الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
وعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا، لأَتوْهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا، فَيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجالٍ، مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيوتَهُمْ بِالنَّارِ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (618)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: وجوب صلاة الجماعة، و (626)، باب: فضل العشاء في الجماعة، و (2288)، كتاب: الخصومات، باب: إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة، و (6797)، كتاب: الأحكام، باب: إخراج الخصوم وأهل الرَّيب من البيوت بعد المعرفة، ومسلم (651)، (1/ 451، 452)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة، واللفظ له، بزيادة:"إنَّ" في أول الحديث، وأبو داود (548)، كتاب: الصلاة، باب: في التشديد في ترك الجماعة، والنسائي (848)، كتاب: الإمامة، باب: التشديد في التخلف عن الجماعة، والترمذي (217)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب، وابن ماجه (791)، كتاب: المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة. =
وأشار إليه بقوله: (وعنه)؛ أي: أبي هريرة رضي الله عنه، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثقل الصلاة على المنافقين) الذين يُظْهِرون الإيمانَ، ويُبْطِنون الكفرَ، أو المراد بالنفاق هنا: نفاقُ المعصية، ومال إليه في "الفتح"؛ لأمور:
منها: أن الكافر لايصلي في بيته، إنما يصلي في المسجد رياءً وسمعة، فإذا خلا في بيته، كان كما وصفه الله تعالى من الكفر والاستهزاء.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشهدون الجماعات"(1).
وأصرحُ من هذا قولُه صلى الله عليه وسلم: "إن قومًا يصلون في بيوتهم ليستْ بهم علَّة"(2)، فهذا يدل على أن نفاقهم نفاقُ معصيةٍ لا كفرٍ (3).
(صلاةُ العشاء وصلاة الفجر).
وفيه دلالة على أن الصلاة كلَّها ثقيلة على المنافقين؛ بدليل قوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54].
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 139)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 622)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 276)، وإ شرح مسلم" للنووي (5/ 153)، وشرح عمدة الأحكام "لابن دقيق (1/ 163)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 348)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 12)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 73)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 307)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 125)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 159)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 18)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 150).
(1)
في "الفتح"(2/ 127): وقوله في حديث أسامة: "لا يشهدون الجماعة".
(2)
رواه أبو داود (549)، كتاب: الصلاة، باب: في التشديد في ترك الجماعة.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 127).
وإنما كانت العشاء والفجر أثقلَ عليهم من غيرهما ولقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقتُ السكون والراحة، والصبح وقتُ لذة النوم.
وقيل: وجهه: كونُ المؤمنين يفوزون بما يترتب عليهما من الفضل؛ لقيامهم بحقوقهما (1).
فالعشاء: وقتُ الإيواء إلى البيوت، والاجتماعُ مع الأهل، واجتماعُ ظلمة الليل، أو طلبُ الراحة من متاعب السعي بالنهار (2)، بخلاف المؤمن الكامل الإيمان، فهو عالم بزيادة الأجر لزيادة المشقة، فتكون هذه الأمور داعيةً له إلى الفعل، كما كانت صارفة للمنافقين؛ ولهذا قال:(ولو يعلمون ما)؛ أي: الذي (فيهما) من مزيد الثواب والفضل (3).
(لأتوهما)؛ أي: لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة، وهو المسجد.
(ولو) كان إتيانهم لهما (حبوًا)(4) أي: يزحفون إذا منعهم مانعٌ من المشي، كما يزحف الصغير.
(1) المرجع السابق (2/ 141).
(2)
في "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 163)، وعنه نقل الشارح هذا الإيضاح: وأما الصبح: فلأنها وقت لذة النوم، فإن كانت في زمن البرد، فهي وقت شدته؛ لبعد العهد بالشمس؛ لطول الليل، وإن كانت في زمن الحر، فهو وقت البرد والراحة من أثر حر الشمس؛ لبعد العهد بها، فلما قوي الصارف عن الفعل، ثقلت على المنافقين، وأما المؤمن الكامل
…
، إلى آخر كلامه رحمه الله الذي نقله الشارح هنا.
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 163 - 164).
(4)
قال الزركشي في "النكت"(ص: 73): فيه حذف كان واسمها، أي: ولو يكون الإتيان حبوًا، وقدَّره السهيلي في "أماليه": ولو أتوا حبوًا، لكانوا أحقاء، فحذف عامل حبوًا، وجواب لو.
ولابن أبي شيبه، حديث أبي الدرداء مرفوعًا:"ولو حبوًا على المرافِقِ والرُّكبِ"(1).
(ولقد هممت): اللام جواب القسم، والهمُّ: العزم، وقيل: دونه.
وزاد مسلم: "والذي نفسي بيده"(2). وإنه صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقسم به، والمعنى: أنَّ أَمْرَ نفوس العباد بيد الله؛ أي: بتقديره، (أن آمرَ بالصلاة فتُقام): اختلف في تعيين الصلاة، هل هي العشاء، أو الفجر، أو الجمعة؟
قال في "الفتح": رأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة، وابن أم مكتوم، وابن مسعود.
وحديث أبي هريرة هذا من رواية الأعرج عنه يومىء أنها العشاء والفجر، وعيَّنها الشراح في رواية له من هذا الوجه؛ حيث قال في صدر الحديث: أخر العشاء ليلة، فخرج فوجد الناس قليلًا، فغضب، فذكر الحديث (3).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3355)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2879)، بلفظ:"ولو حبوًا على مرافقكم وركبكم". والشارح يحكي كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(2/ 141). ثم إن الحديث موقوف على أبي الدرداء رضي الله عنه، كما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي، وليس مرفوعًا، كما زعم الحافظ، والله أعلم.
(2)
هي من زيادة البخاري، وليس من مسلم، وقد تقدم تخريجه عند البخاري برقم (618). ولعلَّ الشارح رحمه الله قد وقع في قلب كلام الحافظ ابن حجر حين نقلِه كلامَه من "الفتح"(2/ 129)، قال الحافظ في شرح حديث البخاري:"والذي نفسي بيده": هو قسم، كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقسم به، والمعنى: أن أمر نفوس العباد بيد الله؛ أي: بتقديره. ثم قال: قوله: "لقد هممت": اللام جواب القسم، والهم: العزم، وقيل، دونه، وزاد مسلم في أوله: أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسًا في بعض الصلوات، فقال:"لقد هممت".
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 416).
وعند ابن حبان: "الصلاتين العشاء والغداة"(1).
وفي رواية عجلان، والمقبري، عند الإمام أحمد: التصريحُ بتعيين العشاء (2).
وأخرج الإمام أحمد، وابن خزيمة، والحاكم، عن ابن أم مكتوم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء، فقال:"لقد هممتُ أن آمرَ بهؤلاء الذين يتخلَّفون فأُحَرِّقَ عليهم بيوتَهم"، فقال ابنُ أم مكتوم: يا رسول الله! لقد علمتَ ما بي، وليس لي قائد. زاد الإمام أحمد: وبيني وبين المسجد شجر، أو نخل، ولا أقدر على قائد كل ساعة، قال:"أتسمعُ الإقامة؟ "، قال: نعم، قال:"فاحضُرْها"(3). ولم يرخص.
ولابن حبان، من حديث جابر:"أتسمعُ الأذانَ؟ "، قال: نعم، قال:"فَأْتِها ولو حَبْوًا"(4).
(ثم) بعد الأمر بإقامة الصلاة (آمرَ رجلًا) ممَّنْ هو حاضرٌ من أصحابه (فيصليَ بالناس) تلكَ الصلاةَ القائمةَ.
(ثم أنطلقَ) من المسجد إليهم و (معي برجالٍ معهم)؛ أي: الرجال الذين معي.
(حُزَم): جمع حُزْمة: جرز (من حطب).
(1) رواه ابن حبان في "صحيحه"(2097).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 244، 377). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 128).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 423)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1479)، والحاكم في "المستدرك"(902).
(4)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(2063)، وأبو يعلى في "مسنده"(1803).
(إلى قوم): متعلق بأنطلق.
وفي لفظ: "ثم أخالفَ إلى رجال"(1)؛ أي: آتيهم من خلفهم (لا يشهدون الصلاة) جماعةً.
(فأحرِّقَ): بالتشديد، والمرادُ به: التكثيرُ، ويقال: حَرَّقَهُ: إذا بالغ في تحريقه (2).
(عليهم بيوتهم) فيه إشعارٌ بأن العقوبة ليست قاصرةً على المال، بل المراد تحريقُ المقصودين، والبيوت تبع للقاطنين بها.
وفي رواية مسلم، من طريق أبي صالح:"فأحرقَ بيوتًا على مَنْ فيها"(3).
واستدل ابنُ العربي به على جواز إعدام محلِّ المعصية؛ كما هو مذهب مالك.
وتُعقب: بأنه منسوخ كما قيل في العقوبة بالمال (4).
(بالنار) متعلق بـ: "أحرق".
وفي هذا من التهديد والوعيد ما يفيد الوجوبَ بلا ترديد.
(1) هو لفظ "الصحيحين"، كما تقدم تخريجه عند البخاري برقم (618) و (6797)، ومسلم برقم (651)، (1/ 451).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 129).
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (651)، (1/ 452)، إلا أن لفظه عنده:"ثم تحرق بيوتٌ على من فيها". وقد نقل الشارح كلام الحافظ ابن حجر في "الفتح"(2/ 129).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 129).
وروى الإمام أحمد، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممتُ أن آمرَ رجلًا فيصليَ بالناس، ثم آمرَ بأناسٍ لا يصلُّون معنا، فتُحَرَّقَ عليهم بيوتُهم"(1).
ورواه مسلم بغير هذا اللفظ (2).
وفي مسلم أيضاً، قال عبد الله رضي الله عنه: لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه، أو مريض، وإن كان المريضُ ليمشي بين رجلين حتى يأتيَ الصلاة.
وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمنا سُنَنَ الهدى، وإنَّ من سنن الهدى، الصلاةَ في المسجد الذي يؤذَّن فيه (3).
وفي مسلم عنه أيضاً: قال: من سره أن يلقى الله غدًا مُسلِمًا، فليحافظْ على هؤلاء الصلوات، حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو تركتم سنة نبيكم، لضللتم، وما من رجل يتطهرُ، فيحسنُ الطهور، ثم يعمدُ إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتبَ الله له بكل خطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيئة (4).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 394).
(2)
رواه مسلم (652)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، بلفظ:"لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".
(3)
رواه مسلم (654)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى.
(4)
رواه مسلم (654)، (1/ 453)، كتاب: المساجد ومواضع الصَّلاة، باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى.
وأخرج الإمام أحمد، عن عمرو بن أم مكتوم، قال: جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أنا ضريرٌ شاسِعُ الدار، ولي قائدٌ لا يلائمني، فهل تجد لي رخصةً أن أصلي في بيتي؟ قال:"أتسمعُ النداء؟ "، قلت: نعم، قال:"ما أجدُ لك رخصةً"(1).
وأبو داود، والنسائي، عن ابن أم مكتوم، قال: يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوامِّ والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تسمعُ حَيَّ على الصلاةِ، حَيَّ على الفلاح؟ "، قال: نعم، قال:"فحيَّ هَلا"، ورواه الحاكم، وصححه (2).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من سمع النداء، فلم يجبْ، فلا صلاة له (3).
ومثلُه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (4).
وروي مرفوعًا (5).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 423)، وأبو داود (552)، كتاب: الصلاة، باب: في التشديد في ترك الجماعة، وابن ماجه (792)، كتاب: المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة.
(2)
رواه أبو داود (553)، كتاب: الصلاة، باب: في التشديد في ترك الجماعة، والنسائي (851)، كتاب: المساجد، باب: المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن، والحاكم في "المستدرك"(901).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3464)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 174).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3463)، والبيهقى في "السنن الكبرى"(3/ 174).
(5)
رواه البزار في "مسنده"(3157)، والحاكم في "المستدرك"(899)، والبيهقي =
وفي "المسند"، وغيره:"لولا ما في البيوت من النساء والذريَّةِ، لأمرتُ أن تُقام الصلاة ..... " الحديث (1).
فبين صلى الله عليه وسلم أنه همَّ بتحريق البيوت على مَنْ لم يشهد الصلاة، وبين أنه إنما يمنُعه من ذلك مَنْ فيها من النساء والذرية، فإنهم لا يجبُ عليهم شهود الجماعة، وفي تحريق البيوت قتلُ من لا يجوز قتلُه، وكان ذلك بمنزلة إقامة الحدِّ على الحبلى (2).
وقد قال سبحانه: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25].
وفي "السنن"، من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"من سمعَ النداءَ ثم لم يُجب من غيرِ عذر، فلا صلاة له"(3).
= في "السنن الكبرى"(3/ 174)، عن أبي موسى رضي الله عنه مرفوعًا. ورواه أبو داود (551) " كتاب: الصلاة، باب: في التشديد في ترك الجماعة، وابن ماجه (793)، كتاب: المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان في "صحيحه"(2064)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/ 213)، والدارقطني في "سننه"(1/ 420)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 174)، وغيرهم، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 57): والموقوف أصح.
(1)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 367)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "مجموع الفتاوى"(23/ 229).
(3)
كذا نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(23/ 233) إلى "السنن" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وإنما هو معروف من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، كما تقدم تخريجه قريبًا عند أبي داود، وابن ماجه، وغيرهما.
ويؤيد ذلك قولُه: "لا صلاةَ لجارِ المسجد إلا في المسجد"؛ فإنه معروف من كلام علي (1)، وعائشة (2)، وأبي هريرة (3)، وابن عمر (4) رضي الله عنهم.
وقد رواه الدارقطني وغيره مرفوعًا، وقوَّى ذلك بعضُ الحفاظ، كما قاله شيخ الإسلام في "الفتاوى المصرية".
قالوا: ولا يعرف في كلام الله ورسوله، حرفُ النفي دخل على فعل شرعيٍّ إلا لتركِ واجبٍ؛ كقوله:"لا صلاةَ إلا [بأمِّ] بالقرآن"(5)، و"لا إيمانَ
(1) رواه الإمام الشافعي في "الأم"(7/ 165)، وعبد الرازق في "المصنف"(1915)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3469)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 57)، وغيرهم، موقوفًا عليه من قوله رضي الله عنه.
(2)
رواه ان حبان في "المجروحين"(2/ 94)، ومن طريقه: ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 411)، مرفوعا عنها رضي الله عنها، وهو لا يصح، كما ذكر ابن حبان وابن الجوزي.
(3)
رواه الدارقطني في "السنن"(1/ 420)، والحاكم في "المستدرك"(898)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 57)، مرفوعًا.
(4)
لم أره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا ولا مرفوعًا، ولم يعزه إليه الحفاظ؛ كابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 410)، والزيلعي في "نصب الراية"(4/ 412)، وفي "تخريج أحاديث الكشاف"(1/ 88)، وابن حجر في "الدراية" (2/ 293). والمذكور عندهم: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، ولقد رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 419)، ومن طريقه: ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 411)، مرفوعًا، قال ابن الجوزي: في إسناده مجاهيل.
(5)
رواه مسلم (394)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
لمن لا أمانةَ له" (1)، ونحو ذلك (2).
والحاصل: أن الأخبار النبوية، والآثار السلفية، دالةٌ دلالةً بينةً على الوجوب على الأعيان، لا يقال: يمكن أن يكون التهديدُ والوعيدُ على ترك فرض الكفاية، إنما نقول: لو كانت فرض كفاية، لكانت قائمةً بالرسول ومَنْ معه (3).
وإلى القول بوجوبها على الأعيان ذهب عطاء، والأوزاعي، وجماعة من محدِّثي الشافعية، وغيرهم، كأبي ثور، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان.
وبالغ داود ومن تبعه، فجعلها شرطًا لصحة الصلاة (4).
ولا يخفى توسُّطُ مذهب سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه بين طرفي التفريط والإفراط، فإن الأحاديث قاضية بالوجوب، فلم ينظر لعدمه، ولا لمن قال به؛ ممن قال بسنيتها، ولم يتغال إلى كونها شرطًا؛ لأنه لم يأمر مَنْ لم يحضرها بالإعادة.
وهذا الذي تدل عليه الأحاديث والآثار، ويقتضيه النظرُ الصحيح؛ لموافقة الخبر الصريح، والله أعلم.
* * *
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 135)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2335)، وأبو يعلى في "مسنده"(2863)، وابن حبان في "صحيحه"(194)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 97)، وغيرهم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (23/ 233).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 164).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 126).