الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
807 - " بَاب مَا ذكِرَ عنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
"
933 -
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَلِّغوا عَنِّي ولَوْ آيةً، وحَدِّثوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ولَا حَرَجَ، ومَنْ كَذَبَ عَلَيَّ متَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَة مِنَ النَّارِ ".
ــ
القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس" قال: فهذا صريح في أن مصداق ما في الأحاديث هو الإمام المهدي.
807 -
" باب ما ذكر عن بني إسرائيل "
933 -
معنى الحديث: يقول صلى الله عليه وسلم: " بلغوا عنّي ولو آية " وهذا أمر صريح لكل من وصل إلى مسامعه شيء من حديث رسول الله أن يبلغه، وينقله لغيره، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ولو آية واحدة من القرآن، لأن تلك الآية مع قلة ألفاظها قد تحمل من المعاني والأحكام ما يستفيد منه العلماء الشيء الكثير. وإنما قال:" ولو آية " ولم يقل ولو حديثاً، لأنه إذا كانت الآية القرآنية التي تكفّل الله بحفظها واجبة التبليغ، فتبليغ الحديث من باب أولى كما نقله العيني عن البيضاوى (1) ثم قال صلى الله عليه وسلم:" وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر إِلى المدينة نهى أصحابه في أوّل الأمر أن ينظروا في كتبهم أو يتحدثوا بأحاديثهم خشية أن يكون في بعض هذه الأحاديث من الأخبار الكاذبة التي قد يضل بها قارئها، ويفتتن بها سامعها، وهم لا زالوا حديثي عهد بهذا الدين، فمنعهم عن ذلك وقاية لهم، وحرصاً على سلامة عقيدتهم، فلما تمكن الإِسلام من النفوس، ورسخت العقائد، وأصبح لديهم من العلم الإسلامي ما يميزون به الصحيح منها، أذن لهم في سماعها والتحدث
(1)" شرح العيني على البخاري " ج 16.
بها فقال: " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وهو أمر ترخيص لهم بسماع الأحاديث الإِسرائيلية وروايتها، وليس هو أمر وجوب، لأن الأمر إذا جاء بعد النهي اقتضى الإِباحة، ولهذا قال:" ولا حرج " قال الحافظ: أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار.
قال (1): وقيل: لا حرج في أن لا تتحدثوا عنهم، لأن قوله أولاً حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب، فأشار إلى عدم الوجوب، وأن الأمر فيه للإِباحة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجوب تبليغ كلِّ ما تَحَمَّله العالم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر ما عنده، كثيراً كان أو قليلاً، ولو آية واحدة، أو حديثاً واحداً، لقوله صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية ". ثانياً: أنه لا مانع من رواية الأخبار، وأخذها عن بني إسرائيل من اليهود والنصارى، للموعظة والاعتبار. فيما لم نتأكد من أنه كذب وباطل لمخالفته للقرآن أو الحديث، أما الإِسرائيليات التي نقطع بكذبها فإنه لا يجوز لنا روايتها إلاّ لتكذيبها وبيان بطلانها، قال الشافعي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه وهو نظير قوله:" إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ". والحاصل أن الأخبار الإِسرائيلية ثلاثة أنواع: الأول: ما وافق القرآن والسنة موافقة صريحة، فهذا مما ينبغي روايته وتبليغه لأنه حق وصدق لا شك فيه. الثاني: ما لم يرد في ذلك في الكتاب أو السنة ولا يعارضهما، فهذا يحتمل الصدق والكذب كسائر الأخبار العادية، ويجوز روايته للموعظة والاعتبار، شريطة أن لا يؤخذ على أنه قضية مسلمة، أو يستدل به على حكم شرعي، أو يقدَّم على حقيقة من الحقائق العلمية الثابتة. الثالث: ما عارض الكتاب أو السنة، فهو كذب محض، لا تجوز روايته إلاّ لتفنيده وتكذيبه، وذلك لما فيه من تكذيب لله ورسوله. مطابقة
(1)" فتح الباري " ج 6.
934 -
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ الْيَهُودَ والنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ ".
ــ
الحديث للترجمة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي.
934 -
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون " شعر رؤوسهم ولحاهم، يل يتركون الشيب فيها على حاله، " فخالفوهم " بصبغ شعوركم، وخضب اللحية والرأس.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن قوله صلى الله عليه وسلم فخالفوهم كما قال الحافظ يقتضي مشروعية الصبغ، والمراد به صبغ اللحية والرأس، ولا يعارضه ما ورد من النهي عن إزالة الشيب، لأن الصبغ لا يقتضي الإِزالة، واختلفوا في حكم خضاب الشعر، فذهب مالك إلى أنه جائز، وليس مستحباً، حيث قال في " الموطأ " وترك الصبغ كله واسع، وليس على الناس فيه ضيق، وذهب آخرون إلى سنيته لحديث الباب، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود والنصارى، وذلك بصبغ الشعر الذي لا يصبغونه، وأقل مقتضيات الأمر السنية. والاستحباب، وقد تعددت الأحاديث في الأمر بالخضاب وتغيير الشيب، ففي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود " أخرجه أحمد والنسائي والترمذي. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " غيروا الشيب ولا تقربوا السواد " أخرجه أحمد وجاء في مسلم بلفظ " واجتنبوا " بدل " ولا تقربوا " فهذه الأحاديث تؤكد أن خضاب الشعر سنة، أضف إلى ذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أن النبي صلى الله عليه وسلم خضب شعره كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة،
قال ابن القيم: فإن قيل: قد ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أنه قال: لم يخضب النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: أجاب أحمد بن حنبل عن هذا وقال: قد شهد غير أنس رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أنه خضب، وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد. اهـ. ثانياًً: أن الأمر بخضاب الشعر في حديث الباب عام في جميع الألوان لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمخالفة اليهود والنصارى، بتغيير الشيب وخضاب الشعر مطلقاً دون تقييد بلون مخصوص أو استثناء لون معين، لكن جاء في حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " أخرجه مسلم، ولهذا ذهب قوم إلى تحريم الخضاب بالسواد، واختاره النووي، وذهب أحمد والشافعي في المشهور عنهما إلى أنه يكره الصبغ بالسواد، وأجازه مالك وغيره من أهل العلم، إلاّ أنه يرى أن الخضاب بالسواد خلاف الأولى كما في " الموطأ " قال يحيى، سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أجمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إليَّ، بمعنى أن الصبغ بالسواد خلاف الأولى فقط، وليس بمحرم، ولها قال في " المحلى ": يكره عند مالك صبغ الشعر بالسواد من غير تحريم. اهـ. وفي السواد عن أحمد كالشافعية روايتان، المشهورة يكره، وقيل: يحرم (1) وقد أجاز الخضاب بالسواد جماعة من أهل العلم وكثير من السلف من الصحابة والتابعين. قال ابن القيم في " زاد المعاد ": صح عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد، ذكر ذلك ابن جرير عنهما في كتاب " تهذيب الآثار " وذكره عن عثمان بن عفان، وعبد الله ابن جعفر، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله وعمرو بن العاص، رضي الله عنهم أجمعين، وحكاه عن جماعة من التابعين، منهم عمرو بن عثمان، وعلي بن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم أجمعين، وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دينار، وأبي يوسف رضي الله عنهم
(1)" أوجز المسالك شرح موطأ مالك " للشيخ زكريا الأنصاري.