الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
791 - " بَابُ ما جَاءَ في صِفَةِ الْجَنَّةِ وأنهَا مَخلُوقَة
"
905 -
عَنْ أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ على صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والَّذِينَ عَلَى إثْرِهِمْ كأشَدِّ كَوْكَبٍ إضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ على قَلْبِ رَجُل وَاحَدٍ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ، ولا تَبَاغضَ، لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهم
ــ
عليه هذا الوعيد الشديد، وهو لعن الملائكة. ثالثاً: قال الصنعاني: في الحديث إخبار بأنه يجب على المرأة إجابة زوجها إذا دعاها للجماع، لأن قوله " إلى فراشه " كناية عن الجماع، ودليل الوجوب لعن الملائكة لها، على امتناعها، إذ لا يلعنون إلاّ عن أمر الله، ولا يكون إلاّ عقوبة، ولا عقوبة إلّا على ترك واجب. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والمطابقة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " لعنتها الملائكة ".
791 -
" باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة "
905 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يصف لنا أهل الجنة جميعاً بالحسن والجمال، وأنهم يتفاوتون في ذلك حسب درجاتهم وأعمالهم، فأول طائفة تدخل الجنة كالقمر ليلة الرابعٍ عشر حين تكمل استدارته، ويتم نوره، فيكون أكثر إشراقاً، وأعظم حسناً وبهاءً، وفي رواية " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر " أما الطائفة الثانية فإنها تشبه في صورتها أقوى الكواكب نوراً وضياءً. أما صفاتهم النفسية والخلقية فهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم " على قلب رجل واحد " أي في غاية الاجتماع والاتفاق، حتى كأن قلوبهم جميعاً قلب واحد، كما في الرواية الأخرى حيث قال في وصفهم:" قلوبهم قلب رجل واحد " وهو من التشبيه الذي حذفت
زَوْجَتَانِ، كلّ وَاحِدَةٍ مِنْهمَا يرَى مخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ من الْحسْنِ، تسَبِّحُونَ اللهَ بكْرَةً وَعشِيَّاً، لا يَسْقَمونَ، ولا يَمْتَخِطُونَ، ولا يَبْصقُونَ، آنيتُهُمْ الذَّهَب والفِضَّةُ، وأمْشَاطهُمُ الذَّهَبُ، وَقودُ مَجَامِرِهِمْ الألوّة، ورَشْحهُم الْمِسْك".
ــ
أداته، أي كقلب رجل واحد، كما أفاده الحافظ. " لا اختلاف بينهم ولا تباغض " أي إن نفوسهم صافية نقية خالية من العداوة والبغضاء، عامرة بالحب والمودة. " لكل امرىء منهم زوجتان " أي لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا بالإِضافة إلى عشرات الحور من نساء الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصف أدنى أهل الجنة منزلة:" وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا " أخرجه أحمد في "مسنده "(1). أما صفة هؤلاء النساء فقد قال صلى الله عليه وسلم في وصفهن: " كل واحدة منهما " أي من الزوجتين المذكورتين من نساء الدنيا " يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن " فهي لصفاء جسدها ورقة بشرتها جسم شفاف يكشف عما بداخله، فيرى الناظر إليها مخ ساقها من وراء لحمها، كما يرى الماء الصافي داخل الكأس الزجاجي. " يسبحون الله بكرة وعشياً " أي في أول النهار وآخره، والمراد أنهم يسبحون في وقتهما، وإلّا فلا بكرة ثمة ولا عشية. أمّا هذا التسبيح فإنه ليس عن تكليف، وإنما يلهمون به كما يلهمون النفس. " لا يسقمون " أي لا يمرضون فيها " ولا يمتخطون ولا يبصقون " لأن الله طهر أهل الجنة من هذه الأقذار " آنيتهم الذهب والفضة " أي بعض أوانيهم فضية، وبعضها ذهبية كما أفاده القاري. " وأمشاطهم الذهب " أي من الذهب الخالص " وقود مجامرهم الألوّة " بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام
(1) وفي سنده شهر بن حوشب، وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام. (ع).
906 -
عَن أنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه:
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ في الْجَنَّةِ لَشَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لا يَقْطَعُهَا ".
ــ
وتشديد الواو كما أفاده القسطلاني " يعني " أن بخورهم الذي تتقد به مجامرهم هو العود الهندي الذي هو من أطيب الطيب وأزكى البخور.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجود الجنة التي خلقها الله تعالى لتكون دار النعيم لأوليائه. ثانياًً: جمال أهل الجنة، وحسن وجوههم، حيث وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر " ثم وصفهم بالطهارة والنقاء من جميع العيوب والنقائص الجسمية والنفسية. أما سلامتهم من الأقذار الجسمية، فإنهم كما في الحديث " لا يمتخطون ولا يبصقون، ولا يتغوطون " فالطعام يرشح عرقاً من أجسامهم تفوح منه رائحة ذكية كرائحة المسك، كما جاء في حديث زيد بن أرقم حيث قال صلى الله عليه وسلم:" تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كرشح المسك " أخرجه النسائي. أما سلامتهم نفسياً واجتماعياً فإن مجتمع أهل الجنة يقوم على الود الخالص، فلا عداوة بينهم ولا بغضاء، كما في حديث الباب. ثالثاً: أن أهل الجنة يتنعمون بكل مظاهر النعيم والترف، فيأكلون في آنية الذهب والفضة، ويمتشطون بالأمشاط الذهبية، ويتطيبون بالعود الفاخر، وينعمون بأجمل النساء وأعظمهم صفاءً ورقة وشفافية. يسبحون الله ويحمدونه، كما في الحديث عن أبي هريرة مرفوعاً " أنهم يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس " أخرجه مسلم. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي. والمطابقة: في قوله: " أول زمرة تدخل الجنة ".
906 -
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة لشجرة " أي إن فيها شجرة كبيرة مترامية الأطراف " يسير الراكب " المسرع في سيره
957 -
عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه:
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ: " إِنَّ لَهُ مُرْضِعَاً في الْجَنَّةِ ".
ــ
" في ظلها مائة عام لا يقطعها " أي يسير تحتها الراكب المجد مائة سنة فلا ينتهي منها، وفي الحديث عن عتبة السلمي مرفوعاً " شجرة طوبى تشبه الجوزة، لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تتكسر ترقوتها هرماً " أخرجه ابن حبان في صحيحه. الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على عظمة الجنة، وضخامة أشجارها، حتى إن بعض أشجارها تمتد أغصانها وفروعها إلى مسافات بعيدة تزيد عن مسيرة مائة عام. ثانياً: أن أهل الجنة يتفيئون أشجارها تنعماً وتلذذاً، لا من أجل أن يستظلوا بها من حرارة الشمس، فإن الجنة لا حر فيها ولا برد، وذلك هو مصداق قوله تعالى:(وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) فالجنة كلها ظل لا شمس معه، ونور لا حرَّ فيه، كأنما هم يعيشون دائماً في وقت الإِسفار الذي يسبق طلوع الشمس (1). والمطابقة: في قوله: " إن الجنة لشجرة ".
907 -
معنى الحديث: يحدثنا البراء رضي الله عنه " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما مات ابراهيم " أي قال صلى الله عليه وسلم يوم وفاة إبراهيم ابن رسول الله من مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان، وتوفي يوم الثلاثاء، لعشر خلون
(1) روى ابن أبي حاتم، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الظل الممدود، وشجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها، فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها، فيشتهي بعضهم اللهو، فيرسل الله ريحاً، فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا. (ع).
908 -
عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه:
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أهلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ في الأفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أوِ الْمَغْرِبِ،
ــ
من ربيع الأول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهراً (1)" إن له مرضعاً " بضم الميم وكسر الضاد " في الجنة " أي إن الله قد أعد له في الجنة من يقوم بإرضاعه حتى يتم رضاعته، كما قال صلى الله عليه وسلم:" إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين - تكملان إرضاعه في الجنة " أخرجه مسلم (2).
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: فضل إبراهيم عليه السلام، وأنه يحيى في الجنة حياة برزخية كالصديقين والشهداء، ويرزق كما يرزقون، ويتمثل رزقه في ذلك اللبن الذي يرضعه من مرضعته في الجنة، ثانياً: قال النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، وتوقف فيه بعضهم لحديث عائشة أخرجه مسلم بلفظ " توفي صبي من الأنصار فقلت: طوبى له - " أي له الجنة " لم يعمل سوءاً، ولم يدركه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أو غير ذلك يا عائشة. إن الله تعالى خلق للجنة أهلاً " الحديث، وأجيب عنه بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل. الحديث: أخرجه البخاري. والمطابقة: في كون الحديث يدل على وجود الجنة، وبعض ما فيها.
908 -
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق " أي أنهم يشاهدون عن بعد أهل المنازل العالية في الجنة كما كانوا يشاهدون في الدنيا
(1) الواقدي.
(2)
" شرح العيني " ج 8.