الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درس رائع واختبار قاس:
حقًّا إنه لاختبار قاس وامتحان شديد. شاب مسلم فرَّ بدينه إلى المسلمين ثم ينتزع انتزاعًا ليرمى به مرة أخرى في جحيم الشرك بعد أَن خرج منه والتجأَ إلى أُسرة الإسلام في الحديبية.
لقد تأَذّى المسلمون لهذا المنظر وتأَلموا أشد الأَلم حتى إن الكثير منهم بكى إشفاقًا على هذا الشاب الطيب المسلم وهم يرون أَباه المشرك يسحبه في جلافة الوثني الفظّ.
لقد كانت الرغبة ملحَّة في نفوسهم - بل وفي مقدورهم - أَن يخلصوا هذا الشاب الصادق الإيمان من وحشية أبيه الوثني الفظ. . فقد كانت قلوبهم وكأَنها تتمزق وهم يرون سهيل بن عمرو المشرك يسحب في وحشية وقسوة من بين أَيديهم - ابنه المؤمن والدماء تسيل من شدة ضغط مقابض السلاسل على قدميه.
حقًّا لقد كان منظرًا تبكي له القلوب قبل العيون .. ولكن ماذا عسى أَن يصنع المسلمون القادرون على تخليص هذا الفتى المسلم. . ماذا عسى أَن يصنعوا؟ .
إنهم أَمام هذا المنظر الذي بكت له قلوبهم قبل عيونهم يشعرون وكأَنَّ أيديهم مشدودة إلى الوراء. . شدها الوفاءُ بالعهد الذي أَعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، قريشًا، وشرف الكلمة التي التزم تنفيذها ضمنَ نصوص معاهدة الصلح، الذي جعلهم يقفون مكتوفي الأَيدي لا يجرأُون على التعرض لسهيل بن عمرو الذي صادر حرية ابنه الشاب المسلم وأجبره على العودة ليعيش في مجتمع الوثنية الذي لا يريد العيش فيه.
وقد أَشار ابن إسحاق إلى أن ما حدث لأَبي جندل قد ثقل على المسلمين ودخل عليهم منه أمر عظيم، حتى كادوا أن يهلكوا غمًّا. حتى بلغ الأَمر بالكثير منهم إلى أن يستفسروا في أَلم وحرقة - لعدم إحاطتهم بما أَحاط به علم النبي صلى الله عليه وسلم ولقصر إدراكهم للأَبعاد والمرامي العميقة التي يدركها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقْبل ذلك الشرط الذي أَملاه سهيل بن عمرو أَثناء كتابة المعاهدة والذي بموجبه أعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى سهيل المشرك ابنه اللاجئ المسلم - استفسروا: لماذا يردون إلى قريش من جاء إليهم مسلمًا ولا ترد قريش إليهم من هرب إليها منهم مرتدًا؟ .
وجاءَ الجواب من الذات النبوية على هذا الاستفسار. . حكيمًا منطقيًا وواقعيًا، فلامس القلوب المؤمنة فصار لها كالبلسم. . شفاها من الغمّ الذي أَلمّ بهہاوخاصة بعد الذي حدث لأَبي جندل. . جاءَ الجواب من النبي الحكم الحليم بأن من ذهب من المسلمين إلى قريش مرتدًا، فلا رده الله. . إذ لا خير فيه. . وماذا يستفيد المسلمون من إنسان فارق دينهم؟ .
أما المستضعفون من المسلمين الذين قد يطلبون حق اللجوء عند المسلمين فيعيدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى كفار مكة. فسيجعل الله لهم مخرجًا - ما في ذلك شك - ما داموا ثابتين على دينهم.
وماذا عليهم لو دفعوا ضريبة الإيمان في سجون مكة؟ لقد سبق لهم إخوة ذاقوا - في سبيل التمسك بعقيدتهم - من أشد مما يذوقون هم، من التعذيب. حتى إنَّ بعضهم مات تحت التعذيب الوحشي الرهيب فصہاروا في الذروة مع السابقين الأولين. أمثال: عمّار وأُم عمّار، وبلال، ومصعب بن عمير الذين لم يكن ما تعرّضوا له هم قسوة الإرهاب-