الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتابُ الْمَغازِي
"
842 - " بَابُ قِصَّةِ غَزْوة بَدر
"
ــ
كتاب المغازي
842 -
" باب قصة بدر "
وبدر: قرية على طريق المدينة مكة، على بعد مائة وخمسين كم من المدينة، وكانت هذه الغزوة يوم الجمعة الموافق للسابع عشر من رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من الهجرة النبوية سنة 624 م وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان مقبلاً في عير تجارية لقريش قُدِّرَ رأسُ مالها بعشرين ألف جنيه (1) ومعها ثلاثون أو أربعون رجلاً، فندب المسلمين إليها، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، وكان يقصد من وراء ذلك أن يستولي على هذه الأموال تعويضاً للمسلمين عن الأموال التي أخذها المشركون من المهاجرين، وأن يضعف الناحية الاقتصادية لقريش، لارتباطها الوثيق بالناحية العسكرية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن خرج معه في الثامن من رمضان وكلف ابن أمّ مكتوم أن يصلي بالناس في المدينة وعين أبا لبابة والياً عليها، وعلم أبو سفيان بخروجه صلى الله عليه وسلم، فحذره ومال بالعير إلى الساحل واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالاً ليأتي إلى مكة ويستنفر قريشاً، فخرجوا مسرعين، ولم يتخلف منهم إلاّ أبو لهب، وكان أبو سفيان قد أحس أن هناك أمراً يدبر له من قبل محمد صلى الله عليه وسلم، فسار بالقافلة على ساحل البحر حتى نجا بها، وخرجت قريش بقوتها وفرسانها، لتشفي غليلها، وتحمي عيرها، وكان أبو جهل يبذل كل جهده في تحريضها، وكان
(1)" محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " للأستاذ محمد رضا.
عددهم ألفاً، معهم مائة فرس وسبعمائة بعير، وهم في غاية البطر والخيلاء، معتمدين على قوتهم، وكثرة عددهم، وجاءهم رسول أبي سفيان يخبرهم أنه نجا بالعير، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نأتي بدراً، فنقيم هناك ثلاث ليال، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبداً. وخرج صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً وليس معهم من الإِبل سوى سبعين ومعهم فرسان فقط، وكان معهم رايتان سوداوان راية المهاجرين ويحملها علي رضي الله عنه، وراية الأنصار ويحملها رجل منهم، وكان اللواء الأبيض يتلألأ خفاقاً بيد مصعب بن عمير، فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم وادي الصفراء، علم أن أبا سفيان قد نجا بعيره، وأن قريشاً قد أقبلت لقتال المسلمين فاستشار أصحابه، فقال: إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فماذا تقولون؟ فنهض من المهاجرين المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله، فنحن معك، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:(فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا) ولكنا نقول لك: إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ما دامت فينا عين تطرف. فوالله الذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغماد لَسِرْنَا مَعَكَ.
وكان صلى الله عليه وسلم: قد أراد أن يتعرف على رأي الأنصار لأن المعاهدة التي عقدها معهم في بيعة العقبة إنما تنص على حمايته في المدينة فهو لا يريد منهم أن يخرجوا معه إلى حرب خارج المدينة إلاّ بمحض إرادتهم واختيارهم، وأدرك الأنصار ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الاستشارة، فوقف رئيسهم سعد بن معاذ، وقال: لعلك تريدنا معاشر الأنصار؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم فقال سعد: قد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، ولعلك تخشى أن يكون الأنصار لا ينصروك إلاّ في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار: فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك والذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا
رجل واحد، وما نكره أن تلقي بنا عدونا غداً، وإنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله. فزاد سرور النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، العير أو النفير، فوالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. وبنوا للنبي صلى الله عليه وسلم عريشاً يكون فيه، ورأى صلى الله عليه وسلم قريشاً مقبلة من الكثيب فقال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك، وتكذّب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني، وحاول حكيم بن حزام أن تعود قريش إلى مكة دون حرب، فأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد هل لك أن لا تزال تذكر بخير إلى آخر الدهر، قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، فقام عتبة بن ربيعة خطيباً فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه، أو ابن خاله، أو من عشيرته، فارجعوا فخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وأرسل إلى عامر بن الحضرمي يحثه على الأخذ بثأر أخيه، فصاح عامر: واعمراه واعمراه، فحميت الحرب وبدأ القتال بالمبارزة، فخرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فخرج إليهم فتية من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم حاجة، يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فبارز عبيدة وهو أسن القوم عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز عليٌّ الوليد بن عتبة، فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة حتى قتله، وأما عليٌّ فلم يمهل الوليد حتى قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فأجهزا عليه، ثم التقى الفريقان وتزاحف الناس، ونظّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش، ورتب الصفوف، ودخل إلى العريش يناشد ربّه ما وعده من النصر، وهو يقول:" اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد "، وأبو بكر يقول: يا نبي الله بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك وخرج صلى الله عليه وسلم يحرّض الناس