الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعنتها وتهديدها المسلمين بمنعهم من دخول الحرم عن طريق الحرب - فقد أمر بإنشاء ثلاث كتائب من أصحابه للقيام بأعمال الحراسة في الحديبية لصد أَي عدوان قد يقوم به الطائشون من القرشيين.
وكان قادة فصائل الحراسة هذه ثلاثة كلهم من الأنصار وهم:
1 -
عبّاد بن بشر.
2 -
أوس بن خولى.
3 -
محمد بن مسلمة.
وكان هؤلاء القادة الثلاثة يبيتون يحرسون معسكر المسلمين بالتناوب كل ليلة يحرس واحد من رجاله المعسكر، يقوم بأعمال الدورية حول المعسكر حتى الصباح (1).
معجزة الرسول في الحديبية:
وعندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى الحديبية بعد أَن قرر عدم التعجل في دخول مكة، وأعلن ما يمكن تسميته فتح باب المفاوضة لإيجاد حل سلمي للمشكلة التي بلغت بينه وبين قومه حل الانفجار وذلك بقوله:"والذي نفس محمد بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خُطَّة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها"(2).
(1) انظر مغازي الواقدي ج 2 ص 206.
(2)
مغازي الواقدي ج 2 ص 587.
عندما عاد إلى الحديبية نزل بأَصحابه على بئر ليس فيها من الماء إلا شيء يسير، تسابق إليه الصحابة كل يريد أَن يشرب ويسقى فرسه أو بعيره، فوجدوا أَن الماءَ الذي في البئر لا يكفي لإرواء عطش نفر قليل، وكان الصحابة ألفًا وأربعمائة أكثرهم راكبًا.
وقد تفاقم الأَمر واشتدت أزمة الماء إلى درجة خطيرة أصبحت معها حياة الصحابة ومواشيهم مهددة، لا سيما إذا أَخذنا بعين الاعتبار أنهم سيقومون بالحديبية مدة غير قصيرة، وأنه لا يوجد مصدر للماء في تلك المنطقة، وما يمكن الالتجاء إليه من مياه قريبة من الحديبية قد سيطر عليها القرشيون ومن المستحيل في ذلك الظرف المتوتر (غاية التوتر) أَن يسمحوا للمسلمين بالسقيا منها.
وعندما بلغت أزمة الماء غايتها وحار الصحابة ماذا يصنعون جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكوا له ما يعانون من نقص خطير في الماء، فلجأَ إلى ربه سبحانه وتعالى، ثم أمر أحد أصحابه بأَن ينزل في عين البئر الشحيحة بالماء وأَن يغرز فيها سهمًا أعطاه إياه بيده الشريفة، ولم يكد صاحبه يغرز السهم في عين البئر حتى تدفقت منها المياه بغزارة إلى درجة أَن امتلأت البشر بالماء، فارتوى الصحابة وأرووا خيلهم، وبهذا حل الله مشكلة الماء الخطيرة، وعادت إلى الصحابة طمأنينتهم الكاملة، وتعاظم إيمانهم بنبيهم العظيم صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في كتب الحديث والتاريخ أَن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد راجعًا بأصحابه إلى الحديبية - وكان قد اتجه نحو مكة - نزل بالناس على
ثمد (1) من ثماد الحديبية ظنون (2) قليل من الماء تبرضًا (3)، فاشتكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء، فانتزع سهمًا من كنانته فأمر به فغرز في الثّمد فجاشت لهم بالرواء حتى صدروا عنه (4) بعطن (5) قال: وإنهم ليغرفون بآنيتهم جلوسًا على شفير البئر، والذي نزل بالسهم في البئر ناجية بن الأعجم (6) من أسلم، ويقال إن الذي نزل بالسهم في البئر حتى جاشت هو ناجية بن جندب الأسلمي (7).
فكان ناجية بن الأعجم يحدّث فيقول: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شُكي إليه قلة الماء، فأَخرج سهمًا من كنانته ودفعه إليّ ودعاني بدلو منم ماء البئر، فجئته به فتوضَّأ، فقال: مضمض فاه، ثم مجَّ في الدلو، والناس في حر شديد وإنما هي بئر واحدة وقد سبق المشركون إلى بلدح فغلبوا على مياهه، فقال: انزل بالماء فصبه في البئر وأثِّر (8) ماءُها بالسهم، ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما كنت أَخرج حتى كاد يغمرني، وفارت كما تفور القدر حتى طمّت، واستوت بشفيرها يغترفون ماءَ من جانبها حتى نهلوا من آخرهم.
(1) الثمد: بفتح أوله وثانيه: الماء القليل الذي لا مادة له، كذا قال في الصحاح، ص 448.
(2)
الظنون: بفتح أوله: قال في الصحاح ص 2160: البئر التي لا يدري أفيها ماء أم لا، ويقال القليلة الماء.
(3)
قال في الصحاح ص 1066: (برض الماء من العين إذ خرج وهو قليل).
(4)
صدر عن الماء: تركهـ.
(5)
العطن بفتح أوله وثانيه: مبرك الإبل حول الماء.
(6)
هو ناحية بن الأعجم الأسلمي قال في الإصابة: ذكره ابن سعد في الصحابة كان ناجية هذا يحمل لواء بني سليم يوم الفتح ويحمل اللواء الثاني بريدة بن الخصيب، قال ابن شاهين: ماتت ناجية بالمدينة في آخر خلافة معاوية.
(7)
ناجية بن جندب: تقدمت ترجمته فيما مضى من هذا الكتاب.
(8)
أثر في الشيء: ترك الأثر فيه.