المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع لأحكام متفرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ

‌الحديث الثاني

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لِيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ"(1).

ولِمُسْلِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا، حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوِّي بها القِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا، فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ؛ فَرَأى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ؛ فَقَالَ:"عِبادَ اللهِ! لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ"(2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (685)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، ومسلم (436)، (1/ 324)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، وأبو داود (662)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف.

(2)

رواه مسلم (436)، (1/ 324)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، وأبو داود (663)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، والترمذي (227)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في إقامة الصفوف، وابن ماجه (994)، كتاب: الصلاة، باب: إقامة الصفوف.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 183)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 52)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 346)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 64)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 157)، و"شرح =

ص: 227

(عن النعمانِ بنِ بَشيرٍ) -بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة - بنِ سعدِ بنِ ثعلبة الخزرجيِّ الأنصاريِّ (رضي الله عنه)، يكنى: أبا عبد الله، وهو أولُ مولود وُلد للأنصار من المسلمين بعد الهجرة، وهو وأبوه صحابيان، وأمه عَمْرَةُ بنت رواحة.

قيل: مات النبي صلى الله عليه وسلم وللنعمان ثمان سنين؛ لأن مولده في الثانية من الهجرة على رأس أربعةَ عشرَ شهرًا منها، كما قاله النووي، وقد صححوا سماعَه من النبي صلى الله عليه وسلم.

قُتل رضي الله عنه بالشام، بقرية من قرى حِمْصَ، في ذي الحجة سنة أربع وستين، وكان قد استعمله معاوية على حمص، ثم على الكوفة، واستعمله عليها يزيدُ بنُ معاوية.

وقال ابن الأثير: إنه حين كان واليًا بحمصَ بعدَ الكوفة، دعا لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فطلبه أهلُ حمص، فقتلوه بمَرْجِ راهِطٍ.

رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئةٌ وأربعةَ عشرَ حديثًا، اتفقا على خمسة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بأربعة (1).

= عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 195)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 408)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 248)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 80)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 324)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 207)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 253)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 187).

(1)

وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 53)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 75)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 409)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1496)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (62/ 111)، و"أسد الغابة" =

ص: 228

(قال) النعمانُ بنُ بَشير رضي الله عنه: (سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتسون) -بضم التاء وفتح السين المهملة وتشديد الواو المضمومة فنون توكيد مشددة-، وللكشميهني (1):"لتسوُّونَ"-بواوين-. قال البيضاوي: هذه اللام التي يُتلقى بها القسم (2).

(صفوفكم) بمحاذاة المناكب والأكعب، وإن لم تتحاذ أطرافُ الأصابع.

(أو لَيُخالفنَّ الله بينَ وجوهكم)؛ أي: إن لم تُسَوُّوا.

وكما أن المراد بتسوية الصف: اعتدالُ القائمين به على سمت واحد، يراد بها أيضاً: سدُّ الخَلَل الذي في الصف (3).

ففي أبو داود، من حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رُضُوا صُفوفَكُم، وقارِبوا بينَها، وحاذوا بالأعناقِ، فوالذي نَفْسي بيده! إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَل الصف، كأنها الحَذَفُ".

ورواه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، نحو رواية أبي داود (4).

= لابن الأثير (5/ 310)، و"تهذيب الكمال" للمزي (29/ 411)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 411)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 440)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (10/ 399).

(1)

كذا في الأصل، وفي "فتح الباري" لابن حجر (2/ 207)، وعنه نقل الشارح، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 253):"للمستملي" بدل "للكشميهني".

(2)

انظر: "تفسير البيضاوي"(1/ 136)، قال القرطبي في "تفسيره" (9/ 105): وهي التي تدخل على الفعل، ويلزمها النون المشددة أو المخففة.

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 207).

(4)

رواه أبو داود (667)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، والنسائي =

ص: 229

والخَلَلُ -بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً-: هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراصّ.

والحَذَف -بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة مفتوحتين وبعدهما فاء -يعني: أولاد الضأن الصغار (1).

واختلف في الوعيد المذكور، فقيل: على حقيقته، والمراد: تشويهُ الوجوه؛ بتحويلِ خَلْقِه عن وضعه، بجعله موضعَ القفا، أو نحو ذلك، فهو نظيرُ الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام "أن يجعلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ"(2) -كما يأتي- (3).

وحكمةُ ذلك: أنهم لما اختلفوا عن سَمْت الاعتدال، حول خلقتهم إلى التسوية، فكان الجزاء من جنس الفعل (4).

وقال ابن دقيق العيد: قوله: "أو لَيُخالِفَنَّ [اللهُ] بين وجوهكم" يظهر لي: أنه راجع إلى اختلاف القلوب، وتغييرِ بعضِهم على بعض؛ فإن تقدُّم الإنسان على الشخص، أو على الجماعة، وتخليفَه إياهم من غير أن يكون مُقامًا للإمامة بهم، قد يوغر صدورَهم، وذلك موجبٌ لاختلافِ قلوبهم؛ فعبر عنه بمخالفة وُجوههم؛ لأن المختلفينِ في التباعد والتقارب، يأخذ كل واحد منهما غير وجه الآخر.

= (815)، كتاب: الإمامة، باب: حث الإمام على رصِّ الصفوف والمقاربة بينها، وابن خزيمة في "صحيحه"(1545)، وابن حبان في "صحيحه"(2166).

(1)

انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 188).

(2)

سيأتي تخريجه.

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 346).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 207).

ص: 230

ثم لك أن تعبر عن الوجه بالجهة، أو تعبر به عن اختلاف المقاصد، وتباين النفوس؛ فإن من تباعدَ من غيره، وتنافرَ، زوى وجهَه عنه، فيكون المقصود: التحذيرَ من وقوع التباغض والتنافر، كذا قال (1).

وربما استدل لقوله بما في "أوسط الطبراني" بسند ضعيف، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا:"استووا تستوي قلوبُكم، وتَماسُّوا تَراحَمُوا". قال سريج: تماسُّوا؛ يعني: ازدحموا في الصلاة. وقال غيره: تماسُّوا: تَواصَلوا (2).

ويؤيد الأولَ -يعني: حملَ الحديث على ظاهره -: حديثُ أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا، بلفظ:"لتسَوُّنَّ الصفوفَ، أو لتطْمَسَنَّ الوجوهُ" رواه الإمام أحمد (3)، وفي سنده ضعف (4).

ولهذا قال الإمام الحافظ ابنُ الجوزي: الظاهرُ أنه مثل الوعيد المذكور في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: 47].

والحاصل: إنْ حُمل الوجهُ على العضو المخصوص، فالمخالفةُ إما بحسب الصورة الإنسانية، أو الصفة؛ بأن يحول من قُدَّام إلى القَفا، وإن [حُمل] على ذاتِ الشخص، فالمخالفةُ بحسب المقاصد، كما أشار إليه الكرماني.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 196).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5121). قال الدارقطني في "العلل": الموقوف -يعني: عن علي رضي الله عنه هو الصحيح. وقد رواه موقوفًا عن علي رضي الله عنه: ابن أبي شيبة في "المصنف"(3533).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 258)، والروياني في "مسنده"(1203)، والطبراني في "المعجم الكبير"(7859).

(4)

قاله الحافظ في "الفتح"(2/ 207). وانظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (2/ 90).

ص: 231

وأبدى في "الفتح" احتمال إرادة المخالفة بالجزاء، فيجازي المستوي بِخير، ومن لا يستوي بِشَرّ (1).

(و) في رواية (لمسلم) دون البخاري، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي)؛ أي: يُعَدِّل (صفوفنا) معشرَ أصحابه (حتى) كان صلى الله عليه وسلم (كأنما يسوِّي)؛ أي: يعدِّل (بها)؛ أي: بتلك التسوية (القداح)، جمع قِدْح -بالكسر-: السهم حين يُبْرَى ويُنحَت ويُهَيَّأُ للرمي، وهو مِمَّا يُطلب فيه التحريُر والاستقامة، وإلا كان طائشًا، فلا يُصيب الغوضَ عند رميه، فضُرب به المثل؛ لتحرير التسوية (2).

وفيه دليل: على أن تسوية الصفوف من وظيفة الإمام، وبه صرح علماؤنا كغيرهم.

قال في "الفروع": ثم يسوِّي الإمامُ الصفوف بالمناكبِ والأَكعُبِ، ويكمل الأول، فأول، ويتراصون (3).

وفي "شرح الوجيز": يُسن للإمام أن يسوِّيَ صفَّه، يلتفتُ عن يمينه، فيقول: استووا رحمكم الله، وعن يساره كذلك (4).

وفي "سنن أبي داود"، عن محمد بن مسلم، قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك رضي الله عنه يومًا، فقال: هل تدري لم صُنع هذا العود؟ قال: لا والله، فقال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة، أخذه

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 207).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 197)، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (2/ 520).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 357).

(4)

وانظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 275)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 328).

ص: 232

بيمينه، فقال:"اعتدِلوا وسَوُّوا صفوفَكم"، ثم أخذه بيساره، وقال:"اعتدِلوا وسَوُّوا صفوفكم"(1).

قال ابن دقيق العيد: وكان بعضُ أئمة السلف يوكل بالناس من يُسوِّي صفوفَهم (2).

قال النعمان رضي الله عنه: (حتى) إذا (رأى) صلى الله عليه وسلم (أَنْ قد عَقَلْنا)؛ يعني: أنه كان يراعيهم في التسوية، ويتلطَّفُ بهم إلى أن علم أنهم عَقَلوا المقصودَ منه، وامتثلوه وكان ذلك غاية مراقبة لهم، وتكلف مراعاة إقامتهم، وثمرة ملاطفته لهم (3).

(ثم) بعد ذلك (خرج) صلى الله عليه وسلم (يومًا) من الأيام للصلاة، (فقام) في القبلة أمامهم، (حتى كاد أن يكبر) تكبيرةَ الإحرام، (فرأى رجلًا باديًا)؛ أي: ظاهرَ التقدمة على الصف.

(صَدْرُه) أعلى مقدَّم جسد الإنسان.

قال في "القاموس": صدرُ الإنسان مُذَكَّر، وهو ما أشرفَ من أعلاه (4). (فقال) صلى الله عليه وسلم:(عباد الله!) بحذف أداة النداء.

في هذا دليل على جواز كلام الإمام بين الإقامة والصلاة؛ لما يعرض من حاجة، وإن كان العلماء اختلفوا في كراهة ذلك، لكن تزول الكراهةُ لأدنى حاجة (5).

(1) رواه أبو داود (669، 670)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 22).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 197).

(3)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(4)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 543)، (مادة: صدر).

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 197).

ص: 233

(لتسوُّنَّ صفوفكم) بأن يُحاذوا بينَ مناكبهم، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَقيموا الصفوفَ، وحاذوا بينَ المناكِب، وسُدُّوا الخَلَل، ولِينُوا بأيدي إخوانِكم، ولا تَذَروا فُرُجاتِ الشيطان، ومن وَصَلَ صَفًّا وَصَلَه اللهُ، ومن قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ" رواه الإمام أحمد، وأبو داود (1).

الفُرُجات: جمع فُرْجَة: المكان الخالي بين الاثنين (2).

(أو ليخالفن الله) عز وجل (بين وجوهكم) بالمسخ، أو التحويل، أو إلقاء البغضاء، والتنافر بينكم، وعدم التآلف واجتماع المقاصد والكلمة.

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحيةَ الصف، ويسوِّي بين صدور القوم ومناكبِهم، ويقول:"لا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يُصَلُّون على الصفِّ الأول" رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(3).

وفي "البخاري"، من حديث أنس رضي الله عنه، قال: أُقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال:"أَقيموا صُفوفَكُم، وتَراصُّوا؛ فإِني أَراكُمْ من وَراءِ ظَهْري"(4).

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 97)، وأبو داود (666)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، واللفظ له.

(2)

انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (707)، (1/ 188 - 189).

(3)

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1557)، وكذا أبو داود (664)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، والإمام أحمد في "المسند" (4/ 285). وانظر:"الترغيب والترهيب" للمنذري (704)، (1/ 188).

(4)

رواه البخاري (687)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف.

ص: 234

زاد في طريق أخرى: فكانَ أحدُنا يُلْزِق منكبَه بمَنْكِبِ صاحبه، وقدَمَه بقدَمِه (1)، رواه مسلم أيضاً بإسقاط لفظ:"تراصوا"(2). وقول أنس: فكان أحدنا .... إلخ، فلم يخرجه مسلم.

وزيد في رواية معتمر: قال أنس: فلو فعلت ذلك بأحدهم اليومَ، لنفرَ كأنه بَغْلٌ شَموس (3).

وأخرج البخاري، عن أنس رضي الله عنه: أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرتَ منا منذ يوم عهدتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرتُ شيئًا، إلا أنكم لا تُقيمون الصفوف (4).

وأخرج أبو داود، وابن خزيمة، وصححه، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه، فقال:"أَقيمُوا صُفوفكم -ثلاثًا- واللهِ لتقيمُنَّ صُفوفَكم، أو ليخالِفَنَّ اللهُ بينَ قلوبِكم". قال: فلقد رأيتُ الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه (5).

وبعضه في مسلم (6).

(1) رواه البخاري (692)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف.

(2)

رواه مسلم (434)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، بلفظ:"أتموا الصفوف، فإني أراكم خلف ظهري".

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3524)، وأبو يعلى في "مسنده" (3720). وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (2/ 211).

(4)

رواه البخاري (691)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إثم من لم يتم الصفوف.

(5)

رواه أبو داود (662)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، وابن خزيمة في "صحيحه"(160).

(6)

تقدم تخريجه برقم (436) عنده.

ص: 235

واستدل بهذا الحديث على أن المراد بالكعب في آية الوضوء: العظمُ الناتىء في جانبي الرِّجْل، وهو عند مُلتقى الساق والقدم -كما تقدم-؛ إذ هو الذي يُمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافًا لمن ذهبَ إلى أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ يُنسب إلى بعض الحنفية، ولم يثبته محققوهم (1).

تنبيهان:

الأول: تسويةُ الصفوف سنة مؤكدة، لا واجب. وقد نقل الإجماعَ على استحباب ذلك غيرُ واحد.

وفي "الفروع": ويتوجه: تجبُ تسويةُ الصفوف.

قال: وهو ظاهر كلام شيخنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا باديًا صدرُه، فقال:"لتسوُّنَّ صفوفَكم، أو ليخالفنَّ الله بينَ وجوهكم"(2)، فيحتمل أن يمنع الصحة، ويحتمل لا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"سَوُّوا صُفوفَكم؛ فإن تسويةَ الصفِّ من تمام الصلاة"(3)، وتمام الشيء يكون واجبًا ومستحبًا، لكن قد يدل على حقيقة الصلاة بدونه، وكالجماعة، وذكر حديث قدوم أنس المدينةَ، وقولَه: ما أنكرتُ شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف (4)؛ وترجم عليه البخاري: إثم من لم يتم الصفوف (5).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 211).

(2)

تقدم تخريجه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(3)

تقدم تخريجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4)

تقدم تخريجه قريبًا.

(5)

انظر: "صحيح البخاري"(1/ 254).

ص: 236

قال في "الفروع": ومن ذكرَ الإجماعَ على أنه مستحب، فمرادُه ثبوتُ استحبابه، لا نفيُ وجوبه. انتهى (1).

وفي "الفتح": على قول البخاري: إثم من لم يُتم الصفوف، تُعقب: بأن الإنكار قد يقع على ترك السنة، فلا يدل ذلك على حصول الإثم.

وأجيب: بأنه لعله - حمل الأمر في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] على أن المراد بالأمر: الشأن والحال، لا مجردُ الصيغة، فيلزم منه أن من خالف شيئًا من الحال التي كان صلى الله عليه وسلم عليها أن يأثم؛ لما يدل عليه الوعِيد المذكور في الآية. وإنكار أنس ظاهر في أنهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم. هذا ملخص كلام ابن رشـ[ـيـ]ـد.

وضعفه في "الفتح"؛ بأنه يفضي إلى أنه لا يبقى شيء مسنون؛ لأن التأثيم إنما يحصل عن ترك واجب.

وقولُ ابن بطال: لما كان تسويةُ الصفوف من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلُها المدحَ عليها، دلَّ على أن تاركها يستحقُّ الذم، متعقَّبٌ من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أنه يكون آثمًا، ولئن سلم، لزم علياا ما قبله من التعقب.

ويحتمل أن البخاري إنما أخذ الوجوبَ المترتِّبَ على تركِه الإثمُ من صيغة الأمر في قوله: "سَوُّوا"، ومن عموم قوله:"صَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي"(2)، ومن ورود الوعيد على تركه، فترجَّح عنده بهذه القرائن: أن

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 358).

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 237

إنكارَ أنس إنما وقع على تركِ الواجب، وإن كان الإنكارُ يقع على ترك السنن.

وعلى القول: بأن التسوية واجبة، فصلاة من خالفَ ولم يستوِ صحيحةٌ؛ لاختلاف الجِهتين، بدليل أن أنس بن مالك رضي الله عنه مع إنكاره عليهم، لم يأمرهم بالإعادة.

وأفرط ابنُ حزم فجزمَ بالبطلان، ونازع من ادَّعى الإجماعَ، على عدمِ الوجوب بما صح عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب قدمَ أبي عثمان النهديِّ لإقامة الصف (1)، وبما صح عن سُويد بن عقلة، قال: كان بلال يسوِّي مناكبنا، ويضربُ أقدامَنا في الصلاة (2).

فقال: ما كان عمر وبلال رضي الله عنهما يضربان أحدًا على ترك غير الواجب (3).

ونظر فيه في "الفتح"؛ لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة، انتهى.

الثاني: جاء في عدة أحاديث الحثُّ على وصل الصفوف، وتسويتها، وسدِّ الخلل والفُرَج التي بها. فروى الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (4/ 58)، والأثر رواه أيضاً: ابن أبي شيبة في "المصنف"(3530)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(35/ 476 - 477).

(2)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(2435).

(3)

انظر: "المحلى" لابن حزم (4/ 59).

ص: 238

قال: "إن اللهَ وملائكته يُصلُّون على الذين يَصِلونَ الصُّفوف"(1). زاد ابن ماجه: "ومن سَدَّ فُرْجَةً، رفعه اللهُ بها درجةً"(2).

وروى النسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:"مَنْ وَصَلَ صَفًّا، وصلَه اللهُ، ومن قطعَ صَفًّا، قطعَه اللهُ"(3).

وروى البزار بإسناد حسن، وابن حبان في "صحيحه"، من حديث ابن عمر مرفوعًا، "خِيارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ في الصَّلاةِ"(4).

ورواه الطبراني في "الأوسط"، وزاد:"وَما مِن خُطوة أعظمُ أَجْرًا، من خطوةٍ مشاها رجلٌ إلى فُرْجَةٍ في الصَّفِّ، فَسَدَّها"(5).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 210).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 67)، وابن ماجه (995)، كتاب: الصلاة، باب: إقامة الصفوف، وابن خزيمة في "صحيحه"(1550)، وابن حبان في "صحيحه"(2163)، والحاكم في "المستدرك"(775).

(3)

رواه النسائي (819)، كتاب: الإمامة، باب: من وصل صفًا، وابن خزيمة في، "صحيحه"(1549). وقد تقدم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بأطول، من هذا.

(4)

كذا ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب"(718)، (1/ 190)، وعزاه إلى البزار، وابن حبان، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وعنه نقل الشارح رحمه الله. وهو كذلك في "مسند البزار"، كما ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 90)، إلا أنَّ ابن حبان رواه في "صحيحه"(1756)، من حديث ابن عباس.رضي الله عنهما.

(5)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5217)، والديلمي في "مسند الفردوس"(2858).

ص: 239

والبزار بإسناد حسن، عن أبي جُحيفة مرفوعًا:"مَنْ سَدَّ فُرْجَةً في الصفِّ، غُفِرَ لَهُ"(1).

والطبراني في "الأوسط"، عن عائشةَ مرفوعًا:"مَنْ سَدَّ فُرْجَةً، رفعَهُ اللهُ بها درجةً، وبَنى له بِها بيتًا في الجنةِ"(2).

وروى الحاكم، وقال: على شرط مسلم، من حديث معاذ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"خُطوَتانِ إحداهُما أَحَبُّ الخُطا إلى الله، والأُخْرى أبغضُ الخُطا إلى الله؛ أما التي يُحِبُّها الله، فرجل نظرَ إلى خَلَل في الصفِّ، فسدَّه، وأما التي يُبْغِضُها الله؛ فإذا أرادَ الرجلُ أن يقومَ، مَدَّ رِجْلَه اليُمْنى، ووضَعَ يدَه عليها، وأثبتَ اليسرى، ثُم قام"(3).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"لتسَوُّنَّ الصُّفوفَ، أو لتطْمَسَنَّ الوجوهُ، أو لتغْمَضَنَّ أبصارُكُم، أو لتخْطَفَنَّ أَبْصارُكُمْ" رواه الإمام أحمد، والطبراني (4)، والله أعلم.

* * *

(1) انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (720)، (1/ 191)، و "مجمع الزوائد" للهيثمي (2/ 91).

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5797)، والديلمي في "مسند الفردوس"(5661).

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك"(1008)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 288).

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 240