الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من السمو الإِنساني التي جعلتهم محلّ احترام وإِكبار، حتى هؤلاء الذين خرجوا من مكة لقتالهم ومنعهم من دخول مكة بحدّ السيف؟ .
سؤال كبير ظل يجول - في إِلحاح - بخاطر عقلاءِ قريش منذ أَتاح صلح الحديبية الاختلاط بهؤلاءِ المسلمين، ولمسوا فيهم ذلك التبدّل المذهل الذي جعل منهم أَرقى مثل حيّ للإِنسان الكامل الذي لا يعرف السير إِلا في طريق الخير.
لقد كان القرشيون خاصة - لكثرة دعايات ساداتهم المضللة - لا ينظرون إِلى أَصحاب محمد إلا كما ينظرون إِلى الحيوان الضار الذي لا يستحق الحياة وتلك الصورة المشوهة التي ترسمها للمسلمين في أَذهان هؤلاءِ القرشيين أَبواق دعاية سادات دار الندوة في مكة.
ولكن ها هي الحقيقة تنسخ تلك الصورة المختلقة المشوّهة، وتحل محلها الصورة الحقيقية المشرقة لهؤلاءِ المسلمين الذين لا يكاد أحدهم يفارق دين الوثنية ويعتنق الإِسلام حتى يتبدّل فيه كل شيء: أَخلاقه. . سلوكهـ. . نفسيته. . الأَمر الذي كان مصدر الدهشة والتساؤل لدي عامة المشركين الذين أَتاح لهم صلح الحديبية الاختلاط بهؤلاءِ المسلمين ومعرفتهم على حقيقتهم.
رأي سيد ثقيف في المسلمين:
ولقد أَفصح الكثير ممن أُتيح لهم الاختلاط بهؤلاءِ المسلمين أَثناءِ مفاوضة صلح الحديبية وطيلة أَيام الهدنة. . أَفصحوا عن هذه الدهشة لذلك التغيّر المذهل السريع الذي يحدثه الإِسلام في نفوس معتنقيه،
وعلى تلك الصورة من الوضاءَة والإِشراق. وحتى الذين كانوا بالأَمس سفاكي دماءٍ وقطّاع طرق. . بمجرد أَن لامس هَدي الإِسلام قلوبهم، قفزوا إِلى أَعلى درجات السمو الإِنساني والانضباط الأَخلاقي المستقيم.
فهذا المغيرة بن شعبة (مثلًا) كان شابًّا صعلوكًا طائشًا فاتكًا من قطّاع الطرق، لا يرعوي - قبل اعتناقه الإِسلام - عن قتل أَو سلب أَو نهب. . تعرف ذلك عنه قبائل ثقيف كلها أَيام كان على دين الوثنية.
وآخر جرائمه الجاهلية البشعة إِقدامه - قبل أَن يعتنق الإِسلام بأَيام قلائل - على قتل إِثنى عشر رجلًا من بني مالك غَدرًا، وكانوا زملاءَ له في رحلة كانوا فيها عائدين من مصر.
هذا الشاب الذي كان (أَيام شركهـ) رمزًا للطيش والتهوّر والوحشية وقطع الطريق، رآه وسيط قريش في قضية الحديبية واقفًا على رأْس النبي صلى الله عليه وسلم يحرسه أَمينًا على حياته بل مسؤولًا عن حمايته، بعد أَن حوّله الإِسلام من وحش كاسر إِلى إِنسان مضبوط السلوك يشعر بالمسؤولية وعلى المستوى الرفيع من الشهامة والنبل والتقيُّد بأَوامر قائده الأَعلى النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد غيّر الإِسلام فيه كل شيء كان يعرف به في الجاهلية.
وكم كانت دهشة زعيم ثقيف أَن يكون ابن أَخيه ذلك الفاتك القاطع للطريق في الماضي، أَمينًا على حياة نبي المسلمين.
وليس تغير أَحوال ابن أَخيه مثار دهشته ومبعث تساؤله فحسب، بل إِن اختلاط سيد ثقيف بالمسلمين، والذي أَتاحته له سفارته لقريش إِلى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، قد مكنه من الإِلمام بأُمور كثيرة عن أَحوال المسلمين كانت محل دهشته واستغرابه أَيضًا، وكان لها الأَثر