الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
850 - " بَابُ قتلِ حَمْزَةَ رضي الله عنه
"
992 -
عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ قَالَ لِوَحْشِيٍّ:
ألا تُخْبِرنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ. إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأنْتَ حُرٌّ، قَالَ: فلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاس عَامَ عَيْنَيْنِ -وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ
ــ
تزفر لنا القرب يوم أحد" أي كانت تحمل القرب ملأى على ظهرها فتسقي الناس منها. الحديث: أخرجه البخاري.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: فضل أم سليط تلك الصحابية الجليلة التي ساهمت في الجهاد بخدمة المسلمين يوم أحد، وحمل الماء على ظهرها لتسقي المجاهدين، فسجل لها التاريخ ذلك وشهد لها عمر رضي الله عنه بهذه المنقبة العظيمة، التي فضّلها بها على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياًً: توجيه النصح وتقديم المشورة إلى إمام المسلمين، لا سيما ممن حوله من الوزراء والكتاب ونحوهم. والمطابقة: في قوله: " أم سليط (1) أحق بها منها ".
850 -
" باب قتل حمزة رضي الله عنه "
992 -
ترجمة راوي الحديث: وهو عبيد الله - بالتصغير ابن عدي بن الخيار النوفلي القرشي، ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال العجلي: تابعي ثقة من كبار التابعين، روى عن عمر وعثمان وعلي، وتوفي بالمدينة في خلافة الوليد ابن عبد الملك.
معنى الحديث: أن عبيد الله بن الخيار سأل وحشياً أن يحدثه عن قتل حمزة ابن عبد المطلب رضي الله عنه، فقال وحشي: إن حمزة قتل طعيمة بن عدي
(1) بفتح السين وكسر اللام اشتهرت بكنيها، ولا يعرف اسمها كما أفاده العيني.
أُحُدٍ، بَيْنَه وبَيْنَه وَادٍ- خَرَجْت مَعَ الناسِ إلى القِتَالِ، فَلَمَّا أنْ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هَلْ من مُبَارِزٍ؟ قَال: فَخَرَجَ إليْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: يَا سِبَاعُ يا ابْنَ أمِّ أنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ، أتحَادُّ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: ثمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كأمْس الذَّاهِبِ، قَالَ: وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فأضَعُهَا في ثُنَّتِهِ، حتى خَرَجت مِنْ بَيْن وَرِكَيْهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ، فلمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْت مَعَهُمْ، فأقَمْتُ بِمَكَّةَ حتَّى فشا فيها الإسْلامُ، ثمَّ خَرَجت إلى الطَّائِفِ، فأرْسَلُوا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً، فَقِيْلَ لي: إِنَّه لا يَهِيجُ الرُّسُلَ، فخَرَجُتُ مَعَهُمْ حتى قَدِمْتُ على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلما رَآنِي قَالَ: آنْتَ وَحْشِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أنْتَ قَتَلْتَ
ــ
في غزوة بدر، وهو عم جبير بن مطعم وكان وحشي عبداً له قال:" فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر " أي فوعده سيده بعتقه إن قتل حمزة رضي الله عنه " قال: فلما أن خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بجيال أحد " أي فلما خرج الناس للقتال في غزوة أحد " خرجت مع الناس " أي خرجت معهم وأنا حريص على قتل حمزة، لكي أظفر بعتق رقبتي " فلما أن اصطفوا للقتال، خرج سباع " أي سباع بن عبد العزى بكسر السين وفتح الباء المخففة " فقال: هل من مبارز، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا ابن أم أنمار مقطعة البظور (1) " يعيره بأمه، وكانت جارية مملوكة تختن النساء " أتحاد الله ورسوله " أي أتتجرأ على معاداتهما " فشد عليه فكان كأمس الذاهب " أي فهجم عليه فأزاله عن الحياة زوال الأمس عن اليوم "قال:
(1) البظور بضم والظاء جمع بظر وهو اللحمة التي تقطع من فرج المرأة.
حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأمْرِ مَا قَدْ بَلَغَكَ، قالَ: فَهَل تَسْتَطِيعُ أنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ مُسَيْلَمَةُ الكَذَّابُ قُلْتُ: لأخْرُجَنَّ إلى مُسَيْلَمَةَ لَعَلِّي أقْتُلُهُ فأكَافِىءَ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ من أمْرِهِ مَا كَانَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ في ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأنَّهُ جَمَلٌ أوْرَقُ، ثَائِرُ الرَّأسِ، قَالَ: فرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فأضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ كَتِفَيْهِ، قَالَ: وَوَثب إلَيْهِ رَجُل مِنَ الأنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بالسيفِ على هَامَتِهِ".
ــ
وكمنت لحمزة" أي اختبأت له " فأضعها في ثُنَّتِه " أي فرميته بالحربة فوضعها في ثُنَّته أي ما بين السرة والعانة " حتى خرجت من وركيه " تثنية ورك، بفتح الواو وكسر الراء "(1)، قال في " المصباح ": وهما وركان فوق الفخذين كالكتفين فوق العضدين، قال:" ثم خرجت إلى الطائف " وذلك بعد فتح مكة " فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً " أي فأرسل أهل الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً، وفي رواية أخرى رسلاً " فقيل لي إنه لا يهيج الرُّسل "(2) أي لا يصيبهم بمكروه " فخرجت معهم " إليه، "قال: أنت قتلت حمزة " مرتين " قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك " أي قد وقع مني قتل حمزة كما بلغك عني " قال: فهل تستطيع أن تغيّب وجهك عني " يعني: فطلب منه أن لا يواجهه خوفاً من أن يثير مشاعره عليه، قال: " فخرج مسيلمة الكذاب فقلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله، فأكافىء وبه حمزة " أي أقابل السيئة بالحسنة، فتكون هذه بهذه. " فخرجت مع الناس " إلى اليمامة "فإذا رجل قائم في ثلمة
(1) قال في " المصباح ": ويجوز التخفيف بكسر الواو وسكون الراء. اهـ.
(2)
وفي رواية لا يهيج رسولاً بالإفراد.
جدار" أي في ثقب جدار متهدم " وكأنه جمل أورق " أي كأنه في سماره جمل رمادي اللون " فأضعها بين ثدييه " أي فرميته بالحربة فأصبته في صدره بين ثدييه، قال: " ووثب إليه رجل من الأنصار " وهو عبد الله بن زيد " فضربه بالسيف على هامته " أي على رأسه فكانت القاضية عليه.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: بيان مقتل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، كان رضي الله عنه فارساً عظيماً في الجاهلية والإِسلام (1) وكانت قصة إسلامه مثلاً رائعاً للبطولة الفذة، فقد اعترض أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم عند الصفا وشتمه، ونال منه، فسمع حمزة بذلك، فأقبل نحوه حتى إذا أقام على رأسه ضربه بقوسه، فشجه شجَّةً منكرة، فقام رجال من بني مخزوم يناصرون أبا جهل وقالوا: ما نراك يا حمزة إلاّ قد صبوت، قال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي الحق، أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين، وهكذا تحداهم البطل جميعاً، وجبن أبو جهل فقال: دعوا أبا عمارة، وأسلم حمزة في السنة الثانية من البعثة، ولازم نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بدراً وأبلى في ذلك بلاء عظيماً، وقتل شيبة بن ربيعة وطعيمة ابن عدي، وهو الذي أوغر عليه صدر جبير بن مطعم، وهند بنت عتبة، ودفعهما لأخذ الثأر منه، فأوعز جبير إلى مولاه وحشي بقتل حمزة، ووعده بعتق رقبته مكافأة له على ذلك، فتم أمر الله، ونفذ قضاؤه، فاستشهد البطل على يد ذلك العبد الحبشي، ولم يقتل مواجهة ولا مبارزة، فما كان لوحشي أن ينال من سيد الفوارس شعرة لو واجهه، ولكن حمزة كما قال الدكتور هيكل لم يُصرع كما تصرع (2) الأبطال، وإنما كما يغتال الكرام في حلك الظلام، وما
(1)" غزوة أحد " لمحمد أحمد باشميل.
(2)
" حياة محمد صلى الله عليه وسلم " للدكتور محمد حسين هيكل.