المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث عَنْ أَنَسِ بْنِ ماِلكٍ رضي الله عنه: أَنَّ جَدَّتَهُ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع لأحكام متفرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث عَنْ أَنَسِ بْنِ ماِلكٍ رضي الله عنه: أَنَّ جَدَّتَهُ

‌الحديث الثالث

عَنْ أَنَسِ بْنِ ماِلكٍ رضي الله عنه: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:"قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ"، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إلى حَصِيرٍ لَنَا؛ قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْتُ أَنَا وَاليَتِيمُ وَرَاءَهُ، والعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ صلى الله عليه وسلم (1).

ولمسلم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بهِ وَبأُمِّهِ؛ فَأَقَاَمَني عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ المَرْأَةَ خَلْفَنَا (2).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (373)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: الصلاة على الحصير، و (694)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: المرأة وحدها تكون صفًا، و (822)، كتاب: صفة الصلاة، باب: وضوء الصبيان، و (833)، باب: صلاة النساء خلف الرجال، و (1111)، كتاب: التطوع، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى، ومسلم (658)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة في النافلة، وأبو داود (612)، كتاب: الصلاة، باب: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون، والنسائي (801)، كتاب: الإمامة، باب: إذا كانوا ثلاثة وامرأة، والترمذي (234)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء.

(2)

رواه مسلم (660)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز =

ص: 241

اليتيمُ: قيل: هو ضُميرةُ جدُّ حُيَيٍّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ ضُميرةَ.

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، (عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جدته مليكة)؛ -بالضم تصغير ملكة-، واختلف في الضمير من جدته:

فقيل: يعود على إسحاق، جزم به ابن عبد البر (1) وعبد الحق، والقاضي عياض (2)، وصححه النووي (3).

وقيل: بل على أنس، وهو ظاهر صنيع الحافظ المصنف رحمه الله

= الجماعة في النافلة، وأبو داود (609)، كتاب: الصلاة، باب: الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان، والنسائي (805)، كتاب: الإمامة، باب: موقف الإمام إذا كان معه صبي وامرأة، وابن ماجه (975)، كتاب: الصلاة، باب: الاثنان جماعة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 174)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 268)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 30)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 635)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 285)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 162)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 197)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 412)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 248)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 82)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 489)، و"عمدة القاري" للعشِي (4/ 110)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 220).

(1)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (1/ 264).

(2)

انظر: "إكمال المعلم"(2/ 635)، و"مشارق الأنوار" كلاهما للقاضي عياض (2/ 372).

(3)

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 580).

ص: 242

تعالى-. وجزم به ابن منده، وابن سعد، وغيرهما.

ويؤيده ما في "فوائد العراقيين" لأبي الشيخ، من طريق القاسم بن يحيى المقدمي، عن عبد الله بن عمر، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس، قال: أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها مليكة، فجاءنا، فحضرت الصلاة، الحديث (1).

قال ابن سعد في "الطبقات": أم سليم بنت ملحان -فساقَ نسبها- إلى عدي بن النجار، ثم قال: وهي الغميصاء، ويقال: الرميصاء، ويقال اسمها: سهلة، ويقال: أُنَيفة -بالنون والفاء- مصغرة، ويقال: رُمَيثة، وأمها مليكة بنت مالك بن عدي. فساق نسبها إلى مالك بن النجار، ثم قال: تزوجها -أي: أم سليم- مالكُ بن النضر، فولدت له أنسَ بنَ مالك، ثم خلف عليها أبو طلحة، فولدت له عبدَ الله، وأبا عمير.

وأبو عمير هذا هو الذي كان يداعبه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول له:"يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ "(2).

وعبد الله هو والد إسحاق راوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك.

ومقتضى كلام من أعاد الضمير في "جدته" إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم: مليكة (3).

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 489).

(2)

رواه البخاري (5778)، كتاب: الأدب، باب: الانبساط إلى الناس، ومسلم (2150)، كتاب: الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

وانظر ترجمتها في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/ 424)، و"الاستيعاب" =

ص: 243

ومستندهم في ذلك ما رواه ابن عيينة، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس قال: صففت أنا واليتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأمي أم سليم خلفنا، هكذا أخرجه البخاري (1).

قال في "الفتح": ويحتمل تعددها، فلا تخالف (2).

(دعت) أم سليم، أو أمها. والأول أظهر.

(رسول الله صلى الله عليه وسلم صنعته لى، فأكل) صلى الله عليه وسلم (منه)

فيه دلالة: على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من التواضع، وإجابة دعوة الداعي.

ويستدل به: على إجابة أهل الفضل لمن دعاهم لغير الوليمة (3).

قال في "الفتح": قوله: لطعام؛ أي: لأجل طعام؛ وهو مشعر بأن مجيئه كان لذلك، لا ليصلي بهم، ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم، كما في قصة عتبان، وبدأ في قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام، وهنا بالطعام قبل الصلاة، فبدأ في كلٍّ منهما بأصل ما دعي لأجله (4).

(ثم قال) صلى الله عليه وسلم لهم: (قوموا فلأصلي لكم).

فيه: دليل على ترك الوضوء مما مست النار؛ لكونه صلى بعد الطعام. وفيه نظر؛ لما رواه الدارقطني في "غريب مالك"، عن البغوي، عن

= لابن عبد البر (4/ 1914)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 579)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (8/ 124).

(1)

تقدم تخريجه في حديث الباب برقم (694)، إلا أنه قال:"صليت" بدل "صففت".

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 489).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 198).

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 489 - 490).

ص: 244

عبد الله بن عون بن مالك، ولفظه: صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأكل منه وأنا معه، ثم دعا بوضوء فتوضأ

الحديث (1).

قوله: "فلأصلي لكم" كذا هو في الرواية -بكسر اللام وفتح الياء-. وفي رواية الأصيلي: بحذف الياء (2).

قال ابن مالك: روي بحذف الياء وثبوتها، مفتوحة وساكنة، ووجهه: أن اللام عند ثبوت الياء مفتوحةً لامُ كي، والفعل بعدها منصوبٌ بأن مضمرة، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير:[قوموا] قيامكم لأصلي لكم.

ويجوز على مذهب الأخفش كون الفاء زائدة، واللام متعلقة بقوموا، وعند سكون الياء يحتمل كون اللام أيضاً لام كي، وسكنت الياء تخفيفاً، أو لام الأمر، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح؛ كقراءة قنبل (من يتقي ويصبر) [يوسف: 90] (3).

وعند حذف الياء اللام لام الأمر، وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح، إلا أنه قليل في الاستعمال؛ ومنه قوله -تعالى-:{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]. قال: ويجوز فتح اللام (4).

وحكى ابن قرقول في بعض الروايات: "فَلِنُصَلِّ" -بالنون وكسر اللام والجزم-، واللام على هذا لام الأمر، وكسرها لغة معروفة (5).

(1) المرجع السابق، (1/ 490).

(2)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 635).

(3)

انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 297).

(4)

انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 243).

(5)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 45).

ص: 245

والمر اد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لكم"؛ أي: لأجلكم.

قال السهيلي: الأمر هنا بمعنى الخبر، وهو كقوله تعالى:{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75]، ويحتمل أن يكون أمراً لهم بالائتمام، لكنه أضافه لنفسه؛ لارتباط فعلهم بفعله (1).

(قال أنس) رضي الله عنه: (فقمنا إلى حصير لنا).

قال ابن بطال: إن كان ما يصلي عليه كبيراً قدر طول الرجل فأكثر، فإنه يقال له: حصير، ولا يقال له: خُمْرَة، وكل ذلك يُصنع من سَعَف النخل وما أشبهه (2).

(قد اسودَّ) ذلك الحصير (من طول ما لُبِس). فيه: أن الافتراش يسمى: لبساً.

واستدل به: على منع افتراش الحرير؛ لعموم النهي عن لبس الحرير، ولايرد على ذلك من حلف لا يلبس حريراً، فإنه لا يحنث بالافتراش؛ لأن الأيمان مبناها على العرف، حيث لا نية، ولا سبب، مع أن تحريم افتراش الحرير قد ورد فيه نص يخصه (3).

(فنضحته) الضمير يرجع إلى الحصير، والفاعلُ أنس- رضي الله عنه (بماء)، والنضح يطلق على الغسل وعلى ما دونه، وهو الأشهر، فيحتمل إرادة الغسل؛ إما لتطهيره، أو لتليينه، وتهيئة الجلوس عليه، أو ما دون

(1) انظر: "الأمالي" للسهيلي (ص: 94). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 490).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 488).

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 198).

ص: 246

الغسل، ويكون لتليينه. والنضح تستحبه المالكية لما شُك في نجاسته (1).

(فقام عليه)؛ أي: الحصير بعد نضحه (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيمُ) كذا للأكثر.

وفي بعض الروايات: فصففت واليتيم، بغير ضمير فصل، والأول أفصح. ويجوز في اليتيم الرفع والنصب (2).

(وراءه) صلى الله عليه وسلم متعلق بـ: فصففت.

(والعجوز) هي مليكة المذكورة.

(من ورائنا) وهذا دليل لقول الجمهور بأن موقف الاثنين وراء الإمام، خلافاً لمن قال من الكوفيين: إن أحدهما يقف عن يمينه، والآخر عن يساره، وحجتهم في ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه أبو داود وغيره: أنه أقام علقمة عن يمينه، والأسود عن شماله (3).

وأجاب عنه ابن سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان، رواه الطحاوي (4).

وفيه: دليل على أن المرأة لا تصف مع الرجال، وأصل ذلك ما يخشى من الافتتان بها، فلو خالفت، أجزأت صلاتها عند الجمهور. وعند الحنفية: تفسد صلاة الرجل دون المرأة.

(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 490)، ونسب الحافظ رواية:"فصففت واليتيم" للمستملي والحموي.

(3)

رواه أبو داود (613)، كتاب: الصلاة، باب: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون، والنسائي (799)، كتاب: الإمامة، باب: موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة، والاختلاف في ذلك، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 424).

(4)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 306).

ص: 247

قال في "الفتح": وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف؛ حيث قال قائلهم: دليله قول ابن مسعود: أخروهن من حيث أخرهن الله (1)، والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب فيه إلا مكان الصلاة. فإذا حاذت الرجل، فسدت صلاة الرجل؛ لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها. قال: وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه، انتهى (2).

وفي "الفروع" للعلامة ابن مفلح: وإن وقفَتْ مع رجال، لم تبطل صلاة من يليها وخلفها، خلافاً لأبي حنيفة، ولا تبطل صلاتها؛ وفاقاً للثلاثة.

وقال الشريف، وأبو الوفاء ابن عقيل: بلى، وهو مذهب داود، والمعتمد: لا تبطل، والله الموفق (3).

(فصلى) النبي صلى الله عليه وسلم (لنا)؛ أي: لأجلنا (ركعتين)؛ إما للتعليم، أو لحصول البركة بالاجتماع فيها، أو بإقامتها في المكان المخصوص، وهو الذي يشعر به قوله صلى الله عليه وسلم:"لكم"؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم، كأنه أراد تعليم المرأة أفعال الصلاة بالمشاهدة، فإنها قد يخفى عليها بعض تفاصيل الصلاة؛ لبعد موقفها.

وفيه: مشروعية الجماعة في النافلة في البيت.

وتنظيف مكان المصلي.

وقيام الصبي مع الرجل في النفل صفاً.

وتأخير النساء عن صفوف الرجال.

(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(5115)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1700)، والطبراني في "المعجم الكبير"(9484).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 212).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 26 - 27).

ص: 248

وقيام المرأة صفاً وحدها إذا لم تكن مع نساء، إلا إذا صلت مع امرأة أو نساء، فإنها لا تقف خلفها أو خلفهن وحدها، فإن فعلت، نفذ، كما سننبه عليه (1).

(ثم انصرف صلى الله عليه وسلم) بعد صلاته إلى بيته، أو من صلاته.

(و) في رواية (لمسلم) دون البخاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه)، قال أنس رضي الله عنه:(فأقامني) أنا (عن يمينه)، (وأقام) صلى الله عليه وسلم (المرأة) التي هي أم أنس (خلفنا).

والذي في مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته -بالشك- (2).

وفي رواية: عن أنس عندهما، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، وما هو إلا أنا وأمي، وأم حرام خالتي، فقال:"قوموا فلأصلي لكم" في غير وقت صلاة، فصلى بنا -فقال لثابت: أين جعل أنساً منه؟ قال: جعله عن يمينه-، ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير، الحديث. والمراد: أهل بيتهم (3).

والحاصل: أن موقف المرأة الواحدة خلف الرجال، فإذا كان إمام ومأموم رجل وامرأتان، وقف الرجل عن يمين الإمام، ووقفت الامرأتان خلفه.

قال الحافظ -قدس الله روحه-: (اليتيم) الذي قال عنه أنس - رضي الله

(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 490).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه مسلم (660)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة في النافلة. والحديث من أفراد مسلم عن البخاري، فلم يروه البخاري في "صحيحه" بهذا السياق، والله أعلم.

ص: 249

عنه -: إنه صف هو وإياه ([قيل]: هو): (ضُمَيرة) -بضم الضاد المعجمة وفتح الميم على التصغير- ابن أبي ضميرة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولأبيه أبي ضميرة صحبة، وهو (جد حُيَيّ) -بضم الحاء المهملة فياءين تحتيتين الأولى منهما مفتوحة- (بن عبدالله بن ضميرة) يعد في أهل المدينة (1).

ذكر ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن حيي بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده ضميرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي، فقال:"ما يبكيك؟ أجائعة أنت أم عارية؟ "، قالت: يا رسول الله! فرق بيني وبين ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يفرق بين الوالدة وولدها"، ثم أرسل إلى الذي عنده ضميرة، فابتاعه منه (2).

وهذا الصحيح المعتمد عند الحفاظ.

وقال ابن بشكوال: وقيل: إن اسم اليتيم: سليم. كذا وقع في حديث يحيى بن يحيى التميمي، عن سفيان، قال: وأخشى أن يكون تصحيفاً مكان يتيم سليم. والأول: هو المحفوظ -يعني: ضميرة- (3)، كما في "شرح

(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 388)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 199)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1695)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (3/ 495).

(2)

رواه ابن وهب (10/ 281 - "المدونة" لابن قاسم)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 126)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 35)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 272)، وابن حجر في "الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع" (ص: 42 - 43).

(3)

انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 171).

ص: 250

الزهر" (1). وجزم في "الفتح" بأنه تصحيف (2)، والله أعلم.

تنبيهات:

الأول: أفضل الصفوف: الأول، ففي "الصحيحين"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه -أي: يقترعوا-، لاستهموا"(3).

وفي لفظ لمسلم: "لو يعلمون ما في الصف المقدم، لكانت قرعة"(4).

وفي "صحيح مسلم"، و"سنن أبي داود"، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة- رضي الله عنه:"خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"(5)، والمراد: إذا صلَّيْنَ مع الرجال، وإلا فكالرجال.

وهذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر بن

(1) للبرماوي، وقد تقدم الكلام عنه.

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 490).

(3)

رواه البخاري (590)، كتاب: الأذان، باب: الاستهام في الأذان، ومسلم (437)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها.

(4)

رواه مسلم (439)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها.

(5)

رواه مسلم (440)، كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، وأبو داود (678)، كتاب: الصلاة، باب: صف النساء، وكراهية التأخر عن الصف الأول، والنسائي (820)، كتاب: الإمامة، باب: ذكر خير صفوف النساء، وشر صفوف الرجال، والترمذي (224)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في فضل الصف الأول، وابن ماجه (1000)، كتاب: الصلاة، باب: صفوف النساء.

ص: 251

عبد الله، وغيرهم رضي الله عنهم (1).

والمراد بالصف الأول: الذي يلي الإمام مطلقاً.

قال في "الفروع": يسوي الإمام الصفوف، ويُكمل الأول فالأول، ويتراصون، ويمينُه والصفُّ الأولُ للرجال أفضلُ.

قال ابن هبيرة: وله ثوابه، وثوابُ من وراءه، ما اتصلت الصفوف؛ لاقتدائهم به.

قال الأصحاب: وكذا كلَّما قرب منه أفضل، ويقرب الإمام الأفضل والصف منه، وللأفضل تأخيرُ المفضول، والصلاةُ مكانَه، ذكره بعضُهم؛ لأن أبياً نَحَّى قيسَ بن عُباد، وقام مكانه، فلما صلى، قال: يا بني! لا يَسُؤْك الله، فإني لم آتك الذي أتيت بجهالة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كونوا في الصف الذي يليني"، وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك. إسناده جيد، رواه الإمام أحمد، والنسائي (2).

وظاهر ما حكاه الإمام أحمد عن عبد الرزاق: أن نقرة الإمام أفضل (3).

وفي حواشي "الفروع" لابن مفلح: قال الإمام أحمد- رضي الله عنه لحَرْمي: كم فضل الصلاة عند الناس من الفرادى إلى الجماعة؟ فقال حَرْمي: خمس وعشرون، فقال الإمام أحمد: إني سمعت عبد الرزاق يقول: إنها مئة صلاة، من أجاب الداعي، فهي خمس وعشرون، ومن صلى في الصف الأول، فهي خمسون، ومن صلى يَمْنة الإمام، فهي خمس

(1) انظر: "سنن الترمذي"(1/ 436)، و"الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 187).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 140)، والنسائي (808)، كتاب: الإمامة، باب: موقف الإمام، والمأموم صبي.

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 375).

ص: 252

وسبعون، ومن صلى نُقْرة الإمام، فهي مئة صلاة (1).

وفي "وصية ابن الجوزي" لولده: اقصد وراء الإمام.

واستوجه في "الفروع" أن بعد يمينه ليس أفضل من قرب يساره، ولعله مرادهم، انتهى (2).

لأنهم قالوا في الحض على الصف الأول: المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قدامه، وسلامة موضع سجوده من أذيال المصلين (3).

قال في "الفروع": وفي كراهة ترك الصف الأول للقادر وجهان (4). قلت: المذهب الكراهة.

قال في "الإنصاف": على الصحيح من المذهب (5)، ومشى عليه في "الإقناع"(6)، وغيره.

قال في "الفروع": وهو -أي: الصف الأول- ما يقطعه المنبر؛ وفاقاً للأئمة الثلاثة (7)، صححه في "الإنصاف"، وقال: عليه الأصحاب (8).

(1) انظر: "حاشية ابن قندس على الفروع"(2/ 160).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 358).

(3)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 208).

(4)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 358).

(5)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (2/ 40).

(6)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (1/ 172).

(7)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 358).

(8)

انظر: "الإنصاف" للمرداوي (2/ 41).

ص: 253

والمراد: أنه أول صف يلي الإمام، قطعه المنبر أولا، كما قدمنا، لا أول صف يلي المنبر (1).

ويحافظ على الصف الأول، وإن فاتته ركعة، إلا إن خاف فوت الجماعة (2).

وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً، وللثاني مرة. رواه ابن ماجه، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما (3).

وروى الإمام أحمد بإسناد لا بأس به، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول"، قالوا: يا رسول الله! وعلى الصف الثاني؟ قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول"، قالوا: يا رسول الله! وعلى الصف الثاني؟ قال: "وعلى الثاني"(4).

وروى أبو داود، وابن ماجه، بإسناد حسن، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف"(5).

(1) انظر: "كشاف القناع" للبهوتي (1/ 328).

(2)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 358).

(3)

رواه النسائي (817)، كتاب: الإمامة، باب: فضل الصف الأول على الثاني، وابن ماجه (996)، كتاب: الصلاة، باب: فضل الصف المقدم، وابن خزيمة في "صحيحه"(1558)، والحاكم في "المستدرك"(788).

(4)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 262).

(5)

رواه أبو داود (676)، كتاب: الصلاة، باب: من يستحب أن يلي الإمام في الصف، وكراهية التأخر، وابن ماجه (1005)، كتاب: الصلاة، باب: فضل ميمنة الصف.

ص: 254

الثاني: السنة أن يقف المأموم خلف الإمام إذا كانوا اثنين فصاعداً، رجالاً كانوا أو نساء، وفاقاً. ولا يصح قُدَّامه بإحرام فأكثر؛ لأنه ليس موقوفاً بحال؛ خلافاً لمالك (1).

ويأتي تفاصيل هذا، في الحديث الآتي -إن شاء الله تعالى-.

الثالث: لا تصح صلاة الفذ -على المعتمد-، فإن صلى فذاً ركعة -ولو امرأة خلف امرأة-، لم تصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لفذ خلف الصف" رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، من حديث علي بن شيبان، قال: خرجت وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصلينا خلفه، فرأى صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي خلف الصف، فوقف حتى انصرف الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استقبل صلاتك، فلا صلاة لفرد خلف الصف"(2).

قال الحافظ ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق": إسناده قوي. وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: هذا الحديث حسن؟ قال: نعم (3).

وروى الإمام أحمد، من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد صلاته. ورواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن (4).

(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 23).

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 23)، وابن ماجه (1003)، كتاب: الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده. وانظر: "كشاف القناع" للبهوتي (1/ 490).

(3)

انظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (2/ 34).

(4)

الإمام أحمد في "المسند"(4/ 228)، وأبو داود (682)، كتاب: الصلاة، باب: الرجل يصلي وحده خلف الصف، والترمذي (230)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده.

ص: 255

وقال الإمام أحمد: حديث وابصة حديث حسن.

وقال ابن المنذر: ثبته أحمد وإسحاق (1).

وهو قول النخعي، وابن المنذر.

وعند الثلاثة: تصح صلاة الفذ، وكذا أجازها الحسن.

احتجوا بحديث أبي بكرة رضي الله عنه؛ حيث أحرم وركع دون الصف، ثم دخل الصف (2)، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة؛ ولأنه موقف المرأة.

ولنا: مع ما تقدم، أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل صلى وراء الصف وحده، فقال:"يعيد" رواه تمام في "الفوائد"(3).

وأما حديث أبي بكرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه فقال:"لا تعد".

والنهي يقتضي الفساد، وعذره صلى الله عليه وسلم فيما فعله لجهله، وللجهل تأثير في العفو (4)، والله أعلم.

* * *

(1) انظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (2/ 34).

(2)

رواه البخاري (750)، كمَاب: صفة الصلاة، باب: إذا ركع دون الصف.

(3)

رواه تمام الرازي في "فوائده"(887)، من حديث وابصة بن معبد الجهني رضي الله عنه.

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 22 - 23).

ص: 256