الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت عيون بني ثعلبة قد أَبلغتهم بتحرك هذه الدورية نحوهم وأنها تقصد ديارهم فاستعدُّوا لها وكمنوا وأعدوا (للإحاطة بهم) مائة رجل.
فلما وصل ابن مسلمة بدوريته إلى (ذي القصة) لم يجد أحدًا فاستراح بأَصحابه فأَخذهم النوم، ولم يشعر إلا بمائة من فرسان بني ثعلبة يحيطون بهم من كل جانب، فثار الصحابة إلى سلاحهم وأخذوا يرامونهم بالنبل ولكن دون جدوى، فالكثرة تغلب الشجاعة كما يقولون.
فقد هجم المشركون على الصحابة فأَبادوهم عن بكرة أَبيهم أَما قائد الدورية (محمد بن مسلمة) فقد وقع جريحًا فضربوا كعبه فلم يتحرك، فظنوه قد مات فتركوه بعد أَن أخذوا كل خيلهم وأَسلحتهم وحتى الثياب جرَّدوهم منها ثم انصرفوا.
غير أَن رجلا من المسلمين مر بابن مسلمة وأَصحابه، فلما رآهم صرعى استرجع فلما تأَكد ابن مسلمة بأنه مسلم تحرك، وهنا حمله الرجل حتى ورد به المدينة، حيث عولج من جراحه حتى شفى.
-6 -
حملة ذي القصة أيضًا .. سنة خمس من الهجرة .. شهر ربيع الآخر
وسبب القيام بهذه الحملة، هو أَن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أَن بني محارب وبني ثعلبة وأنمار (1) قد تحركوا إلى منطقة تغلبين والمراض (2) التي
(1) بني محارب وأنمار، بطنان من قبائل نجد العدنانية، ويتصل نسبهما بأسد بن ربيعة بن نزار، أما ثعلبة فيظهر أنهم من غطفان: بنو ثعلبة بن قيس، (انظر معجم.
(2)
تغلبين والمراض: موضعين يقعان على حدود بلاد نجد ناحية غطفان.
تبعد عن المدينة ستة وثلاثين ميلا، تحركوا للإغارة على سرح المدينة (1) الذي كان يرعى بها على بعد سبعة أَميال من المدينة بغية نهب هذا السرح والاستيلاء عليه.
لذلك سارع النبي صلى الله عليه وسلم فبعث (على جناح السرعة) بكوكبة صغيرة من الفرسان قوامها أربعون فارسًا بقيادة أَبي عبيدة عامر بن الجراح ليحموا السرح ويصدوا المشركين عنه.
فتحرك أَبو عبيدة بكوكبته مسرعًا بعد صلاة المغرب، فوصل بفرسانه إلى ذي القصة مع عماية الصبح فوجد المشركين هؤلاء يتحفزون (فعلا) للإغارة على السرح فهاجمهم (بطريقة مباغتة لم يتوقعوها) ففروا هاربين في الجبال، وأعجزوا (بهربهم) أَبا عبيدة ورجاله إلا أنه تمكن من أَسر رجل واحد منهم، كما استولى رجاله على بعض الإبل التابعة لهم وغنموا بعض أمتعتهم التي تركوها عندما هربوا.
وقد عاد أَبو عبيدة برجاله إلى المدينة ومعه الأَسير والغنائم أَما الأَسير فأَسلم، فأَطلق النبي صلى الله عليه وسلم سراحه، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنيمة بين الأَربعين فارس بعد أَن خمسها كالمتبع أَي أَخذ خمسها للمصالح العامة.
(1) السرح (بفتح السين مع تشديد) وسكون الراء، كناية عن الإبل التي تنفش في المراعي لترعى.
-7 -
حملة الجموم (1) .. ربيع الآخر سنة خمس من الهجرة
كانت بنو سليم من أهل الجموم (وادي فاطمة) قد أَعانوا أَبا سفيان في حربه ضد المسلمين في معركة (الأحزاب) فاشترك منهم معه حوالي سبعمائة مقاتل، وافوه في مر الظهران (وادي فاطمة) وهو في طريقه إلى المدينة.
وكان الأعراب الذين اشتركوا في غزوة الأحزاب (ومنهم بنو سليم) قد أصبحوا بعملهم ذاك أعداءً محاربين للنبي صلى الله عليه وسلم.
لذلك من البدهي، (وخاصة بعد اندحارهم في معركتهم الخاسرة) أن يلقي عليهم النبي صلى الله عليه وسلم دروسًا تأْديبية بنقل المعركة إلى ديارهم حتى وإن بعدت، مثل ديار بني سليم القريبة من مكة ليرسخ في أَذهان هؤلاء الأَعراب المشركين أَن المسلمين أصبحوا سادة الموقف في الجزيرة، وأنهم قادرون على نقل المعركة إلى أي مكان يريدون من أَرض أعدائهم.
ومن ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى ديار بني سليم بسرية بقيادة (زيد بن حارثة) للإِغارة عليهم وإرهابهم في الجموم (2).
(1) الجموم (بفتح أوله وضم ثانيه) منزل من منازل بني سليم، قال ابن بليهد في (صحيح الأخبار): الجموم: عين جارية عليها زروع وغروس وهي في الظهران الذي يقال له اليوم (وادي فاطمة).
(2)
انظر، السيرة الحلبية ج 2 ص 99، وقد أسمى الموضع بالجموح، ويظهر أنه تصحيف.
وقد أَغار عليهم زيد بن حارثة، وفي طريقه وجد امرأَة من مزينة يقال لها:(حليمة) فدلتهم على محلة من محال بني سلم، فأَغاروا عليهم وأَوقعوا بهم، ففر من (سُليم) من قدر على الفرار، ووقع الباقون أسرى في يد رجال السرية.
كما استولى رجال زيد بن حارثة على مجموعة من الإبل والغنم فقفلوا راجعين إلى المدينة ومعهم المرأَة (حليمة المزنية) وزوجها أَسيرين غير أنهم لما وصلوا المدينة وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم الخبر، وهب للمرأَة المزينية نفسها ووهب لها زوجها مكافأَة لها على إرشادها لرجال السرية، فأطلق سراحهما (1).
-8 -
حملة العيص (2) .. جمادى الأولى سنة خمس من الهجرة
كان سبب هذه الحملة أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عيرًا لقريش قد أقبلت من الشام عائدة بالبضائع إلى مكة.
ولم يكن بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش في تلك الفترة أَي صلح أو معاهدة، وإنما كانوا في حالة حرب، والجو بين الفريقين على غاية من التوتر .. لا سيما المسلمون الذين لم ينسوا بعد ذلك الغزو الظالم الغاشم المخيف الذي تعرضت له المدينة حيث فرض عليها أبو سفيان
(1) طبقات ابن سعد ج 2 ص 86.
(2)
العيص (بكسر أوله) موضع على ساحل البحر الأحمر، يقع شمال غربي المدينة، تمر به القوافل الآتية من الشام لمكة، ويبعد عن المدينة مسافة أربع ليال بسير القوافل.
الحصار الخانق وكان يقود عشرة آلاف مقاتل، قرر أَن يقتحم بهم المدينة ويبيد كل من فيها من المسلمين .. لم ينس المسلمون هذا الغزو المخيف الذي لم يمر عليه أكثر من ستة أَشهر .. والذي لو قدِّر له النجاح لكان المسلمون في خبر كان.
لذلك كان من البدهي أن يتحيَّن المسلمون الفرص للإيقاع بمشركي مكة الذين سعوا ذلك السعي الخطير لتدميرهم وإبادتهم.
ولهذا فإنه عندما تبلغ النبي القائد صلى الله عليه وسلم من جهاز استخباراته العسكرية أَن قافلة للعدو عائدة من الشام إلى مكة وأنها قد وطئت التراب الحجازي، جهز كتيبة من الفرسان قوامها مائة وسبعون فارسًا، وأعطى قيادتهم لمولاه (زيد بن حارثة). وكلفهم بالتعرض لهذه القافلة والاستيلاء عليها كجزء من أَموال عدو محارب.
وقد تحرك زيد بن حارثة بكتيبته من المدينة حتى وصل منطقة العيص .. وهناك التقى بقافلة قريش، فاستولى رجاله على هذه القافلة وأَخذوا جميع الذين يقودونها أَسرى .. ولم يذكر أَحد من المؤرخين أن قادة القافلة قد أَبدوا أي شيء من المقاومة إذ لم يشر أَحد إلى أَنه جرى أَي قتال عند استيلاء المسلمين على هذه القافلة التي كانت فيها (يومئذ) كمية كبيرة من الفضة عائدة للتاجر القرشي الكبير المعروف (صفوان بن أُمية)(1).
وقد عاد زيد بن حارثة بالقافلة وبالأَسرى القرشيين إلى المدينة.
(1) انظر ترجمته في كتابنا غزوة بدر الكبرى.