المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الصفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الإمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بين يدي المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع لأحكام متفرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ

‌الحديث الثاني

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالقِرَاءَةَ بِـ:"الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ"، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ؛ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَم يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِداً، وَكَانَ يَقُولُ في كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّةَ، وكَان يَفْرُشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ويَنْصِبُ رِجْلَهُ اليُمْنَى، وكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بالتَّسْلِيمِ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه مسلم (498)، كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به

، وأبو داود (783)، كتاب: الصلاة، باب: من لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وابن ماجه (893)، كتاب: الصلاة، باب: الجلوس بين السجدتين. والحديث من أفراد مسلم، فلم يخرجه البخاري في "صحيحه"، وسيأتي تنبيه الشارح رحمه الله عليه من كلام الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والإمام ابن دقيق العيد -رحمهما الله-.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 199)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 409)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 98)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 213)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 213)، و"العدة في =

ص: 319

(عن) أم المؤمنين (عائشة) الصديقة (رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة)؛ أي: يقصد استفتاحها (بالتكبير)، أي: بقوله: "الله أكبر" بالرفع، قال ابن سِيْده: حمله سيبويه على الحذف؛ أي: أكبر من كل شيءٍ.

وقيل: أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بوحدانيته (1).

وقال الأزهري: قيل: أكبرُ كبير، كقوله: هو أعز عزيزٍ. ومنه قول الفرزدق: [من الكامل]

إِنَ الذي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لنا

بيتاً دعائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ (2)

أراد: دعائمه أعز عزيزٍ، وأطول طويلٍ (3).

وفي حديث المسيء في صلاته عند أبي داود بلفظ: "لا تتم صلاة أحد من النالس، حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يُكَبِّر"(4).

وحديث أبي حُميد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، اعتدل قائماً، ورفع يديه، ثم قال:"الله أكبر" رواه الترمذي (5).

= شرح العمدة" لابن العطار (1/ 446)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 93)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 166).

(1)

انظر: "المحكم" لابن سيده (3/ 171)، (مادة: كبر).

(2)

انظر: "ديوان الفرزدق"(2/ 155).

(3)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (10/ 214 - 215)، (مادة: كبر). وانظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 70)، وعنه أخذ الشارح رحمه الله هنا.

(4)

رواه أبو داود (857)، كتاب: الصلاة، باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه.

(5)

رواه الترمذي (304)، كتاب: الصلاة، باب:(227)، وقال: حسن صحيح.

ص: 320

فهذا فيه بيان المراد بالتكبير.

(و) كان صلى الله عليه وسلم يستفتح (القراءة) في الصلاة (بالحمدُ لله رب العالمين) بضم دال "الحمدُ" على الحكاية؛ أي: كان صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بهذا اللفظ، من غير أن يجهر بالبسملة.

قال بعض رواته عن شعبة وغيره: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، خرجه مسلم (1)، وفي بعض الروايات: فلم يكونوا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2).

ويأتي الكلام على ذلك بعد ثلاثة أبواب.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا ركع) يضع يديه على ركبتيه، فيمكِّنهما من ركبتيه، ويفرِّج بين أصابعه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، ثم اعتدل في ركوعه، وجعل رأسه حيال ظهره، (لم يُشْخِص) النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء ركوعه (رأسَه) الشريف؛ أي: لم يرفعه.

(ولم يصوِّبه)؛ أي: رأسه؛ أي: لم يخفضه. (ولكن) كان صلى الله عليه وسلم يجعله (بين ذلك)؛ أي: ما بين الرفع والخفض؛ بأن يَهْصر ظهرَه الشريف، ويمدَّه؛ ولم يجمعه، فهكذا كان ركوعه صلى الله عليه وسلم.

ولا ريب أن الركوع لغةً: هو مجرد الانحناء (3)، والمقصود: الانحناء

(1) رواه مسلم (399)، كتاب: الصلاة، باب: حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، عن أنس رضي الله عنه.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 275)، وابن حبان في "صحيحه"(1803)، وغيرهما.

(3)

انظر: "لسان العرب" لابن منظور (8/ 133)، (مادة: ركع).

ص: 321

الشرعي؛ بحيث يكون رأس المصلي حيال ظهره؛ أي: بإزائه وقبالته (1).

وفي حديث وابصة رضي الله عنه عند أبي داود بإسنادٍ حسنٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع، سوى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر (2).

ورواه الطبراني أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (3).

وعن أبي برزة (4)، وابن مسعود رضي الله عنهما (5).

(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذ رفع رأسه من الركوع) مع إتيانه بالتكبير والتسميع والتحميد مع رفع اليدين، كل شيء من ذلك في محاله، كما يأتي.

(لم يسجد حتى يستوي قائماً)، وكان يطيل الطمأنينة هنا، ويأتي بالذكر المشروع كما سيأتي، ثم يكبر صلى الله عليه وسلم، ويخر ساجداً، ولا يرفع يديه، وكان يضع ركبتيه قبل يديه، هكذا قال عنه وائل بن حجر (6)، وأنس بن مالك (7).

(1) انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 75).

(2)

لم يروه أبو داود في "سننه"، ولا عزاه إليه أحد من الحفاظ، وقد رواه ابن ماجه (872)، كتاب: الصلاة، باب: الركوع في الصلاة.

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12781).

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5676).

(5)

رواه الطبراني في "المعجم الصغير"(36)، لكن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وكذا نسبه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 123).

(6)

رواه أبو داود (838)، كتاب: الصلاة، باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه، والنسائي (1089)، كتاب: التطبيق، باب: أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، والترمذي (268)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، وابن ماجه (882)، كتاب: الصلاة، باب: السجود.

(7)

رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 345)، والحاكم في "المستدرك"(822)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 99).

ص: 322

وقال عنه ابن عمر: إنه كان يضع يديه قبل ركبتيه (1).

واختلف على أبي هريرة رضي الله عنه، ففي "السنن"، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا سجد أحدُكم-، فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضعْ يديه قبلَ ركبتيه"(2).

وروى عنه المقبري، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا سجد أحدكم، فليبدأ بركبتيه قبل يديه"(3).

فأبو هريرة قد تعارضت الرواية عنه.

وحديث وائل، وابن عمر قد تعارضا، فرجحت طائفة حديث وائل بن حجر، وسلكت طائفة مسلك النسخ، وقالت: كان الأمر الأول وضع اليدين قبل الركبتين، ثم نسخ بوضع الركبتين أولاً، وهذه طريقة ابن خزيمة (4)، وروى في ذلك حديثاً عن سعد، قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين (5)، وهذا لو ثبت، لكان فيه الشفاء.

(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(627)، والحاكم في "المستدرك"(821)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 100).

(2)

رواه أبو داود (840)، كتاب: الصلاة، باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه، والنسائي (1091)، كتاب: التطبيق، باب: أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، والترمذي (269)، كتاب: الصلاة، باب:(200)، وقال: غريب.

(3)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2702)، وأبو يعلى في "مسنده"(6540)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 255)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 100).

(4)

قال ابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 319)، باب: ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود منسوخ، وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ.

(5)

رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(628)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 100).

ص: 323

لكن في سنده يحيى بن سلمة بن كهيل، قال البخاري: عنده مناكير، وقال ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث (1).

قال الإمام ابن القيم في كتابه: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ": هذه القضية مما وهم فيها يحيى أو غيره، وإنما المعروف عن مصعب بن سعد، عن أبيه: نسخُ التطبيق في الركوع بوضع اليدين على الركبتين، فلم يحفظ هذا الراوي، فقال: المنسوخ وضع اليدين قبل الركبتين (2).

والحاصل: أن المشروع أن يضع ركبتيه أولاً، ثم يديه، وفاقاً لأبي حنيفة والشافعي.

وفي رواية مرجوحة: يضع يديه أولاً، ثم ركبتيه، وفاقاً لمالك، ثم يضع جبهته وأنفه (3).

قال الإمام ابن القيم: المصلي في انحطاطه إلى السجود ينحط منه إلى الأرض الأقرب إليها أولاً، ثم الذي من فوقه، ثم الذي من فوقه، حتى ينتهي إلى أعلى ما فيه، وهو وجهه، فإذا رفع رأسه من السجود، ارتفع أعلى ما في أولاً، ثم الذي دونه، حتى يكون آخر ما يرتفع منه ركبتاه (4).

وكان صلى الله عليه وسلم يسجد على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وكان يعتمد على أليتي كفيه، ويرفع

(1) انظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 400)، و"صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " لابن القيم (ص: 236).

(2)

انظر: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " لابن القيم (ص: 236 - 237).

(3)

انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 379).

(4)

انظر: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " لابن القيم (ص: 238).

ص: 324

مرفقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه (1)، وإنما يطلب ذلك من المصلي إذا لم يؤذ جاره.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا رفع رأسه) الشريف (من السجدة) الأولى مع إتيانه بالذكر المشروع، (لم يسجد) السجدة الثانية (حتى يستوي) بعد ارتفاعه من السجدة الأولى (قاعداً)، فكان يرفع رأسه مكبراً.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (يقول في كل ركعتين) من صلاته: (التحية)، ويأتي الكلام على ذلك في باب التشهد بعد ستة أبواب.

(وكان) عليه الصلاة والسلام (يَفْرُش) -بفتح الياء المثناة تحت، والمشهور فيه ضم الراء، وأما كسرها، فذكره أبو حفص بن مكي في لحن العوام، فقال: يكسرون الراء من "يفرش"، والصواب ضمها (2).

(رجله اليسرى) ويجلس عليها (وَينْصِب) -بفتح المثناة وسكون النون وكسر الصاد المهملة-؛ أي: يرفع (رجله اليمنى) على هيئة المتخشع المتذلل المسكين التي نفسه بين يدي سيده ومولاه.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (ينهى عن عُقْبَةِ الشيطان).

قال في "النهاية": عقبة الشيطان: هو أن يضع المصلي أَلْيَيْهِ على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء.

وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء (3)، والأول أصح هنا، والله أعلم.

(1) المرجع السابق، (ص: 239).

(2)

انظر: "غريب ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 69)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 93).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 269).

ص: 325

(و) كان صلى الله عليه وسلم (ينهى أن يفترش الرجل) -يعني: الشخص المصلي- (ذراعيه) - تثنية ذراع، يذكر ويؤنث، وهو العظم من المرفق إلى الكوع - (1)(افتراش السبع)، وهو أن يبسط ذراعيه في السجود ولا يرفعهما عن الأرض، كما يبسط الكلب والذئب ذراعيه.

والافتراش: افتعال من الفَرْش والفِرَاش، والمرأة تسمى فِراشاً؛ لأن الرجل يفترِشها (2).

والسبع: هو الحيوان المفترس، والجمع: أسبع، وسباع (3).

ومن العجائب أنه قيل: إنما سمي سبعاً؛ لكونه يمكث في بطن أمه سبعة أشهر، ولا تلد الأنثى أكثر من سبعة أولاد، ولا ينزو الذكر منها على الأنثى إلا بعد سبع سنين من عمره.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (يختم الصلاة بالتسليم)، فجعل التسليمَ تحليلاً لها، يخرج به المصلي منها، كما يخرج بتحليل الحج منه، فكان هذا التحليل، دعاء الإمام لمن وراءه بالسلامة التي هي أصل الخير وأساسه، فشرع لمن وراءه أن يتحللوا بمثل ما تحلل به الإمام. وفي ذلك دعاء له وللمصلين معه بالسلام.

ثم شرع ذلك لكل مصل، وإن كان منفرداً، فلا أحسن من هذا التحليل للصلاة، كما أنه لا أحسن من كون التكبير تحريماً لها، فتحريمها: تكبير الله تعالى الجامع لإثبات كل كمال له، وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وإفراده وتخصيصه بذلك، وتعظيمه وإجلاله.

(1) انظر: "لسان العرب" لابن منظور (8/ 93)، (مادة: ذرع).

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 429 - 430).

(3)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 938)، (مادة: سبع).

ص: 326

فالتكبير لمجضن تفاصيل أفعال الصلاة وأقوالها وهيئاتها، فالصلاة من أولها إلى آخرها تفصيل لمضمون: الله أكبر، فلا أحسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد.

وهذا التحليل المتضمن للإحسان إلى إخوانه المؤمنين؛ فافتتحت بالإخلاص، وختمت بالإحسان (1).

وحديث: "تحليلها التسليم" أخرجه أصحاب السنن، بسندٍ حسن (2).

وأما حديث: "إذا أحدث وقد جلس في آخر الصلاة قبل أن يسلم، فقد جازت صلاته"(3)، فقد ضعفه الحفاظ (4).

تنبيهان:

الأول:. لم يبين في هذا الحديث عدد التسليم، وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه التسليمتين.

أما حديث ابن مسعود، فرواه مسلم، عن أبي معمر:[أنَّ] أميراً كان

(1) انظر: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " لابن القيم (ص: 218).

(2)

رواه أبو داود (61)، كتاب: الطهارة، باب: فرض الوضوء، والترمذي (3)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء: أن مفتاح الصلاة الطهور، وابن ماجه (275)، كتاب: الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور، عن علي رضي الله عنه.

(3)

رواه الترمذي (408)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يُحْدِثُ في التشهد، وقال: هذا حديث إسناده ليس بذاك القوي، وفد اضطربوا في إسناده، والبيهقي في "السنن الكبرى"(139/ 2)، عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما.

(4)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 323).

ص: 327

بمكة يسلم تسليمتين، فقال عبد الله -يعني: ابن مسعود-: أنَّى عقلها (1)، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله (2).

وأما حديث سعد، فأخرجه مسلم، عنه، قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خده.

ورواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والنسائي (3)، وروي نحو ذلك في عدة أحاديث.

وأما حديث التسليمة الواحدة، فمعلول، كما قاله العقيلي (4)، وابن عبدالبر (5).

وقد بسط ابن عبد البر الكلام على ذلك (6).

ومعتمد المذهب: لا بد من تسليمتين في صلاة الفرض، وفي النفل: الثانية سنة، وفي صلاة الجنازة: الثانية مباحة.

(1) جاء على هامش الأصل المخطوط: قوله: أنّى عقلها؟ أي: من أين له ذلك؟ كأنه تعجب منه؛ لكونه وافق المأثور. قال في "النهاية"(3/ 288): أي: من أين تعلمها، وممن أخذها؟.

(2)

رواه مسلم (581)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته.

(3)

رواه مسلم (582)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها وكيفيته. والإمام أحمد في "المسند"(1/ 172)، والنسائي (1317)، كتاب: السهو، باب: السلام، وابن ماجه (915)، كتاب: الصلاة، باب: التسليم.

(4)

انظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي (3/ 272).

(5)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (16/ 188).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 323).

ص: 328

وعند مالك، والشافعي: يخرج من الصلاة -ولو مكتوبة- بتسليمة واحدة، والله تعالى الموفق (1).

الثاني: ظاهر سياق المصنف الحافظ -روَّح الله روحه بالرحمة-: أن حديث عائشة هذا متفق من الشيخين، وليس كذلك، بل هو من أفراد مسلم، وقد نبه على ذلك ابن دقيق العيد (2)، وغيره.

وفي "الجمع بين الصحيحين" للحافظ عبد الحق الإشبيلي -بعد أن ذكر حديث عائشة المذكور عند مسلم-: لم يخرج البخاري هذا الحديث، ولكن أخرج في الركوع، والسجود، والجلوس، عن أبي حميد الساعدي، وغيره (3).

وحديث أبي حميد الساعدي: أخرجه البخاري، عن محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالساً مع نفرٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبوحميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر، جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه، استوى حتى يعود كل فقارٍ مكانه، فإذا سجد، وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته.

تفرد بهذا الحديث البخاري (4).

(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 324)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 389).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 213).

(3)

انظر: "الجمع بين الصحيحين" للإشبيلي (1/ 335)، حديث رقم (686).

(4)

رواه البخاري (794)، كتاب: صفة الصلاة، باب: سنة الجلوس في التشهد.

ص: 329

قوله: هصر ظهره -بفتح الهاء والصاد المهملة-؛ أي: أماله (1).

وفي رواية الكشميهني: أمال ظهره، والمعنى: ثناه في استواء من غير تقوس (2).

وفي رواية: غير مقنع رأسه ولا مصوِّبه (3).

وقوله: حتى يعودَ كلُّ فَقار، الفَقَار -بفتح الفاء والقاف- جمع فقارة: هي عظام الظهر، وهي العظام التي يقال لها: خرز الظهر (4).

وقال ابن سيده: هي من الكاهل إلى العجب (5).

وحكى ثعلب عن نوادر ابن الأعرابي: أن عدتها سبع عشرة.

وفي "أمالي الزجاج": أصولها تسع غير التوابع.

وعن الأصمعي: هي خمسٌ وعشرون، سبع في العنق، وخمس في الصلب، وبقيتها في أطراف الأضلاع (6)، والله تعالى الموفق.

* * *

(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 263).

(2)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 308).

(3)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 260)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 101).

(4)

انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (2/ 622)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 162).

(5)

انظر: "المحكم" لابن سيده (4/ 102)، (مادة: كهل).

(6)

انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 308).

ص: 330