الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إلى الصَّلَاةِ، يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكعُ، ثُمَّ يَقُولُ:"سَمعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُو قَائِمٌ:"رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ"، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ في صَلَاتِهِ كُلِّهَا، حَتَّى يَقْضِيَهَا، ويُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ" (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (756)، كتاب: صفة الصلاة، باب: التكبير إذا قام من السجود، واللفظ له، و (762)، باب: ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع، و (770 - 771)، باب: يهوي بالتكبير حين يسجد، ومسلم (392)، (27 - 32)، كتاب: الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع، وأبو داود (836)، كتاب: الصلاة، باب: تمام التكبير، والنسائي (1023)، كتاب الافتتاح، باب: التكبير للركوع، وابن ماجه (875)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 266)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 22)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 97)، "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 226)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 468)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 43، 71)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 272)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 61)، و"سبل السلام " للصنعاني =
(عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي (رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، يكبر حين يقوم) يعني: تكبرة الافتتاح التي هي تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة، لا يُدْخَل في الصلاة إلا بها؛ بأن يقول في حال قيامه: الله أكبر، مرتباً، وعن الحنفية: بكل لفظ يُقصدُ به التعظيم؛ كما تقدم.
(ثم) كان صلى الله عليه وسلم (يكبر) -أي: يقول: الله أكبر- (حين يركع)، وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: أنا أشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يكبر إذا ركع (1)(ثم يقول) صلى الله عليه وسلم بعد إتيانه بالذكر المشروع في حال الركوع، وهو: سبحان ربي العظيم؛ كما سنبينه: (سمع الله لمن حمده). وفي لفظ: كان صلى الله عليه وسلم يكبر حين يقوم، ثم [يكبر](2) حين يركع.
ثم يقول: سمع الله لمن حمده (حين يرفع) صلى الله عليه وسلم (صلبه) -بضم الصاد المهملة، وسكون اللام-: عظم من لدن الكاهل إلى العجب، ويقال له: صالب (3)، والمراد به: ظهره صلى الله عليه وسلم.
(من الرَّكعة، ثم يقول وهو قائم)؛ أي: حال قيامه معتدلاً.
(ربنا ولك الحمد) بإثبات الواو في أكثر الروايات، ويكون قوله:"ربنا" متعلقاً بما قبله؛ أي: سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب، ولك الحمد على ذلك (4)؛ كما تقدم.
= (1/ 179)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 277).
(1)
رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"(5949).
(2)
في الأصل: "يسر" بدل "يكبر"، ولا وجه لها هنا، والله أعلم، وقد تقدم في لفظ البخاري ومسلم معاً.
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 135)، (مادة: صلب).
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/ 121).
وفي "صحيح مسلم"، من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع، قال:"سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد"(1).
وفيه: من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم ربنا لك الحمد"، وقال:"ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما"(2).
وفيه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع، قال:"ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"(3).
قال في "الفروع": أي حمداً، لو كان أجساماً، لملأ ذلك (4).
(ثم) كان صلى الله عليه وسلم (يكبر) أي: يقول الله أكبر (حين يهوي).
فالتكبيرُ ذكرُ الهُوِيُّ، فيبتدىء به من حين يشرع في الهُوَي ساجداً.
والهُوِيُّ: السقوط؛ وهو بالفتح والضم، يقال: هوى الشيء هوياً، وهوياناً: سقط من علو إلى أسفل، وقيل: الهَوي -بالفتح- للإصعاد،
(1) رواه مسلم (476)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.
(2)
رواه مسلم (478)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.
(3)
رواه مسلم (477)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.
(4)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (1/ 378).
والهُوي -بالضم- الانحدار؛ كما في "القاموس"(1).
قال الزين بن المنير: رُويناه بالفتح، وضبطه بعضهم بالضم، والفتح أرجح (2)، قال في "الفتح": وقع في روايتنا بالوجهين (3).
(ثم) كان صلى الله عليه وسلم، (يكبر حين يرفع رأسه) من السجود، (ثم يكبر حين يسجد) السجدة الثانية؛ وذلك أنه لما شرع السجود بوصف التكرار، لم يكن بد من الفصل بين السجدتين؛ ففصل بينهما بركن مقصود، شمرع فيه من الدعاء ما يليق به، ويناسبه؛ وهو سؤال المغفرة -كما يأتي بيانه-، فجعل جلوس الفصل بين السجدتين محلاً لهذا الدعاء؛ لما تقدمه من حمد لله، والثناء عليه، والخضوع له، فكان هذا وسيلة للداعي، ومقدمة بين يدي حاجته، فجثا على ركبتيه؛ متمثلاً في خدمة مولاه، ملقياً نفسه الأمارة بالسوء بين يديه، راغباً فيما لديه، راهباً مما جنى عليها، معتذراً إليه (4).
(ثم يكبر حين يرفع رأسه) من السجدة الثانية، (ثم) كان صلى الله عليه وسلم، (يفعل) مثل (ذلك)؛ يعني: أنه يكبر، عند ابتداء كل ركوع، وعند الرفع منه، وعند ابتداء كل سجود، وعند الرفع منه، فيكون التكبير مقارناً لأول ذلك الفعل؛ من الانتقالات من حال إلى أخرى.
(في صلاته) فرضاً كانت، أو نفلاً، جماعة، أو لا؛ ولهذا قال:(كُلِّها) تأكيداً، ليفيد الشمول والإحاطة بسائر صلاته صلى الله عليه وسلم، ([حتَّى يقضيَه]).
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 1735)، (مادة: هوي).
(2)
في "الفتح"(2/ 291)، وعنه نقل الشارح رحمه الله:"قال ابن التين" بدل "الزين بن المنير".
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 291).
(4)
انظر: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " لابن القيم (ص: 212 - 213).
(و) كان صلى الله عليه وسلم (يكبر حين يقوم من الثنتين) من الصلاة بأن كانت الصلاة ثلاثية؛ كالمغرب، أو رباعية: كالظهر (بعد الجلوس). وفي لفظ: ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في الثنتين (1)، فيَشرع في التكبير من حين ابتداء القيام في الثالثة، بعد التشهد الأول، خلافاً لمن قال: لا يكبر حتى يستوي قائماً.
ومن تراجم البخاري: باب: يكبر وهو ينهض من السجدتين (2).
قال في "الفتح": ذهب أكثر العلماء إلى أن المصلي يشرع في التكبير، أو غيره؛ عند-أي: مع- ابتداء الخفض، أو الرفع، إلا أنه اخُتلف على مالكٍ في القيام إلى الثالثة من التشهد الأول، فروى في "الموطأ"، عن أبي هريرة، وابن عمر، وغيرهما: أنهم كانوا يكبرون، في حال قيامهم (3)، ورَوَى ابن وهبٍ عنه: أن التكبير بعد الاستواء أولى. وفي "المدونة": لا يكبر حتى يستوي قائماً (4).
ووَجَّهه بعض أتباعه: بأن تكبيرة الافتتاح، تقع بعد القيام، فينبغي أن يكون هذا نظيره؛ من حيث إن الصلاة فرضت أولاً ركعتين، ثم زيدت الرباعية؛ فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه.
قال في "الفتح": وكان ينبغي لصاحب هذا الكلام أن يستحب رفع اليدين حينئذٍ؛ لتكمل المناسبة، ولا قائل منهم به (5).
* * *
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (770) عنده.
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(1/ 283).
(3)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 76).
(4)
انظر: "المدونة الكبرى" لابن القاسم (1/ 70).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 304).