المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌841 - " باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري - جـ ٤

[حمزة قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ فِي الْمُكَاتبِ

- ‌708 - " بَابُ ما يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتبِ ومن اشترَطَ شَرْطاً لَيْسَ في كِتَابِ اللهِ

- ‌709 - " كتابُ الهِبَةِ وَفضلِهَا والتَّحْرِيض عَلَيْهَا

- ‌710 - " بَابُ الْقَلِيلِ مِنَ الْهِبَةِ

- ‌711 - " بَابُ ما لا يُرَدُّ مِنَ الْهَدِيَّة

- ‌712 - " بَابُ الْمُكَافَأةِ في الْهِبَةِ

- ‌713 - " بَابُ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وِإذَا أعْطَى بَعضَ وَلَدِهِ شَيْئَاً لَمْ يَجُزْ حتى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ ويُعْطِيَ الآخرِيْنَ مِثلَهُ

- ‌714 - " بَابُ هِبَةِ الْمَرأةِ لِغيْرِ زَوْجِهَا وَعِتْقِهَا إِذَا كَانَ لَهَا زوْجٌ فَهُوَ جَائِز إذَا لَمْ تكُنْ سَفِيهَةً

- ‌715 - " بَابُ قَبولِ الْهَدِيَّة مِنَ الْمُشْرِكِينَ

- ‌716 - " بَابُ الْهَدِيَّة لِلْمُشْرِكِينَ

- ‌717 - " بَابُ لَا يَحِل لِأحَدٍ أنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ

- ‌718 - " بَابُ مَا قِيلَ في الْعُمْرَى والرُّقْبَى

- ‌719 - "بَابُ الاسْتعَِارَةِ لِلْعَرُوس عِنْدَ الْبِنَاءِ

- ‌720 - " بَابُ فضلِ المنِيْحَةِ

- ‌ كتاب الشهادات

- ‌721 - " بَابُ مَا قِيلَ في شَهادَةِ الزُّورِ

- ‌722 - " بَابُ شَهَادَةِ الأعْمَى

- ‌723 - " بَاب تعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضهِنّ علَى بَعضٍ: - حَدِيث الإِفْكِ

- ‌724 - " بَاب إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلاً كَفَاهُ

- ‌725 - " بَاب إِذَا تسَارَعَ قَوْمٌ في اليَمِينَ

- ‌726 - " بَاب كَيْفَ يسْتَحْلَفُ

- ‌ كتابُ الصُّلْحِ

- ‌727 - " بَاب لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الناس

- ‌728 - " بَابُ قَوْلِ الإمَامِ لأصْحَابِهِ: اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِح

- ‌729 - " بَابٌ كَيْف يَكْتُبُ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فُلانُ بنُ فُلان، وفلانُ بْنُ فلان، وإنْ لَمْ يَنْسُبهُ إلى قبيلَتِهِ أو نسَبِهِ

- ‌730 - " بَابٌ هلْ يُشِيرُ الإِمَامُ بالصُّلْحَ

- ‌ كتاب الشروط

- ‌731 - " بَابُ الشُّرُوطِ في الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ

- ‌732 - " بَابٌ إِذَا اشْتَرَطَ في الْمُزَارَعَةِ إذَا شِئْتُ أخرَجْتُكَ

- ‌ كتاب الوصايا

- ‌733 - " بَابُ الوَصَايَا وقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكتوبَة عِنْدَه

- ‌734 - " بَابُ الْوَصيَّةِ بِالثلُثِ

- ‌735 - " بَابٌ لا وَصِيةَ لِوَارِثٍ

- ‌736 - " بَابُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ المَوْتِ

- ‌737 - " بَاب هَلْ يَدخل الْوَلَد والنِّسَاءُ في الأقَارِبِ

- ‌738 - " بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُتَوَفَّى فَجْأةً أنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ، وَقضَاءِ النُّذُورِ عَن الْمَيْتِ

- ‌739 - " بَابُ الْوَقْفِ كَيْفَ يُكْتَبُ

- ‌740 - " بَابُ قَولِ اللهِ تعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) إلى قوله: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

- ‌ كتاب الجهاد والسير

- ‌741 - " بَابُ فضلِ الْجِهَادِ والسيرِ

- ‌742 - "بَابُ أفضلَِ النَّاسِ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سَبِيلِ اللهِ

- ‌743 - " باب الغدوة والروحة في سبيل الله

- ‌744 - " بَاب من يُجْرَحُ في سَبِيلِ اللهِ عز وجل

- ‌745 - " بَاب مَنْ أتاه سَهْم غَرْبٌ فَقَتَلَه

- ‌746 - " بَابُ مَنْ قَاتلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا

- ‌747 - " بَابُ ظِلِّ الْمَلاِئكَةِ عَلَى الشَّهِيدِ

- ‌748 - "بَابُ تمَنِّي الْمُجَاهِدِ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنيا

- ‌749 - " بَابُ وُجُوبِ النَّفِيرِ وما يَجِبُ مِنَ الْجِهَادِ والنيةِ

- ‌750 - " بَابُ من اختارَ الغزْوَ على الصَّوْمِ

- ‌751 - " بَابُ حَفْرِ الْخنْدَقِ

- ‌752 - " بَابُ فضلِ الصَّوْمِ في سَبِيلِ اللهِ

- ‌753 - " بَابُ فضلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيَاً أوْ خلفَهُ بِخيْرٍ

- ‌754 - " بَابُ التَّحَنُّطِ عِنْدَ القِتَالِ

- ‌755 - " بَابُ مَنِ احْتَبَسَ فرساً في سَبِيلِ اللهِ

- ‌756 - " بَابُ ما يُذْكَرُ من شُؤْمِ الفَرسِ

- ‌757 - " بَابُ ناقةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌758 - "بَابُ مُدَاوَاةِ النساءِ الْجَرْحَى في الغزْوِ

- ‌759 - " بَاب مَنِ اسْتَعَانَ بالضُّعَفَاءِ والصَّالِحِينَ في الْحَرْبِ

- ‌760 - " بَابُ التَّحرِيضِ على الرَّميْ

- ‌761 - " بَابُ مَا قِيلَ في قِتالَ الرُّومَ

- ‌762 - " بَابُ قتالِ الْيَهُودِ

- ‌763 - " بَابُ مَنْ أرَادَ غَزْوَةً فوَرَّى بِغيْرِهَا

- ‌764 - " بَابُ التَّودِيعَ

- ‌765 - " بَاب يُقَاتلُ مِنْ وَرَاءِ الإمَامِ

- ‌766 - "بَابُ البَيْعَةِ في الْحَرْبِ على أنْ لا يَفرُّوا، وَقَالَ بَعضهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ

- ‌767 - " بَابُ كَرَاهِيَّةِ السَّفَرِ بالمصَاحِفِ إلى أرْضِ الْعَدُوِّ

- ‌768 - " بَابُ يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإِقامة

- ‌769 - " بَابُ الْجِهَادِ بِإذْنَ الأبَوَيْنَ

- ‌770 - " بَابُ قتْلِ النِّسَاءِ في الْحَربِ

- ‌771 - " بَابُ حَرْقَ الدُّورِ والنَّخِيلَ

- ‌772 - "بَاب الْحَرْبُ خدعَة

- ‌773 - " بَابُ فكاك الأسير

- ‌774 - "بَابُ فِدَاءِ الْمُشْرِكين

- ‌775 - " بَابُ الحْربِيّ إذَا دَخلَ دَارَ الإسْلامِ بِغيْرِ أمَانٍ

- ‌776 - " بَابُ استقْبَالَ الْغزَاةِ

- ‌777 - " بَابُ مَا يَقُولُ إذَا رَجَعَ مِنَ الْغزْوِ

- ‌778 - " بَابُ الصَّلَاةِ إذَا قَدِمَ مِنْ سفَر

- ‌ كتاب فَرْضُ الْخمُس

- ‌779 - " بَابُ فَرْضُ الْخمُس

- ‌780 - " بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعَصَاهُ وَسَيفهِ وقَدَحِهِ وخاتمِهِ وَمَا استَعْمَلَ الخلَفَاءُ بَعْدَهُ مِن ذَلِك، مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ، وَمِنْ شَعْرِهِ وَنعْلِهِ وآنِيَتهِ، ممَّا يتَبرَّكُ بِهِ أصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ

- ‌781 - " بَابُ ما كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وغَيرَهُمُ مِنَ الْخمُس ونَحْوِهِ

- ‌782 - " بَابُ مَنْ لَمْ يُخمِّس الأسْلَابَ

- ‌ كتابُ الجِزْيَة والمُوَادَعَةِ مَعَ أهْلِ الذِّمَّةِ والحَرْبِ

- ‌783 - " بَابُ مَا جَاء في أخذِ الجِزْية مِن الْيَهُودِ والنَّصَارَى والمَجوسِ

- ‌784 - " بَاب إذا غَدَرَ المُشْرِكونَ بالمُسلِمِينَ هَلْ يُعْفَى عَنْهُمْ

- ‌785 - " بَابُ إثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ

- ‌786 - " بَابُ إِثْمِ الْغادِرِ لِلبَرِّ والْفَاجِرِ

- ‌ كتاب بدء الخلق

- ‌787 - " بَابُ ما جَاءَ في قَوْلِ اللهِ تعَالَى:(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)

- ‌788 - " بَاب مَا جَاءَ في سَبْعِ أرَضِينَ، وَقَوْلِ اللهِ تعَالَى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ)

- ‌789 - " بَابُ صِفَةِ الشَّمْسِ والْقَمَرِ بُحُسْبَانٍ

- ‌790 - " بَابُ ذِكْرِ الْمَلاِئكَةِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ

- ‌791 - " بَابُ ما جَاءَ في صِفَةِ الْجَنَّةِ وأنهَا مَخلُوقَة

- ‌792 - "بابُ صِفَةِ أْبوَابِ الْجَنَّةِ

- ‌793 - " بَابُ صِفَةِ النَّارِ وأنهَا مَخلُوقَة

- ‌794 - " بَابُ صِفَةِ إبْلِيس وَجُنُودِهِ

- ‌795 - " بَاب إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ في شَرابِ أحَدِكُمْ فَلْيَغمِسْهُ، فَإِنَّ في إحْدى جَنَاحَيْهِ دَاءً وفي الأخرَى شِفَاءً

- ‌ كتابُ أحَادِيث الأنبِيَاءِ

- ‌796 - " بَابُ خلْقِ آدَمَ صلى الله عليه وسلم وذرِّيَّتهِ

- ‌797 - " بَابُ قِصَّةِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ

- ‌798 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالى (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)

- ‌799 - " بَابُ قَوْلِهِ تعَالى:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)

- ‌800 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا)

- ‌801 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ -إِلى قوله- وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)

- ‌802 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)

- ‌803 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى:(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)

- ‌804 - " بَاب (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)

- ‌805 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا)

- ‌806 - " بَابُ نزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام

- ‌807 - " بَاب مَا ذكِرَ عنْ بَنِي إسْرَائِيلَ

- ‌808 - " حَدِيثُ أبْرَصَ وأقْرعَ وأعمَى في بنِي إِسْرَائِيلَ

- ‌ بَابُ الْمَنَاقِبِ

- ‌809 - " بَابُ قَوْلِ الله تعَالَى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى

- ‌810 - " بَابُ مَنَاقِبِ قُريش

- ‌811 - " بَابُ قِصَّةِ إسْلامِ أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌812 - " بَابُ مَنْ أحَبَّ أن لا يُسَبَّ نسَبُهُ

- ‌813 - " بَابُ مَا جَاءَ في أسْمَاءِ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم

- ‌814 - " بَابُ خاتمَ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم

- ‌815 - بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌816 - " بَابُ علامات النبوة

- ‌817 - " بَابُ سؤَالِ الْمُشركِينَ أن يُرِيَهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم آيَةً فأرَاهُمْ انشِقَاقَ الْقَمَرِ

- ‌818 - " بَاب

- ‌819 - " بَاب في فضائِلِ أصحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌ مَنَاقِبُ الْمُهَاجِرِينَ

- ‌820 - " بَابُ فضلِ أبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌821 - " بَاب مَنَاقِبِ عمَرَ بْنِ الْخطَّابِ أبي حَفْصٍ القرَشِيِّ العَدَوَيِّ

- ‌822 - " بَابُ مَنَاقِبِ عُثمَانَ رضي الله عنه

- ‌823 - " بَابُ مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌824 - " بَابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أبي طَالِبٍ

- ‌825 - " بَابُ مَنَاقِب أبي عُبَيدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه

- ‌826 - " بَابُ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ والْحُسَيْنِ رضي الله عنهما

- ‌827 - " بَاب مَنَاقِبِ خالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رضي الله عنه

- ‌828 - " بَاب مَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عليها السلام

- ‌829 - " بَابُ فضلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها

- ‌ مَنَاقِبِ الأنصَارِ

- ‌830 - " بَابُ حُبِّ الأنصَارِ مِنَ الإِيمَانِ

- ‌831 - " بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنصَارِ أنتُمْ أحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ

- ‌832 - " بَابُ قَوْلِ اللهِ تعَالَى:(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)

- ‌833 - " بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اقْبَلُوا من مُحْسِنِهِم وتجاوَزُوا عن مُسِيئهِمْ

- ‌834 - " بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه

- ‌835 - " بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَام

- ‌836 - " بَابُ تزْويجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خدِيجَةَ وفضلُهَا رضي الله عنها

- ‌837 " بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌838 - " حَدِيثُ الإِسْرَاءِ

- ‌839 - " بَابُ المِعْرَاجَ

- ‌840 - " بَابُ تزْويج النبي صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها

- ‌841 - " بَابُ هِجْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَصحَابِهِ إلى الْمَدِينَةِ

- ‌ كتابُ الْمَغازِي

- ‌842 - " بَابُ قِصَّةِ غَزْوة بَدر

- ‌843 - " بَابُ عِدَّةِ أصْحَابِ بَدر

- ‌844 - " بَابُ قتلِ أبِي جَهْلٍ

- ‌845 - " بَابُ شُهُودِ الْمَلَاِئكَةِ بَدراً

- ‌846 - " بَاب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ

- ‌847 - " بَابُ قتلِ كَعْب بن الأَشْرَفِ

- ‌848 - " بَابُ غَزْوَةِ أحُدٍ

- ‌849 - " بَابُ ذِكْرِ أمِّ سَلِيطٍ

- ‌850 - " بَابُ قتلِ حَمْزَةَ رضي الله عنه

- ‌851 - " بَابُ غَزْوَةِ الْخنْدَقِ

- ‌853 - " بَابُ غَزْوَةِ الحُدَيْبيَّةِ

- ‌854 - " بَابُ غَزْوَةِ خيْبَرَ

- ‌855 - " بَابُ غَزْوَةِ مُؤتةَ

- ‌ غَزْوَةُ الْفَتْحِ

- ‌856 - " بَاب أيْنَ رَكَزَ النبي صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحَ

- ‌857 - " بَاب قَوْلِ اللهِ عز وجل (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إِلَى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ)

- ‌858 - " بَابُ وَفْدِ بَني حَنِيفَةَ وَحَديثِ ثُمَامَةَ بْنِ أثالٍ

- ‌859 - " قِصَّةُ أهْلِ نجْرَانَ

- ‌860 - " بَابُ حِجَّةِ الْوَدَاعَ

الفصل: ‌841 - " باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة

‌841 - " بَابُ هِجْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَصحَابِهِ إلى الْمَدِينَةِ

"

982 -

عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قَالَتْ:

"لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ قَطُّ إلَّا وَهُمَا يَدينَانِ الدِّيْنَ، ولم يَمُرُّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَي النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلما ابْتلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أبوْ بَكْرٍ مُهَاجِراً نحو أرْض الْحَبَشَةِ، حتىْ إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أيْنَ تُرِيدُ يا أبَا بَكْرٍ؟

ــ

الضحى.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهو ما ترجم له البخاري. ثانياً: أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يوطأ مثلها، لأن رسول الله عقد على عائشة وعمرها ست سنوات، ودخل عليها وعمرها تسع سنوات. ثانياً: مشروعية إعداد العروس وتزيينها لزوجها، وإلباسها أفخر ثيابها ليلة زفافها وعرسها، لقول عائشة رضي الله عنها:" ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار، فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني ". والمطابقة: في كون الحديث مشتملاً على قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.

841 -

" باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة "

982 -

معنى الحديث: أن عائشة رضي الله عنها تحدثنا في حديثها هذا عن قصة الهجرة النبوية، فتمهد لذلك بقولها:" لم أعقل أبوي إلاّ وهما يدينان الدين " يعني أن أبويها أسلما قديماً، وهي لا زالت صغيرة جداً، حتى إنها لا تذكر وقت إسلامهما، لأنها منذ أن فتحت عينينها وعرفت أبويها، وجدتهما يعتنقان الإِسلام، فلما اشتد الأذى على أبي بكر مثل غيره، من المسلمين، خرج

ص: 301

فَقَالَ أبو بَكْرٍ: أخرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أنْ أسِيْحَ في الأرْض، وأعْبُدَ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أبا بَكْر لا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْوِي الضَّيْفَ (1)، وَتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الْحَقِّ، فأنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ واعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فرَجَعَ وارْتَحَلَ معَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَة عَشِيَّةً في أشْرَافِ قُرَيْشِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أبَا بَكْر لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ ولا يُخْرَجُ، أتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضَّيْفَ، ويُعِينَ عَلَى نَوائِبِ الْحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُريشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ وقالُوا لابنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أبا بَكْر فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ في دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا، وَليْقَرأ مَا شَاءَ، ولا يُؤْذِينَا

ــ

مهاجراً إلى الحبشة، قالت عائشة:" فلما ابتلي المسلمون، خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد " بفتح الباء وسكون اللام وكسر الغين موضع في طريق اليمن على بعد خمسة مراحل " لقيه ابن الدغنة " بالدال المفتوحة المشددة والغين المكسورة والنون المفتوحة المخففة " وهو سيد القارة " أي رئيس قبيلة القارة بفتح الراء، وهي من بني الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس " فقال ابن الدغنة: إن مثلك يا أبا بكر لا يخرج " بفتح الباء وضم الراء " ولا يخرج " بضم الياء وفتح الراء أي لا ينبغي أن يخرج بنفسه، ولا أن يخرجه قومه من بلده، " إنك تكسب المعدوم " أي إنك من المحظوظين في التجارة تربح ما لا يربح غيرك " وتصل الرحم، وتحمل الكل " أي تعين الضعيف العاجز " وتقوي الضيف " أي تكرمه " وتعين على نوائب الحق " أي وتقف عند الحوادث والنوازل إلى جانب الحق فتنصر المظلوم وتضرب على يد

(1) تقدم مثله فٍى وصف السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة من باب بدء الوحي، وشرحناه هناك شرحاً وافياً.

ص: 302

بِذَلِكَ، ولا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أن يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وأبنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِك ابْنُ الدَّغِنَةِ لأبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أبو بَكْرٍ بذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ في دَارِهِ، ولا يَسْتَعْلِنُ (1) بِصَلَاتِهِ ولا يَقْرأ في غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبي بَكْرٍ فابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ، وكانَ يُصَلِّي فِيهِ ويَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عليه نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وأبنَاءُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، ويَنْظرٌونَ إِلَيْهِ، وكان أبو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرأ الْقُرآنَ، فأفْزَعَ ذَلِكَ أشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فأرْسَلُوا إلَى ابْنِ الدَّغنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فقالُوا: إِنَّا كُنَّا أجَرْنَا أبا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ علَى أن يَعْبُدَ رَبَّهُ في دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ، فأعْلَنَ بالصَّلَاةِ والقِرَاءَةِ فِيهِ، وِإنَّا قَدْ خَشِينَا أن يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وأبنَاءَنَا، فانْهَهُ، فَإِنْ أَحبَّ أن يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ في دَارِهِ فَعَلَ، وَإنْ أَبَى إلَّا أن

ــ

الظالم. " فأنا لك جار " أضعك في جواري وحمايتي وأدافع عنك " فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة " أي فلم يجرأ أحد من قريش على أن يرد جوار ابن الدغنة أو يخفره وينتهكه " وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره " أي سراً ولا يجاهر بعبادته لئلا يفتن النساء والصبيان عن دينهم " فقال ذلك ابن الدغنه لأبي بكر " أي فأبلغه هذا الشرط لكي يلتزم به، ويقوم بتنفيذه " فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره " مدة من الزمن يعبد ربه سراً في بيته " ولا يستعلن بصلاته " أي لا يجاهر بصلاته ولا بقراءته " ثم بدا لأبي بكر " أي ثم ظهر لأبي بكر أن يجاهر بعبادته، " فابتنى مسجداً بفناء داره " أي في ساحة المنزل المكشوفة للناس " وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن " أي وصار يصلي ويعبد ربه بالصلاة وقراءة القرآن جهاراً أمام أعين الناس "فيتقذف عليه نساء

(1) ولا يستعلن أي لا يجاهر بصلاته وقراءته للقرآن.

ص: 303

يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِليْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أن تَقْتَصِرَ علَى ذَلِكَ، وإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلِيَّ ذِمَّتِي، فإني لا أحبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أخْفِرْتُ في رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أبو بَكْرٍ: فَإِنِّي أردُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وأرْضَى بِجِوَارِ اللهَ عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيْتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابتَيْنِ، وهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ منْ كَانَ هَاجَرَ بأرْضِ الْحَبَشَةِ إلى الْمَدِينَةِ، وتَجَهَّزَ أبو بَكْرٍ قِبَلَ، الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: وَهَلْ

ــ

المشركين" أي يزدحم عليه النساء والأطفال ويتدافعون حتى يتساقطون عليه " فأفزع ذلك أشراف قريش " أي أخافهم وأقلقهم " فأرسلوا إلى ابن الدغنة " وكلموه في شأن الصديق وطلبوا منه أن يلتزم بالشرط " فقالوا: إنا كما قد أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره " أي إنا كنا قبلنا جوارك لأبي بكر والتزمنا به، وحافظنا عليه، على شرط أن يعبد ربه سراً، ولا يجاهر بعبادته، فيؤذينا، ويضل نساءنا وصبياننا " فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل " أي فله أن يفعل ذلك، مع بقاء الجوار نافذاً " وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك " أي وإن أصر أن يعبد ربه علناً " فسله أن يرد إليك ذمتك " أي فاطلب منه أن يرد إليك جوارك وحمايتك له " فإنما كرهنا أن نخفرك " أي أن ننتهك حرمة الجوار الذي بيننا وبينك. قالت عائشة رضي الله عنها: " فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه " أي أنت تعرف الشرط

ص: 304

تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أبو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ، وَرَقَ السَّمُرِ -وَهُوَ الخَبَطُ- أرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ في بَيْتِ أبِي بَكْرٍ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قالَ قَائِلٌ لأبِي بَكْرٍ، هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعاً في سَاعةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: فداءٌ لَهُ أبِي وأمِّي، وَاللهِ مَا جَاءَ بِهِ في هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فجاءَ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ

ــ

الذي شرطته على قريش في جواري لك، " فإما أن تقْتَصِر على ذلك " وتحافظ عليه، ولا تتعدى حدوده، " وإما أن ترجع إليَّ ذمتي " وترد إليَّ جواري " فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت " أي فإني أخشى أن تضطر قريش إلى انتهاك حرمة جواري على نقض عهدي، ويكون ذلك وصمة لي " فقال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك " وذلك رغبة منه في أن يتحرر في عبادته فيعبد الله كيف شاء " فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين: إني أريت دار هجرتكم " أي أنه صلى الله عليه وسلم أطلعه الله في منامه على " المدينة " التي سيهاجر إليها " وتجهز أبو بكر قبل المدينة " أي تهيأ واستعد أبو بكر للرحيل إلى المدينة التي أمر الله بالهجرة إليها " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك " أي تمهل قليلاً فلعلك ترافقني في الهجرة إليها " فحبس أبو بكر نفسه " أي فتوقف أبو بكر وتأخر عن السفر من أجل أن يصحب النبي صلى الله عليه وسلم " وعلف راحلتين عنده ورق السمر وهو الخبط (1)" أي ما يخبط بالعصى من أوراق الشجر، " فبينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحو الظهيرة " أي عند الهاجرة، وبقرب الزوال "قال قائل

(1) وهو شجر الطلح، والطلح كما قال أبو عبيدة والفراء: شجر عظام له شوك. اهـ. في " تفسير القرطبي " ج 17.

ص: 305

أخْرِج مَنْ عِنْدَكَ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: إِنَّما هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي قَدْ أذِنَ لِي في الْخُرُوجِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بأبي أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، قَالَ أبو بَكْرٍ: فَخُذْ بأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بالثَّمَنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهزْنَاهُمَا أحثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً في جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أسْمَاءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذاتَ النِّطَاقِيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبَو بَكْرٍ بغَارٍ في جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وهُوَ غُلامٌ شَابٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيَدَّلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا

ــ

لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً" أي مغطياً رأسه " فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي " والمعنى أجعل أعز الأشياء عندي وهما أبي وأمي فداءً للنبي صلى الله عليه وسلم. " ما جاء به في هذه الساعة إلاّ أمر " أي لم يأت في ساعة الظهيرة إلا لأمر هام له شأنه وخطره " قالت عائشة رضي الله عنها: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن، فأذن له، فدخل " عليهم في منزلهم " فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج من عندك " من الغرباء، لأنه يريد أن يتحدث معه في شأن الهجرة " فقال أبو بكر إنما هم أهلك " أي ولا يوجد في البيت أحد غريب. " قال: فإني قد أذن لي في الخروج " أي فإن الله قد أذن لي بالهجرة إلى المدينة " فقال أبو بكر رضي الله عنه: الصحابة " أي أسألك صحبتك، ومرافقتك في هجرتك قالت عائشة رضي الله عنها: " فجهزناهما أحّث الجهاز " بفتح الجيم أي فجهزناهما بأحسن ما يحتاج إليه المسافر في سفره من أثاث ومتاع ولباس، أو فجهزناهما بأسرع جهاز ممكن، لأن الوقت كان ضيقاً، ويجوز في جهاز وجهان

ص: 306

بِسَحرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ، بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فلا يَسْمَعُ أمراً يَكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ في رِسْلٍ، وَهُو لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهمَا، حتَّى يَنْعَقَ بِهَا عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، واسْتَأجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيل، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْن عَدِي هَادِياً خِرِّيتاً -والخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بالهِدَاية- قَد غَمَسَ حلِفَاً في آلِ العَاصِ بْن وَائِلٍ السَّهْمِي، وهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْش، فَأمنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَأتاهُمَا بِرَاحِلَتِيهما صُبْحٍ ثلَاثٍ، وانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ والدَّلِيلُ، فأخَذَ

ــ

فتح الجيم وكسرها " كما أفاده العيني "" وصنعنا لهما سفرة " أي وأعددنا لهما زادهما من الطعام، " فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها " أي من الحبل الذي تشد بها وسطها عند العمل " فربطت " أي فربطته بتلك القطعة من نطاقها، " ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه، أي اختفيا فيه "، لأنّ قريشاً دبروا أمرهم لقتله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فأتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لا تبت هذه الليلة على فراشك. فلما كانت عتمة الليل، اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه نم على فراشي، وخرج صلى الله عليه وسلم ومعه حفنة من تراب في يده، فجعل ينثر على رؤوسهم، وهو يتلو (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ). إلى قوله:(فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) ثم انصرف بصحبة الصديق رضي الله عنه إلى غار ثور "فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو

ص: 307

بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ، قَالَ: سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْن جُعْشُم، جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْش يَجْعَلُونَ في رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُ أوْ أسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أنا جَالِسٌ في مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِج أقْبَلَ رَجُل مِنْهُمْ حتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأيْتُ آنِفاً أسْوِدَةً بالسَّاحِلِ أرَاهَا مُحَمَّداً وأصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أنَهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأيْتَ فُلَاناً وَفُلاناً، انْطَلَقُوا بأعْيُننَا، ثُمَّ لَبِثْتُ في الْمَجْلِس سَاعَة ثُمَّ قُمْتُ، فدَخَلْتُ، فأمَرْتُ جَارِيَتي أنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أكَمَةٍ فَتَحْبِسهَا عليَّ، وَأخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بي، حَتَّى

ــ

غلام شاب ثقف لقن" أي حاذق فطن " فيدلج من عندهما بسحر " أي فيعود من عندهما إلى مكة آخر الليل " كبائت " أي فيكون في مكة صباحاً مع الفجر كأنما كان بائتاً بها، ولم يفارقها " فلا يسمع أمراً يكتادان به " أي يدبر ضدهما " إلاّ وعاه " أي عرفه واطلع عليه فيخبرهم به " ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم " أي شاة من غنم يأتيهما بلبنها " فيبيتان في رسل "، وهو اللبن الطازج الطري " وهو لبن منحتهما ورضيفهما " والرضيف اللبن توضع فيه الحجارة المحماة بالشمس ليسخن " حتى ينعق بها " بكسر العين أي يصبحِ بها " بغلس " أي فِي آخر الليل " واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل " قبيلة من كنانة، واسمه عبد الله بن أريقط " هادياً خريتاً " أي دليلاً ماهراً " قد غمس حلفاً في آل العاص " أي تحالف معهم: " قال سراقة بن جعشم: جاءنا رسل من كفار قريش يجعلون في رسول الله وأبي بكر

ص: 308

دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرْتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فأهْوَيْتُ يَدِي إلى كِنَانَتي فاسْتَخْرَجتُ مِنْهَا الأَزْلامَ، فاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، أضُرُّهُمْ أَمْ لا؟ فخرج الذي أكرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأزْلَامَ تُقَرِّبُ بي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِراءَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ لا يَلْتَفِتُ وَأبو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفَاتَ، سَاخْت يَدَا فَرَسِي في الأرْض حتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذا، لأثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِع في السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فاسْتَقْسَمْتُ بالأزْلامِ فخرَجَ الذي أكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بالأمَانِ، فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حتَّى

ــ

دية كل واحد منهما" أي مقدار ديته، وهي مائة من الإِبل " فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهي من وراء أكمة " أي أمرتها أن تخرج لي فرسي متسترة عن الناس وراء مرتفع من الأرض لئلا يعلموا بخروجي، فيسبقني أحد إلى محمد وصاحبه، " وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجِّه الأرض وخفضت عاليه " أي أرخيت رمحي حتى مس زجه الأرض، وبالغت في خفض أعلاه لئلا يظهر لمن بعد عنه، والزج الحديدة التي في أسفل الرمح " حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي " أي فأسرعت بفرسي لكي تقربني منهما، وتقطع المسافة في زمن قصير إليهما " حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها " أي حتى اقتربت من محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فعثرت في فرسي عثرة شديدة حتى سقطت عن ظهرها " فأهويت بيدي إلى كنانتي " أي فمددت يدي إلى كيس الأزلام الذي معي " فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ " أي فأخرجت منها سهماً لأعرف هل أستطيع أن أضرهم أم لا " فخرج الذي أكره " أي فخرج لسهم يدل على أني لا أضرهم "فركبت

ص: 309

جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ في نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ من الْحَبْسِ عَنْهُمْ، أن سَيَظْهَرُ أمرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وأخْبَرْتُهُمْ أخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وعَرَضْتُ عَلَيهمْ الزَّادَ والْمَتَاعَ، فلَمْ يَرْزآنِي، ولم يَسأَلانِي إلَّا أن قَالَ: اخْفِ عَنَّا، فَسألتُهُ أن يَكْتُبَ لِي كتابَ أَمْنٍ، فأمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرةَ فَكَتَبَ في رُقْعَةٍ مِنْ أدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيَ الزُّبَيْرَ في رَكْبٍ مِنَ اْلمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّاراً قَافِلينَ مِنَ

ــ

فرسي وعصيت الأزلام" أي فلم ألتفت إلى ما ظهر لي من الأزلام، بل ركبت فرسي وتبعت محمداً وصاحبه " حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض " أي غاصت في الأرض " ثم زجرتها " أي صحت عليها بشدة " فنهضت، فلم تكد تخرج يديها " أي فقامت الفرس بعد محاولة شديدة حتى أنها كادت أن لا تستطيع إخراج يديها من الأرض " فلما استوت قائمة إذا لِأثر يديها عُثَان ساطع (1) في السماء " أي فلما اعتدلت الفرس، وقامت من سقطتها، رأيت لأثر يديها غباراً شديداً " مثل الدخان " يشبه الدخان في سواده " فناديتهم بالأمان " أي فأعطيتهم الأمان. " فوقفوا " أي فوثقوا بي ووقفوا وفي رواية: " فناديت القوم أنا سراقة بن مالك بن جعشم أنظروني (2) أكلمكم، فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه ". اهـ. فوقفوا ينتظرونه، ليعرفوا ما عنده " ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي فتيقنت بعدما منعت عن الظفر بهم، أن محمداً رسول الله حقاً، وأن دينه سيعلو " وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني " أي فلم يأخذا مني شيئاً "فسألته

(1) أي مرتفع في الجو والعثان بضم العين وفتح الثاء الغبار.

(2)

أنظروني، أي انتظروني.

ص: 310

الشَّامِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبا بَكْر ثِيَابَ بَياض، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ فكانُوا يَغدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إلى الْحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فانْقَلبُوا يَوْماً بَعْدَ ما أطالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أوَوْا إلى بُيُوتِهِمْ أوْفَى رَجُل مِنْ يَهودَ عَلى أطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأمْرٍ يَنْظرٌ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أنْ قَالَ بأعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ المُسْلِمُونَ إلى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا

ــ

أن يكتب لي كتاب أمن" أي كتاب موادعة يؤمنني فيه حتى إذا التقيت بالمسلمين في المدينة أو غيرها لا يتَعرض لي أحد منهم بسوء " فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم " أي فكتب في كتاب موادعة في قطعة من جلد، وأعطاني إيّاه. لكي أستفيد منه عند الحاجة. " وسمع المسلمون بالمدينه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة " أي وسمع المسلمون من الأوس والخزرج بالمدينة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قادماً إلى المدينة " فكانوا يفدون كل غداة إلى الحرّة " أي فكانوا يخرجون كل صباح إلى حرة قباء ينتظرون قدومه " حتى يردهم حر الظهيرة " أي إلى أن يأتي وقت الظهر، فيعودون إلى ديارهم، " فانقلبوا يوماً " أي فعادوا يوماً إلى بيوتهم، " فلما آووا إلى بيوتهم " أي فلما وصلوا إلى منازلهم، " أوفي رجل من يهود على أطم من آطامهم " أي صعد رجل من اليهود على حصن من حصونهم " فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين "، أي فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعليهم الثياب البيضاء " يزول بهم السراب " أي يغطون السراب " فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدُّكم الذي تنتظرون " أي فلم يستطع اليهودي أن يتمالك نفسه، ولم يسعه إلاّ أن ينادي

ص: 311

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ حتى نَزَلَ بِهِمْ في بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وذلكَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ من شَهْرِ رَبِيعِ الأوَّلِ، فقامَ أبو بَكْرٍ لِلنَّاس، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَامِتاً، فَطَفِقَ مَنْ جاء مِنَ الأنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحيِّي أبَا بَكْرٍ، حَتَّى أصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأقْبَلَ أبو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بني عَمْرِو بْن عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وأسسَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسسَ عَلى التَّقْوَى، وَصَلَّى فيهِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسار يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتىَّ بَرَكَتْ

ــ

بأعلى صوته يا معشر العرب من الأوس والخزرج هذا هو حظكم السعيد قد أقبل بقدوم نبيكم، " فثار المسلمون إلى السلاح " أي فتقلد المسلمون أسلحتهم لاستقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحراسته من اليهود " فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة " أي فاستقبلوه صلى الله عليه وسلم فوق الحرة المتصلة بقباء " فعدل بهم ذات اليمين " أي فاتجه في سيره إلى غرب قباء " حتى نزل في بني عمرو بن عوف " بن مالك الأوسي، وكانوا ينزلون غربي قباء " وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول " الموافق للثاني عشر من ربيع الأول، عند اشتداد الضحى، قبل الزوال كما أفاده ابن إسحاق. قال ابن كثير: والظاهر أن بين خروجه من مكة ودخوله المدينة خمسة عشر يوماً " فقام أبو بكر للناس " أي فوقف أبو بكر يسلم على المستقبلين " فطفق من جاء من الأنصار يحيي أبا بكر " أي يبدأ بالسلام على أبي بكر يظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم " حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه " أي فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف خلفه، وظلل عليه من أشعة الشمس بردائه " فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي فلما ظلل عليه

ص: 312

عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بالمَدِينَةِ، وهُو يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وكان مِرْبَداً لِلتَّمْرِ لِسَهْل وَسُهَيْل غُلَامَيْنِ يَتيمَيْنِ في حَجْرِ أسْعَدِ ابْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلته: هَذَا إن شَاءَ

ــ

الصديق عرف الناس عند ذلك من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف " أي فأقام النبي صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف نزيلاً على كلثوم بن الهدم، " بضع عشرة ليلة " أي أربع عشرة ليلة كما في حديث أنس، وقال ابن إسحاق: أقام خمساً، وهو أنسب الأقوال وأظهرها، وأكثرها ملاءمة لسياق القصة، لأنه توجه إلى المدينة يوم الجمعة، وصلاها في الطريق (1)، فتكون إقامته في قباء خمسة أيام من الاثنين إلى الجمعة إذا حسبنا يوم الخروج منها. " وأسس المسجد الذي أسس على التقوى " وهو مسجد قباء، أوّل مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. اهـ. فالجمهور على أن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء. قال الحافظ: وهو ظاهر الآية لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) في أهل قباء، أخرجه أبو داود. وقال بعضهم: إن قوله تعالى: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) يقتضي أنه مسجد قباء، لأن تأسيسه كان في أول يوم حلّ النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة. " ثم ركب صلى الله عليه وسلم راحلته فسار يمشي معه الناس " قال ابن إسحاق: فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهوا إليهما، فقالت الأنصار انطلقا آمنين مطاعين، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم - أي في وسطهم وهم يحفون به الخ. " حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم " وأدركته الجمعة في الطريق في بني سالم بن عوف. فنزل وصلاها هناك، ثم واصل سيره إلى المدينة حتى

(1) أي وصلى النبي صلى الله عليه وسلم أوّل جمعة له بالمدينة في الطريق بين مكة وقباء، فلو أنه صلى الله عليه وسلم أقام أكثر من خمسة أيام لصلى هذه الجمعة في مسجد قباء.

ص: 313

اللهُ الْمَنْزِلُ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الغُلَامَيْنِ فساوَمَهُمَا بِالمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِداً، فَقَالا: لَا، بَلْ نَهِبُهُ لَكَ يَا رَسُول اللهِ، فَأبى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً، حتى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِداً، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ في بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:

هذَا الحِمَالُ لَا حِمَالُ خَيْبَرْ

هَذَا أبَرُّ رَبَّنَا وَأطْهَرْ

وَيَقول:

اللَّهُمَّ إِنَّ الأجْرَ أجرُ الآخِرَةِ

فارْحَمِ الأنْصَارَ والْمُهَاجِرَه

فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي".

ــ

بركت ناقته في موضع مسجده صلى الله عليه وسلم "وكان مربداً للتمر " أي موضعاً يجفف فيه التمر " لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة " أي تحت وصايته - " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل " أي هذا هو الموضع والمكان الذي ننزل فيه إن شاء الله تعالى، لأن الله تعالى اختاره لنزولنا، وفي رواية عن أنس أنه قال:" قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل جاء الأنصار برجالها ونسائها، فقالوا: إلينا يا رسول الله، فقال: دعو الناقة فإنها مأمورة، فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري "(1) إلخ الحديث، وفي رواية موسى بن عقبة: أنه كان يقول: دعوها فإنها مأمورة، فإنما أنزل حيث أنزلني الله، فلما انتهت إلى دار أبي أيوب بركت به على الباب، فنزل فدخل بيت أبي أيوب حتى ابتنى مسجده ومساكنه " ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين، فساومهما بالمربد " أي فساوم وصيَّهُما في شراء ذلك المربد كما في رواية ابن عيينة حيث قال فكلم عمهما أن يبتاعه منهما. كما أفاده الحافظ

(1)" البداية والنهاية " لابن كثير ج 3.

ص: 314

" ليتخذه مسجداً " أي ليبني على تلك الأرض مسجده صلى الله عليه وسلم " فقالا: بل نهبه " أي نعطيه لك دون ثمن. " فأبى أن يقبله منهما هبة " أي فرفض أن يقبله منهما بدون ثمن، " ثم بناه مسجداً " أي ثم اشتراه منهما، وبنى في مكانه مسجداً، " وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه " أي وشرع رسول الله في بناء المسجد، وشارك أصحابه بيده في بنائه، فصار ينقل معهم اللبن " ويقول وهو ينقل اللبن " يعني وينشد أثناء ذلك قول الشاعر:

هَذَا الحِمَالُ لَا حِمَالُ خيْبَرْ

هَذا أبرُّ رَبّنا وَأطْهَرْ

أي إن ما يحمله المسلمون في بناء المسجد أعظم وأجل من أحمالِ خيبر وتمورها كلها، لما يُنَالُ به من نعيم الآخرة الذي لا يحول ولا يزول ويقول:

اللهم إنَّ الأجْرَ أجْرُ الآخرة

فارْحَمِ الأنصَارَ وَالمُهَاجرَة

أي الأجر الحقيقي هو الأجر الأخروي، لأنه كما قال بعضهم: لو كانت الدنيا من جوهر يفنى والآخرة من خزف يبقى لكانت الآخرة أفضل، ثم دعا صلى الله عليه وسلم للمهاجرين والأنصار بالرحمة والرضوان في قوله:" فارحم الأنصار والمهاجرة ".

فقه الحديث: دل هذا الحديث على فوائد وأحكام كثيرة: أولها: بيان قصة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والحفاوة البالغة التي قوبل بها، فكانوا يفدون كل غداة إلى الحَرَّة ينتظرون قدومه لكي يستقبلوه حتى يردهم حر الظهيرة، ثم لما جاءتهم البشرى بوصوله إلى المدينة تقلدوا سيوفهم، وذهبوا لاستقباله، وأحاطوا به خوفاً عليه من اليهود وقالوا: اركبا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فركب نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح، فقيل بالمدينة: جاء نبي الله جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبي الله - أي فصار أهل المدينة يتطلعون إلى رؤيته، ويهتفون باسمه قائلين: جاء نبي الله، جاء نبي الله، قال البراء بن عازب: فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جعلت الإِماء

ص: 315

يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري، وقال أنس: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن:

نَحْنُ جَوارٍ مِنْ بَنِي النَجَّارِ

يَا حَبَّذا مُحَمَّداً مِن جَارِ

أخرجه الحاكم. واحتفي به صلى الله عليه وسلم كل أهل المدينة رجالاً ونساءً، ووقف العواتق على شرفات المنازل يترائينه صلى الله عليه وسلم ويتطلعن إليه يقلن:" أيهم هو؟ " وخرج إليه صلى الله عليه وسلم الرجال والغلمان والخدم يقفون على جانبي الطريق يهتفون باسمه، ويكبرون، ويقولون -كما روى ذلك أنس- الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد صلى الله عليه وسلم أخرجه الشيخان. ثانيها: أن الهجرة كانت نقطة تحول في تاريخ الدعوة الإِسلامية، وفاتحة نصر للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وكانت كما قال ابن القيم: مبدءاً لإعزاز دين الله، ونصرة عبده ورسوله، وكانت استجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي أمره الله بها، وتحقيقاً لها، حيث أمره أن يقول:(رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) فحقق الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم بهذه الهجرة كل المآرب، ووجد في طيبة الطيبة أرضاً خصبة لنشر دعوته، فازدهرت الدعوة الإِسلامية، وقويت، واشتدت، ومكن الله لها في الأرض، ولذلك أجمع الصحابة في خلافة الفاروق على أن يؤرخوا بالهجرة، وكان ذلك في السنة السابعة عشرة (1) حيث استشار عمر المسلمين في وضع تاريخ إسلامي يتعرفون به آجال الديون وغيرها من القضايا الهامة، ثم اختار عمر الهجرة، وجعل بداية العام الهجري من محرم، لأنه أول الشهور العربية.

ثالثها: أن في نزول النبي صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب رضي الله عنه شرف وفضيلة عظيمة له رضي الله عنه. قال ابن كثير: وهذه منقبة عظيمة لأبي أيوب، وروى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما قدم أبو أيوب رضي الله عنه البصرة، وكان ابن عباس رضي الله عنهما نائباً عليها من قبل علي رضي الله عنه بالغ ابن

(1)" البداية والنهاية " لابن كثير.

ص: 316

عباس في تكريمه حتى أنه خرج لأبي أيوب عن داره (1)، وأنزله فيه، كما أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره وملكه كل ما أغلق عليه، ثم أعطاه عند سفره عشرين ألفاً وأربعين عبداً، وقد صارت دار أبي أيوب من بعده إلى مولاه أفلح، ثم اشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار، وأصلحها، ووهبها لأهل بيت فقراء. رابعها: مشابهة الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم في أغلب شمائله حتى أنّ ابن الدغنة وصفه بالصفات التي وصفت بها خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قولها: " إنك لتصل الرحم، إلخ. خامسها: أن هجرته صلى الله عليه وسلم لم تكن سهلة ميسورة، وإنما كانت صعبة قاسية محفوفة بالمخاطر، فقد خرج صلى الله عليه وسلم من مكة في شهر يونيه من سنة 622 م (2) حيث اشتد الحر، وتوهجت الصحراء، وسار صلى الله عليه وسلم وصاحبه فوق الحجارة الحارة، والرمال الجارحة التي أدمت أقدامهما، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار حتى تفطرت قدماه، ثم إنهما مكثا في ذلك الغار الموحش الرهيب ثلاثة أيام أشد ما يكون الطلب عليهما، فقد جعل أهل مكة في كل منهما ديته مائة من الإبل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بذلك، فاجتهد في إخفاء أثر قدميه، حتى أنه كان يمشي على أطراف قدميه، حتى حفيت قدماه، فحمله الصديق يشتد به حتى أتى الغار. سادسها: معجزته صلى الله عليه وسلم الظاهرة مع سراقة بن جعشم عندما لحق به، فساخت قدما فرسه مرتين إلى آخر ما جاء في ذلك. سابعها: أن هجرته صلى الله عليه وسلم لم تكن عن رأي شخصي، وإنما كانت بأمر إلهي، حيث أمر بذلك في قوله تعالى:(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا). ثامنها: أن الهجرة كانت رحلة مخططة منظمة بأمر إلهي وتدبير سماوي، ومن هذا التدبير المحكم أنه صلى الله عليه وسلم أمره جبريل أن لا يبيت في فراشه تلك الليلة، وأن

(1)" البداية والنهاية " لابن كثير.

(2)

" فيض الخاطر " لأحمد أمين جـ 2.

ص: 317

يخرج من داره ليفوّت على قريش فرصة اغتياله، فذهب إلى الصدِّيق وخرجا سوياً من خلف البيت، وسارا معاً حتى وصلا غار ثور، ورتب صلى الله عليه وسلم أمر إيصال الطعام إليهما، كما كلفا عبد الله بن أبي بكر بإيصال الأخبار إليهما أولاً بأوّل، والمطابقة: في كون الحديث متضمناً لقصة الهجرة. الحديث: أخرجه البخاري.

***

ص: 318