الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فغاظ ذلك عمرو فقال في نفسه: ستعمه، فأَمهله حتى إذا نام أدخل طرف قوسه في عينه الصحيحة ثم تحمل عليها حتى بلغت العظم.
ثم انطلق وصاحبه حتى إذا هبطا على النقيع (على ليلتين من المدينة) وجدا رجلين من قريش من المشركين بعثت بهما قريش للتجسس على المسلمين، فأَنذرهما عمرو وصاحبه بأَن يستسلما، فأبيا، فرمى عمرو أَحدهما بسهم فقتله ثم تمكن من أَسر الثاني، فأَوثقه ثم قدم به إلى المدينة.
- 18 -
مصرع ملك خيبر (أبو رافع): رمضان سنة ست من الهجرة
ك ان سلَّام بن أَبي الحُقيق النضري (بعد مصرع طاغية بني النضيرُ حيِّي بن أَخطب) سيد خيبر المطاع، وكان لا يقل (عن حُيي بن أَخطب) عداوة للرسول صلى الله عليه وسلم.
بالإضافة إلى ذلك كان من كبار مجرمي الحرب الغادرة الظالمة التي شنَّها على المسلمين في المدينة (وبتدبيرٍ من يهود خيبر) عشرة آلاف مقاتل من الأَحزاب الوثنية المتحالفة (قريش وغطفان وأَشجع وَفزَارة وأَسلم).
فقد كان سلام بن أَبي الحُقيق في مقدّمة وفد التحريض اليهودي الذي غادر خيبر في أَواسط السنة الرابعة من الهجرة ليطوف بمضارب البدو وفي نجد ومواطن القبائل في الحجاز لتحريضهم على غزو المسلمين وتدميرهم في المدينة.
وعندما تحوَّل المشروع اليهودي من نطاق الفكر إلى حيِّز العمل، وتحركت (لإِبادة المسلمين في المدينة) تلك القوة الضاربة من أَعراب نجد وقبائل قريش
…
كان (سلام بن أَبي الحقيق) هذا مع حيي بن أَخطب على رأْس هذه القوة الضاربة الغازية (1).
كما أَن سلَّام بن أَبي الحُقَيق النَّضري هذا كانت له سابقة خطيرة في الإجرام والتآمر في المدينة قبل إجلاءِ بني النضير عنها.
فقد كان سلَّام هذا، أَحد أَركان تلك المؤامرة الدنيئة التي كانت تستهدف حياة النبي الأَعظم صلى الله عليه وسلم والتي شرع يهود بني النضير في تنفيذها عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم موجودًا أعزلًا في ديارهم مع قلة من أَصحابه جاؤوا إلى ديار بني النضير للبحث معهم في القيام ببعض التزامات تفرضها على اليهود معاهدة الحلف المعقود بين المسلمين وهؤلاءِ اليهود (2).
ولم يكن العفو الكريم الذي منحه النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير والذي شمل في الدرجة الأُولى (سلَّام بن أَبي الحُقَيق) أَحد أَركان المؤامرة
…
لم يكن العفو الكريم ليغيّر شيئًا من طبيعة هذا اليهودي.
(1) قال ابن سعد في طبقاته الكبرى ج 2 ص 91: كان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الحفل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك وأربعة آخرون وأمرهم بقتله.
وقال ابن القيم (زاد المعاد ج 2 ص 293): كان أبو رافع ممن ألب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقتل مع بني قريظة كما قتل صاحبه حيي بن أخطب ورغبت الخزرج في قتله مساواة للأوس من قتل كعب بن الأشرف.
(2)
انظر التفاصيل الكاملة لقصة هذه المؤامرة الخطيرة في كتابنا (غزوة الأحزاب) الفصل الأول ص 54.
طبيعة الأَنانية والغدر والخيانة والتآمر والسعي للوصول (على أَكتاف الغير) إلى الغرض المنشود بأَية وسيلة مهما بلغت من الخسة والوضاعة (طبيعة اليهود في كل زمان ومكان).
فقد رأَينا (كما تقدم) كيف أَنَّ (سلام بن أَبي الحُقَيق) بالرغم من تلك المعاملة الكريمة التي عامل بها النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير. رأَينا كيف أَن سلَّام هذا وعصابته، لم تكد أَقدامهم تطأُ مدينة خيبر: حتى شرعوا في حبك المؤامرة الخطيرة التي كانت ثمرتها تعريض النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه لأَعظم خطر شهدوه في حياتهم وهو غزوة الأَحزاب. التي رافقَ قواتها الضاربة سلَّام بن أَبي الحُقيق هذا وزميله في التآمر حُيي بن أَخطب اللذان كانا يحلمان بالعودة إِلى المدينة .. أَما حيي بن أَخطب فقد لقى مصرعه في المدينة على أَثر محاكمة يهود بني قريظة.
أَما أَبو رافع (سلَّام بن أَبي الحقيق) .. فقد تمكن من الإِفلات، فعاد إلى خيبر عقب انفضاض جيوش الأَحزاب عن المدينة مهزومة مدحورة.
وقد رأَت القيادة الإِسلامية العليا في المدينة أن التخلص من هذا اليهودي (سلام بن أَبي الحقيق) الذي آلت إِليه زعامة اليهود في خيبر بعد حيي بن أَخطب - رأَت أَن التخلص من هذا اليهودي (كمجرم حرب) أَمر لا بد منه.
لأَن عداءَه المستحكم للإِسلام وحقده العارم المغتلم في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم لن يتركا له فرصة يستريح فيها من عناء الكيد للإِسلام والتأْليب على المسلمين لإفنائهم حتى ولو أَعطاهم أَلف عهد ووقَّع معهم أَلف ميثاق.
فمن المحتمل جدًّا (بما لدى هذا اليهودي المرابي من ثراءٍ واسع ولما يتمتع به من نفوذ اقتصادي كبير بين قبائل العرب الوثنية المعادية بطبعها للإِسلام) أَن يقوم مرة أُخرى بتأْليب هذه القبائل وتحزيبها وأَن يزيِّن لها غزو يثرب من جديد.
فيشعل على المسلمين نارًا أُخرى. كما أَشعل (بالاشتراك مع حيي بن أَخطب) نار حرب الأَحزاب التي كاد فيها المسلمون أَن يبادوا عن آخرهم.
بل إن حديث المؤرخين ليشير إلى أَن سلَّام بن أَبي الحقيق هذا لم يكد يصل خيبر (بعد فراره) حتى شرع في اتصالاته المشبوهة بزعماءِ القبائل الوثنية وخاصة قبائل غطفان .. وأَخذ يحرِّضها على المسلمين ويهيئها من جديد لشن حرب ثانية ضد المسلمين بقصد إبادتهم. الأَمر الذي يجعل المسلمين (حفاظًا على سلامتهم وأَمن أَراضيهم) أَن يفكروا في التخلص سريعًا من هذا اليهودي العنيد المتآمر الذي لن يترك لهم فرصة يستريحون فيها ما بقي على قيد الحياة. وما قدر على فعل ما يعتقد أَن فيه تدميرًا (أَو إزعاجًا وإقلالًا وترويعًا على الأَقل) لهم.
لأَن من طبيعة اليهود عدم التردد في ارتكاب فعل الشر ما وجدوا السبيل إلى فعله، وما دام أَن فعله يخدم غرضًا من أغراضهم الخبيثة أَو يحقق هدفًا من أَهدافهم الشريرة.
لذلك رأَت القيادة الإِسلامية العليا في المدينة القضاءَ على هذا الزعيم اليهودي بأَسرع ما يمكن باعتباره مصدر خطر جسيم يهدد أَمن وسلامة أُمة بأكملها هي أُمة الإِسلام الوليدة في يثرب .. وباعتباره غادرًا
وخائنًا متآمرًا، لن يتورع (لإِلحاق الضرر بالمسلمين) عن سلوك أَي سبيل .. في وقت فيه المسلمون أَحوج ما يكونون إلى الهدوءِ والاستقرار لمواجهة ما يهددهم من أَخطار لا تزال نُذُرُها تلمع في أُفق نجد والحجاز، حيث تتحفز قبائل غطفان (في انتظار الفرصة) لضرب المسلمين في المدينة لسلبها ونهبها. ولإعادة الاعتبار الذي فقدته عندما عادت قوتها دام أَكثر من أربعة أسابيع.
كما أن قريشًا من جانبها وكل قبائل الحجاز الوثنية تتحين الفرص للإغارة على المسلمين وكسر شوكتهم كأَعداءَ عقائديين للوثنية التي هي دين تلك القبائل التي غضبت غضبًا شديدًا بسبب ظهور دعوة التوحيد التي جاء بها الإِسلام لتقام أَركانها على أَنقاض هذه الوثنية.
وبالجملة فقد كانت القيادة الإِسلامية العليا في المدينة (بالرغم من إحساسها إِحساسًا كاملًا بأَنها من الناحية العسكرية أَقوى مما كانت عليه قبل معركة الأَحزاب) تشعر بأَنها لا تزال محاطة بالأَخطار من الشمال والشرق والجنوب.
بالإضافة إلى الخطر الداخلي الذي لا يزال الكيان الإِسلامي الوليد يعاني منه الشيء الكبير .. وهو خطر المنافقين الذين يتربصون (داخل المجتمع الإسلامي) بالإِسلام والمسلمين الدوائر.
ولعل أَعظم خطر يخشاه المسلمون في تلك الفترة هو الخطر اليهودي الجاثم في خيبر على بعد مسافة لا تزيد على 70 ميلًا من المدينة.
وهذا الخطر وإن لم يكن متمثلا في قيام هؤلاء اليهود بغزو المدينة. إذ أن ذلك بعيد الاحتمال. حيث أَن القيام بالغزو ليس من طبيعة
اليهود (طيلة وجودهم في جزيرة العرب) وإنما من طبيعتهم (كما وصفهم القرآن الكريم) القتال خلف جُدُرِ الحصون والقلاع والمستعمرات المحصنة (1).
وإِنما يتمثل هذا الخطر اليهودي (في الدرجة الأُولى) في أَن تعاود اليهود طبيعتهم في التحريض على المسلمين والسعي لحشد حشود جديدة هائلة من الأَعراب ليقوموا بحرب خاطفة شاملة ضد المسلمين لحساب هؤلاءِ اليهود تحت تأْثير الإِغراءِ بالعطايا الجزيلة والرشاوى الكبيرة.
ولهذا كان لا بد للمسلمين من القيام بعمل حاسم يتسم بالترويع والتخويف .. يكون فيه درس رادع لليهود وإنذار عملي بأَن هؤلاءِ اليهود (وخاصة زعماءُهم وكبار مجرميهم) لن يكونوا بمنأى عن تأْديب المسلمين وإنزالهم العقاب الصارم بهم جزاءَ تآمرهم حتى ولو كانوا في بروج مشيَّدة وحصون محصَّنة.
ولم يكن هذا العمل الجريء المتسم بطابع المغامرة إِلا قتل ملك اليهود وكبيرهم في قصره وعلى فراش نومه.
لأن ذلك يُعطي اليهود فكرة مجسَّدة عن قدرة المسلمين على المغامرة وعدم مبالاتهم بالموت في سبيل الله.
وفي ذلك إذا ما نجح (دونما شك) تمزيق لأَعصاب اليهود وجعْلهم يتصورون أَن المسلمين معهم أَينما كانوا وأَنهہم قادرون على قتلهم متى شاءُوا .. الأَمر الذي ينسخ من أَذهانهم فكرة السعي مرة أخرى لغزو
(1) جاء في القرآن الكريم إشارة إلى واقع هؤلاء اليهود: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} الحشر: 14.
المسلمين في المدينة .. ويجعلهم (فقط) يحصرون همُّهم واهتمامهم في التحصن وحماية أَنفسهم من هؤلاءِ المسلمين.
وهل هناك قوم يخيفون أَكثر من الذين يتمكنون من قتل أَكبر إنسان في قومه وهو في علياء حصنه وعلى فراشه بالسيف
…
بالرغم من كثرة الأبواب الموصدة دونه والأَحراس المقامة عليه.
ذلك بعض ما هدف إليه الفدائيون الخمسة الذين اتجهوا من المدينة إلى خيبر خصيصًا لقتل سيدها اليهودي وكبير مجرميها وزعيم متآمريها على الإِسلام والمسلمين (سلَّام بن أَبي الحُقيق الملقَّب بأَبي رافع).
فللقيام بهذه المغامرة الخطيرة (وبعد استشارة النبي صلى الله عليه وسلم) تحرّك من المدينة المنورة ناحية خيبر خمسة من الفدائيين الأَنصار وكلهم من الخزرج.
وهؤلاء الخمسة الفدائيون هم:
1 -
عبد الله بن عتيك.
2 -
مسعود بن سنان.
3 -
عبد الله بن أَنيس.
4 -
الحارث بن ربعي أَبو قتادة.
5 -
خزاعي بن أَسود.
وقد أَسند النبي صلى الله عليه وسلم قيادتهم إلى (عبد الله بن عتيك) لأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسند القيام بأَي عمل إلى أَكثر من اثنين إلا وأَمَّر عليهم أَحدهم لتكون روح الانضباط سائدة ولئلا تجد الفوضى لها أيَّ منفذ.