواه ابن ماجه (710)، كتاب: الأذان، باب: السنة في الأذان، والطبراني في =
قال الترمذي: استحب أهل العلم أن يُدخل المؤذنُ إصبعيه في أذنيه في الأذان، انتهى (1).
وعَيَّنَ علماؤنا السبَّابتين، وكذا النووي من الشافعية (2).
وعبارة "الفروع": ويجعل سَبابتيه في أذنيه؛ وفاقًا، ويرفع وجهه للسماء -يعني: في كل أذانه - (3).
وخصه في "المستوعب" بالشهادتين (4).
(ثم رُكِزَتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: غُرِزَت (له) صلى الله عليه وسلم.
(عَنَزَةٌ) -بالرفع- نائب الفاعل، وهي كما تقدم -بفتح النون-: عَصًا أقصرُ من الرمح، لها سِنان (5).
(فتقدم) صلى الله عليه وسلم، (وصلى الظهر ركعتين)، وكانت صلاته ببطحاء مكة، وهو موضع خارج مكة، وهو الذي يقال له: الأبطح، وذلك في حجة الوداع عند ابتداء رجوعه من مكة، كما أشار إليه في "الفتح"(6)، وغيره.
(ثم لم يزل) صلى الله عليه وسلم (يصلي) الظهر (ركعتين) مقصورةً (حتى)؛ أي: إلى أن (رجَع) من سفره ذلك (إلى المدينة) المنورة - زادها الله تشريفًا -.
= "المعجم الكبير"(5448)، والحاكم في "المستدرك"(6554)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 396).
(1)
انظر: "سنن الترمذي"(1/ 377).
(2)
انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (3/ 117).
(3)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 275).
(4)
انظر: "المستوعب" للسَّامُرِّي (2/ 63).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 252).
(6)
المرجع السابق، (1/ 573).
ففي الحديث من الفوائد: استحبابُ اتخاذ السترةِ للمصلي، حيث يخشى المرور من بين يديه، كالصحراء.
ودليل الاكتفاء في السترة بمثل غِلَظ العَنَزَة، وأن المرورَ من وراء السترة لا يضر.
وفيه دليل: على مواظبه النبي صلى الله عليه وسلم على قَصْر الصلاة في السفر، ورجحانه على الإتمام.
وفيه: مشروعية الأذان في السفر، والله أعلم (1).
* * *
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 179)، وعنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 574).