الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كانت فكرة السلام في هذه الأَزمة الخطيرة تحتلّ المقام الأَول في ذهن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بين الحلول التي يمكن اتباعها فقد قام من جانبه "بالرغم مما أقدمت عليه قريش من حماقات واستفزازات طيلة البضعة عشر يومًا التي مرّت على الأزمة قام من جانبه النبي صلى الله عليه وسلم بمحاولة سلمية أُخرى، وكانت هذه المحاولة الجديدة عن طريق مبعوث خاص آخر بعث به إلى قريش في معسكرها بوادي بلدح وفي مكة ذاتها.
عمر بن الخطاب يعتذر عن الوساطة:
فقد رأى النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن ينتدب عمر بن الخطاب ليكون مبعوثه الخاص إلى قريش يدعوها إلى السلام، وطرح فكرة الحرب جانبًا.
فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم عمر وأبلغه بأنه يرغب في أَن يكون رسوله إلى قريش، ليمرض عليهم من جديد نفس العرض السلمي الذي حمله إليهم خراش بن أُمية، فلم يتمكن من إبلاغهم إياه لمحاولتهم الفتك به قبل أَن يفاتحهم بشأن هذا العرض.
غير أَن عمر بن الخطاب اعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم عن القيام بهذه المهمة، وأعطى لهذا الاعتذار مبرِّرات معقولة جدًّا، وهي شدّة العداوة التي بين عمر بن الخطاب وبين المشركين، وضعف عصبيته القبلية بين قريش.
فقد قال ابن الخطاب (معتذرًا): يا رسول الله إني أخاف على نفسي وليس لي من بني عدي بن كعب أحدٌ يمنعني، وقد عرفت قريش - عداوتي إياها وغلظتي عليها.
ثم أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبعث إلى قريش رجلًا ذا عصبية ومنعة في قومه بمكة، ليكون بمأْمن من القتل .. لا سيما بعد الذي حدث لِخراش بن أُمية الذي كاد أَن يقتله المشركون لولا حماية الأحابيش له، وإعادته سالمًا إلى الحديبية.
وكان الرجل (ذا العصبية القوية في قومه) والذي أشار ابن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم أَن يبعثه، هو (عثمان بن عفان) لأنه ينتسب إلى بني عبد شمس بن عبد مناف، وهي من أقوى القبائل القرشية ذات القوة والعدد والنفوذ في مكة.
فقد قال ابن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم حينما اعتذر عن القيام بدور الوساطة -: ولكني أدلّك على رجل أعزّ مني (يعني في قومه بمكة): عثمان بن عفّان.
فقبل النبي صلى الله عليه وسلم اعتذار عمر بن الخطاب، واستصواب مشورته بشأن إرسال عثمان بن عفان مبعوثًا خاصًّا إلى قريش.
فقد استدعى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وقال له: (اذهب إلى قريش فأخبرهم أنَّا لم نأْتِ لقتال أحد، وإنما جئنا زوارًا لهذا البيت معظمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف (1).
فصدع عثمان بأمر نبيِّه الكريم، وفي ذلك الجوّ المكهرب المشحون بالتوتر الشديد توجه عثمان إلى مكة ليبلغ ساداتها حقيقة موقف النبي صلى الله عليه وسلم ونواياه السلمية المحضة، في رسالة (بعضهم يقول خطية، وبعضهم يقول شفوية) حملها عثمان إلى سادات قريش وزعمائها.
(1) طبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 97.