المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تقديم الكتاب بقلم الكولونيل عبد الله التل بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٥

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 5 -صُلحُ الحُدَبِيَة

- ‌تقديم الكتاب

- ‌تمهيد المؤلف

- ‌الفصْل الأول

- ‌الأعراب والأحزاب:

- ‌العمليات العسكرية:

- ‌خيبر آخر المطاف:

- ‌حملة القرطاء - 10 محرم سنة خمس للهجرة

- ‌سيد حنيفة في الأسر:

- ‌ثمامة ينتصر للإسلام من قريش:

- ‌قريش تقتل ثمامة:

- ‌منع بيع محاصيل اليمامة في مكة:

- ‌النبي يقود الحملة بنفسه:

- ‌تضليل العدو:

- ‌فرار اللحيانيون قبل وصول النبي:

- ‌المطاردة:

- ‌الإِقامة في أرض العدو:

- ‌إرهاب المشركين بمكة:

- ‌الترحم على الشهداء:

- ‌نهي النبي عن الاستغفار لأمه:

- ‌فزارة تغير على المسلمين:

- ‌الصريخ في المدينة:

- ‌اندحار المغيرين واستعادة الإبل:

- ‌قتلى الفريقين في المعركة:

- ‌عودة المرأة الأسيرة:

- ‌حملة ذي القصة .. شهر ربيع الآخر سنة خمس من الهجرة

- ‌حملة ذي القصة أيضًا .. سنة خمس من الهجرة .. شهر ربيع الآخر

- ‌ابنة النبي وزوجها الأسير:

- ‌رد الأموال وإطلاق الأسرى:

- ‌احتجاج بني الضبيب لدى القائد زيد:

- ‌زيد بن رفاعة يحتج لدى الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌الأمر بإعادة الغنائم والسبي:

- ‌حمله وادي القرى .. رجب سنة خمس من الهجرة

- ‌وقفة فقهية:

- ‌الصدِّيق القائد:

- ‌نجاح الحملة:

- ‌تحاول اغتيال النبي:

- ‌وقفة تأمل وتدبر:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى مدين

- ‌بعث عمرو بن أمية الضمرى .. لقتل أبي سفيان بمكة .. شوال من السنة السادسة

- ‌محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌إن هذا ليريد غدرًا:

- ‌السعي لاغتيال أبي سفيان:

- ‌أخذ جثة الشهيد خبيب

- ‌قتل جاسوس:

- ‌مصرع ملك خيبر (أبو رافع): رمضان سنة ست من الهجرة

- ‌الفدائيون في خيبر:

- ‌تخفي الفدائيين بالنهار:

- ‌اللغة العبرية:

- ‌الخطة .. والتنفيذ:

- ‌اختلاف المؤرخين:

- ‌ رواية ابن إسحاق

- ‌رواية البخاري:

- ‌ليس هناك تناقضًا:

- ‌المطاردة:

- ‌مقتل ملك اليهود الثاني في خيبر .. أَسيد بن زارم شوال سنة ست للهجرة

- ‌الاستخبارات النبوية في خيبر:

- ‌عبد الله بن رواحة في خيبر:

- ‌خروج ملك خيبر إلى المدينة:

- ‌حاولوا الغدر فقتلوا:

- ‌الفصل الثاني

- ‌حروب فاشلة:

- ‌الحرب الشاملة:

- ‌رسوخ جذور الإسلام:

- ‌بهہود خيبر فقط:

- ‌الخروج للعمرة:

- ‌الاستعداد للطواريء:

- ‌تثبيط المنافقين:

- ‌القرآن يفضحهم:

- ‌الصفوة المختارة:

- ‌أمير على المدينة:

- ‌حمل السلاح:

- ‌علامات النسك لا الحرب:

- ‌شاري بدن رسول الله:

- ‌ناجية بن جندب على الهدي:

- ‌هدي الموسرين من الصحابة:

- ‌تاريخ الخروج للعمرة:

- ‌الإحرام بالعمرة:

- ‌والمنافقون أيضًا:

- ‌طلائع للاستكشاف ورجل الاستخبارات:

- ‌طريق الرسول إلى مكة:

- ‌قريش في برلمانها:

- ‌لجنة المتابعة والتنفيذ:

- ‌قريش تستعد لمنع المسلمين بالقوة:

- ‌تنفيذ خطة الصد:

- ‌المعسكر الرئيسي لقريش:

- ‌إطعام المرتزقة:

- ‌الاستخبارات النبوية في مكة:

- ‌النبي يستشير أصحابه:

- ‌المقداد بن عمرو يتكلم:

- ‌مشادة بين الصديق وابن ورقاء:

- ‌نذر الحرب:

- ‌النبي يتحاشى الصدام المسلح:

- ‌سلاح فرسان الفريقين في حالة المواجهة:

- ‌صلاة الخوف في عسفان:

- ‌خالد يحاول مهاجمة المسلمين وقت الصلاة:

- ‌الحديبية بدلا من التنعيم:

- ‌النبي وأصحابه يضلون الطريق عدة مرات:

- ‌الكلمة التي عرضت على بني إسرائيل:

- ‌أصحاب الثنية المغفور لهم:

- ‌بعيره أهم إليه من أن يستغفر له الرسول:

- ‌عودة خالد إلى مكة:

- ‌حابس الفيل:

- ‌فصائل حراسة المسلمين:

- ‌معجزة الرسول في الحديبية:

- ‌موقف المنافقين من هذه المعجزة:

- ‌نموذج من نفاق ابن أُبي:

- ‌مقالة الجد بن قيس المنافق:

- ‌يمتنع عن المبايعة تحت الشجرة:

- ‌الغلام الذي أعجب الرسول بفصاحته:

- ‌النبي يبلع قريشًا نواياه السلمية رسميًّا:

- ‌وسيط السلام الأول:

- ‌بديل بن ورقاء يتأثر بقول النبي صلى الله عليه وسلم وينصح قريشًا بقبول عرضها السلمي:

- ‌يطلبون مقاطعة الوفد الخزاعي:

- ‌لا يفلح قوم فعلوا هذا أبدًا:

- ‌قريش ترفض عروض السلام النبوية:

- ‌الوسيط الثاني:

- ‌عروة بن مسعود في معسكر المسلمين:

- ‌مشادة بين الصديق وعروة بن مسعود:

- ‌مفارقة رائعة:

- ‌يقرع عمه بقائم السيف:

- ‌ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة يا معشر قريش:

- ‌عروة بن مسعود ينصح قريشًا:

- ‌أول انشقاق في معسكر الشرك:

- ‌الوسيط الثالث:

- ‌فشل الوسيط الثالث:

- ‌الوسيط الرابع:

- ‌أخطر انشقاق في معسكر قريش:

- ‌ما ينبغي لهؤلاء أَن يصدوا عن البيت:

- ‌سيد الأحابيش ينذر قريشًا:

- ‌البحث عن مخرج من الورطة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌اعتقال سبعين متسللا من المشركين:

- ‌النبي يعفو عن المتسللين ويطلق سراحهم:

- ‌نشوب القتال في الحديبية:

- ‌قريش تقتل رجلا من المسلمين:

- ‌المبعوث النبوي عثمان في مكة:

- ‌عمر بن الخطاب يعتذر عن الوساطة:

- ‌محاولة الاعتداء على عثمان

- ‌عثمان في معسكر قريش ببلدح:

- ‌قيمة الجوار في الجاهلية:

- ‌اجتماع عثمان بسادات المشركين في بلدح:

- ‌خلاصة الرسالة النبوية إلى قريش:

- ‌عثمان في مكة:

- ‌عثمان عند أبي سفيان:

- ‌قريش تطلب من عثمان أن يطوف فيرفض:

- ‌بئس ما ظننتم:

- ‌مبعوث السلام يزور المستضعفين في مكة:

- ‌إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان:

- ‌تضايق المسامين من طول المكث:

- ‌المسلمون واقتحام مكة بالقوة:

- ‌بيعة الرضوان نقطة التحول في حل الأزمة:

- ‌تحول المسلمين نحو الحرب، جعل قريشًا تطلب السلم:

- ‌سبب اتخاذ النبي القرار بإعلان الحرب:

- ‌ابن الخطاب يمسك بيد الرسول للمبايعة:

- ‌النبي يبايع عن عثمان:

- ‌عثمان يبايع النبي تحت الشجرة:

- ‌قريش تسعى للصلح بعد البيعة:

- ‌كيف نصح سهيل بن عمرو قريشًا بالجنوح إلى السلم

- ‌سهيل بن عمرو يشاهد بيعة الرضوان:

- ‌سهيل بن عمرو النجم اللامع:

- ‌هيئة الوفد القرشي:

- ‌المخطوط العريضة للمعاهدة عند قريش:

- ‌سهل الله لكم من أمركم:

- ‌رغبة النبي في السلام:

- ‌بدء المفاوضات:

- ‌اعتذار رئيس الوفد القرشي للنبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق سراح عثمان وأصحابه:

- ‌النبي يطلق سراح المشركين المحتجزين:

- ‌بحث بنود الصلح:

- ‌النبي في حراسة أصحابه:

- ‌بنود الصلح التاريخية:

- ‌الحل الوسط:

- ‌أهم بنود الصلح:

- ‌المعارضة الشديدة للاتفاقية:

- ‌احتجاج ابن الخطاب ومجادلته النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ألسنا بالمسلمين وأليسوا بالمشركين

- ‌اشتداد الكرب على المسلمين:

- ‌حادثة أبي جندل المؤثرة:

- ‌تسليم أبي جندل للمشركين:

- ‌النبي يعتذر لأبي جندل:

- ‌أبو جندل يستسلم ويطيع أمر الرسول:

- ‌ازدياد الكرب على المسلمين:

- ‌سهيل بن عمرو يرفض شفاعة الرسول في ابنه:

- ‌عضوا الوفد القرشي يجيران أبا جندل:

- ‌تفجر المعارضة بين المسلمين من جديد:

- ‌التفكير في التمرد ولكن

- ‌ابن الخطاب يغري أبا جندل بقتل أبيه المشرك:

- ‌يا عمر لعله يقوم مقامًا يحمد عليه:

- ‌عودة المعارضة إلى مناقشة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌أبو عبيدة ينصح ابن الخطاب بالكف عن المعارضة:

- ‌عمر يرجع عن المعارضة ويندم أشد الندم

- ‌تسجيل المعاهدة وتبادل الوثائق:

- ‌الخلاف حول صيغة المعاهدة:

- ‌سيدا الأنصار يتدخلان:

- ‌الرسول يحسم الخلاف:

- ‌الصيغة النهائية لوثيقة الصلح:

- ‌شهود الصلح من الجانبين:

- ‌إنهاء حالة الحرب بين خزاعة وكنانة أيضًا:

- ‌عداوة الإسلام جمعت بين كنانة وقريش:

- ‌خزاعة لم تكن عدوة لقريش:

- ‌خزاعة في عهد المسلمين؛ وكنانة في عهد قريش:

- ‌غضب قريش على خزاعة لدخولها في عهد المسلمين:

- ‌النبي يرفض تسليم لاجئين من العبيد والشباب القرشي:

- ‌من ذيول أزمة الحديبية:

- ‌النبي يحل الإحرام في الحديبية:

- ‌من رواسب المعارضة للصلح:

- ‌النبي يعمل بمشورة امرأة:

- ‌أم سلمة تشير على النبي، فتنجح في المشورة:

- ‌قصة جمل أبي جهل:

- ‌مائة ناقة ثمنًا لجمل أبي جهل:

- ‌نحر عشرين بدنة عند المروة:

- ‌مدة الإقامة في الحديبية:

- ‌العودة إلى المدينة:

- ‌المجاعة في طريق العودة:

- ‌النبي يعمل بمشورة ابن الخطاب:

- ‌الفصل الرابع

- ‌القرآن وصلح الحديبية:

- ‌ثناء الله على أهل الحديبية:

- ‌تبشير المسلمين بفتح خيبر:

- ‌فضل أصحاب الشجرة:

- ‌ثناء الله على أصحاب الشجرة:

- ‌أهل الحديبية مثل أهل بدر:

- ‌دروس في قضية الحديبية:

- ‌ندم الفاروق على المعارضة:

- ‌النبي يعتذر لأبي جندل:

- ‌درس رائع واختبار قاس:

- ‌مكاسب الصلح العظيمة:

- ‌شرط سطحي:

- ‌انسحاب سيد ثقيف:

- ‌صلح الحديبية هو الفتح العظيم:

- ‌رأي سيد ثقيف في المسلمين:

- ‌مصارحة قريش:

- ‌من مكاسب الصلح: اختمار الإسلام في النفوس:

- ‌نموذجًا حيًّا للانضباط الإسلامي:

- ‌التفرغ ليهود خيبر والشمال:

- ‌نقل المعركة إلى الشام:

- ‌دعوة ملوك الشرق الأوسط إلى الإسلام:

- ‌ثوار العيص، وحكومة المستضعفين في الساحل:

- ‌ثورة المستضعفين ضد قريش:

الفصل: ‌ ‌تقديم الكتاب بقلم الكولونيل عبد الله التل بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام

‌تقديم الكتاب

بقلم الكولونيل عبد الله التل

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد النبي الكريم الأمين وعلى آله وصحبيه أجمعين، وبعد:

فهذا هو الكتاب الخامس الذي يكتبه الأُستاذ محمد أحمد باشميل، في سلسلة معارك الإسلام الفاصلة. وقد سبقه من الكتب غزوة بدر الكبرى، غزوة أُحد، غزوة الأَحزاب، وغزوة بني قريظة.

وموضوع هذا الكتاب الخامس هو:

(صلح الحديبية) وما سبق ذلك الحدث التاريخي الحاسم من أحداث سياسية وعسكرية، شرح المؤلف منها تسع عشرة غزوة وحملة وسرية. وقد أحسن صنعًا في ذلك، لأن أحداث السيرة النبوية، العسكرية والسياسية جميعها مهمة وجديرة بالتدوين لتُقدِّم الجيل شبابنا المغلوب على أمره، زادًا طاهرًا نقيًّا، ينهلون منه ويقتبسون العبر والدروس من عظمة الرسول وصحابته الأبرار، الذين صنعوا الأمجاد بإيمانهہم وصبرهم وحكمتهم وشجاعتهم، ووطدوا لنا أركان الإسلام، فغدونا نصحوا اليوم لنرى امتداد الإسلام، من إندونيسيا شرقًا إلى تطوان

ص: 5

غربًا، بفضل ما بذله الجيل المثالي، جيل محمد صلى الله عليه وسلم من تضحيات وبطولات.

وتتجلى عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة صلح الحديبية، فيما صاحب، ذلك الحدث التاريخي من عزمه عليه الصلاة والسلام على أداء العمرة، بينما كانت قبائل (نجد) المجاورة للمدينة، معادية ومتعاونة مع كفار قريش، وفيما كان يهود خيبر يتحفزون للانتقام من الدين الجديد الذي هزم أهلهم من بني قينقاع، وبني قريظة، وبني النضير، وأذلّهم لتآمرهم على الإسلام وغدرهم بالمسلمين. ومع كل تلك الأخطار استنفر أصحابه وخرج بهم من المدينة قاصدًا العمرة، وزيارة الكعبة التي حُرم المسلمون منها طيلة ست سنوات تقريبًا.

حقًّا لقد كانت تلك الرحلة التاريخية للعمرة محفوفة بالأخطار كان كل شيء على السطح يشير إلى أن قريشًا القوية، ذات العدد والعدة، ستشن على المسلمين حربًا (عندما يقتربون من مكة) حربًا بلغ بضعاف النفوس من المنافقين الجبن إلى أن يعتقدوا أن نهاية المسلمين ستكون فيها على أيدي قريش.

الأمر الذي حمل كثيرًا من منافقي المدينة والأعراب، على الاعتذار عن مصاحبة الرسول العظيم في هذه الرحلة التي يرافقه فيها سوى ألف وأربعمائة، هم الصفوة المختارة التي خلّد الله ذكراهم، وأعلن رضاه عنهم في قرآن يتلى إلى يوم الدين ({لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (1).

(1) سورة الفتح: 18.

ص: 6

إن تصرفات الرسول القائد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في حوادث الحديبية، هي في حدِّ ذاتها دستور شامل يمكن الرجوع إليه للاقتباس منه في باب (الحكمة والأناة وبُعد النظر وضبط النفس والسيطرة على الأعصاب أمام استفزازات السفهاء وتحدِّي الحَمْقَى، وفي مجال العدل والوفاء بالعهد واحترام المعارضة النزيهة) .. إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتوصل إلى عقد الصلح إلا بعد أن اجتاز مراحل شاقَّة وتغلَّب على مشاكل عويصة معقَّدة، سواء في محيط أصحابه الكرام المعارضين لإبرام هذا الصلح، أم في محيط قومه من قريش الذين حشدوا كل ما لديهم ولدى حلفائهم من قوات الحربية ليخوضوا مع المسلمين معركة يخرجوا لها ولا يرغبون فيها .. فأحبط بشجاعته وحلمه وصبره معًا، خطط المتهورين القرشيين الشِّريرة وجعلهم يجنحون إلى السلام، بدلًا من الحرب فيسعون (هم أنفسهم) لعقد هذا الصلح التاريخي.

كان الرسول العظيم قمة في الحنكة السياسية حين أقدم على الصح قريش، مخالفًا آراء عدد كبير من صحابته الذين قاسوا الأُمور بمظهرها السطحي، ولم يكن لهم بعد نظر الرسول الحكم الحليم. وسرعان ما أثبتت الأحداث صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبُعد نظره، فحقق صاح الحديبية ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمل من ورائه. وأخذ المسلمون يعملون على نشر الدعوة الإسلامية بحرية وقوة، فتضاعف عدد المسلمين، وتسربت فضائل الإسلام وأخلاق المسلمين الكريمة إلى نفوس عدد كبير من شيوخ القبائل ورؤوس الكفر في قريش، مما جعلهم يغيِّرون نظرتهم إلى الدين الجديد، ويقلِّلون

ص: 7

من عداوتهم لأَتباعه. ومن أهم فوائد صلح الحديبية أنه أسهم في إنجاح خطة غزوة خيبر والقضاء نهائيًا على خطر اليهود في جزيرة العرب.

***

إن هذا الكتاب (صلح الحديبية). وما أصدره وسيصدره الأُستاذ باشميل بإذن الله من سلسلته التاريخية (معارك الإسلام الفاصلة) هو جهد مشكور يبذله المؤلف لتوعية الشباب الإسلامي وتعريفه بتاريخنا الإسلامي المجيد، الذي هو المرآة الصافية التي تنعكس على صفحتها حقيقة ماضينا الإسلامي المشرف الذي تغص عند ذكراه - حلوق المارقين المبطلين من عبيد المذاهب المادية الهدَّامة الدخيلة - من المفكرين العملاء الذين يعملون (عن قصدٍ مسبَّق خبيث) على تشويه هذا التاريخ المشرق الوضَّاء وطمسه .. بغية قطع صلتنا بماضينا الإسلامي الذي منه نستمد قوتنا الحقيقية التي تخيف أسيادهم الذين استأجروهم ليعملوا بكل الوسائل على بتر هذه الصلة، لكي يتمكنَّوا من ربطنا بعجلة مذاهب وعقائد ومبادئ غريبة عنا، دخيلة علينا، فاسدة في ذاتها .. أثبتت فشلها وإفلاسها في موطنها الأَصلي قبل أن تتدفق جداول عفنها علينا من وراء الحدود.

***

إن العناية بالتاريخ الإسلامي ودراسته دراسة موضوعية واعية، هي من أهم الروافد التي تمد الإنسان المسلم بعناصر الشجاعة والرجولة والتضحية والفداء، وتحرَّك في نفسه عوامل الاستقامة ودواعي

ص: 8

الخير لما في طيات هذا التاريخ الخالد من عِبَر ومواعظ ودروس بنَّاءَة نافعة، حفرها على جبين الزمان وسطَّرها بأَحرف من نور، خيار هذه الأمة بأعمالهم المجيدة التي بها بلغوا أعلى قمم المجد، والتي كانوا يستوحونها من تعالم الدين الإسلامي الحنيف الذي اجتذبهم من زوايا النسيان وقفز بهم من مؤخرة الشعوب، ليقعدهم أمام دفة قيادة العالم ليكونوا أساتذة اللأُمم وقادة الشعوب.

* * *

وكم هو نافع ومفيد لأُمة العرب (وهي تخوض المعركة الحاسمة لمحو العار عن جبينها الذي لطخه به انحرافها عن تعاليم الإسلام) لو أن العملاء المستأجرين المندسين في صفوفها والمتربعين على مقاعد قيادات فكرية وإعلامية في أجهزتها الحساسة، يوجهون الشباب العربي خاصة إلى دراسة تاريخ خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وأبي عبيدة بن الجراح ومحمد بن القاسم، وموسى بن نصير، وصلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح وغيرهم من بناة الأمجاد الإسلامية، بدلًا من إشغال عقول هؤلاء الشباب وتلويثها بدراسة تاريخ علوج الإلحاد أمثال: كارل ماركس، وأنجلز، وماوتسي تنج، وغيفارا، وكاسترو وهوشى منّه. وأمثالهم من ألد أعداء الإسلام.

****

إن أُمة الإسلام والعرب بالذات لن يہجدوا سبيلا إلى استعادة أمجادهم الضائعة وتحقيق وحدتهہم المنشودة إلا إذا استلهموا ماضيهم الإسلامي المشرق المجيد ووثَّقوا صلتهم بالله تعالى عن طريق اتِّباع

ص: 9

دينه والاهتداء بهدي رسوله العظيم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وإني إذ أدعو الله مخلصًا أن يثيب الأَخ الأُستاذ باشميل على هذا الجهد الذي بذله ويبذله لعرض هذه الصفحات المشرقة المتلألئة من تاريخنا الإسلامي العظيم، عبر هذه السلسلة التاريخية التي يقوم بتأليفها .. أدعو كل مسلم عربيًّا كان غير عربي (وخاصة الشباب المثقف ومن له صلة بالشؤون العسكرية والسياسية من أية رتبة كان) أن يعكف على دراسة هذه السلسلة من معارك الإسلام الفاصلة التي خاضها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، الذين (عَبْر هذه المعارك) بنوا لنا هذا المجد الباذي الأَثيل، وشيَّدوا لنا سمعة عطرة كانت ملءَ سمع الدنيا وبصرها حتى مرغ الانحراف عن جادة الإسلام هذه السمعة، ومسح بها الأرض، وكان آخر نتائج هذا الانحراف (ولعله أفظعها) تمريغ سمعة مائة مليون عربي، بل سبعمائة مليون مسلم، على يد مليوني يهودي، من شذَّاذ الآفاق ونفايات الأُمم يوم الخامس من حزيران الأَسود.

اللهم بك نستجير وإليك نضرع، أن تعيد أمة محمد إلى صراطك المستقيم وتلهمها العمل بكتابك وسُنة نبيِّك لتستعيد مجدها الضائع وقوَّتهہاالمفقودة، وتستأنف سيرها بالإنسانية من جديد في دروب الخير والمحبة والتسامح والسلام، إنك على كل شيء قدير.

عبد الله التل

قائد معركة القدس سنة 1948 م

عمان

ص: 10