الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقلت: هي لك يا رسول الله، فبعث صلى الله عليه وسلم بهذه الفتاة إلى مكة ففدى بها أَسرى من المسلمين هناك.
وقفة تأمل وتدبر:
ولعل في هذا التصرف النبيل من قبل النبي الأَعظم صلى الله عليه وسلم أَكبر دليل على دحض مزاعم أَعداءِ الله ورسوله من المستشرقين وفروخهم في الشرق الإِسلامي الذين ينكرون على الرسول الأَعظم صلى الله عليه وسلم تزوجه بتسع نساءٍ، ويدَّعون أَنَّ ذلك منه بدافع الرغبة الجنسية .. والميل الشديد إلى اقتناء النساءِ.
فلو كان كما يزعمون (قبَّحهم الله) لاحتفظ لنفسه بهذه الفتاة الفزارية التي وهبها له سلمة بن الأَكوع، والتي هي (بإجماع المؤرخين) من أَجمل بنات العرب .. ولكننا نراه صلى الله عليه وسلم يبعث بها إلى مكة ليفتدى بها أَسرى من أَصحابه .. الأَمر الذي يؤكِّد بطلان مزاعم أَعداءِ الله الآنفة الذكر.
وقد كان من بين القتلى المشركين في هذه الحملة: النعمان وعبيد الله أَبناءُ مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر.
وذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى: (الذي ذكر أَن قائد الحملة هو زيد بن حارثة) ذكر أَن القائد زيدًا قتل أُم قرفة (الشيطانة)، أَمر بأَن تربط رجلاها بحبل بين جملين ثم زجرهما كل منهما في اتجاه معاكس فذهبا حتى قطعاها.
أما رواية الإمام مسلم (وهي المرجحة والأصح) فلم يذكر فيها قتل أم قرفة والله أعلم.
وقال ابن برهان الدين في السيرة الحلبية: أَما ابنها قرفة؛ الذي تُكنَّى به فقد قتله النبي صلى الله عليه وسلم، كما أَن بقية أَولادها قتلوا مع أَهل الردة في نجد، فلا خير فيها ولا في بنيها.
والذي يجدر ذكره هنا أَن إِحدى بنات أُم قرفة هذه واسمها (سلمى) كانت قد قادت تمرّدًا كبيرًا ضد جيش خالد بن الوليد الذي بعثه الصدِّيق لإِخضاع المرتدين
…
قادت سلمى (وهي شيطانة مثل أمها) هذا التمرد في منطقة ظفر بنجد فتبعتها جموع غفيرة من فلال المرتدين الذين انهزموا في معركة بزاخة الشهيرة. وقد قُتِلت سلمى هذه في المعركة بعد أَن عانت منها جيوش خالد ومن أَتباعها الأَهوال حيث اشتبكوا معها في قتال مرير ليس بأَقل ضراوة من القتال الذي نشب بين جيوش خالد وجيوش المرتد طليحة بن خويلد الأَسدي (1) في بُزاخة.
(1) انظر ترجمة طليحة بن خويلد في كتابنا (غزوة الأحزاب).
- 15 -
سرية كرز الفهري (1)
…
إلى العرنين .. شوال، سنة ست من الهجرة
ففي هذا الشهر قدم نفر من عرينة (2) ثمانية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلموا، إلا أَنهم استوبأُوا المدينة وأُصيبوا ببعض الأَمراض.
فأَمر الرسول صلى الله عليه وسلم بنقلهم إلى منطقة (الجدر) ناحية قباءٍ وعلى بعد ستة أَميال من المدينة بالقرب من جبل عير للاستشفاءِ حيث ترعى لقاحه (3) في المنطقة الجيِّدة الهواءِ.
فمكثوا فيها مدة يتمتعون بالهواءِ النقي ويشربون من لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم حتى صحّوا وسمنوا، وهنا فعلوا فعل اللئيم الغادر الخائن المنكر للجميل.
(1) هو كرز بن جابر بن حسل بن الأحب الفهري القرشي، كان من سادات المشركين وقادتهم المحاربين قبل أن يسلم، وهو الذي أغار بقوات قريش على ضواحي المدينة فطارده النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية حتى منطقة سفوان ولم يتمكن من اللحاق به، أسلم (كرز) فحسن إسلامه، وكان قائد إحدى الكتائب في فرقة خالد بن الوليد التي دخل بها مكة عام الفتح، وكان (كرز) أحد اثنين من الصحابة استشهدا في فرقة خالد عند افتتاح مكة وكان الرجل الشهيد الثاني حبيش بن الأشعر الخزاعي.
(2)
عرينة: موضع ببلاد فزارة بنجد قاله ياقوت، ويظهر أن هؤلاء العرينين هم من فزارة.
(3)
اللقاح: إبل من الإناثى تتخد خاصة لإنتاج اللبن، وكان اللبن عند العرب من الأعذية الرئيسية للكبار والصغار وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقتني مجموعة من اللقاح لتغذية الوفود وغيرهم ممن يرد على المدينة من الغرباء والمساكين والضعفاء.
فقد عَدَوا على اللقاح التي غذاهم لبنها وأَسمنهم فاستاقوها وحاولوا الهرب بها إلى ديارهم، فأَدركهم يسار (1) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسترجاع اللقاح منهم (ومعه نفر قليل) فقاتلهم فتغلبوا عليه وعلى رجاله حتى قتلوه، وقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه.
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نبأَ هـہذا الحادث الفظيع انتخب عشرين فارسًا من أَصحابه وأَسند قيادتهم لكرز بن جابر الفهري، وأَمرهم بمطاردة العرينيين وإِلقاءِ القبض عليهم، فأَدركوهم، ثم أَلقوا عليهم القبض بعد أَن أَحاطوا بهم، ثم ربطوهم وأَردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم موجودًا بالغابة فخرجوا بهم إليه لاتخاذ ما يراه من إِجراءٍ ضدهم، فالتقوا به صلى الله عليه وسلم بالزغابة (مجمع الأَسيال) في ضواحي المدينة.
وبعد أَن أُجرى التحقيق معهم ثبتت إِدانتهم، فأَصدر النبي صلى الله عليه وسلم حكمًا صارمًا ضدَّهم ليكونوا عبرة لغيرهم .. إِذ أَمر بهم فقطِّعت أَيديهم وأَرجلهم وسمل أَعينهم (2) ثم أُمر بهم فصلبوا هناك.
ويقول ابن سعد: وفي ذلك أَنزل الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} الآية.
فلم يسمل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عينًا.
(1) هو يسار النوبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث سلمة بن الأكوع أخرجه الطبراني. قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه، وبعثه في لقاح له بالحرة، وذكر قصة مقتله (انظر الإصابة ج 3 ص 628).
(2)
سمل عينه: فقأها.