الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العام بين جميع وحدات جيشه المرابطة في الحديبية لتكون على أهبة الاستعداد لمناجزة المشركين بالزحف على مكة.
فقد عمّ الذعر صفوف المشركين وانتاب قادتهم الخوف والفزع للقرار الحاسم الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم بمحاربة قريش، وصار لذلك هم سادات المشركين محصورًا في إيجاد وسيلة لإبعاد شبح الحرب ولإحلال السلام بين الفريقين، وهو ما ظلّ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إليه (صادقًا) طيلة عشرين يومًا، وتأباه قريش وترفضه في غطرسة بغيضة.
فبعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى في تحقيق السلام فيبعث بالمبعوث تلو الآخر إلى قريش لتحقيق هذه الغاية، تغير الموقف عكسًا وانقلبت قريش نفسها تسعى جاهدة طالبة إحلال السلام، وانتهت مساعيها (وهي لا تكاد تصدِّق) إلى إقامة صلح بينها وبين المسلمين تحقن بموجبه الدماء وتضع الحرب أوزارها لمدة عشر سنين، ويُمكن المسلمين بموجبه من دخول مكة وزيارة البيت الذي حرموا زيارته طوال سبع سنوات كاملة.
سبب اتخاذ النبي القرار بإعلان الحرب:
أما سبب التحوّل الفجائي الحاسم في موقف المسلمين نحو الحرب، فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث كما تقدم (ضمن مساعيه السلمية) عثمان بن عفان إلى مكة لإبلاغ قريش حقيقة نوايا المسلمين السلمية، وأنهم لا يرغبون في الحرب، ومحاولة إقناع قريش بالتخلي عن مواقفها المتصلفة المشبعة بروح الحرب الظالمة، كي يتاح للمسلمين أداء مناسكهم وإبلاغ الهدي محلَّه.
وبينما كان عثمان بن عفان موجودًا في مكة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحديبية - أن قريشًا بدلًا من أن تتفهَّم نواياه السلمية وتجيبه إلى ما دعا إليه من إقامة سلام بين الفريقين، عدت على عثمان وعشرة من الصحابة كانوا معه في مكة فقتلوهم جميعًا (1).
ولم يسع النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغه مقتل عثمان وأصحابه على أيدي القرشيين إلا أن يستنفر أصحابه ويدعوهم إلى مقاتلة المشركين وذلك بأن دعاهم إلى مبايعته على الموت، بعد أن نزل الأمر بذلك من السماء.
وقد لبَّى أصحابه جميعًا (وعددهم ألف وأربعمائة) نداءه فبايعوه تحت الشجرة في الحديبية، فامتدحهم الله تعالى وأثنى عليهم وأعلن رضاه عنهم، بقوله:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} .
وهذه هي بيعة الرضوان المشهورة.
قال الإمام الطبري في تاريخه (ج 2 ص 632): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن عثمان قد قُتل قال: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.
وفي رواية أُخرى عن سلمة بن الأكوع أنه قال: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس البيعة البيعة، نزل روح القدس، قال: فسرنا
(1) ذكر الواقدي في مغازيه: أن عشرة من الصحابة دخلوا مكة مع عثمان لزيارة أقارب لهم، وهؤلاء العشرة هم:(كرز بن جابر الفهري، وعبد الله بن سهيل بن عمرو وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وحاطب بن أبي بلتعة، وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، وعبد الله بن حذافة، وأبو الروم بن عمير، وعمير بن وهب الجمحي، وعبد الله بن أبي أمية بن وهب). المغازي ج 2 ص 603.