الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
811 - " بَابُ قِصَّةِ إسْلامِ أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه
"
940 -
عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ أبو ذَرٍّ رضي الله عنه: كُنْتُ رَجُلاً من غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيُّ، فَقُلْتُ لأخِي: انْطَلِقْ إِلى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ، وائْتِني بِخَبَرِهِ، فانْطَلَقَ فلَقِيَه، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: واللهِ لَقَدْ رَأيْتُ رَجُلاً يَأمُرُنَا بالْخَيْرِ، وَيَنْهَى عَن الشَّرِّ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تُشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فأخَذْتُ جرَاباً وعصى، ثم أقْبَلْتُ إلى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لا أعْرِفُهُ، وأكْرَه أنْ أَسْأل عَنْهُ، وأشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وأكونُ في
ــ
في هذا الحديث منقبة عظيمة لقريش، وهي استحقاقهم للخلافة ما أقاموا الدين، واتبعوا سنة سيد المرسلين. الحديث: أخرجه أيضاً النسائي. والمطابقة: في قوله: " إن هذا الأمر في قريش " فإنه منقبة عظيمة لهم.
811 -
" باب قصة إسلام أبي ذر "
940 -
معنى الحديث: يروي لنا ابن عباس رضي الله عنهما هذا الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وهو يتحدث عن قصة إسلامه، فيذكر لنا أنه لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم انتشرت أخباره في قبائل العرب، حتى وصلت إلى قبيلة غفار التي ينتسب إليها أبو ذر، فلما سمع بخروجه صلى الله عليه وسلم أرسل أخاه إلى مكة، ليأتيه بخبره، فلما رجع قال له: ما عندك؟ أي ما الذي عرفته من أخبار محمد وحقيقة دينه، فأقسم بالله أنه رأى رجلاً يأمر بكل خير وينهى عن كل شر، وفي رواية:" رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامٍ ما هو بالشعر " قال: " فقلت له: لم تشفني " أي لم تأتني بالجواب الكافي الشافي. قال: " ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه " أي فجعلتُ نفسي كأني لم آت مكة للتعرف
الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: كأنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْطَلَقَ إلى الْمَنْزِلِ، قَالَ: فانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لا يَسْألنِي عَنْ شَيْءٍ ولا أخْبِرُهُ، فَلَمَّا أصْبَحْتُ، غَدَوْتُ إلى الْمَسْجِدِ، لأسْألَ عَنْهُ، ولَيْسَ أحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فقالَ: أمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ، قَالَ قُلْتُ: لا، قالَ: فانْطَلَقَ مَعِي، قَالَ فَقَالَ: ما أمْرُكَ؟ وما أقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ، إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أخبَرْتُكَ، قَالَ: فَإنِّي أَفعَلُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ، فَأرْسَلْتُ أخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجِعَ ولَمْ يُشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فأرَدْتُ أن ألْقَاهُ، فَقَالَ لهُ، أما إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فاتَّبِعْنِي، ادخُلْ حيثُ أدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأيْتُ أحَداً أخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ
ــ
على النبي صلى الله عليه وسلم " وأكره أن أسأل عنه " أي ولا أريد أن أسأل عنه أحداً خشية أن تعلم قريش " وأشرب من ماء زمزم " أي أكتفي في طعامي وشرابي بماء زمزم، لأني لا أجد غيره كما في رواية مسلم عن عبد الله بن الصامت، أنه قال:" ما كان في طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني "" قال: فمر بي علي " بن أبي طالب صدفة " فقال: كأن الرجل غريب " أي أظنك غريباً " قلت: نعم، فذهب بي إلى المنزل لا يسألني عن شيء " على عادة العرب لا يسألون الضيف عن أمره حتى يخبرهم بنفسه " فلما أصبحت، غدوت إلى المسجد، فمر بي عليٌ " مرة أخرى " فقال: أما نال للرجل يعرف منزله " أي أما آن لك أن تعرف مسكنك الذي تريد النزول فيه، يريد إرشاده إلى ما قدم إليه وقصده " قال: قلت: لا " أي لم أصل إلى شيء حتى الآن " فقال: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة " أي فسأله عن أمره وقصته، فأخبره أبو ذر
إلى الْحَائِطِ كَأنَّي أُصْلِحُ نَعْلِي، وَامْض أنْتَ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلامَ، فَعَرَضَهُ فَأسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي:"يَا أبَا ذَر، اكْتُمْ هذَا الأمْرَ، وارْجِعْ إلى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظهُورُنَا فأقبِلْ "، فَقُلْتُ. وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أظْهُرِهِمْ، فجاءَ إِلى الْمَسْجِدِ وقُرَيْش فِيهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْش إِني أشْهَدُ أن لَا إِلَه لَّا اللهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلى هَذَا الصَّابِىءِ، فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأمُوتَ، فأدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فأكَبَّ علَيَّ، ثمَّ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ، ومَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ على غِفَارٍ، فأقْلَعُوا عَني، فَلَمَّا أن أصْبَحْتُ
ــ
رضي الله عنه بقصته بعد أن وثق به، وهو معنى قوله:" قلت له: بلغنا أنه خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي " إلخ أي يدعى النبوة فأردت أن أتعرف على حقيقته " قال: أما إنك قد رشدت " بفتح الراء والشين أي اهتديت ووصلت إلى مقصودك " هذا وجهي إليه فاتبعني، ادخل حيث أدخل " أي إني متوجه إليه، فاتبعني وسر معي حيث سرت قال:" ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: اعرض عليّ الإِسلام " أي بين لي أركانه وشرائعه " فعرضه فأسلمت مكاني " أي فأسلمت حالاً " فقال لي: يا أبا ذر أكتم هذا الأمر " يعني فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخفاء إسلامه خوفاً عليه من إيذاء قريش له، وحرصاً على سلامته منهم " فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم " أي لأرفعن صوتي بالشهادتين عالياً في وسطهم " فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأعلن إسلامه أمامهم " فقالوا: قوموا إلى هذا الصابىء " أي الخارج عن
الْغَدَ، رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ ما قُلْتُ بالأمْس، فَقَالُوا: قُومُوا إلَى هَذا الصَّابِىءِ، فصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بالأمْس، وأدْرَكَنِي الْعَبّاسُ فَأكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ مِثْل مَقَالَتِهِ بالأمْسِ، قالَ: فَكَانَ هَذَا أوَّلَ إِسْلامِ أبِي ذَرٍّ رحمه الله".
ــ
دينه، المفارق لملة آبائه وأجداده " فضربت لأموت " أي فضربوني ضرباً شديداً قاصدين بذلك قتلي والقضاء علي " فأدركني العباس " يعني فأنقذني منهم العباس رضي الله عنه " فأكب عليَّ " أي ألقى بنفسه عليَّ ليحول بينهم وبيني، وحذرهم من قبيلتي، فقال:" ويلكم تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم وممركم على غفار " أي كيف تقتلون هذا الرجل وهو من غفار فتعرضون قوافلكم التجارية للخطر، حيث أن تجارتكم إنما تمر عليها " فأقلعوا عني " أي تركوه " فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت مثل ما قلت بالأمس " الخ. أي فعاودت مقالتي هذه في صبيحة اليوم الثاني، وعاودت قريش ضربها لي، وأدركني العباس فأنقذني منهم، كما فعل في اليوم الأوّل " قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر " أي كانت هذه قصة دخوله في الإِسلام.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: قصة إسلام أبي ذر وهو الصحابي الجليل جندب بن جنادة بن السكن بن قيس، وقيل: جندب ابن جنادة بن سفيان بن عبيد، ينتهي نسبه إلى غفار، كان من السابقين إلى الإِسلام وكان طويلاً أسمر اللون نحيفاً أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً، وكان يبدأه بالحديث إذا حضر، ويتفقده إذا غاب، وهو من أزهد الصحابة رضي الله عنهم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئته يوم تركته فيها، وإنه والله ما منكم من أحد إلاّ وقد نشب فيها بشيء غيره " أخرجه أحمد في مسنده. ثانياًً: فضل ماء زمزم وما أودع الله فيها من