الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث عن مخرج من الورطة:
وبعد غضبة سيد الأَحابيش لتصرفات قريش الرعناءِ، وإنذاره الصريح الشديد الذي وجهه إليها أَحد سادتها وزعمائها يبحثون جدِّيًا عن مخرج ينقذهم من الورطة التي وقعوا فيها أَنفسهم ورأَت أَن هذا المخرج لن يكون بالا بعقد صلح يتم بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ لها ماء وجهها، بعد أَن أَقسمت أَن لا يدخل محمد عليها مكة أَبدًا حتى تفنى عن بكرة أَبيها.
وتمهيدًا للظفر هذا الصلح الذي لا سبيل لقريش إِلى الخروج من ورطتها إِلا بالظفر به، أَخذت في ملاطفة حليفها الأَكبر سيد الأَحابيش (بعد أَن أَسمعها كلمات الرجولة والعدل) تلك التي أَداخت باطلها وأزالت عنها كل فعاليات سُكْر البغي والطغيان، حتى صَحَت كل الصحو لترى جريرة تعنتها وبطرها تكاد تحيق بها ويلاتها من كل جانب.
فقد طلب سادات قريش (في رجاءٍ) من سيد الأَحابيش الذي أَعلن أَنه سينحاز إِلى جانب الحق إذا لم ترجع قريش عن غيّها فتخلي بين المسلمين وبين البيت .. طلبوا منه أَن يمنحهم الفرصة الكافية ليبحثوا عن مخرج من ورطتهم قائلين: (منه، كف عنا يا حُليس، حتى نأَخذ لأَنفسنا ما نرضى، وكان الذي يرضون هو الصلح الذي أَبرموه مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.
وقد أَجابهم سيد الأَحابيش إِلى ما طلبوا فلم ينسحب من حلفهم بعد أَن رأَى أَنَّ ثمار إِنذاره قد أتت أُكلها بتراجع قريش عن موقفها المتصلب وسعيها للصلح مع المسلمين.
لقد أَوقعت تصريحات سيد الأَحابيش الشديدة قريشًا في مأْزق حرج للغاية، وزاد من موقفها حراجة إن ارتفعت أَصوات كثيرة (بعد تصريح
سيد الأَحابيش) داخل المعسكر القرشي تستهجن الحماقة التي أَقدمت عليها قريش بمنعها المسلمين وصدّهم عن البيت بغيًا وعدوانًا.
إِن قريشًا وجدت نفسها في نهاية المطاف في موقف لا تحسد عليه .. بين جذب وشد .. تتخبط في جو من الحيرة والتردُّد.
فلا شيء أَثقل على نفسها من أَن يدخل محمدًا وأَصحابه وهم على هذه الهيئة من العزة والقوة والمنعة، وهم بالأَمس القريب خرجوا من مكة ضعفاءَ خائفين، يتحسسون رؤوسهم وهم يغادرون مكة في جنح الظلام خلسة.
ماذا سيكون مصير مركز قريش الروحي والسياسي الممتازين بين العرب وأَكثرهم يوم ذاك لا يزال على الشرك يدين لقريش بالريادة والقيادة لمكانتها من البيت)؟ .. ماذا سيكون مصير مركزها بين عرب الجزيرة إذا ما علموا أَن محمدًا وأَصحابه البالغ عددهم أَلفًا وخمسمائة، قد دخلوا مكة آمنين مطمئنين دون أَن يلقوا من سدنة الشرك والوثنية أَية مقاومة؟ .
إِن المصير معروف، وهو تصدّع وانهيار هذا المركز في نفوس كل العرب الوثنيين. هكذا كانت تتصور قريش الباغية.
من هنا كانت الرغبة ملحة في نفوس سادات مكة للحيلولة دون دخول المسلمين مكة، ولو أَدَّى هذا إلى استخدام القوة المسلحة.
غير أَن المشركين مع هذه الرغبة الشريرة الملحة في نفوسهم يشعرون شعورًا كاملًا بأَنهم سيكونون الخاسرين لذا ما نشبت الحرب بينهم وبين المسلمين المرابطين في الحديبية .. وهذا الشعور مصدره التجارب العملية القاسية التي مرت بقريش في معارك بدر وأُحد والخندق ، حيث
تلقوا على أيدي المسلمين (وهم قلة قليلة) أشنع الهزائم والاندحارات المريعة.
فشبح انقضاض ثلاثمائة من المسلمين كالنمور الكاسرة على لف من فرسان مكة وصناديدها يتفوَّقون عليهم في كل شيء - لا قوة العقيدة - في بدر (وبعثرتهم في الشعاب والوهاد كما يبعثر الريح العاصف أوراق الخريف) لا يزال كابوسًا مخيفًا يرعب سادات مكة ويشدهم إلى الوراء كلما أرادوا التفكير (جدِّيًا) في الدخول في حرب ضد المسلمين لصدهم عن البيت بالقوة.
وزاد الطين بلّة موقف سيد الأَحابيش الذي شجب تصرفات قريش التعسُّفية وحمَّلها مسؤولية ما قد يحدث من صدام مسلح داخل الحرم، بل وأنذرها بأَنه لن يلوِّث يده بالدم في هذا الصِّدام إذا ما أصرت قريش على عنادها وبطرها.
ومن جهة أُخرى ازداد موقف المسلمين قوة لا سيما بعد أن وجدوا داخل المعسكر القرشي (كالحليس بن زبَّان) وبين جيران الحرم من غير القرشيين (كسيد خزاعة بديل بن ورقاء) من يؤيدهم ويرى الحق في جانبهم، ويلقي باللوم على قريش ويحمِّلها مسؤولية الأزمة الحادة القائمة والتي كادت تصل إلى درجة اشتعال نار الحرب. ولكن الأَمل الكاذب ظل يراود سادات مكة في تحقيق أَهدافهم العدوانية.