الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه أنا وعِمْرانُ بنُ حُصَين، فَكَانَ إذَا سَجَدَ، كبَّرَ، وَإذَا رَفَعَ رَأْسَه، كبَّرَ، وَإذَا نَهَضَ مِن الرَّكْعَتَيْنِ، كبَّرَ؛ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، أَخَذَ بيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَوْ قَالَ: صَلَّىَ بِنَا صَلَاةَ مُحْمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (1).
* * *
(عن) أبي عبد الله (مُطَرِّف) -بضم الميم، وفتح الطاء المهملة، وكسر
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (751)، كتاب: صفة الصلاة، باب: إتمام التكبير في الركوع، و (753)، باب: إتمام التكبير في السجود، واللفظ له، و (792)، باب: يكبر وهو ينهض من السجدتين، ومسلم (393)، كتاب: الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، وأبو داود (835)، كتاب: الصلاة، باب: تمام التكبير، والنسائي (1082)، كتاب: التطبيق، باب: التكبير.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 227)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 471)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 40، 149)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 271)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 59). وانظر: مصادر شرح الحديث السابق.
الراء المشددة، ثم فاء- (بن عبد الله) بنِ الشخِّير -بكسر الشين، وتشديد الخاء المعجمتين- بنِ عونِ بنِ عوفِ بنِ كعبٍ، العامريِّ الحوشيِّ، نسبة إلى بني الحَرِش -بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وبالشين المعجمة-، وهم بطن من بني عامر بن صعصعة.
ومطرف هذا: تابعي، فقيه، ثقة، له فضل، وورع، وعقل، وأدب، ولوالده عبد الله رضي الله عنه صحبةٌ، وفدَ على النبي صلى الله عليه وسلم في بني عامر.
روى عن: أبي ذر، وعثمان بن أبي العاص، وعمران بن حصين.
وروى عنه: علي بن زيد، والحسن البصري، وقتادة.
قال ابن الأثير: مات بعد السبع وثمانين.
وقال النووي: توفي مطرف بن عبد الله، سنة خمس وتسعين من الهجرة؛ وكذا ذكره الحافظ الربعي، عن ابن المديني، ومشى عليه الذهبي، روى له الجماعة (1).
نقل البرماوي، قال: وقع بين مطرف وبين رجل كلام، فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم إن كان كاذباً، فأمته؛ فخر مكانه ميتاً، فرفع ذلك إلى زياد؛ فقال: قتلت الرجل، قال: لا، ولكنها دعوة وافقت أجلاً (2).
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (7/ 141)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 396)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 429)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (58/ 289)، و"تهذيب الكمال" للمزي (28/ 67)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 187)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضاً (1/ 64)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (6/ 260)، و"تهذيب التهذيب" له أيضاً (10/ 157).
(2)
انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 189).
(قال) مصرف: (صليت خلف علي بن أبي طالب)، أمير المؤمنين (رضي الله عنه أنا، وعمران بن حصين) صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عن عمران-.
ولفظ "الجمع بين الصحيحين"، للحافظ عبد الحق: صليت أنا، وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1)، وهو أنسب.
وكانت هذه الصلاة بالبصرة بعد وقعة الجمل.
ووقع عند الإمام أحمد، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن غيلان: بالكوفة (2)؛ وكذا لعبد الرزاق (3)، وغير واحد؛ فيحتمل أن يكون وقع منه بالبلدين (4).
(فكان) الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (إذا سجد كبَّر) للانتقال، (و) كان (إذا رفع رأسه) من السجود، (كبر)، (و) كان (إذا نهض)؛ أي: قام، يقال: نهض؛ كمنع نهضاً ونهوضاً: قام (5)(من الركعتين) بعد التشهد الأول (كبر) عند نهوضه؛ للانتقال من حالة إلى أخرى، (فلما قضى) الإمام علي بن أبي طالب الهمام (الصلاة)، قال مطرف:(أخذ بيدي عمران بن حصين) رضي الله عنه، (فقال):(قد) وفي لفظ: لقد (6)، وكل منهما جواب قسم مقدر (ذكرني) -بتشديد الكاف، وفتح الراء-؛ وفيه إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره كان قد ترك.
(1) انظر: "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (1/ 276)، حديث رقم (535).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 428).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(2498).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 271).
(5)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 846)، (مادة: نهض).
(6)
هو لفظ البخاري المتقدم تخريجه برقم (792) عمده.
وقد روى الإمام أحمد، والطحاوي؛ بإسناد صحيح، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: ذكرنا علي صلاة كنا نصليها، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إما نسيناها، وإما تركناها عمداً (1).
وللإمام أحمد، من وجه آخر، عن مطرف، قال: قلنا -يعني: لعمران بن حصين-: يا أبا نجيد -وهو بالنون والجيم، مصغراً-! مَنْ أولُ من ترك التكبير؟ قال: عثمان بن عفان حين كبر، وضعف صوته (2)؛ وهذا يحتمل إفادة ترك الجهر، وهو الظاهر.
وروى [الطبراني](3)، من حديث أبي هريرة: أن أول من ترك التكبير: معاوية، وروي: أن أول من تركه: زياد، وهذا لا ينافي الذي قبله؛ لأن زياداً تركه لترك معاوية، وكان معاوية تركه لترك عثمان، وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء، ويرشحه حديث أبي سعيد في "الصحيح": اشتكى أبو هريرة، أو غاب، فصلى أبو سعيد، فجهر بالتكبير حين افتتح، وحين ركع، الحديث، وفي آخره: لما انصرف، قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فقام عند المنبر، فقال: والله! إني ما أبالي اختلفت صلاتكم، أم لم تختلف، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا يصلي (4).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 392)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 221).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 432).
(3)
في الأصل: "الطبري"، والتصويب من "الفتح"(2/ 270).
(4)
رواه البخاري (791)، كتاب: صفة الصلاة، باب: يكبر وهو ينهض من السجدتين، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 18)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 18)، واللفظ له.
فالذي يظهر: أن الاختلاف بينهم؛ إنما كان في الجهر بالتكبير، والإسرار به.
وكان مروان وغيره من بني أمية يسرُّونه، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يصلي بالناس، في إمارة مروان على المدينة.
نعم، ذكر الطحاوي: أن قوماً كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، قال: وكذا كانت بنو أمية تفعل (1)، وعن بعض السلف: أنه لا يكبر إلا تكبيرة الإحرام، وفرق بعضهم بين المنفرد، وغيره.
والذي استقر عليه الأمر: مشروعية التكبير في الخفض والرفع، والجماعة والفرادى؛ اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم (2).
(هذا) يعني: علياً رضي الله عنه (صلاةَ محمد صلى الله عليه وسلم). وفي لفظ: لقد ذكرني هذا الرجل (3)، أو قال -كما في بعض طرق البخاري-: ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)، (أو قال: صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم)، فذكر أنه كان يكبر؛ كلما رفع، وكلما وضع.
وفي "الصحيحين"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كان يكبر في الصلاة؛ كلما رفع، ووضع، فقلنا: يا أبا هريرة! ما هذا التكبير؟ فقال: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
(1) انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (1/ 220).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 270).
(3)
هو لفظ البخاري المتقدم تخريجه برقم (729) عنده.
(4)
تقدم تخريجه برقم (751) عنده.
(5)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (752)، وعند مسلم برقم (392)، وهذا لفظ
مسلم.
وفي "البخاري": عن عكرمة، قال: صليت خلف شيخ بمكة، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (1).
تنبيهات:
الأول: التكبير بعد تكبيرة الإحرام، والتسبيح والتحميد، وقول: رب اغفر لي بين السجدتين؛ واجب في معتمد المذهب؛ يسقط جهلاً وسهواً، وتبطل الصلاة بتركه، أو بشيء منه عمداً.
وقيل: سنة؛ وفاقاً للثلاثة، لنا (2): على معتمد المذهب؛ بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله، ويواظب عليه، وقد قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(3).
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول في ركوعه:"سبحان ربي العظيم"، وفي سجوده:"سبحان ربي الأعلى" رواه الترمذي، وغيره، وقال: حديث صحيح.
وروى الإمام أحمد، من حديث عقبة بن عامر الجهني، قال: لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) رواه البخاري (755)، كتاب: صفة الصلاة، باب: التكبير إذا قام من السجود.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه الترمذي (262)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود، وأبو داود (871)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، والنسائي (1008)، كتاب: الافتتاح، باب: تعوذ القارىء إذا مرَّ بآية عذاب، وابن ماجه (888)، كتاب: الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود.
"اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال:"اجعلوها في سجودكم"(1).
ورواه أبو داود، وزاد: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع، قال:"سبحان ربي العظيم وبحمده"، ثلاثاً، وإذا سجد، قال:"سبحان ربي الأعلى وبحمده"، ثلاثاً، قال: وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة (2).
وتقدم حديث: "وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد"، وهذا صريح في الأمر، وحقيقته للوجوب، وبه قال جماعة من السلف، منهم: الحميدي شيخ البخاري، والإمام إسحق بن راهويه، وغيرهما.
والآثار في ذلك كثيرة.
وفي الجملة: من هذه الواجبات ما ثبت من أمره، وفعله، ومنها: ما ثبت من فعله، ومواظبته عليها، مع قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(3).
فلا جرم قلنا: بالوجوب، لنخرج من مَعَرَّة تبعة الترك، والتساهل المفضي لإخلال الصلاة عن هيئتها الموضوعة لها من الزمن النبوي.
الثاني: معتمد المذهب: الإتيان بتكبيرات الانتقال، ما بين الابتداء
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 155)، وأبو داود (869)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، وابن ماجه (887)، كتاب: الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود.
(2)
رواه أبو داود (870)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده.
(3)
تقدم تخريجه.
والانتهاء، فلو ابتدأ بالتكبير قبل الشروع في الركوع، أو الرفع منه، ونحو ذلك، عالماً عمداً، أو أتمه بعد فراغه منه، لم يعتد به؛ وكذا التسميع للإمام والمنفرد، والتحميد للمأموم، وأما التحميد للإمام والمنفرد، فبعد استوائه قائماً؛ وكذا قول: رب اغفر لي بين السجدتين، ففي حال جلوسه، وأما قوله: سبحان ربي العظيم، ففي حال الركوع، وسبحان ربي الأعلى، ففي حال السجود (1).
فإذا صلى الصلاة على هذا النحو، وهذا الترتيب: فقد أداها على أكمل هيئة، وأتم صفة، وحينئذ لا بد من التمهل في الصلاة؛ ليحصل الذكر المقصود، ومحال حصول ما ذكر، مع النقر والتخفيف، الذي يرجع إلى شهوة الإمام، والمأمومين.
الثالث: القدر الواجب من التسبيح المذكور في الركوع، والسجود، وكذا طلب المغفرة بين السجدتين: مرة، وأدنى الكمال: ثلاث مرات، وأكثره للإمام: عشر مرات، ولا حد لكثرة المنفرد (2). والمراد: أنه لا يتقيد بعدد مخصوص؛ بل بحسب نشاط الشخص، ورغبته، لا أنه يتمادى فيه حتى يخرج الوقت، أو يضر بنفسه، أو نحو عياله، والله سبحانه وتعالى الموفق.
الرابع: ذكر في "الإنصاف": كون تكبير الخفض، والرفع، والنهوض؛ ابتداؤه مع ابتداء الانتقال، وانتهاؤه مع انتهائه، أو إيقاعه فيما بين طرفي الابتداء والانتهاء؛ مما يشق ويعسر، فيحتمل أن يعفى عن ذلك؛ لأن
(1) انظر: "الروض المربع" للبهوتي (1/ 197 - 198).
(2)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (2/ 115)، و"المبدع" لابن مفلح (1/ 497).
التحرز منه يعسر، والسهو به يكثر؛ ففي إبطال الصلاة به، أو السجود له مشقة.
قال ابن تميم: الأظهر: الصحة، وتابعه العلامة ابن مفلح في "الحواشي"، وصوبه في "الإنصاف" (1). قلت: وهو الإنصاف؛ وكذلك التسميع، والتحميد، والله تعالى الموفق.
* * *
(1) انظر: "الإنصاف" للمرداوي (2/ 59).