الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قريش ترفض عروض السلام النبوية:
هذه خلاصة العرض النبوي للسلام والذي حمله بُدَيل بن ورقاء الذي تبرع مشكورًا وجعل من نفسه ومن أَصحابه (كما يقولون) حمامة سلام بين الفريقين.
وبعد أَن أَبلغ بُدَيل بن ورقاءَ وأَصحابه رسالة النبي السلمية إلى قريش، قال لهم - ناصحًا ومنتقدًا في آن واحد -: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد وإن محمدًا لم يكن باعث حرب، ولم يأْت لقتال وإِنما جاءَ زائرًا لهذا البيت
…
فشتموه واتهموه بالتحيُّز للمسلمين ثم أَصرُّوا على موقفهم المتعنِّت قائلين: (حتى وإن كان جاءَ محمد ولا يريد قتالًا، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أَبدًا، أَيريد محمد أَن يدخلها علينا في جنوده معتمرًا .. تسمع العرب أَنه قد دخل علينا عَنوة، وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا، والله لا كان هذا أبدًا، ومنَّا عين تطرف (1).
الوسيط الثاني:
غير أَن عروة بن مسعود الثقفي (2)، نصح حلفاءَه بالتزام جانب الاعتدال وأَنكر عليهم رفض العرض النبوي الذي حمله إليهم بديل بن ورقاء الخزاعي.
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 311 وصحيح البخاري ج 5 ص 267 والسيرة الحلبية ج 2 ص 136 ومغازي الواقدي ج 2 ص 593 - 594 نشر جامعة أكسفورد، طبعة دار المعارف المصرية، والبداية والنهاية ج 4 ص 166، وتاريخ الطبري ج 2 ص 625 وما بعدها.
(2)
هو عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، سيد عظيم من سادات ثقيف =
لقد كان عروة بن مسعود هذا سيدًا مطاعًا في قومه وكان (كما تقدم حليفًا لقريش ومرابطًا مع قومه ثقيف في معسكر قريش أَثناءِ أَزمة الحديبية، وكان فوق ذلك له نسب وصهر في قريش، إذ كانت أُمه سيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف.
وكان هذا السيد الثقفي بحكم وجوده وحكم مركزه القيادي في معسكر قريش (كقائد لقوات القبائل الثقفية الحليفة) يرقب الأَحداث والتطورات في أَزمة الحديبية، وكان يطلّع (بدقة) على ما يدور بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش حول هذه الأَزمة الحادة، مما جعله يدرك الصورة الصحيحة لموقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي الصورة التي أعطت قريشًا حلفاءُها من ثقيف والأَحابيش عكسها إذ زعمت لهم أَن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه جاؤوا معتدين بقصد إهانة قريش والمسّ بكرامتها وإنهاءِ وجودها، ولم تذكر لهم الحقيقة أَو شيئًا منها، وهي أَنَّ النبي وأَصحابه لم يأْتوا إلا معتمرين مسالمين، وأَن فكرة الحرب لم يكن لها أَيّ وجود في أَذهان النبي وأَصحابه منذ أَن غادروا المدينة في اتجاه مكة.
= كانت له اليد الطولى في تقرير صلح الحديبية، أسلم سنة تسع من الهجرة وحسن إسلامه، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم (كما في صحيح مسلم): عرض على الأنبياء ورأيت عيسى، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود .. بعد أن أسلم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يذهب إلى قومه ثقيف ليدعوهم إلى الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: إني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، فأذن له، فدعاهم إلى الإسلام ونصح لهم فعصموه، ثم قتلوه، قتله رجل منهم بسهم، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه وقيل له: ما ترى في دمك؟ قال: كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي.
وعلى أَساس الإدراك الصحيح والتقييم للموقف (كما هو) لدى عروة بن مسعود، ولدى سيّد الأَحابيش الحُليس بن زبَّان تبين لهما أَن النبي وأَصحابه لم يكونوا مخطئين ولا معتدين حينما جاؤوا محرمين، قاصدين تعظيم البيت فحسب، لأَن ذلك حق لهم كسائر العرب، ليس من حق أَحد أَن يحول بينهم وبين مباشرته.
وتكوَّن لدي عروة بن مسعود (آنيذ) أَن العرض النبوي الذي يدعو فيه قريشًا إلى السلم والموادعة ونبذ الحرب عرض عادل وخُطة رشد لا يجوز لقريش أَن ترفضها، لأَن هذا الرفض يجعل قريشًا (أَمام العرب) في الموقف البغيض الذي أَراد سادات مكة أَن يضعوا النبي صلى الله عليه وسلم فيه.
ولهذا فقد وجَّه عروة بن مسعود اللوم صراحة إلى حلفائه القرشيين، ونصحهم بأَن يقبلوا العرض النبوي القائم على أَساس إنشاء معاهدة سلام يمكن المسلمين والقرشيين.
فقد قال لهم: يا معشر قريش تتهموني؟ قالوا: ما أَنت عندنا بمتهم، ثم قال لهم: أَلستم الوالد وأَنا الولد؟ وقد استنفرت لكم أَهل عكاظ لنصرتكم، فلما بلحّوا (1) عليّ نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أَطاعني، فقالوا: قد فعلت، فقال: إني ناصح لكم شفيق عليكم، لا أَدخر عنكم نصحًا، وإن بُديلًا قد جاءَكم بخطة رُشْد (يعني العرض النبوي) لا يردّها أَحد إلا أَخذ شرًّا منها فاقبلوها منه.
ثم اقترح عليهم أَن يكون مبعوثهم ووسيطهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتفاوض معه ويتباحث حول هذا النزاع عساه أَن يتوفق لحل هذه
(1) بلحوا: أي امتنعوا من الإجابة.