الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخطر انشقاق في معسكر قريش:
غير أَن الذي حدث، هو أَن وساطة سيد الأَحابيش جاءَت لقريش بعكس ما كانت تأْمل، حيث كانت نتيجة هذه الوساطة نقطة التحول الحاسم لصالح المعسكر الإِسلامي، وتأْييدًا للمبدإِ والفكرة والتي يتمسك بها النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه، وهي أَن من حقهم الطواف بالبيت وليس لأَحد كائنًا من كان أَن يحول بينهم وبين مباشرة هذا الحق.
فقد قبل الحليس بن زبّان أن يكون وسيط قريش إلى ابنها النبي صلى الله عليه وسلم .. كانت قريش تزيَّف الحقائق وتلبس على حليفها الحليس وأَمثاله بأَن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأَصحابه إنما جاؤوا بغاة معتدين يريدون هتلك حرمة البيت بالحرب والقتال.
فكان سيد الأَحابيش - حتى وصوله معسكر المسلمين في الحديبية - يحمل في قرارة نفسه عن المسلمين هذه الفكرة الخاطئة التي رسّبتها في الأذهان دعايات المشركين وأَبواق الوثنيين القرشيين.
ما ينبغي لهؤلاء أَن يصدوا عن البيت:
توجّه الوسيط الرابع (الحليس بن زبّان) من معسكر قريش داخل الحرم إلى حيث يعسكر النبي صلى الله عليه وسلم بأَصحابه خارج الحرم في الحديبية فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلًا، قال لأَصحابه: إِن هذا من قوم يتأَلهون (أَي يتعبَّدون) ويعظمِّون الإِله، ابعثوا الهدي (بفتح الهاءِ وسكون الدال، وهي الإِبل التي تساق لنحرها في الحرم تقرّبًا إلى الله) في وجهه حتى يراه، ففعلوا.
فلما رأَى الحليس الهدْي يسيل عليه بقلائده من عرض الوادي قد أَكل أَوباره من طول الحبس عن محله (أَي موضعه الذي ينحر فيه من الحرم) ورأَى المسلمين قد استقبلوه يلبّون وقد شعثوا من طول المكوث على إحرامهم .. صاح (مستنكرًا تصرُّف قريش): سبحان الله ما ينبغي لهؤلاءِ أَن يصدُّوا عن البيت.
أَبى الله إِلا أَن يحجّ لخّم وجُذَام ونَهد، وحِمير ويمنع ابن عبد المطلب.
ثم شدد نكيره على قريش قائلًا: هلكت قريش ورب الكعبة، إنما القوم (يعني المسلمين) أَتوا عمارًا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَجل يا أَخا بني كنانة (1).
ودون أن يفاتح سيد بني كنانة النبي صلى الله عليه وسلم أو يفاوضه كما كلفته قريش، انصرف راجعًا إِعظامًا لما رأَى ومقتنعًا بأَن قريشًا غير محقة في تصرفها إِزاءَ المسلمين.
ولما عادل إِلى قريش قال لها: إِني قدر رأَيت ما لا يحل صده، رأَيت الهدْي في قلائده قد أَكل أَوباره، معكوفًا عن محله، والرجال قد تفلوا وقملوا أَن يطوفوا بهذا البيت! أَما والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم على أَن تصدُّوا عن بيت الله من جاءَ معظمًا لحرمته مؤديًا لحقه وساق الهدي معكوفًا أَن يبلغ محله (2).
فغضبت قريش لصراحته، ورأَت في هذه الصراحة تقوية لحجة النبي صلى الله عليه وسلم وإِسنادًا لمنطقه، لذلك قالت للحليس (ساخرة): اجلس إنما أَنت أَعرابي ولا علم لك (3).
(1، 2) السيرة الحلبية ج 2 ص 137.
(3)
مغازي الواقدي ج 2 ص 600.