الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جديد، بعد أن عاد المسلمون إلى التهديد باستخدام القوة، وأَصرّت قريش من جانبها - ممثلة في سهيل بن عمرو - على التمسك بموقفها من ضرورة شطب كلمة (رسول الله) من الوثيقة، لأَنها تعتبر توقيعها عليها وهي تحمل كلمة رسول الله - إعترافًا رسميًا بأنه رسول الله لا سيما وأَنَّ هذه الوثيقة وثيقة رسمية دولية.
الرسول يحسم الخلاف:
غير أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بحكمته وتسامحه وبعد نظره وعدم اهتمامه بالشكليات في مثل هذه المواقف المصيرية الخطيرة - حسم الخلاف وأنهى الأزمة حين أمر أصحابه بالسكوت والتزام الهدوءِ ليتصرف هو حسب ما تقتضيه مصلحة الإسلام والمسلمين، فأَطاع الصحابة أمره فسكتوا، ثم أمر الكاتب - تحقيقًا لرغبة رئيس الوفد القرشي - أن يمحو كلمة (رسول الله) ويكتب بدلًا منها كلمة (باسمك اللهم) وبهذا انتهت آخر مرحلة من مراحل النزاع الخطير وكتبت المعاهدة من نسختين وتمَّ التوقيع والإشهاد عليها من الجانبين.
قال الواقدي يروي هذا القصة: فلما حضرت الدواة والصحيفة بعد طول الكلام والمراجعة فيما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهھيل بن عمرو، ولما التأَم الأمر وتقارب، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يكتب الكتاب بينهم، ودعا أوس بن خولى يكتب، فقال سهيل: لا يكتب إلا أحد الرجلين، ابن عمك علي أو عثمان بن عفان، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، عليًّا يكتب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف الرحمن، أُكتب كما كنا نكتب
باسمك اللهم. فضاق المسلمون من ذلك وقالوا: هو الرحمن. وقالوا: لا نكتب إلا الرحمن. قال سهيل: إذًا لا أقاضيه على شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم! هذا ما اصطلح عليه رسول الله. فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك أفترغب عن اسم أبيك محمد بن عبد الله؟ .
فضجَّ المسلمون منها ضجة هي أشد من الأُولى حتى ارتفعت الأصوات وقام رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: لا نكتب إلا محمدًا رسول الله.
وقال: فحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي فروة عن واقد بن عمر، قال: حدثني من نظر إلى أُسيد بن حُضَير وسعد بن عبادة أخذًا بيد الكاتب فأمسكاها وقالا: لا تكتب إلا محمد رسول الله وإلا فالسيف بيننا! علامَ نعطي هذه الدنيَّة في ديننا؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم ويوميء بيده إليهم: اسكتوا، وجعل حُويطب بن عبد العزّى يتعجب مما يصنعون، ويقبل على مِكرَز بن حفص ويقول: ما رأيت قومًا أحوط لدينهم من هؤلاء القوم! .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم. فنزلت هذه الآية في سهيل حين أبى أن يقرَّ بالرحمن: ({قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا محمد بن عبد الله فاكتب! فكتب باسمك اللهم (2).
(1) سورة الإسراء الآية 110.
(2)
المغازي ج 2 ص 611.