الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، لْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ"، وَأُتِيَ بقِدْرٍ فِيهِ خُضَرَاتٌ مِنْ بقولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخبِرَ بمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ، فَقَالَ:"قَرِّبُوهَا" إلى بَعْضِ أَصْحَابهِ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ:"كُلْ؛ فَإِنِّي أُناجِي مَنْ لَا تُنَاجِي"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (817)، كتاب: صفة الصلاة، باب: ما جاء في الثوم النِّيء والبصل والكراث، و (5137)، كتاب: الأطعمة، باب: ما يكره من الثوم والبقول، و (6926)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها، ومسلم (564/ 73)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها، وأبو داود (3822)، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الثوم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 255)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 496)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 166)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 47)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 65)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 587)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 285)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 117)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 341، 13/ 332)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 147، 25/ 72).
(عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما)، (عن النبي صلى الله عليه وسلم): أنه (قال: من أكل). قال ابن بطال: هذا يدل: على إباحة أكل الثوم؛ فإن قوله: "من أكل"، لفظة إباحة.
وتعقبه ابن المنير: بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم؛ أي: من وجد منه الأكل؛ وهو أعم من كونه مباحًا أو غير مباح (1).
(ثومًا) -بضم المثلثة-، قال في "القاموس": وهو بستاني وبَرِّي، ويعرف بثوم الحيَّة، وهو أقوى؛ وكلاهما مُسخِّن مخرج للنفخ والدود، مُدِرٌّ جدًا. قال: وهذا أفضل ما فيه. قال: وهو جيد للنسيان، والرَّبْو، والسعال المزمِن، والقولَنْج، وعرق النَّسا، ووجع الوَرِك، والنِّقْرس، ولَسْع الهوام والحيات والعقارب، والكلب الكَلِب، والعطش البلغمي، وتقطير البول، وتصفية الحلق، رديء للبواسير والزَّحير، وأصحاب الدِّق، والحَبَالى، والمرضعات، والصداع، وإصلاحه: سلقه بماء وملح، وتطجينه بدهن لوز، وإتباعه بمص رمَّانة مُزَّة، انتهى (2).
(أو) أكل (بصلًا)، وروى مسلم، من رواية يحيى القطان، عن ابن جريج، بلفظ:"من أكل [من] هذه البقلةِ، الثومِ"، وقال مرة:"من أكل البصل، والثوم، والكراث"(3).
ورواه أبو الزبير، عن جابر، بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل
(1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 340).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1402)، (مادة: ثوم).
(3)
رواه مسلم (564/ 74)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها.
والكراث، قال: ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم، هكذا أخرجه ابن خزيمة (1).
قال في "الفتح": لا يلزم من كونه لم يكن بأرضهم ألا يُجلب إليهم، حتى لو امتنع هذا الحمل، لكانت رواية المثبت مقدمة على رواية النافي (2).
والبصل -بفتح الموحدة، والصاد المهملة-: معروف، واحدته بهاء (3).
(فليعتزلنا) أنا وأصحابي، أو يعتزل الصلاة معنا؛ لما يحصل لنا من التأذي برائحته، (أو) قال صلى الله عليه وسلم:(ليعتزل مسجدنا) شك من الراوي، وهو الزهري، ولم تختلف الرواة عنه في ذلك، وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عندهما:"من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربنا، ولا يصلي معنا"(4)، وفي لفظ عند البخاري:"فلا يقربن مسجدنا"(5)، وفي حديث أبي هريرة، عند مسلم، مرفوعًا:"من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذنا بريح الثوم"(6)، وفي حديث جابر، عند مسلم مرفوعًا:"من أكل من هذه الشجرة -يريد: الثوم-، فلا يغشنا في مسجدنا"(7)، ورواه
(1) رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1668).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 341).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1249)، (مادة: بصل).
(4)
رواه البخاري (818)، كتاب: صفة الصلاة، باب: ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث، ومسلم (562)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها.
(5)
رواه البخاري (5136)، كتاب: الأطعمة، باب: ما يكره من الثوم والبقول.
(6)
رواه مسلم (563)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها.
(7)
رواه مسلم (564/ 75)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها.
البخاري، وزاد: قلت: ما يعني به؟ قال: ما أراه يعني إلا نية، ولفظه في البخاري:"فلا يغشانا"(1)؛ بصيغة النفي التي يراد بها النهي. قال الكرماني: أو على لغة من يُجري المعتلَّ مجرى الصحيح، أو أشبع الراوي الفتحة، فظن أنها ألف، والمراد بالغشيان: الإتيان؛ أي: فلا يأتينا في مسجدنا (2). والنية في الحديث: التي لم تنضج بطبخ، ونحوه.
(وليقعد في بيته)، وفي رواية أبي ذر، عند البخاري بزيادة الألف قبل الواو على صيغة الشك -أيضًا-، ولغيره؛ وكذا لمسلم بغير ألف، وهي أخص من الاعتزال؛ لأنه أعم من أن يكون في البيت، أو غيره (3).
(وأتي صلى الله عليه وسلم)، قال في "الفتح": هذا حديث آخر، وهو معطوف بالإسناد المتقدم، وهذا الحديث الثاني كان متقدمًا على الحديث الأول؛ لأن الأول ذكر في حديث ابن عمر وغيره: أنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر (4)، وكانت في السابعة. وهذا وقع في الأولى عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه (5).
(بقدر) -بكسر القاف-؛ وهو ما يطبخ فيه، ويجوز فيه التذكير،
(1) رواه البخاري (816)، كتاب: صفة الصلاة، باب: ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث. ووقع عنده: "نيئه"، وقال مخلد بن يزيد، عن ابن جريج: إلا نتنه.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 341).
(3)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(4)
كما رواه البخاري (815)، كتاب: صفة الصلاة، باب: ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث، ومسلم (561)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 341).
والتأنيث أشهر (1)(فيه)، أي: في الطعام الذي في القدر؛ فالتقدير: أتي بقدر من طعام فيه (خُضَرات) -بضم الخاء، وفتح الضاد المعجمتين-، كذا ضبط في رواية أبي ذر، ولغيره: بفتح أوله، وكسر ثانيه، وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله: -ضم الضاد، وتسكينها أيضًا-، كما في "الفتح"(2).
(من بقول)؛ يعني: من نحو ثوم وبصل، (فوجد) صلى الله عليه وسلم (لها)؛ أي: الخضراوات التي في الطعام الذي في القدر، (ريحًا) كريهًا، (فسأل) عن ذلك الريح، (فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها)، أي: تلك القدر (إلى بعض أصحابه) صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم-.
قال الكرماني: فيه النقل بالمعنى؛ إذ الرسول لم يقله بهذا اللفظ، بل قال: قربوها إلى فلان مثلًا، أو فيه حذف، أي: قال: قربوها مشيرًا، أو أشار إلى بعض أصحابه.
قال في "الفتح": والمراد بالبعض: أبو أيوب الأنصاري، ففي "صحيح مسلم"، من حديث أبي أيوب، في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم عليه، قال: فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا، فإذا جيء به إليه -أي: بعد أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه-، سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فصنع ذلك مرة، فقيل له: لم
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه. قال ابن دقيق العيد في "شرح عمدة الأحكام" (2/ 66): قيل: إن لفظ "القدر" تصحيف، والصواب: ببدر -بالباء الموحدة-، والبدر: الطبق، وورد ذلك مفسرًا في رواية أخرى. قلت: كذا صوّبه القاضي عياض في "إكمال المعلم"(2/ 498)، تبعًا للخطابي في "أعلام الحديث" (1/ 559). قال الخطابي في "معالم السنن" (4/ 255): وسمي الطبق بدرًا؛ لاستدارته، ومنه سمي القمر. قبل كماله بدرًا، وذلك لاستدارته وحسن اتساقه.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 342).
يأكل، وكان الطعام فيه ثوم (1)، (فلما رآه) أبو أيوب، لم يأكل؛ (كره) هو أيضًا (أكلها). وفي الرواية الأخرى: فقال: أحرام هو يا رسول اللَّه؟ قال: "لا، ولكن أكرهه"(2). و (قال: كل) أنت؛ (فإني أناجي) أنا، (من لا تناجي) أنت؛ يعني: الملائكة (3).
وفي حديث أبي أيوب، عند ابن خزيمة، وابن حبان، من وجه آخر: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث، فلم ير فيه أثر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل، فقيل له: ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدك، قال:"أستحيي من ملائكة اللَّه، وليس بمحرم"(4).
ولهما، من حديث أم أيوب، قالت: نزل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فتكلفنا له طعامًا فيه بعض البقول، فذكر الحديث بنحوه، وقال فيه:"كلوا؛ فإني لست كأحد منكم، إني أخاف أن أوذي صاحبي"(5).
* * *
(1) رواه مسلم (2053/ 171)، كتاب: الأشربة، باب: إباحة أكل الثوم.
(2)
رواه مسلم (2053/ 170)، كتاب: الأشربة، باب: إباحة أكل الثوم.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 342).
(4)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1670)، وابن حبان في "صحيحه"(2092)، والحاكم في "المستدرك"(7189)، وغيرهم.
(5)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(1671)، وابن حبان في "صحيحه"(2093)، وكذا رواه الترمذي (1810)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في الرخصة في الثوم مطبوخًا، وابن ماجه (3364)، كتاب: الأطعمة، باب: أكل الثوم والبصل والكراث.