الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استنفرت كل حلفائها من ثقيف والأحابيش ليقفوا إلى جانبها ضد المسلمين.
وها هي تغدو وتروح ينزو بها الغضب ويشتط بها الكفر ويجمح بها الشرك .. قد لجَّت في العناد وأمعنت في البغي، قد أخذ الشيطان مقودها وسار بها في دروب العناد والمكابرة.
فقد خرجت بجيوشها التي كانت ترابط بالقرب من التنعيم شمال مكة حيث من المنتظر أَن يمر النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى مكة .. خرجت بجيوشها إلى منطقة الحديبية وعسكر بها داخل الحرم بالقرب من الحديبية مصممة على منع النبي وأصحابه من اجتياز حدود الحرم بقوة السلاح تساندها قوات كبيرة من حلفائها ثقيف والأحابيش.
حابس الفيل:
وبهذا أصبحت الحرب بين الفريقين قاب قوسين أو أدنى .. بعد أَن أصبح كل منهما قريبًا من الآخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد أَن أفضى بهم الدليل من الطريق الفرعي إلى سهل الحديبية غربي الحرم. أخذوا في التحرك نحو مكة مصممين على دخولها معتمرين ومصرِّين على مقاتلة قريش إن هي حاولت منعهم بالحرب.
غير أنه وبينما كان صلى الله عليه وسلم يقترب وأصحابه من حدود الحرم (في منطقة الحديبية)، حدث حادث عجيب عاقه عن اجتياز حدود الحرم.
وكأَنَّ الله تعالى أراد بذلك الحادث العجيب أَن يجنِّب الفريقين مأْساة مجزرة رهيبة، كانت وشيكة الحدوث، لو اجتاز النبي صلى الله عليه وسلم، بأَصحابه حدود الحرم نحو مكة.
فقد بركت ناقته (القَصْوى) وكانت من أَجود النوق المطاويع .. . بركت القصوى مكانها بالقرب من حدود الحرم، ولم تنهض من مبركها بالرغم من محاولة إنهاضها، فظن الناس أنها تعبت فعجزت، فقالوا: خلأَت القصوى (أي حرنت)(1)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأَت وما هو لها بخُلُق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. ثم قال صلى الله عليه وسلم (بعد أَن أَدرك ما لم يدركه غيره): والذي نفس محمد بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها (2)، رواية: لا يسألوني (أي قريش) اليوم خطة فيها تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها (3).
وهذا إِعلان صريح من النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بأنه مستعد (من أجل حقن الدماء ي الحرم) للتفاوض مع قريش إلى أَبعد الحدود، وأنه سيبذل كل ما في وسعه للحيلولة دون إراقة الدماء ما وجد إلى ذلك سبيلا.
ثم زجر ناقته فقامت، فعاد بها راجعًا عوده على بدئه (4) آمرًا أصحابه بالنزول في الحديبية، وقرّر عدم اجتياز حدود الحرم وأَصدر بذلك أمرًا حتى إشعار آخر.
فأطاع أصحابه (وعددهم أَلف وأَربعمائة) أوامره فنزلوا على بئر في الحديبية، ويظهر أنها البئر التي يراها اليوم الذاهب إلى على يمينه بالقرب من أعلام الحرم في الشميسي.
(1) أي استعصت ولم تقم من مبركها، وهو عيب في الإبل.
(2)
سيرة ابن هشام ج 2 ص 310.
(3)
الواقدي ج 2 ص 587.
(4)
انظر مغازي الواقدي ج 2 ص 587.