الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ شَاكٍ؛ فَصَلَّى جَالِساً، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَاماً، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ؛ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُوتَمَّ بِهِ، فِإذَا رَكلعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإذَا صَلَّى جَالِساً؛ فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (656)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، و (1062)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: صلاة القاعد، و (1179)، كتاب: السهو، باب: الإشارة في الصلاة، و (5334)، كتاب: المرضى، باب: إذا عاد مريضاً، فحضرت الصلاة، فصلَّى بهم جماعة، ومسلم (412)، كتاب: الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام، وأبو داود (605)، كتاب: الصلاة، باب: الإمام يصلي من قعود، وابن ماجه (1237)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في "إنما جعل الإمام ليؤتم به".
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 172)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 168)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 313)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 46)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 132)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 421)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 151)، و"طرح الثريب" للعراقي (2/ 343)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 178)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 217)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 208).
(عن) أم المؤمنين (عائشة) الصديقة (- رضي الله تعالى عنها - قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته)، أي: في المشربة التي في حجرة عائشة كما بيَّنه أبو سفيان، عن جابر (1).
وهو يدل على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد، فكان يصلي في بيته بمن حضر، لكنه لم ينقل أنه استخلف.
ومن ثم قال القاضي عياض: الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد (2). وهذا الذي قاله محتمل.
ويحتمل أيضاً: أن يكون استخلف، وإن لم ينقل، لا يقال: على الأول لجزم منه صلاة الإمام أعلى من المأمومين، ومذهب مالك خلافه؛ لأن المنع حيث لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد، وهنا كان معه بعض أصحابه (3).
(وهو) صلى الله عليه وسلم (شاكٍ) -بتخفيف الكاف بوزن قاضٍ- من الشكاية، وهي المرض. وكان سبب ذلك ما في حديث أنس رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه، فجحش شقه الأيمن (4).
(فصلى) عليه الصلاة والسلام (جالساً).
(1) تقدم تخريجه عند أبي داود، برقم (602).
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 314 - 315).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 178).
(4)
رواه البخاري (657)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، ومسلم (411)، كتاب: الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام.
قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رضٌّ في الأعضاء منعه من القيام (1).
قال في "الفتح": ليس كذلك، وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم منفكة، كما في حديث بشر بن المفضل، عن حميد، عن أنس عند الإسماعيلي.
وكذا لأبي داود، وابن خزيمة، من رواية أبي سفيان، عن جابر (2).
وأما قوله: جحش كتفه، أو ساقه، أو شقه، كما تقدم في حديث أنس، فلا ينافي ذلك؛ لاحتمال وقوع الأمرين.
والجحش: الخدش، والخدش: قشر الجلد.
ووقع عند البخاري في حديث أنس: قال سفيان: حفظت من الزهري: شقه الإيمن، فلما خرجنا، قال ابن جريج: ساقه الأيمن (3).
وحاصل ذلك: أن سبب شكواه صلى الله عليه وسلم سقوطه عن الفرس، وأن تلك الشكوى انفكاك القدم الشريفة.
وأفاد ابن حبان أن هذه القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة (4).
(وصلى وراءه قوم قياماً).
وفي لفظ لمسلم، من رواية عروة، عن هشام: فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه (5)، وقد سمي منهم في الأحاديث: أنس، وجابر،
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 311).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه البخاري (772)، كتاب: صفة الصلاة، باب: يهوي بالتكبير حين يسجد.
(4)
انظر: "صحيح ابن حبان"(5/ 492). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 178).
(5)
تقدم تخريجه من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (412) عنده.
وأبو بكر، وعمر - رضوان الله عليهم -.
(فأشار) صلى الله عليه وسلم (إليهم) هكذا للأكثر، وهو الأصح. ووقع في البخاري هنا للحموي: فأشار عليهم - من المشورة.
يؤيد الأول أنه روي بلفظ: فأومأ إليهم (1).
وفي رواية عند عبد الرزاق، بلفظ: فأخلف بيده، يومىء بها إليهم (2).
(أن اجلسوا) يعني: فجلسوا.
(فلما انصرف) صلى الله عليه وسلم من صلاته، (قال) لهم عليه الصلاة والسلام:(إنما جعل الإمام) -أي: إماماً- (ليؤتم)، أي: يقتدى (به)، ويتبع، ومن شأن التابع ألا يسبق المتبوع، ولا يساويه، ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله، ويأتي على أثره. كما تقدم ذلك في الحديث الذي قبله.
(فإذا ركع) الإمام، (فاركعوا) أنتم بعد شروعه في الركوع.
(وإذا رفع) من الركوع، (فارفعوا) أنتم بعده.
وزاد في رواية عند مسلم: "وإذا سجد فاسجدوا"، وهذا يتناول الرفع من الركوع، والرفع من السجود، وجميع السجدات، كما في "الفتح"(3).
(وإذا قال) الإمام في حال رفعه من الركوع: (سمع الله لمن حمده)، (فقولوا) أنتم في حال رفعكم منه:(ربنا ولك الحمد).
(وإذا صلى) الإمام (جالساً) لعذرٍ يبيح له ذلك، وكان إماماً راتباً
(1) كما في رواية أبي يعلى في "مسنده"(4807)، من رواية أيوب، عن هاشم، به.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(4080). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 178).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 179).
بمسجد، وعذره مرجواً لزواله، ولم يبتد الصلاة قائماً (فصلوا) أنتم وراءه (جلوساً) -ندباً- (أجمعون).
كذا في جميع الطرق في "الصحيحين" بالواو.
غير أن الرواة اختلفوا في رواية همام، عن أبي هريرة، فقال بعضهم:"أجمعين"(1) -بالياء-.
والأول: تأكيد لضمير الفاعل في قوله: "صلوا". وأخطأ من ضعفه، كما في "الفتح"؛ فإن المعنى عليه.
والثاني: نصب على الحال؛ أي: جلوساً مجتمعين، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب، كأنه قال: عنيتكم أجمعين، والله أعلم (2).
* * *
(1) كما رواه عبد الرزاق في "المصنف"(4082)، ومن طريقه: أبو نعيم في "المستخرج"(922)، وغيرهما.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 180).