الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّون، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغرُبَ (1).
(1) تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (556، 557)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، واللفظ له، ومسلم (826)، (1/ 556 - 567)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وأبو داود (1276)، كتاب: الصلاة، باب: من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة، والنسائي (562)، كتاب: المواقيت، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح، والترمذي (183)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء فىِ كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، وابن ماجه (1250)، كتاب: الصلاة، باب: النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 112)، "عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 296)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 253)، و"شرح مسلم" للنووي (6/ 110)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 150)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 320)، و"فتح الباري" لابن رجب (3/ 258)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 66)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 58)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 76)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 156).
(عن) أبي العباس حبر هذه الأمة (عبدِ الله بنِ عباس رضي الله عنهما، قال: شهد عند [ي])؛ أي: أعلمني وأخبرني، ولم يرد شهادةَ الحكم (رجال مرضيون)؛ أي: لا شكَّ في صدقهم ودينهم، (وأرضاهم عندي) الإمامُ (عمرُ) أميرُ المؤمنين ابن الخطاب رضي الله عنه.
وفي رواية الإسماعيلي، من طريق يزيد بن زُرَيع، عن همام: فيهم عمر (1).
وفي رواية شعبة: حدثني رجال أحبُّهم إليَّ عمرُ (2).
وفي رواية: حدثني ناسٌ أعجبُهم إليَّ عمرُ (3).
وفي رواية الترمذي عنه: سمعت غيرَ واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمرُ، وكان من أحبِّهم إلي (4).
(أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة)؛ أي: النافلة (بعد الصبح)، فيعلق الحكم بوقت الصبح الذي هو الفجر الصادق، فيمتنع بمجرد ظهوره تعاطي النوافل سوى ركعتي الفجر قبلها، وركعتي الطواف مطلقًا، وهذا ظاهر المذهب على المعتمد.
وقيل: إن الحكم لا يتعلق بالوقت، بل بفراغ صلاة الصبح، ويكون المراد بقوله: بعد الصبح؛ أي: بعد صلاة الصبح، إذ لابد من أداء الصبح، فتعين التقدير المذكور.
(1) وكذا في رواية أبي داود وابن ماجه المتقدم تخريجها قريبًا.
(2)
هي من رواية الإسماعيلي أيضاً، كما ذكر الحافظ في "الفتح"(2/ 58).
(3)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1271)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 452)، وابن عبد البر في "التمهيد"(13/ 32).
(4)
تقدم تخريجه في حديث الباب، وكذا وقع أيضاً في رواية النسائي المتقدم تخريجها في حديث الباب.
قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث معمولٌ به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدمين وبعضُ الظاهرية من بعض الوجوه. وصيغة النفي إذا دخلت على فعل في ألفاظ صاحب الشرع، حُمِلت على نفي الفعل الشرعي، لا على الوجودي، فلا صلاة بعد الصبح نفيًا للصلاة الشرعية المعتد بها، لا الحسية؛ لأن الشارع يطلق ألفاظه على عرفه (1).
ومن هذا: "لا نِكَاح إلا بِوَليٍّ"(2)، و"لا صيامَ لمن لم يُبيِّتِ الصيامَ من الليل"(3).
ويستمر النهي عن الصلاة بعد الصبح ممتدًا (حتى)؛ أي: إلى أن (تشرق) -بضم أوله- من أشرق (الشمس)؛ أي: ترتفع وتضيء. يؤيده حديث أبي سعيد بعده بلفظ: "حتى ترتفع الشمس"(4).
ويُروى -بفتح أول تَشْرُقُ، وضم ثالثه، بوزن تَغْرُبُ-. يقال: شَرَقَتِ الشمسُ؛ أي: طلعت (5).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 151).
(2)
رواه أبو داود (2085)، كتاب: النكاح، باب: في الولي، والترمذي (1101)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء: لا نكاح إلا بولي، وابن ماجه (1881)، كتاب: النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، وغيرهم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(3)
رواه النسائي (2334)، كتاب: الصيام، باب: اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، وغيره، عن حفصة رضي الله عنها.
(4)
سيأتي تخريجه قريبًا.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 59). وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 249)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 464)، و"المحكم" لابن سيده (6/ 162)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 66 - 67).
ويؤيده رواية البيهقي، من طريق أخرى بلفظ:"حتى تَشْرُقَ الشمسُ، أو تَطْلُعَ -على الشك (1) -".
وفي رواية مسدد: "حتى تطلع" بلا شك (2).
وكذا هو في حديث أبي هريرة في "الصحيحين" بلفظ: "حتى تطلع الشمس" بالجزم (3).
وجمع بين الحديثين: بأن المراد بالطلوع: طلوع مخصوص؛ أي: حتى تطلع مرتفعة.
قال النووي: اجتمعت الأمة على كراهة صلاةٍ لا سببَ لها في الأوقات المنهيِّ عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤدَّاة فيها.
واختلفوا في النوافل التي لها سبب؛ كصلاة تحية المسجد، وسنة الوضوء، وسجود التلاوة والشكر، فذهب الشافعي إلى جواز ذلك بلا كراهة (4). وهي رواية عن الإمام أحمد، واختاره صاحب "الفصول"، و"المُذْهَب"، و"المُسْتَوعِب"(5)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (6)، وغيرهم؛ كتحية المسجد حالَ خطبة الجمعة.
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 451).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 59).
(3)
رواه البخاري (563)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، ومسلم (825)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (6/ 110).
(5)
انظر: "المستوعب" للسَّامري (2/ 288).
(6)
انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (23/ 200).
قال في "الفروع": وليس عنها جواب صحيح.
وأجاب القاضي وغيره: بأن المنع هناك لم يختص الصلاة؛ ولهذا يمنع من القراءة والكلام، فهو أخف، والنهي هنا اختص الصلاة، فهو آكد. والمذهب المشهور: المنع؛ وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك (1).
(و) نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة (بعد) فراغ صلاة (العصر)، ويمتدُّ النهيُ من حينئذ (حتى تغرب) الشمس، لا حتى تَصْفَرَّ؛ خلافًا لمالك، والشافعي.
* * *
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 512).