الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
857 - " بَاب قَوْلِ اللهِ عز وجل (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إِلَى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ)
"
ــ
تذكر إلا ما وقع لخالد حيث تصدى له جماعة من بكر وهذيل ورموه بالنبل فقاتلهم، فانهزموا، وقتل أربعة وعشرون من قريش، وأربعة من هذيل، ودخل صلى الله عليه وسلم مكة، فطاف وسعى، واستلم الحجر، ودخل الكعبة، وقال وهو واقف على باب الكعبة: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة رجالاً ونساءً في الصفا، وهدم الأصنام التي كانت على الكعبة وهو يقول:(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا). ثانياً: أن فتح مكة لم يكن حرباً انتقامية وإنما كان يوماً مباركاً تعظّم فيه الكعبة، وتعز فيه قريش بالإِسلام. الحديث: أخرجه البخاري. والمطابقة: في قوله: " وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية بالحجون ".
857 -
" باب قول الله عز وجل (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
…
) "
أقول وبالله المستعان: الكلام على هذه الترجمة يتلخص في الحديث عن غزوة حنين، وتفسير الآية الكريمة، وحنين وادٍ في طريق الطائف من جهة عرفة على بعد بضعة عشر ميلاً من مكة، وقال في " دائرة المعارف الإسلامية ": حنين واد عميق غير منتظم، به أحراج من شجر النخيل على مسيرة يوم من مكة على طريق من الطرق الممتدة إلى الطائف، وكانت غزوة حنين في العاشر من شوّال عام ثمان من الهجرة الموافق لفبراير سنة 630 م، وذلك أنّ هوازن لما سمعت بفتح مكة أغاظها ذلك، وأرادت أن يكون لها الفضل في استئصال شأفة الإِسلام،
فقام مالك بن عوف سيد هوازن، ونادى بالحرب، واجتمع إليه ثقيف وجُشم وسعد بن بكر، وأجمع السير إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القبائل، ومعهم أموالهم ونساؤهم وذراريهم، ليستميتوا في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وأمرهم أن يكسروا جفون سيوفهم وأن يشدوا شدة رجل واحد، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ألفان من مكة حديثو عهد بالإِسلام، وعشرة آلاف من المدينة، فأعجب أناس بكثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، ورتب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وقسم الألوية، فسلم علياً لواء المهاجرين، وأسد بن حضير لواء الأوس، والحباب بن المنذر لواء الخزرج، واستقل المسلمون عدد هوازن، وانتصروا عليهم أوّل الأمر، غير أنهم أكبوا على الغنائم يأخذونها، وكانت هوازن قد كمنت لهم في شعاب الجبل، فلما رأوا انشغالهم بالغنائم فاجؤهم بهجوم خاطف، فما راع المسلمين إلَّا وقد رشقوهم بالنبال، وحملوا عليهم حملة رجل واحد، وكانوا مهرة في الرماية، فانهزم المسلمون، وطار في الناس - وشاع فيهم أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد قتل وانحسر عنه المسلمون، حتى تم ما أراده الله من تأديب المسلمين على إعجابهم بكثرتهم، عند ذلك ردّ الله لهم الكرة على الأعداء، رحمة بهم، ونصراً لدينه، وإكراماً لنبيه صلى الله عليه وسلم وللَّذين ثبتوا معه من المؤمنين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم صامداً في موقفه على بغلته الشهباء يقول:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
ولما استقبلته كتائبهم أخذ قبضة من تراب، ورمى بها إلى عيونهم فملئت أعين القوم، وأنزل الله ملائكته لنصرة المسلمين، وانتهت المعركة بهزيمة هوازن، وغنم المسلمون كثيراً، فأسروا نحو 6000 امرأة، و2400 بعير وأكثر من 40000 أربعين ألف شاة و4000 أوقية من الفضة. وقسم صلى الله عليه وسلم الغنائم، فَمنَّ على السبي، وأطلق سراحهم إكراماً لوفد هوازن الذي كان فيه أبو برقان عمه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. وهكذا نصر الله المسلمين بعد إدبارهم وهزيمتهم، كما قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
عَنْكُمْ شَيْئًا) إلى آخر الآية الكريمة، التي يمن الله تعالى فيها على المسلمينَ، ويذكرهم بأنه عز وجل قد نصرهم في وقائع كثيرة فيقول:(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) أي في غزوات كثيرة ما كنتم تؤمّلون فيها بالظفر لقلة عددكم وعتادكم، ونصَركُمْ أيضاً في غزوة حنين الذي أعجبتكم فيها كثرتكم (1)، إذ كنتم اثني عشر ألفاً، وكان الكافرون أربعة آلاف فقط فقال قائلكم: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الهزيمة لكم عقوبة على هذا الغرور، والعُجب، (فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا) أي فلم تكن تلك الكثرة التي غرتكم كافية لانتصاركم (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) أي واشتد عليكما الخوف (2) حتى ضاقت عليكم الأرض، فلم تجدوا فيها موضعاً تلجؤون إليه (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) أي ثم وليتم ظهوركم لعدوكم مدبرين لا تلون على شيء، (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي ثم أنزل الله تعالى من سماء عزته على قلب نبيه والمؤمنين من حوله الشعورَ بالأَمن والهدوء والطمأنينة والارتياح النفسي بعد ما عَرَض لهم من الحزن والقلق عند وقوع الهزيمة لِإخوانهم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض المؤمنين الذين أحاطوا به وهم قلة لا يتجاوزون التسعة، فإنهم ثبتوا كالأَطواد الراسيات. قال الحافظ في الفتح: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: " لقد رأيتنا يوم حنين، وإن الناس لمولين (3)، وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل "، قال الحافظ: " وهذا أكثر ما وقفت عليه (4)، وقال بعض المفسرين معنى قوله تعالى: (وَعَلَى
(1)" تفسير المنار " ج 10.
(2)
" التفسير المنير " ج 1.
(3)
هكذا ذكر هذه الكلمة بالنصب الحافظ في " الفتح "، وقد وقفت على الحديث في " سنن الترمذي " بلفظ " لقد رأينا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان وما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل ". وقال المباركفوري في " التحفة ": قوله: " وإن الفئتين لموليتان " كذا في النسخ الحاضرة. وأشار إلى ما ذكره الحافظ.
(4)
من عدد من ثبت يوم حنين. (ع).
1001 -
عَنِ البرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه وَقَدْ سَألهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ: أفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْن؟ فقَالَ:
"لَكِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفرَّ، كانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً، وِإنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْكَشَفُوا، فأكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فاسْتُقْبِلْنَا بالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأيتُ
ــ
الْمُؤْمِنِينَ) أن الله أنزل السكينة على الفارين وأعاد إليهم ما زال عنهم من الصبر والثبات ورباطة الجأش، ولا سيما عندما سمعوا نداء العباس يدعوهم إلى نبيهم " (وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) " أي أنزل جنوداً روحانية من الملائكة لم تروها بأبصاركم " وعذب الذين كفروا " بالقتل والأسر والسبي " وذلك جزاء الكافرين " في الدنيا ما داموا يستحبّون الكفر على الإِيمان ويقاتلون أهله.
1001 -
معنى الحديث: أن رجلاً من قيس سأل البراء بن عازب هل فرّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة حنين " فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر " يعني أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ثبت ومعه قليل من أصحابه، قال الحافظ: تضمن جواب البراء هذا إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، " كانت هوازن رماة " أي وسبب فرار المسلمين يوم حنين وهزيمتهم أن هوازن كانوا مهرة في رماية السهام " لما حملنا عليهم " أي لما هجمنا عليهم هجوماً عنيفاً " انكشفوا " أي انهزموا هزيمة ظاهرة " فأكببنا على الغنائم " أي فأسرعنا إلى الغنائم، وفي رواية " فأقبل الناس على الغنائم " أي فأقبلوا إليها يأخذونها كما وقع في أحد " فاستُقْبلنا بالسهام " أي فلما أقبلنا على الغنائم، فاجأتنا هوازن بهجوم خاطف، وأمطرتنا بوابل من السهام حيث هجموا عليهم بالنبال فهزموهم، وكان ذلك تأديباً لهم، قال جابر: وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في جوانبه ومضايقه، فوالله ما راعنا إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد منهم على أحد قال: "ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على
النَّبِي صلى الله عليه وسلم على بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وِإنَّ أبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ آخِذٌ بِزَمَامِهَا وَهُو يَقُولُ: أنَا النبي لا كَذِبْ".
ــ
بغلته البيضاء" التي أهداها إليه الجذامي " وإن أبا سفيان " ابن الحارث " آخذ بزمامها " أي ممسك بزمام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم قال جابر: وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال: إِليَّ، أيها الناس، هلم إليَّ أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين وأهل بيته، وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيتة علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه الفضل بن العباس، وأسامة بن زيد، وأيمن بن أم أيمن، وقتل يومئذ، قال " وهو يقول " أي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" أنا النبي لا كذب "
…
أنا ابن عبد المطلب
ولم يذكر الشطر الثاني في هذه الرواية، وذكره في رواية مسلم حيث قال:
" ودعا واستنصر، وهو يقول:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب (1)
اللهم أنزل نصرك.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن حب الدنيا كان دائماً، وفي جميع الظروف والأحوال هو رأس كل خطيئة، وسبب كل هزيمة، فإن المسلمين انهزموا في أحد وفي حنين بسبب إسراعهم إلى الغنائم وانكبابهم عليها، كما قال البراء. " لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببْنا على الغناثم فاسْتُقْبلنا بالسهام " فكانت الهزيمة لنا، ودارت الدوائر علينا، وهناك أيضاً سبب آخَر لهزيمتهم يوم حنين، وهو إعجابهم وغرورهم بكثرتهم كما قال تعالى: (وَيَوْمَ
(1) وقال الخطابي: إنما خصَّ عبد المطلب بالذكر تثبيتاً لنبوته لما اشتهر وعرف من رؤيا عبد المطلب المبشرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولما أنبأت به الأحبار والرهبان من ظهور نبي من أبناء عبد المطلب، فكأنه يقول: أنا ذاك، فلا بد مما وعدت به من النصر، لئلا ينهزموا عنه، ويظنوا أنه مقتول ومغلوب. اهـ. كما أفاده السهيلي.