الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
729 - " بَابٌ كَيْف يَكْتُبُ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فُلانُ بنُ فُلان، وفلانُ بْنُ فلان، وإنْ لَمْ يَنْسُبهُ إلى قبيلَتِهِ أو نسَبِهِ
"
829 -
عنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ:
"اعْتَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم في ذِي الْقَعْدَة، فأبَى أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حتَّى قَاضَاهُمْ علَى أنْ يقيمَ بِهَا ثَلَاَثةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كتبُوا الْكِتَابَ
ــ
لشبهة دخلت عليهما، وكلتاهما عند نفسها محقة، فالواجب إزالة الشبهة فإن أصرتا على القتال، ولم ترجعا إلى الحق، فهما باغيتان يجب قتالهما (1). اهـ. كما أفاده القرطبي في " تفسيره ". والمطابقة: في قوله " اذهبوا بنا نصلح بينهم ".
729 -
" باب كيف يكتب هذا ما صالح عليه فلانُ بن فلان فلانَ بن فلان "
829 -
معنى الحديث: يقول البراء رضي الله عنه: " اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة " أي خرج صلى الله عليه وسلم في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة إلى مكة معتمراً، " فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة " أي فلما وصل صلى الله عليه وسلم الحديبية صده كفار قريش. ومنعوه من دخول مكة، وحالوا بينة وبين العمرة في تلك السنة، فعقد معهم النبي صلى الله عليه وسلم صلحاً وهدنة لمدة عشر سنوات على شروط معينة، منها أن يعود إلى المدينة ذلك العام دون عمرة على أن يعتمر من العام القابل، وأن يدخلوا مكة وسلاح كل واحد منهم في قرابه، أي في جعبته، وأن لا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام وهو معنى قوله:" حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام " أي: حتى صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يعتمر من العام القابل، ولا يقيم بمكة أكثر من ثلاثة أيام، وأن لا
(1)" تفسير القرطبي " ج 16.
كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: لا نُقِرُّ بِهَا، فلوْ نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ، لَكِنْ أنتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: أُنا رَسُولُ اللهِ، وأُنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ اللهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ، امْحُ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: لا واللهِ لا أمْحُوكَ أبَداً، فَأخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، لا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحٌ إلا في القِرَابِ، وأنْ لا يَخْرُجَ مِنْ أهلِهَا بأحَدٍ إِنْ أرادَ أن يَتَّبِعَهُ، وأن لا يَمْنَعَ أحَداً مِنْ أصْحَابِهِ أرادَ أنْ يُقِيمَ بِهَا، فلمَّا دَخَلَهَا ومضى الأجَلُ، أتَوْا
ــ
يأتيه أحد منهم أثناء الهدنة إلا رده إليهم، وأن لا يمنع أحداً من أصحابه يريد الإِقامة بمكة أن يقيم بها، " قال البراء: فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه " أي هذا هو العهد الذي صالح عليه وعقده " محمد رسول الله، فقالوا: لا نقر بها، فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك " أي لو كنا نعلم ونؤمن برسالتك ما منعناك عن البيت، " ولكن أنت محمد بن عبد الله " أي: ولكن الذي نعرفه عنك أنك محمد بن عبد الله - الذي هو اسمك واسم أبيك المعروف عندنا، " فقال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله "، فلا مانع من استبدال هذا بذاك، " ثم قال لعلي: امح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحوك " أي لا أمحو عنك صفة الرسالة، فأنت رسول الله حقاً وصدقاً " فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله " أي ما صالح عليه " لا يدخل مكة سلاح إلّا في القراب "، أي إلا في جعبته، " وأن لا يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه "، وفي رواية وعلى أن لا يأتيك منا رجل هو على دينك إلا رددته إلينا، " وأن لا يمنع أحداً من أصحابه أراد أن يقيم بها " أي بمكة، "فلما
عَلِيَّاً، فقالُوا: قُلْ لصاحِبِكَ: اخْرُجْ عنَّا فَقَدْ مَضَى الأجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَبِعَتْهُمْ ابنَةُ حَمْزَةَ: يا عَمِّ يا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عليُّ رضي الله عنه، فأخَذَ بِيَدِهَا، وقَالَ لِفَاطِمَةَ: دونَكِ ابنةَ عَمِّكِ احمِلِيهَا، فاخْتَصَمَ فيها عَلِيٌّ وزيْدٌ وجَعْفَرُ، فقالَ عَلِى: أنَا أحَقُّ بِهَا وهي ابنةُ عَمِّي، وقال جَعْفَرُ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالتهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أخِي، فقَضَى بِهَا النبي صلى الله عليه وسلم لخَالَتِهَا، وَقَالَ:" الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأمِّ " وَقَالَ لِعَلِي: أنتَ مِنِّي وَأنَا مِنْكَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَقَالَ لِزَيْدٍْ: أنْتَ أخونَا وَمَوْلَانا".
ــ
دخلها ومضى الأجل أتوا علياً، فقالوا: قل لصاحبك أخرج عنا، فقد مضى الأجل "، أي فلما دخلها صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، وانتهت ثلاثة أيام جاءوا إلى علي بن أبي طالب وطلبوا منه أن يبلغ صاحبه بالرحيل، " فتبعتهم ابنة حمزة " بن عبد المطلب واسمها أمامة تريد أن ترحل معهم، " فتناولها علي بن أبي طالب، فأخذها بيدها وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك " أي خذيها، " فاختصم فيها علي وزيد وجعفر " وأراد كل واحد منهم أن يأخذها، فأمّا زيد فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين حمزة، وأما علي فلأنها ابنة عمه، وأما جعفر فهي بنت عمه وزوجته خالتها. قال البراء: " فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال:" الخالة بمنزلة الأم " أي فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بحضانتها لخالتها أسماء بنت عميس زوجة جعفر رضي الله عنهما، لأن الخالة بمنزلة الأم في المحبة " وقال لعلي أنت مني " في النسب والمحبة والأسبقية إلى الإِسلام إلى غير ذلك من الفضائل " وقال لجعفر: أشبهت خلقي " بفتح الخاء وسكون اللام، وهو الصورة الظاهرة " وخلقي " بضم الخاء واللام، وهو الصورة الباطنة من الأخلاق والفضائل " وقال لزيد أنت أخونا ومولانا " أي أخونا
في الإِسلام وعتيقنا، والولاء لحمة كلحمة النسب.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: مشروعية الصلح مع الكفار، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات السياسية والعسكرية. معهم لصالح المسلمين، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حيث صالحهم هذا الصلح الذي كان فتحاً عظيماً للمسلمين على الرغم مما وقع فيه من تنازلات عظيمة ثم إن هذا الصلح كان بأمر إلهي لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، فلا يحق لأحد أن يقول كيف فعل كذا. ثانياًً: أن عقد الصلح يكون بصيغة المصالحة الصريحة كقوله: هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان، وهو ما ترجم له البخاري، أو بما يدل على المصالحة كما في نص الحديث. ثالثاً: جواز المصالحة مع المحاربين لمدة محدودة، وهو ما يسمى في التعبير الحديث بالهدنة المؤقتة، قال العيني: واختلفوا في المدة، فقيل لا تتجاوز عشر سنين، وبه قال الشافعي والجمهور.
رابعاً: قال القسطلاني: واستنبط منه أن الخالة مقدمة في الحضانة على العمة، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها لخالتها مع وجود عمتها صفية بنت عبد المطلب.
هذا وقد اختلف العلماء في الخالة والأخت أيهما أولى بالحضانة، فقال أبو حنيفة: الأخت من الأم أولى من الأخت من الأب ومن الخالة، والخالة أولى من الأخت من الأب، وقال الشافعي وأحمد: الأخت من الأب أولى من الأخت من الأم ومن الخالة، وقال مالك: الخالة أولى من الأخت مطلقاً.
والأخت من الأم أولى من الأخت من الأب (1). والمطابقة: في قوله " ما قاضي عليه محمد بن عبد الله " الحديث: أخرجه الشيخان.
…
(1)" الإفصاح عن معاني الصحاح " لابن هبيرة الحنبلي ج 2.