الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
735 - " بَابٌ لا وَصِيةَ لِوَارِثٍ
"
836 -
عنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ:
" كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ ما أحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأنثيينِ، وجَعَلَ لِلأبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وجَعَلَ لِلْمَرْأةِ الثمُنَ والربُعَ، وَلِلْزَوْجِ الشَّطر والربُعَ ".
ــ
" لا " فقال سعد. فالشطر، قال:" لا " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " وأما اختلافهم في جواز الوصية بأكثر من الثلث لمن لا وارث له (1) فإن مالكاً لا يجيز ذلك، وكذلك الأوزاعي، واختلف فيه قول أحمد، وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحاق، وهو قول ابن مسعود، وسبب الخلاف هل هذا الحكم خاص بالعلة التي علله بها الشارع؟ أم ليس بخاص؟ وهو أن لا يترك ورثته عالة يتكففون الناس كما قال عليه الصلاة والسلام، فمن جعل هذا الحكم خاصاً بما فيه هذه العلة وجب أن يرتفع الحكم بارتفاعها، ومن جعل الحكم عبادة -أي حكماً تعبدياً- وإن كان قد علل بعلة أو جعل جميع المسلمين بمنزلة الورثة، قال: لا تجوز الوصية إطلاقاً بأكثر من الثلث. ثانياً: أن الوصية بأقل من الثلث أفضل، وقد قال بهذا كثير من السلف كما أفاده ابن رشد.
والمطابقة: في قوله صلى الله عليه وسلم " الثلث، والثلث كثير ".
735 -
" باب لا وصية لوارث "
836 -
معنى الحديث: يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " كان المال للولد ". أي كان مال الميت كله لولده لا يشاركه فيه زوجة ولا غيرها،
(1)" بداية المجتهد " لابن رشد ج 2.
ولا أب ولا أمّ لا وكانت الوصية للوالدين " أي وكانت الوصية في أوّل الإِسلام مشروعة للأبوين دون الأولاد، " فنسخ الله من ذلك ما أحب " أي فلما نزلت آية المواريث، نسخ الله ما شاء من الأحكام السابقة، فنسخت الوصية للورثة من الوالدين وغيرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث " ونُسِخَ أيضاً تخصيص الولد بالميراث دون البنت، وأشركها مع الولد بقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فجعل لها سهماً، وللولد سهمين، " وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس " أي وفرض لكل واحد من الأبوين السدس عند وجود الولد من الصلب، أو ولد الولد، واحداً، أو متعدداً، فإن كان للميت بنت أو بنت ابن فإن للأم السدس أيضاً لا يزيد ميراثها عنه لوجود الفرع الوارث، وأما الأب فإنه في هذه الحالة يكون له السدس فرضاً وما تبقى عن أصحاب الفرائض تعصيباً، وقد لا يبقى له شيء، فلا يرث إلاّ سدس الفرض، " وجعل للمرأة الثمن " كما أي وفرض للزوجة عند وجود الفرع الوارث ذكراً أو أنثى الثمن كما قال تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) " والربع " أي وفرض للزوجة الربع عند عدم الفرع الوارث ذكراً كان أو أنثى فقال سبحانه: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) " وللزوج الشطر "، أي وفرض للزوج النصف عند عدم الفرع الوارث ذكراً أو أنثى، فقال سبحانه: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ)، " والربع " عند وجوده فقال: (فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ).
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الميراث كله كان خاصاً بالولد لا يشاركه فيه غيره، ولا يرث معه سواه، فنسخ الله ذلك، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، فأشرك معه البنت في الميراث، فجعل لها سهماً وجعل له سهمين. وأشرك معه الزوجة والزوج أيضاً. ثانياً: أن الأم ترث السدس عند وجود الفرع الوارث ذكراً كان أو أنثى، سواء كان ولداً
أو بنتاً وولد ولد أو بنت ولد، لقوله تعالى:(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)، وسواء كان واحداً أو أكثر. مثال ذلك: إذا كان للميت بنت، وبنت ابن، وأخت شقيقة، وأم، فللأم السدس لوجود الفرع الوارث وهو البنت، وللبنت النصف، ولبنت الابن السدس (1)، وللأخت الشقيقة الباقي. ويختلف ميراث الأم بحسب اختلاف الأحوال، فترث السدس في حالتين: الأولى عند وجود الفرع الوارث كما تقدم. الثانية عند وجود الأخوة اثنان فصاعداً، ذكوراً أو إناثاً أو مختلفين، وقد أجمع الأئمة الأربعة على أن الأخوين أو الأختين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، خلافاً لابن عباس رضي الله عنهما، فإنه كان يرى أنه لا يحجبها إلى السدس إلا ثلاثة فأكثر لقوله تعالى:(فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) واتفق أهل العلم ما عدا ابن عباس رضي الله عنهما على أن للأم السدس عند وجود الإِخوة أو الأخوات اثنين فصاعدا أشقاء أو لأب وأم، أو مختلفين. مثال ذلك: إذا خلّف الميت أختين وأماً وعماً. فإن للأختين الثلثين، وللأم السدس فرضاً، وللعم الباقي تعصيباً. وترث الأم الثلث عند عدم الفرع الوارث والأب والإِخوة والزوجين، لقوله تعالى:(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) مثال ذلك: إذا خلّف الميت أبوين فقط، فإن للأم الثلث فرضاً وللأب الباقي تعصيباً، لأن الله تعالى قد أضاف المال لهما، ثم جعل للأم الثلث فكان الباقي للأب تعصيباً (2). وترث الأم ثلث الباقي بعد الفرض إذا كانت مع الأب وأحد الزوجين ولم يكن له إخوة، ولا فرع وارث. مثال ذلك: إذا خلّف الميت أباً وأماً وزوجة، فللزوجة الربع فرضاً، وللأم ثلث ما بقى بعد فرض الزوجة
(1) تتمة للثلثين، أي للبنت وبنت الابن ثلثان، فلما استحقت البنت النصف بقي لبنت الابن السدس تتمة الفرض.
(2)
" شرح عمدة الفقه " للمقدسي.
فرضاً، وللأب الباقي تعصيباً. ثالثاً: أن الأب يرث السدس إذا كان للميت ولد ذكر، أو ولد ولد واحداً كان أو أكثر، لقوله تعالى:(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) ولقوله في حديث الباب: " وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس "، ويختلف ميراث الأب باختلاف الأحوال، فيرث السدس عند وجود الولد. ويكون عصبة فقط عند عدم الفرع الوارث ذكراً كان أو أنثى. مثال ذلك: إذا خلّف الميت أباً وزوجة فقط، فللزوجة الربع فرضاً، وللأب الباقي تعصيباً. ويرث الأب فرضاً وتعصيباً معاً: إذا اجتمع مع إناث الولد - أي إذا كان للميت بنت أو بنات أو بنت ولد أو بنات ولد. فيكون له السدس فرضاً والباقي تعصيباً، مثال ذلك: إذا خلّف الميت أباً وبنتاً فقط، فللبنت النصف فرضاً، وللأب السدس فرضاً والباقي تعصيباً لقوله صلى الله عليه وسلم:" ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " متفق عليه، فالأب أولى رجل ذكر بعد الابن وابنه (1).
رابعاً: أن للزوج الربع عند وجود الفرع الوارث " وهو أولاد الميت ذكوراً وإناثاً وإن نزلوا (2) وله النصف عند عدمه، وللزوجة الثمن عند وجود الفرع الوارث، والربع عند عدمه. خامساً: دل الحديث على أن لا وصية لوارث، قال ابن المنذر: " تبطل الوصية للوارث عند أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى أنّها لا تجوز، ولو أجازها الورثة، وهو قول أهل الظاهر، واتفق مالك (3) والثوري والكوفيون والشافعي على أن الورثة إذا أجازوا ذلك بعد وفاته لزمهم. والمطابقة: في قوله " كانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب " الحديث: أخرجه البخاري.
(1)" شرح عمدة الفقه " للمقدسي.
(2)
" الرائد في الفرائض " للدكتور الخطراوي.
(3)
" شرح العيني على البخاري " ج 14.