الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
816 - " بَابُ علامات النبوة
"
952 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: " هَلَاكُ أُمَّتِي علي يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْش " فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمةٌ!! فَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ: " إِنْ شِئْتَ أنْ أسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلانٍ وبَنِي فُلانٍ ".
ــ
آخر الأمرين حين أسلم غالب الوثنيين وغلبت الشقوة على اليهود، ولم ينفع فيهم الاستئلاف فخالفهم، وأمر بمخالفتهم في أمور كثيرة " قال الزرقاني (1): " والصحيح جواز الفرق والسدل، لكن الفرق أفضل لأنه الذي رجع إليه صلى الله عليه وسلم لكن لا وجوب (2) لأن من الصحابة من سدل بعده، فلو كان الفرق واجباً ما سدلوا قال مالك: فرق الرأس أحب إلي. والمطابقة: في كون هذه الأحاديث مبينة لصفات النبي صلى الله عليه وسلم.
816 -
" باب علامات النبوة "
العلامات جمع علامة، والعلامة والمعجزة كلاهما أمر خارق للعادة، يدل على ثبوت النبوة، وصدق الرسالة، إلاّ أن المعجزة لا تأتي إلاّ في مقام التحدي، أما العلامة فلا يشترط فيها ذلك بل هي أعم، ولما كانت الخوارق المذكورة في هذا الباب ليست كلها للتحدي عبر عنها بالعلامات حتى تشملها جميعاً لعمومها.
952 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن فتية من شباب قريش يتولون أمر هذه الأمة، ويصلون إلى الملك والسلطان عنوة واقتداراً، فيظلمون ويتجبرون، ويحاربون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسفكون دماءهم، ويهلكون
(1)" شرح الزرقاني على الموطأ " ج 4.
(2)
أي لكن رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى الفرق لا يدل على وجوبه، لأن بعض الصحابة سدلوا بعد ذلك.
الكثير منهم في حروبهم الدامية وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه هذا الحديث على مسمعٍ من مروان بن الحكم " فقال مروان " وكأنه لم يفهم ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه هذا " غلمة " قال الكرماني: فعجب مروان من وقوع ذلك من غلمةٍ " فقال أبو هريرة إن شئت أن أسميهم بني فلان وبني فلان " أي إن أردت أن أذكر لك أسماءهم الصريحة وأسماء آبائهم، فعلت.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إخباره صلى الله عليه وسلم عن هلاك كثير من الصحابة وآل بيته الأطهار في المعارك الدامية التي قام بها ضدهم الملوك الجبابرة من شباب قريش وعلى رأسهم يزيد بن معاوية الذي وقعت في عصره وقعة الحرّة واستباحة المدينة. ثانياًً: أن إخباره صلى الله عليه وسلم عن هذه المآسي الدامية من علامات نبوته كما ترجم له البخاري، فقد أوحى تعالى بها إليه قبل وقوعها يقظة أو مناماً، وقد قتل في وقعة الحرة أكثر من سبعمائة (1) من وجوه قريش كما قتل من عامة الناس رجال ونساء أكثر من عشرة آلاف، وسبوا الذرية، واستباحوا الفروج، وأمروا بقتل كل من لم يبايع يزيداً، ودخلت طائفة بيت أبي سعيد الخدري فأخذوا ما فيه من المتاع، ولم يتعرضوا لعلي بن الحسين، لأن يزيد أوصاهم به، وفي " الموطأ " لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيقذي على بعض سوارى المسجد - أي يبول عليها، قال القاضي عياض، هذا قد جرى فإنها تركت أحسن ما كانت من حيث الدين والدنيا، وذكر الأخباريون أنه رحل عنها أكثر أهلها، وبقيت ثمارها للعوافي، وخلت مدة، ثم تراجعوا (2) قال السمهودي: فالظاهر أن ما ذكره القاضي عياض هو الترك الأوّل وسببه كائنة (3) الحرة، كما في حديث أبي هريرة. الحديث: أخرجه الشيخان. والمطابقة: في قوله: "هلاك أمتي على يدي غلمة
(1)" الإشاعة لأشراط الساعة " للشريف محمد بن عبد الرسول الحسيني البرزنجي.
(2)
" الإشاعة لأشراط الساعة ".
(3)
أي وسبب هذا الخراب الذي أصاب المدينة هو وقعة الحرّة.
953 -
عن خَبَّابِ بْنَ الأرَت من حديثٍ طَوِيل:
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهِ: " وَاللهِ ليتمَّنَّ هذَا الأمْرَ حتى يَسِيرَ الرَّاكِب من صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إِلَّا اللهَ عز وجل، أو الذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ".
954 -
عَنْ أبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
أَخرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْم الْحَسنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:
ــ
من قريش " فإن إخباره بذلك من علامات نبوته.
953 -
معنى الحديث: يقول صلى الله عليه وسلم: " والله ليتمن الله هذا الأمر " المقصود بهذا الأمر الإِسلام حيث يمكنه الله في الأرض " حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله والذئب " أي والله ليكملن الله سلطان هذا الدين بنصره وإظهاره على الدين كله، وتقوية شوكته وبسط نفوذه فتطبق أحكامه، فينتشر الأمن والأمان في الأرض ببركة تطبيق الشريعة، حتى يسير الراكب هذه المسافة البعيدة الموحشة آمناً مطمئناً لا يخشى لصاً، ولا يخاف قاطع طريق. الحديث: أخرجه أيضاً أبو داود والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: هذه البشارة العظيمة باستتباب الأمن والأمان، كنتيجة حتمية لظهور الإِسلام، والحكم بما أنزله الله، ْوقد تحقق ذلك في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم في بعض الدول الإسلامية التي نفّذت فيها حدود الله. ثانياً: أن هذه البشارة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم. والمطابقة: في قوله: " ليتمن الله هذا الأمر ".
954 -
معنى الحديث: يقول أبو بكرة رضي الله عنه " أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن " أي أخرجه معه إلى المسجد وهو غلام صغير "فصعد
" ابْنِي هَذَا سَيّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بِهِ بيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".
955 -
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: " هَلْ لَكُمْ مِنْ أنْمَاطٍ " قُلْتُ: وأنَّى يَكُونُ لَنَا الأنْمَاطُ؟ قَالَ: " أمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمْ الأنْمَاطُ " فأنَا أقُولُ لَهَا يَعْنِي
ــ
به على المنبر" أي على منبر مسجده الشريف " فقال: ابني هذا سيد " أي كريم الأصل، شريف النسب، ينتمى إلى أشرف بيت وجد على وجه الأرض.
قال ابن تيمية: وأفضل أهل بيته عليٌ وفاطمة والحسن والحسين الذي أدار صلى الله عليه وسلم عليهم الكساء، وخصهم بالدعاء (1)" ولعل الله أن يصلح به بين فئتين " أي طائفتين متخاصمتين " من المسلمين " فيجمع الله به بين الطائفتين خاصة، ويلتئم بذلك شمل المسلمين عامة.
فقه الحديث: لا شك أن في هذا الحديث الشريف علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم حيث أخبر فيه صلى الله عليه وسلم على ما يقوم به هذا السيد الكريم، الحسن بن علي رضي الله عنهما من جمع كلمة المسلمين، والإِصلاح بينهم، ورفع النزاع بين الطائفتين بتنازله عن الخلافة لمعاوية، مما أدى إلى التئام الشمل، وحقن الدماء. والمطابقة: كما قال العيني من حيث إنه أخبر بأن الحسن رضي الله عنه يصلح الله به بين الفئتين من المسلمين، وقد وقع مثل ما أخبر، فإنه ترك الخلافة لمعاوية، وارتفع النزاع بين الطائفتين. الحديث: أخرجه الخمسة غير ابن ماجه.
955 -
معنى الحديث: يحدثنا جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوماً: " هل لكم من أنماط "(2) أي هل يوجد لديكم في منزلكم هذا الذي
(1)" التنبيهات السنية شرح العقيدة الواسطية ".
(2)
جمع نمط بفتحات، وهو بساط له خمل كما أفاده العيني أي أنه عبارة عن السجاد الفاخر.
امرأتَهُ: أخِّرِي عَنَّا أنمَاطَكِ، فَتَقُولُ: ألَمْ يَقُلْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ الأنْمَاطُ " فَأدَعُهَا.
956 -
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ في صَعِيدٍ، فَقَامَ
ــ
سكنتموه بعد زواجكم شيء من الأنماط أي البسط الفخمة، وهل أثثتموه بالفرش الفاخرة وهو صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا يوجد لديه شيء من ذلك، وإنما أراد بسؤاله هذّا أن يمهد لما سيخبرهم به من الأمور التي تقع في المستقبل قال رضي الله عنه:" قلت: وأنى يكون لنا الأنماط؟ " أي من أين يكون لنا الأنماط وهي بعيدة عنا كل البعد؟ فكيف نقتنيها ونحن لا نملك من النقود ما نشتري به الطعام فضلاً عن أن نشتريها " قال ": الصادق المصدوق: " أما إنه سيكون لكم الأنماط " أي لا تستبعد ما سألتك عنه، فعن قريب من الزمن تمتلكون الفرش الفاخرة، وتزينون بها قصوركم، حيث تكثر الفتوحات والغنائم، قال جابر:" فأنا أقول لها: أميطي عني أنماطك " أي أبعديها عني " فتقول: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إنها ستكون لكم الأنماط " فأدعها لأنها من النعم واللذات المباحة التي أخبرنا عنها صلى الله عليه وسلم. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي.
فقه الحديث: في الحديث علامة من علامات النبوة حيث أخبر صلى الله عليه وسلم عن اقتناء أصحابه لهذه البسط الغالية في المستقبل. والمطابقة: في قوله: " أما إنه ستكون لكم الأنماط ".
956 -
معنى الحديث: يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن رؤيا رآها في منامه تتعلق بالصاحبين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ورؤياه صلى الله عليه وسلم كلها حق، يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه عن هذه الرؤيا:" رأيت الناس " في منامي
أبو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوباً أو ذَنُوبَيْنِ، وَفِى بَعْض نَزْعِهِ ضَعْفٌ، واللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثم أخَذَهَا عُمَرُ، فاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْباً، فلم أر عَبْقَرِيَّاً في النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حتى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطنِ".
ــ
" مجتمعين في صعيد واحد " أي في أرض واسعة " فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين " أي فلما اجتمعوا واحتاجوا إلى الماء، قام أبو بكر ليخرجه لهم، فأخرج دلواً أو دلوين، وفي رواية:" رأيتني على قليب " أي على بئر، فنزعت منها ما شاء الله إذ جاء أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو ليريحني، فنزع ذنوباً أو ذنوبين، الخ الحديث " وفي نزعه ضعف " يعني فكان الماء الذي أخرجه الصديق قليلاً، وهو إشارة إلى قصر مدته وعدم تفرغه لفتح الأمصار بسبب اشتغاله بقتال أهل الردة " يغفر الله له " وليس معناه أن الصديق ارتكب ذنباً، ولكنها كلمة شائعة في استعمالات العرب يرون (1) في بعض الكلام لزومها، ولا يرون ملزومها، ويأتون بها إجلالاً للمخاطب، وإكراماً لحرمته، كقولك: عفا الله عنك ما صنعت في أمري، ومنه قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:(عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) قال: " ثم أخذها عمر فاستحالت بيده غرباً " أي ثم أخذ عمر ذلك الدلو فانقلبت في يده دلواً عظيمة وفي هذا إشارة إلى طول مدة خلافته، وكثرة فتوحاته، لأن الذنوب التي استحالت غرباً هي كناية عن خلافته كما أفاده العيني " فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه " قال العيني: العبقري الحاذق (2) في عمله، وهذا عبقري في قومه أي سيدهم والمعنى: فلم أر في الناس سيداً عظيماً، ورجلاً قوياً وإنساناً حاذقاً يعمل عمله " حتى ضرب الناس بعطن " بفتح العين والطاء وهو مبرك الإِبل حول الماء، أي ما زال يخرج للناس الماء حتى
(1)" هداية الباري " للطهطاوى ج 1.
(2)
شرح العيني ج 16.
نصب الناس خيامهم، وأقاموا إبلهم حول الماء، قال ابن الانباري (1): وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مثلاً (2) لاتساع الناس زمن الفاروق، وما فتح عليهم من الأمصار والغنائم.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: فضل الصديق رضي الله عنه، وقيامه بالخلافة على الوجه الأكمل، لقوله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فنزع، ويؤكد ذلك ما جاء في الرواية الأخرى حيث قال:" فأخذ أبو بكر الدلو ليريحني " فإن ذلك يدل على أن سياسته الرشيدة كانت مرضية مريحة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" فنزع ذنوباً " فإنه يدل على أنه رضي الله عنه قام بخدمة هذه الأمة، وهيأ لها كل مقومات الحياة التي تتعلق بالدين والدنيا معاً، لأن الماء هو العنصر الأساسي للحياة. ثانياً: أن مدة خلافة الصديق رضي الله عنه قصيرة، كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم:" فنزع ذنوباً أو ذنوبين " وأن مدة الفاروق طويلة بعض الشيء، كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم:" فاستحالت بيده غرباً ". ثالثاً: عبقرية الفاروق رضي الله عنه وتفوقه على غيره، وقدرته على الأعمال العظيمة التي يعجز عنها سواه، كما قال صلى الله عليه وسلم:" فلم أر عبقرياً يفري فريه ". رابعاً: أن إخباره صلى الله عليه وسلم عن حال الخليفتين من بعده علامة من علامات نبوته وهو ما ترجم له البخاري. والمطابقة: في إخباره صلى الله عليه وسلم عن هذه الغيبيات التي وقعت بعده. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
…
(1) أيضاً شرح العيني ج 16.
(2)
" هداية الباري " للطهطاوي ج 1.