الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشكلة الخطيرة التي كادت (بسبب تصلّف قريش وعنادها) أَن تتحول إلى حرب ضروس مدمِّرة، كلا الفريقين يخشى الإِقدام عليها.
فقد قال عروة القريش: ابعثوني حتى آتيكم بمصداقها من عنده (يعني الخطة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على قريش، وأَكون لكم عينًا عليه آتيكم بخبره (1).
عروة بن مسعود في معسكر المسلمين:
فوافقت قريش على أَن يكون عروة مبعوثها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عروة إلى الحديبية، وهناك استقباله النبي صلى الله عليه وسلم كوسيط يمكن أَن يكون في وساطته إِبعاد لشبح الحرب الذي أَصبح مطلًا بوضوح نتيجة بغي قريش وعنادها.
لقد كان سيد ثقيف يعلم يقينًا بأَن الحق في جانب النبي وأَصحابه وأَن الخطأَ كل الخطأَ في أَن تصر قريش على منعهم من دخول مكة لزيارة البيت وأَداء مناسك العمرة، ومع ذلك فإنه كوسيط سياسي لقوم هم حلفاؤه وأَصهاره، فإنه قد تجاهل هذه الحقيقة أَثناء محادثاته التي أَجراها مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، بل حاول في هذه المحادثات إلقاء اللوم على النبي صلى الله عليه وسلم وتحميله مسؤولية تصعيد الأَزمة التي بدت وكأَنها تتحول إلى حرب يتفانى فيها الفريقان، قاصدًا بذلك إقناع النبي صلى الله عليه وسلم بل تخويفه ليخرج عروة حلفاءه من ورطتهم، وذلك لن يكون إلا بأن يعود النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه دون أَن يدخلوا مكة، ودونما
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 313 ومغازي الواقدي ج 2 ص 594.
أَيّ قيد أَو شرط، وهذا ما حاول عروة بن مسعود أَن يركّز في محادثاته لتحقيقه.
فقد قال عروة بن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم: أَجمعت أَوشاب الناس (1) ثم جئت بهم إلى بيضتك (أَي أَصلك) لتفضها بهم.
ثم أَخذ عروة يضرب على وتر الإِشارة بقوة قريش العسكرية والتلويح بأَنها قادرة على منع النبي وأَصحابه من دخول الحرم إن هم أَصرُّوا على دخوله فقال: (إنها قريش قد خرجت معها العُوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أَن لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، يا محمد إِني تركت قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي على أَعداد (2) الحديبية، قد استنفروا لك أَحابيشهم ومن أَطاعهم، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أَنت من قتالهم بين أَحد أَمرين، أَن تجتاح قومك، ولم نسمع برجل اجتاح أَصله قبلك، أَو بين أَن يخذلك من نرى معك.
ثم حاول عروة أَن يضعف من ثقة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه ويدخل في روعه أَنه لا يمكنه الاعتماد عليهم إذا تحول النزاع إلى حرب شاملة بينه وبين قريش، فقال:(وأَيم الله يا محمد لكأَني بهؤلاء قد انكشفوا عنك إِني لا أَرى معك إلا أَوباشًا من الناس لا أَعرف وجوههم وأَنسابهم، خليقًا بهم أَن يفروا ويدعوك (3).
(1) الأوشاب: الأخلاط، مثل الأوباش.
(2)
الأعداد: قال في الإصحاح: جمع العد (بكسر أوله) وهو الماء الذي له مادة لا تنقطع، كماء البئر والعين.
(3)
انظر سيرة ابن هشام ج 2 ص 313 ومغازي الواقدي ج 2 ص 594 وما بعدها، وتاريخ الطبراني ج 2 ص 626.