المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منع بيع محاصيل اليمامة في مكة: - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٥

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 5 -صُلحُ الحُدَبِيَة

- ‌تقديم الكتاب

- ‌تمهيد المؤلف

- ‌الفصْل الأول

- ‌الأعراب والأحزاب:

- ‌العمليات العسكرية:

- ‌خيبر آخر المطاف:

- ‌حملة القرطاء - 10 محرم سنة خمس للهجرة

- ‌سيد حنيفة في الأسر:

- ‌ثمامة ينتصر للإسلام من قريش:

- ‌قريش تقتل ثمامة:

- ‌منع بيع محاصيل اليمامة في مكة:

- ‌النبي يقود الحملة بنفسه:

- ‌تضليل العدو:

- ‌فرار اللحيانيون قبل وصول النبي:

- ‌المطاردة:

- ‌الإِقامة في أرض العدو:

- ‌إرهاب المشركين بمكة:

- ‌الترحم على الشهداء:

- ‌نهي النبي عن الاستغفار لأمه:

- ‌فزارة تغير على المسلمين:

- ‌الصريخ في المدينة:

- ‌اندحار المغيرين واستعادة الإبل:

- ‌قتلى الفريقين في المعركة:

- ‌عودة المرأة الأسيرة:

- ‌حملة ذي القصة .. شهر ربيع الآخر سنة خمس من الهجرة

- ‌حملة ذي القصة أيضًا .. سنة خمس من الهجرة .. شهر ربيع الآخر

- ‌ابنة النبي وزوجها الأسير:

- ‌رد الأموال وإطلاق الأسرى:

- ‌احتجاج بني الضبيب لدى القائد زيد:

- ‌زيد بن رفاعة يحتج لدى الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌الأمر بإعادة الغنائم والسبي:

- ‌حمله وادي القرى .. رجب سنة خمس من الهجرة

- ‌وقفة فقهية:

- ‌الصدِّيق القائد:

- ‌نجاح الحملة:

- ‌تحاول اغتيال النبي:

- ‌وقفة تأمل وتدبر:

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى مدين

- ‌بعث عمرو بن أمية الضمرى .. لقتل أبي سفيان بمكة .. شوال من السنة السادسة

- ‌محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌إن هذا ليريد غدرًا:

- ‌السعي لاغتيال أبي سفيان:

- ‌أخذ جثة الشهيد خبيب

- ‌قتل جاسوس:

- ‌مصرع ملك خيبر (أبو رافع): رمضان سنة ست من الهجرة

- ‌الفدائيون في خيبر:

- ‌تخفي الفدائيين بالنهار:

- ‌اللغة العبرية:

- ‌الخطة .. والتنفيذ:

- ‌اختلاف المؤرخين:

- ‌ رواية ابن إسحاق

- ‌رواية البخاري:

- ‌ليس هناك تناقضًا:

- ‌المطاردة:

- ‌مقتل ملك اليهود الثاني في خيبر .. أَسيد بن زارم شوال سنة ست للهجرة

- ‌الاستخبارات النبوية في خيبر:

- ‌عبد الله بن رواحة في خيبر:

- ‌خروج ملك خيبر إلى المدينة:

- ‌حاولوا الغدر فقتلوا:

- ‌الفصل الثاني

- ‌حروب فاشلة:

- ‌الحرب الشاملة:

- ‌رسوخ جذور الإسلام:

- ‌بهہود خيبر فقط:

- ‌الخروج للعمرة:

- ‌الاستعداد للطواريء:

- ‌تثبيط المنافقين:

- ‌القرآن يفضحهم:

- ‌الصفوة المختارة:

- ‌أمير على المدينة:

- ‌حمل السلاح:

- ‌علامات النسك لا الحرب:

- ‌شاري بدن رسول الله:

- ‌ناجية بن جندب على الهدي:

- ‌هدي الموسرين من الصحابة:

- ‌تاريخ الخروج للعمرة:

- ‌الإحرام بالعمرة:

- ‌والمنافقون أيضًا:

- ‌طلائع للاستكشاف ورجل الاستخبارات:

- ‌طريق الرسول إلى مكة:

- ‌قريش في برلمانها:

- ‌لجنة المتابعة والتنفيذ:

- ‌قريش تستعد لمنع المسلمين بالقوة:

- ‌تنفيذ خطة الصد:

- ‌المعسكر الرئيسي لقريش:

- ‌إطعام المرتزقة:

- ‌الاستخبارات النبوية في مكة:

- ‌النبي يستشير أصحابه:

- ‌المقداد بن عمرو يتكلم:

- ‌مشادة بين الصديق وابن ورقاء:

- ‌نذر الحرب:

- ‌النبي يتحاشى الصدام المسلح:

- ‌سلاح فرسان الفريقين في حالة المواجهة:

- ‌صلاة الخوف في عسفان:

- ‌خالد يحاول مهاجمة المسلمين وقت الصلاة:

- ‌الحديبية بدلا من التنعيم:

- ‌النبي وأصحابه يضلون الطريق عدة مرات:

- ‌الكلمة التي عرضت على بني إسرائيل:

- ‌أصحاب الثنية المغفور لهم:

- ‌بعيره أهم إليه من أن يستغفر له الرسول:

- ‌عودة خالد إلى مكة:

- ‌حابس الفيل:

- ‌فصائل حراسة المسلمين:

- ‌معجزة الرسول في الحديبية:

- ‌موقف المنافقين من هذه المعجزة:

- ‌نموذج من نفاق ابن أُبي:

- ‌مقالة الجد بن قيس المنافق:

- ‌يمتنع عن المبايعة تحت الشجرة:

- ‌الغلام الذي أعجب الرسول بفصاحته:

- ‌النبي يبلع قريشًا نواياه السلمية رسميًّا:

- ‌وسيط السلام الأول:

- ‌بديل بن ورقاء يتأثر بقول النبي صلى الله عليه وسلم وينصح قريشًا بقبول عرضها السلمي:

- ‌يطلبون مقاطعة الوفد الخزاعي:

- ‌لا يفلح قوم فعلوا هذا أبدًا:

- ‌قريش ترفض عروض السلام النبوية:

- ‌الوسيط الثاني:

- ‌عروة بن مسعود في معسكر المسلمين:

- ‌مشادة بين الصديق وعروة بن مسعود:

- ‌مفارقة رائعة:

- ‌يقرع عمه بقائم السيف:

- ‌ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة يا معشر قريش:

- ‌عروة بن مسعود ينصح قريشًا:

- ‌أول انشقاق في معسكر الشرك:

- ‌الوسيط الثالث:

- ‌فشل الوسيط الثالث:

- ‌الوسيط الرابع:

- ‌أخطر انشقاق في معسكر قريش:

- ‌ما ينبغي لهؤلاء أَن يصدوا عن البيت:

- ‌سيد الأحابيش ينذر قريشًا:

- ‌البحث عن مخرج من الورطة:

- ‌الفصل الثالث

- ‌اعتقال سبعين متسللا من المشركين:

- ‌النبي يعفو عن المتسللين ويطلق سراحهم:

- ‌نشوب القتال في الحديبية:

- ‌قريش تقتل رجلا من المسلمين:

- ‌المبعوث النبوي عثمان في مكة:

- ‌عمر بن الخطاب يعتذر عن الوساطة:

- ‌محاولة الاعتداء على عثمان

- ‌عثمان في معسكر قريش ببلدح:

- ‌قيمة الجوار في الجاهلية:

- ‌اجتماع عثمان بسادات المشركين في بلدح:

- ‌خلاصة الرسالة النبوية إلى قريش:

- ‌عثمان في مكة:

- ‌عثمان عند أبي سفيان:

- ‌قريش تطلب من عثمان أن يطوف فيرفض:

- ‌بئس ما ظننتم:

- ‌مبعوث السلام يزور المستضعفين في مكة:

- ‌إشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان:

- ‌تضايق المسامين من طول المكث:

- ‌المسلمون واقتحام مكة بالقوة:

- ‌بيعة الرضوان نقطة التحول في حل الأزمة:

- ‌تحول المسلمين نحو الحرب، جعل قريشًا تطلب السلم:

- ‌سبب اتخاذ النبي القرار بإعلان الحرب:

- ‌ابن الخطاب يمسك بيد الرسول للمبايعة:

- ‌النبي يبايع عن عثمان:

- ‌عثمان يبايع النبي تحت الشجرة:

- ‌قريش تسعى للصلح بعد البيعة:

- ‌كيف نصح سهيل بن عمرو قريشًا بالجنوح إلى السلم

- ‌سهيل بن عمرو يشاهد بيعة الرضوان:

- ‌سهيل بن عمرو النجم اللامع:

- ‌هيئة الوفد القرشي:

- ‌المخطوط العريضة للمعاهدة عند قريش:

- ‌سهل الله لكم من أمركم:

- ‌رغبة النبي في السلام:

- ‌بدء المفاوضات:

- ‌اعتذار رئيس الوفد القرشي للنبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق سراح عثمان وأصحابه:

- ‌النبي يطلق سراح المشركين المحتجزين:

- ‌بحث بنود الصلح:

- ‌النبي في حراسة أصحابه:

- ‌بنود الصلح التاريخية:

- ‌الحل الوسط:

- ‌أهم بنود الصلح:

- ‌المعارضة الشديدة للاتفاقية:

- ‌احتجاج ابن الخطاب ومجادلته النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ألسنا بالمسلمين وأليسوا بالمشركين

- ‌اشتداد الكرب على المسلمين:

- ‌حادثة أبي جندل المؤثرة:

- ‌تسليم أبي جندل للمشركين:

- ‌النبي يعتذر لأبي جندل:

- ‌أبو جندل يستسلم ويطيع أمر الرسول:

- ‌ازدياد الكرب على المسلمين:

- ‌سهيل بن عمرو يرفض شفاعة الرسول في ابنه:

- ‌عضوا الوفد القرشي يجيران أبا جندل:

- ‌تفجر المعارضة بين المسلمين من جديد:

- ‌التفكير في التمرد ولكن

- ‌ابن الخطاب يغري أبا جندل بقتل أبيه المشرك:

- ‌يا عمر لعله يقوم مقامًا يحمد عليه:

- ‌عودة المعارضة إلى مناقشة النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌أبو عبيدة ينصح ابن الخطاب بالكف عن المعارضة:

- ‌عمر يرجع عن المعارضة ويندم أشد الندم

- ‌تسجيل المعاهدة وتبادل الوثائق:

- ‌الخلاف حول صيغة المعاهدة:

- ‌سيدا الأنصار يتدخلان:

- ‌الرسول يحسم الخلاف:

- ‌الصيغة النهائية لوثيقة الصلح:

- ‌شهود الصلح من الجانبين:

- ‌إنهاء حالة الحرب بين خزاعة وكنانة أيضًا:

- ‌عداوة الإسلام جمعت بين كنانة وقريش:

- ‌خزاعة لم تكن عدوة لقريش:

- ‌خزاعة في عهد المسلمين؛ وكنانة في عهد قريش:

- ‌غضب قريش على خزاعة لدخولها في عهد المسلمين:

- ‌النبي يرفض تسليم لاجئين من العبيد والشباب القرشي:

- ‌من ذيول أزمة الحديبية:

- ‌النبي يحل الإحرام في الحديبية:

- ‌من رواسب المعارضة للصلح:

- ‌النبي يعمل بمشورة امرأة:

- ‌أم سلمة تشير على النبي، فتنجح في المشورة:

- ‌قصة جمل أبي جهل:

- ‌مائة ناقة ثمنًا لجمل أبي جهل:

- ‌نحر عشرين بدنة عند المروة:

- ‌مدة الإقامة في الحديبية:

- ‌العودة إلى المدينة:

- ‌المجاعة في طريق العودة:

- ‌النبي يعمل بمشورة ابن الخطاب:

- ‌الفصل الرابع

- ‌القرآن وصلح الحديبية:

- ‌ثناء الله على أهل الحديبية:

- ‌تبشير المسلمين بفتح خيبر:

- ‌فضل أصحاب الشجرة:

- ‌ثناء الله على أصحاب الشجرة:

- ‌أهل الحديبية مثل أهل بدر:

- ‌دروس في قضية الحديبية:

- ‌ندم الفاروق على المعارضة:

- ‌النبي يعتذر لأبي جندل:

- ‌درس رائع واختبار قاس:

- ‌مكاسب الصلح العظيمة:

- ‌شرط سطحي:

- ‌انسحاب سيد ثقيف:

- ‌صلح الحديبية هو الفتح العظيم:

- ‌رأي سيد ثقيف في المسلمين:

- ‌مصارحة قريش:

- ‌من مكاسب الصلح: اختمار الإسلام في النفوس:

- ‌نموذجًا حيًّا للانضباط الإسلامي:

- ‌التفرغ ليهود خيبر والشمال:

- ‌نقل المعركة إلى الشام:

- ‌دعوة ملوك الشرق الأوسط إلى الإسلام:

- ‌ثوار العيص، وحكومة المستضعفين في الساحل:

- ‌ثورة المستضعفين ضد قريش:

الفصل: ‌منع بيع محاصيل اليمامة في مكة:

فقال: ما صبوت، وإِنما أَسلمت وتبعت خير دين. . دين محمد، فزاد ذلك من غيظهم، فشددوا من حبسه .. وكان قد أَنذرهم حالفًا بالله بأَنهم لن يروا حبَّة حِنْطة تصل إليهم من اليمامة، حتى يأْذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. . وكانت اليمامة ريفًا لأَهل مكة يعتمدون على محاصيلها لتموينهم بالمواد الغذائية الضرورية.

ولقد حاول كفار مكة قتل ثمامة .. وفعلا قدَّموه لضرب عنقه، إلا أَن أَحد عقلائهم نصحهم بأَن لا يفعلوا (خوفًا من أَن يكون رد فعل قتله لدى قومه بني حنيفة قطع المواد الغذائية عن مكة فيهلك الناس جوعًا) حيث قال: دعوه فإِنكم تحتاجون إِلى اليمامة، فخلّوا سبيله خوفًا من انتقام قومه.

‌منع بيع محاصيل اليمامة في مكة:

وفعلا لقد بَرَّ هذا الزعيم الحنفي العظيم بقسمه، فأَمر قومه في اليمامة بأَن يمنعوا عن قريش ما كان يأْتي إِليها من اليمامة من حبوب ومنافع، فأَضر ذلك بقريش ضررًا كبيرًا إلى درجة تفشَّت معها المجاعة في مكة. حتى أَكلت قريش العِلهز (1).

ولم تجد قريش وسيلة لرفع ضائقة الجوع إلا التوجه إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطلب من سيد بني حنيفة رفع الحصار الاقتصادي الذي فرضه عليهم.

(1) العلهز (بكسر العين وسكون اللام وكسر الهاء): الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار.

ص: 26

قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عهدنا بك تأْمر بصلة الرَّحِم وتحث عليها، وأَن ثُمَامَةَ قَد قطع عنا ميرتَنا وأَضرَّ بنا، فإِن رأَيت أَن تكتب إِليه أَن يخلِّي بيننا وبين ميرتَنا فافعل.

فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرجاءِ قومه (بالرغم من أَنه في حالة حرب معهم)، وكتب إِلى سيد بني حنيفة (ثمامة): أَن خَلِّي بين قومي وبين ميرَتهم. . فامتثل ثُمَامة أَمر نبيّه وسمح لبني حنيفة باستئناف إِرسال المحاصيل إِلى مكة فارتفع عن أَهلها كابوس المجاعة (1).

- 2 -

حملة الغمر (2) - ربيع الأول سنة خمس للهجرة

ك انت قبائل بني أَسد وهي من أَقوى القبائل النجدية قد اشتركت (بقيادة طليحة بن خويلد) في معركة الخندق إلى جانب الأَحزاب ضد المسلمين. . فأَصبحت بذلك عدَّوًا محاربًا للمسلمين.

فكان من البدهي أَن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بتأْديبها وإِرهابها بالإِغارة عليها لإِعطائها درسًا بأَن المسلمين في حالة من القوة العسكرية تمكنّهم من أَن يصلوا بهجماتهم إِلى قلب بني أَسد.

(1) انظر السيرة الحلبية ج 2 ص 298 والاستيعاب لابن عبد البر (ترجمة ثمامة بن أثالة الحنفي).

(2)

ويقال لها الغمار قال ابن بليهد (في صحيح الأخبار): اسم يطلق على موضعين: أحدهما محاذ بلد سميراء من الجهة الجنوبية من حدود بلاد بني أسد، ويقال له اليوم:(الغمار) وهو جبل شاهق أحمر إلى السماء وتصطاد منه الصقور وبه مياه كثيرة.

ص: 27

لذلك جهّز حملة تأْديبية (إلى ديار بني أَسد)، صغيرة في عدد رجالها كبيرة في معناها عظيمة في تأْثيرها.

وقد أَسند النبي صلى الله عليه وسلم قيادة هذه الحملة إلى الصحابي الشهير (عكاشة بن محصن) وهو من بني أَسد أَنفسهم. . وكان عدد رجال هذه الحملة أَربعين فارسًا.

وقد أَمره بأَن يغير على بني أَسد في ديارهم.

فتحرك (عكاشة) برجاله، وما يزال يغذّ السير بهم ليفاجئ الوثنيين من قومه، غير أَن القوم نذروا (1) به قبل وصوله، فهربوا واعتصموا بالمناطق الجبلية من بلادهم، ولما وصل عكاشة (2) إلى ديارهم لم يجد بها أَحدًا منهم.

غير أَن القائد عكاشة لم ييئس، فبعث بشجاع بن وهب (3) طليعة (عينًا عليهم) فعاد وأَخبر القائد أَنه رأَى أَثر نعم قريبًا .. فتحرك بقواته في اتجاه الأَثر فوجد رجلًا نائمًا فسأَله عن بني أَسد، فقال: وأَين بني أَسد؟ ؟ قد لحقوا بعليات بلادهم عندما نذروا بكم.

ولما سأَلوه عن النَّعَم قال: أَخذوها معهم. غير أَن أَحد رجال استخبارات الحملة ضربه بالسوط للحصول منه على معلومات. . ولما

(1) نذر (بفتح أوله وكسر ثانيه) به أي علم به.

(2)

انتظر ترجمة عكاشة بن محصن في كتابنا (غزوة الأحزاب).

(3)

هو شجاع بن وهب الأسدي، من السابقين الأولين، شهد بدرًا وممن هاجر إلى الحبشة، قاله ابن إسحاق وموسى بن عقبة، كان شجاع بن وهب، سيدًا من سادات بني أسد، وكان مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملك المنذر بن الحرث بن شمر الغساني، كما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة المنتصر .. استشهد شجاع بن وهب في حروب اليمامة، قاله ابن سعد والكلبي.

ص: 28

أَحس بالضرب قال: أَتؤمنوني على دمي وأُطلعكم على نعم لبعض القوم لم يعلموا بمسيركم إِليهم؟ قالوا: نعم.

فانطلقوا معه (بعد أَن أَمنوه) فأَمعن بهم في الطلب، حتى خافوا أَن يكون ذلك منه استدراجًا وغدرًا، فاستوقفه القائد (عكاشة) وقال له: والله لتصدقنا أَو لنضربن عنقك.

وهنا خاف فقال: ارتقوا هذا المكان المرتفع ثم انظروا. . فلما أَشرفوا من ذلك المكان الذي أَشار إِليه وجدوا نعمًا (1) رواتع فأَغاروا عليها فاستاقوها فإِذا هي مائتا بعير، فاكتفوا بذلك حيث فاتهم القوم هربًا، ثم عادوا إِلى المدينة ولم يلقوا كيدًا.

ولقد أَثبتت عمليات هذه الحملة العسكرية أَن الرعب من المسلمين قد شحن نفوس الأَعراب وحتى أَعظمهم شراسة وأَشدهم بأْسًا مثل قبيلة بني أَسد التي ما كان يتوقع أَحد أَنها (وهي القبيلة العظيمة) ستفرّ (وفيها آلاف الفرسان) بمجرد علمها أَن المسلمين ينوون القيام بغزو أَراضيها. . ولا شك أَن هذا مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالرعب" الحديث.

- 3 -

غزوة بني لحيان (2) - سنة خمس من الهجرة

ك انت قبائل بني لحيان هذه (وهي من قبائل الحجاز) قد غدرت باثني عشر من خيرة أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوهم جميعًا بعد أَن

(1) النعم: الإبل.

(2)

لحيان (بكسر أوله وسكون ثانية) بطن من هذيل من العدنانية وقال القلقشندي - =

ص: 29

أَعطوهم الأَمان، وأَخذوهم من المدينة في جوارهم وذلك في السنة الرابعة من الهجرة.

وقد ذكرنا في حينه أَن وفدًا من هذه القبائل جاءُوا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة متظاهرين بالإِسلام وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أَن يُرسل بعثة من أَصحابه تعلِّم بني لحيان شرائع الإِسلام، فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الطلب، فأَوفد معهم بعثة تعليمية من خيرة أَصحابه تتكون من عشرة أَنفار على رأسهم البطل المشهور (عاصم بن ثابت). "انظر ترجمته في كتابنا غزوة أُحد".

غير أَن هذه البعثة لم تكد تصل ديار بني لحيان حتى غدر بها هؤلاءِ الخونة، فاستشهد جميع أَفراد هذه البعثة حيث قتلوا جميعهم غدرًا (1).

وقد تأَلم النبي صلى الله عليه وسلم أَشد الأَلم لفقد أُولئك العشرة البررة الأَعزاء عليه. . وخاصة أنهم قُتلوا بطريقة تمثل أَحطَّ أَنواع الخيانة والغدر.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم راغبًا كل الرغبة في تأْديب تلك القبائل الخائنة الغادرة، والاقتصاص منها لأُولئك الشهداءِ من القراءِ الأَبرار المغدور بهم.

إِلا أَن الظروف في تلك السنة (وهي السنة الرابعة من الهجرة) كانت غير مواتية لتحقيق هذه الرغبة. . حيث كان النبي مشغولا بدفع الأَخطار الجسام التي تهدد الإِسلام والمسلمين في عقر دارهم من الداخل والخارج، لا سيما مؤامرات اليهود الخطيرة التي يدبرونها الإِطاحة

= في نهاية الأرب: بطن من جرهم من القحطانية (والأول أصح). . تقع منازلهم بين عسفان ومكة.

(1)

انظر تفاصيل هذه الحادثة المؤلمة في كتابنا (غزوة الأحزاب) ص 42 الفصل الأول.

ص: 30