الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
847 - " بَابُ قتلِ كَعْب بن الأَشْرَفِ
"
987 -
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسولَهُ، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ أتحِبُّ أن أقتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أن أَقُولَ شَيْئاً، قَالَ: قُلْ، فَأتاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلنَا صَدَقَةً وَإنَّهُ قَدْ عَنَّانا، وَإنِّي قَدْ
ــ
النضير بالرسول صلى الله عليه وسلم إنما وقعت حين ذهب إليهم يطلب منهم مساعدته في دية الرجلين الذين قتلا من بني عامر، وهما إنما قتلا بعد أحد لا قبلها، وكانت نهاية أمرهم الجلاء عن المدينة، وقد أنزل الله تعالى في شأنهم سورة الحشر، ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يسميها سورة بني النضير. أما بنو قريظة فإنهم كما في حديث الباب لما نقضوا العهد قتلوا وصودرت أموالهم، وسبيت ذراريهم ونساؤهم كما سيأتي. والمطابقة: في قوله: " فأجلى بني النضير ".
847 -
" باب قتل كعب بن الأشرف "
ولم يكن كعب يهودياً، ولكنه كان عربياً نبهانياً، وأخواله من بني النضير، وهم بطن من طيء، وكان طويلاً جسيماً ذا بطن وهامة، وكان وسيماً جميل الصورة كما يدل عليه الحديث.
987 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ندب أصحابه ودعاهم إلى قتل كعب بن الأشرف، فقال:" من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله " أي من يقتله منكم، ويريحنا من شره وأذاه، ويفوز بأجر ذلك وثوابه، فإنه استحق ذلك لشدة إيذائه لله ورسوله، فتصدى لذلك محمد بن مسلمة غير أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في أن يقول لكعب كلاماً ظاهره
أتَيْتُكَ أسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأيضاً واللهِ لَتَمَلُنَّهُ، قَالَ: فَإِنَّا قد اتَبّعْنَاهُ فلا نُحِبُّ أنْ نَدَعَهُ حتَّى نَنْظرُ إلى أي شَيْء يَصِيرُ شَأنُهُ، وقد أرَدْنَا أن تُسْلِفَنَا وَسْقاً أوْ وَسْقَيْنِ، فَقَالَ: نَعَمْ ارْهَنُوني، قَالُوا: أيُّ شَيْء تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وأنت أجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أبْنَاءكُمْ، قالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ، أحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بوَسق (1) أو وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، ولَكِنَّا نَرْهَنُك اللأمَةَ، فوَاعَدَهُ أن يأتِيَهُ، فَجَاءَهُ لَيْلاً، وَمَعَهُ أبو نَائِلَةَ، وَهُوَ أخُو كَعْب،
ــ
العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم احتيالاً عليه، فأذن له صلى الله عليه وسلم بذلك، قال في الحديث " فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة " أي إن محمداً قد فرض علينا هذه الصدقة التي طلبها منا وسمّاها زكاة " وإنه قد عنانا " أي أثقل علينا " وإني أتيتك أستسلفك " أي جئتك لأشتري منك الطعام بالدَّين " قال: وأيضاً والله لتملَّنّهُ " أي فوجد كعب الفرصة سانحة للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم والنيل منه فقال: والله لترين من محمد الشيء الكثير حتى تمله وتكرهه وتجزع منه " قال: فإنا قد ابتعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه " أي إننا ننتظر ما يكون من شأنه ونترقب ذلك " فقال: نعم ارهنوني " أي إذا أردتم أن أسلفكم، فادفعوا لي رهناً، وعرض عليهم أن يرهنوه نساءهم، فاعتذروا وقالوا كما في رواية ابن سعد: وأي امرأة تُمنَعَ منك لجمالك، ثم عرض عليهم أن يرهنوه أبناءهم، فاعتذروا بأن ذلك يسيء إلى سمعتهم، ويكون سبة وعاراً عليهم، وعرضوا عليه أن يرهنوه اللامة، وفسرها سفيان بأنها السلاح قال: نعم، وأرادوا بذلك أن لا ينكر عليهم إذا جاؤوه بالسلاح، ولا يشك فيهم
(1) والوسق ستون صاعاً.
من الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إلى الْحِصْنِ، فنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امرَأتُهُ: أيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وأخِي أبو نَائِلَةَ، وَقَالَ غيرُ عَمْرو: قَالَت: أسْمَعُ صَوْتاً كَأنَّهُ يَقْطرٌ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إنَّمَا هُوَ أخِي مُحَمَّد بْن مسلِمَة وَرَضِيعِي أبو نَائِلَةَ، إِنَّ الكَرِيمَ لَوْ دُعِي إلى طَعْنَةٍ بِليل لأجَابَ، وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ، قَال عَمرو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ: إذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِل بِشَعَرِهِ فَأشَمُّهُ، فَإِذَا رَأيْتُمُونِي استمكَنْتُ مِنْ رَأسِهِ فدُوُنكُمْ فاضْرِبُوهُ، وَقَالَ مَرَّةً: ثم أُشِمُّكُمْ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحاً، وَهُو يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأيتُ كَالْيَومِ رِيحاً، أي أطْيَبَ، وَقَالَ غَيْرُ عمرو: قَالَ: عِنْدِي أعْطرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وأكمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ عَمْروٌ فَقَالَ: أتَأذَنُ لي أنْ أشُمَّ رَأسَكَ، قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثم أشَمَّ أصْحَابَهُ، ثم قَالَ أتَأذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فَأخبَرُوهُ".
ــ
" فواعده " محمد بن مسلمة " أن يأتيه، فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة " ولهذا صحبه معه " فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة " المتأخرة من الليل " وقال: غير عمرو قالت: أسمع صوتاً كأنه يقطر من الدم " أي صوت عدوٍ يريدك " قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة " أي وأخي من الرضاعة أبو نائلة ثم قال: " إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب " أي إن الكريم يجيب من دعاه بالليل، ولا يتأخر عنه، ولو كان في ذلك الخطر على حياته " ويدخل محمد معه رجلين " أي فدخل عليه محمد بن مسلمة، وأدخل معه رجلين والظاهر أنّهما أبو نائلة وعباد بن بشر " فقال ": محمد بن مسلمة " ما رأيت كاليوم ريحاً " أي ما شممت أطيب
من هذه الرائحة ولا أعطر منها " قال: عندي أعطر نساء العرب " أي أطيبهن عطراً " فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه ثم أشم أصحابه " ثم تركه وشغله بالحديث قليلاً " ثم قال أتأذن لي " أن أشمك مرة أخرى " قال: نعم فلما استمكن منه قال دونكم " أي أخذ بفودي رأسه، وأمسك بشعره، وتمكن منه، فقال: اضربوا عدو الله، فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه. قال: وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلاّ وقد أوقدت عليه نار.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: كيف تم قتل كعب ابن الأشرف النبهاني بتدبير محكم، وحيلة ودهاء على يد الصحابي الجليل محمد ابن مسلمة ورفاقه، وكان ذلك في شهر ربيع الأوّل من السنة الثالثة من الهجرة يولية سنة 624 م. وقد أستنكر بعض المستشرقين اغتيال كعب بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه استحق ذلك، لأنه خان وغدر، ونقض العهد، ودفعه الغرور بثروته وجاهه وقدرته الشعرية إلى هجو النبي صلى الله عليه وسلم بأفظع الهجاء، بعد أن عاهده مع أخواله من اليهود فنقض العهد ونشط يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشعاره، ورحل إلى مكة يبث الدعوة للقتال، قال موسى بن عقبة: وكان كعب بن الأشرف، قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فاستقواهم، وقال له أبو سفيان وهو بمكة: أناشدك الله أديننا أحب إلى الله أم (1) دين محمد وأصحابه؟ فقال له كعب: أنتم أهدى منهم سبيلاً، فأنزل الله على رسوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) ولم يخرج من مكة حتى أجمع أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يشبب بأم الفضل بنت الحارث وبغيرها من نساء المسلمين، وروي أن كعب بن الأشرف صنع طعاماً (2)، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إليه،
(1)" البداية والنهاية "" شرح العيني على البخاري ".
(2)
" فتح الباري " ج 7.