الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
858 - " بَابُ وَفْدِ بَني حَنِيفَةَ وَحَديثِ ثُمَامَةَ بْنِ أثالٍ
"
1002 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم -خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُل مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيةٍ مِنْ سَوارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" ما عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: عِنْدِي خَيْر يا مُحَمَّدُ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وِإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شاكِرٍ، وإِنْ كُنْتَ ترِيدُ الْمَالَ
ــ
حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا). ثانياًً: أن قوله صلى الله عليه وسلم " أنا النبي لا كذب " لا يقتضي كونه شاعراً، لأنّه خرج منه هكذا موزوناً ولم يقصد به الشعر، أو أنه لغيره وتمثل به، وإنه كان:
أنت النبي لا كذب
…
أنت ابن عبد المطلب (1)
والمطابقة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرَّ " الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي.
858 -
" باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (2) "
1002 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل فرساناً إلى نجد بقيادة محمد بن مسلمة في العاشر من محرم سنة ست من الهجرة ليقاتلوا أحياء بني بكر الذين منهم بنو حنيفة، فأغاروا عليهم، وهزموهم، وأسروا ثمامة بن أثال وأتوا به إلى المدينة، وربطوه إلى سارية من سواري المسجد النبوي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندك: أي ماذا تظن أني فاعل بك " قال: عندي خير " أي لا أظن بك، ولا أؤمل منك إلا الخير، مهما فعلت معي "إن تقتل تقتل
(1)" شرح القسطلاني على البخاري ".
(2)
لم تكن القصتان في وقت واحد، لأن وفد بني حنيفة في العام التاسع، وقصة ثمامة قبل فتح مكة.
فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَى كَانَ بَعْدَ الغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فانْطَلَقَ إلى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فاغْتَسَلَ، ثُمَّ دخَلَ الْمَسْجِدَ فقالَ: أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اْللهُ، وَأشْهَدُ أن مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ ما كَانَ عَلَى الأرْضِ، وَجْهٌ أبغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أصبَحَ وَجْهُكَ أحَبَّ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِين أبغَضَ إِليَّ مِنْ دِينكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أبغَضَ إِلَيَّ
ــ
ذا دم" أي إن تقتلني فذلك عدل منك، ولم تعاملني إلَّا بما أستحق، لأني مطلوب بدم، فإن قتلتني قتلتني قصاصاً، ولم تظلمني أبداً " وإن تُنْعِمْ تنعم على شاكر " أي وإن تحسن إليَّ بالعفو عني فالعفو من شيم الكرام، ولن يضيع معروفك عندي، لأنك أنعمت على كريم يحفظ الجميل، ولا ينسى المعروف أبداً " وإن كنت تريد المال " يعني وإن كنت تريد أن افتدي نفسي بالمال " فسل منه ما شئت " ولك ما طلبت " فتركه حتى كان من الغد، قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك " يعني فتركه مربوطاً إلى السارية حتى كان اليوم الثاني فأعاد عليه سؤاله الأوّل، وأجابه ثمامة بنفس الجواب الأوّل، ثم تركه اليوم الثالث، وأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السؤال، وأجابه ثمامة بالجواب نفسه " فقال: أطلقوا ثمامة " أي فكوه من رباطه " فانطلق إلى نجل قريب من المسجد " أي فذهب إلى ماء قريب من المسجد " فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إِله إِلَّا الله " أي وأعلن إسلامه ونطق بالشهادتين، ثم قال: " والله ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغض إلي من وجهك " أي ثم عبّر رضي الله عنه عن
مِنْ بَلَدِكَ، فَأصْبَحَ بَلَدُكَ أحبَّ الْبِلادِ إِلَيَّ، وإن خَيْلَكَ أخَذَتْنِي، وَأنَا أرِيدُ الْعُمْرَةَ، فماذا تَرَى؟ فبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فلمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِل: صَبَوْتَ، قَالَ: لا وَاللهِ، وَلَكِنْ أسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا وَاللهِ لا يَأتِيَكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ــ
شعوره نحو النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو دينه الحنيف، ونحو بلده الحبيب المدينة المنورة، فقال: ما كان هناك وجه أكرهه مثل وجهك " فقد أصبح وجهك " أي فلما أسلمت أصبح وجهك " أحب الوجوه إليَّ " حيث تحول البغض والكراهية إلى محبة شديدة لا تعدلها أي محبة أخرى " والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليَّ " وهكذا عاطفة الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب " والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ " لأن محبتي لك دفعتني إلى مزيد الحب لبلادك، وقد قال الشاعر:
دَارُ الحَبِيْبِ أحقُّ أن تهْوَاهَا
…
وَتَحِنُّ مِنْ طَرَب إلَى ذِكْرَاهَا
ثم قال: " وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى " أي فهل تأذن لي في العمرة " فبشره " بغفران ذنوبه كلها، وبخيري الدنيا والآخرة " وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت " أي خرجت من دين إلى دين " قال: لا والله، ولكني أسلمت مع محمد رسول الله " أي ولكني تركت الدين الباطلَ ودخلت في دين الحق. " ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن بها رسول الله " أي حتى يأذن رسول الله في إرسالها إليكم، فانصرف إلى اليمامة، وكانت ريف مكة، فمنع الحنطة عنهم حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة، ففعل صلى الله عليه وسلم.
1003 -
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
قَدِمَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ: إنْ جَعَلَ لي مُحَمَّد الأمْرَ مِنْ بَعْد تَبِعْتُهُ، وَقَدِمَهَا في بَشَرٍ كثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فأقْبَلَ
ــ
والمطابقة: في كون الحديث عن ثمامة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: ذكاء " ثمامة " ورجاحة عقله، وفصاحته وبلاغته العظيمة، التي تجلت في جوابه الحاضر، وسرعة بديهته، فإن ثمامة في جوابه الشافي الكافي قد أحاط بالموضوع من أطرافه، وأجاب عن كل ما يتوقع السؤال عنه في كلمات قصيرة، حيث وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل إذا حكم، وأمل فيه العفو والكرم، ووعده بحفظ الجميل، وصدق الوفاء، واستعد لمفاداة نفسه بالمال، إن طلب منه الفداء، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بحسن جوابه، واستدل به على فضله ونبله، فأنعم عليه بإطلاق سراحه دون فداء، مكافأة له على حسن جوابه. ثانياً: فائدة العفو عند المقدرة، فهو أقرب طريق إلى قلوب الرجال. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
1003 -
معنى الحديث: أنه لما فتحت مكة وأسلمت ثقيف، وسقط أكبر حصن من حصون المقاومة أمام دين الله بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبُ إلى الملوك والأمراء، ورؤساء القبائل يدعوهم إلى الإسلام، وكانت السنة التاسعة من الهجرة حافلة بقدوم الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سميت عام الوفود، وكان من هذه الوفود التي قدمت إلى المدينة وفد بني حنيفة، ومعهم مسيلمة الكذاب، هو معنى قوله " قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته " أي إن جعل لي الخلافة من بعده دخلت في دينه كما أفاده الحافظ " وقدمها في بشر كثير من قومه " بني حنيفة، وكان عددهم سبعة عشر رجلاً كما قال الواقدي " فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس " خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في يده صلى الله عليه وسلم -
إِلَيْهِ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِث بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاس، وَفي يَدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَطْعَة جَرِيدٍ حتى وقَفَ علَى مسَيْلَمَةَ في أصْحَابِهِ فَقَالَ: لَوْ سَألتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ ما أعْطَيْتكَهَا، ولنْ تَعْدُوَ أمْرَ اللهِ فِيكَ، ولَئِنْ أدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإنِّي لأرَاكَ الذِي أرِيت فيهِ مَا رَأيْت، وهَذَا ثَابِت يُجِيْبكَ عَنِّي، ثمَّ انْصَرَفَ عَنْه.
ــ
قطعة من الجريد كما في الحديث " فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها " أي فلما قابله النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يشركه في النبوة كما أفاده القسطلاني، فقال: لو سألتني هذه الجريدة لما أعطيتك إياها فضلاً عن النبوة " ولن تعدو أمر الله فيك " أي لن تخرج عن حكم الله فيك أنك كذاب ومقتول " ولئن أدبرت ليعقرنك الله " أي ولئن خرجت عن الطاعة، وفارقت الجماعة ليهلكنك الله " وإني لأراك الذي أريت فيه " أي وأعتقد أنك الشخص الذي رأيت فيه في منامي ما رأيت، وذلك أنه رأى صلى الله عليه وسلم في منامه سوارين من ذهب، فقال له جبريل: انفخهما فنفخهما، فطارَا، فأولهما كذابين يخرجان بعده أحدهما مسيلمة، والآخر العنسي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: بيان قصة قدوم مسيلمة الكذاب إلى المدينة في جماعة من قومه في السنة التاسعة من الهجرة فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشركه في النبوة، فقال له صلى الله عليه وسلم: لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك، فرجع عدو الله إلى اليمامة، وتنبأ، ثم جعل يسجع السجعات، وظاهر حديث البخاري أنه لم يسلم أصلاً إلَّا أن المؤرخين يذكرون أنه أسلم عند التقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، ثم ارتد بعد عودته إلى اليمامة كما في زاد المعاد نقلاً عن ابن إسحاق. ثانياًً: قال ابن القيم: في هذه القصة أن للإِمام أن يأتي بنفسه إلى من قدم يريد لقاءه من الكفار، وتوكيل العالم بعض أصحابه