الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
787 - " بَابُ ما جَاءَ في قَوْلِ اللهِ تعَالَى:
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
"
893 -
عن عمران بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ:
"دَخَلْتُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بالبَاب، فَأتَاهُ نَاسٌ من بني تَمِيم فَقَالَ: اقبَلُوا البُشرى يا بني تَمِيم، قَالُوا: قد بَشِّرتَنَا فأعْطِنَا مَرَّتَيْنِ، ثم دَخَلَ عَلَيْهِ نَاس مِن أهلِ اليَمَنِ فَقَالَ: اقْبَلُوا البُشرْى يا أهلَ
ــ
787 -
" باب ما جاء في قول الله تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) "
أي هذا باب يذكر فيه من الأحاديث ما يتعلق بتفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) معناه أنه تعالى هو الذي بدأ خلق هذه الكائنات أول مرة على غير مثال سابق، وهو الذي يعيدها مرة أخرى عند بعثها، والإِعادة أهون من البداية، وإن كان الله تعالى يستوي أمام قدرته كل شيء.
893 -
معنى الحديث: أن عمران بن حصين يقول: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي " أي ربطت ناقتي، ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والواو المطلق الجمع، لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً " فأتاه ناس من بني تميم، فقال: اقبلوا البشري يا بني تميم " بما أتحدث به إليكم " قالوا: قد بشرتنا فأعطنا مرتين " أي فقال الأقرع بن حابس: قد بشرتنا أن تعطينا فأعطنا، قال ذلك مرتين، لأن جُلَّ اهتمامهم كان بالدنيا، فلم يفهموا من البشرى إلّا العطاء المادي فقط، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بالبشرى أن يخبرهم عن وجود الله تعالى قبل كل موجود، وخلقه لكل موجود، وسماه بشرى لأنه يتعلق بتوحيد الربوبية الذي هو أصل من أصول العقيدة الإِسلامية التي يترتب عليها الفوز بالجنة والنجاة من النار. قال: "ثم دخل عليه ناس من أهل
اليَمَنِ إذ لَمْ يَقْبَلْهَا بنو تَمِيم، قالوا: قَدْ قبِلْنَا يا رَسُولَ اللهِ، قَالُوا: جِئْنَا نَسْألُكَ عن هذا الأمْرَ قال: " كَانَ اللهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ غَيْرُهُ، وكان عرشُهُ على المَاءِ، وَكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيءٍ، وخلقَ السَّمَواتِ والأرْضَ، فَنَادَى مُنادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يا ابْنَ الْحُصَيْنِ، فانْطَلَقْتُ فإذا هِيَ يَقطعُ دونَهَا السَّرَابُ، فواللهِ لَوَدِدتُ أنِّي تَرَكْتُهَا ".
ــ
اليمن" وهم الأشعريون " فقال: اقبلوا البشرى "، أي اقبلوا مني هذا الخبر " قالوا: قبلنا يا رسول الله " أي قبلنا منك ذلك، فهات ما عندك " فإنما جئناك نسألك عن هذا الأمر " وفي رواية أخرى في البخاري " فقالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أوّل هذا الأمر " فما هو أول هذا الأمر الذي سألوا عنه. قال ابن تيميّة: إما أن يكون الأمر المشار إليه هذا العالم، أو جنس المخلوقات، وسواء كان السؤال عن الأوّل أو الثاني، فإن الذي يظهر لنا من مجموع الروايات أن رسول الله قد أجابهم عن بدء الخليقة عامة، لما جاء في رواية أخرى عن عمران بن حصين نفسه قال فيها: " فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدّث عن بدء الخلق والعرش " أخرجه البخاري، فهذا نص صريح على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجابهم عن بدء الخليقة.
فإن كانوا قد سألوا عن بدء هذا العالم، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجابهم عنه ببدء الخليقة، لأنه أعم وأشمل، وهو متضمن لجواب سؤالهم وزيادة، وإن كانوا قد سألوا عن بدء الخليقة. فالجواب والسؤال متطابقان. " قال: كان الله، ولم يكن شيء " وفي رواية:" ولا شيء قبله " وروي: " معه " لكن رواية الباب أصرح في العدم، وفيها دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما، لأن كل ذلك غير الله تعالى، وكلمة " كان " في قوله صلى الله عليه وسلم " كان الله " إلخ أزلية كما أفاده الحافظ، ومعناها أن الله تفرد بالوجود
الأزلي دون غيره، فهو الأوّل بلا ابتداء، المنفرد بالأوليّة، وكل ما سواه حادث مخلوق له، بما في ذلك العرش. قال صلى الله عليه وسلم:"وكان عرشه على الماء " والمراد بكان هنا الحدوث بعد العدم، كما أفاده الحافظ، ومعناه، كما قال الحافظ: أنه خلق الماء سابقاً، ثم خلق العرش على الماء، قال ابن تيميّة: فالعرش (1) مخلوق أيضاً فإنه تعالى يقول: (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي وهو خالق كل شىء: العرش وغيره، ورب كل شيء العرش وغيره، وفي حديث أبي رزين " العقيلي " أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخلق العرش ". اهـ. وفي رواية أخرى للبخاري عن عمران بن حصين قال فيها:" فجاء أهل اليمن فقال: يا أهل اليمن، اقبلوا البشري إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قبلنا " فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن بدء الخلق والعرش " أي يحدث عن بدء الخليقة، ومنها العرش، فهو من ضمن المخلوقات. قال القسطلاني وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم: " وكان عرشه على الماء " إلى أن الماء والعرش - كانا مبدأ العالم لكونهما خلقا قبل كل شيء " وكتب في الذكر كل شيء " أي كتب في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. " وخلق السموات والأرض " قال ابن تيميّة: وبعض الرواة ذكر فيه خلق السموات والأرض بثم، وبعضهم ذكرها بالفاء، فأما الجمل الثلاث المتقدمة، فالرواة متفقون على ذكرها بلفظ الواو، قال ابن تيمية: " وسواء كان قوله: وخلق السموات والأرض " أو " ثم خلق السموات والأرض " فعلى التقديرين أخبر بخلق ذلك، وكل مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن. وإن كان قد خلق من مادة. فإن كان لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم " ثم خلق " فقد دل على أنه خلق السموات والأرض بعد ما تقدم ذكره وهذا اللفظ أولى بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فيه من تمام البيان، وحصول المقصود الذي يدل على الترتيب الزمني في خلق هذه الكائنات. اهـ. خلاصة معنى
(1) رسالة لابن تيمية في شرح هذا الحديث نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
الحديث: أن الله كان قبل كل شيء ولم يكن أي شيء غيره موجوداً، ثم خلق الماء أولاً والعرش ثانياً، أو خلق العرش في الجهة العليا والماء في السفلى، ثم خلق القلم واللوح المحفوظ، ثم خلق السموات والأرض، هذا هو الترتيب الزمني لخلق هذه الكائنات العلوية والسفلية. " فنادى منادٍ ذهبت ناقتك " أي هربت " فانطلقت " أي فذهبت خلفها " فإذا هي يقطع دونها السراب " أي فإذا هي قد ابتعدت كثيراً حتى حال دونها السراب " فوالله لوددت أني تركتها " أي تمنيت أني تركتها تذهب وبقيت في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الله هو الأول بلا ابتداء كما قال تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) وكما قال صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء " وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: " كان الله ولم يكن شيء غيره " والإِيمان بهذه الصفة أمر تقتضيه الفطرة السليمة ويدل عليه المنطق الصحيح، لأن خالق الكائنات لا بد أن يكون موجوداً قبلها، وإلّا لما خلقها. فهو سبحانه أزلي أبدي لم يسبقه عدم، ولا يلحقه فناء، لأنه واجب الوجود. ثانياًً: بيان حدوث العالم وبدء الخليقة، وأن لهذا الوجود خالقاً هو الله تعالى، لا كما يقول الطبيعيون إنه وجد هذا العالم بمحض الصدفة، مما يرفضه العقل والتفكير السليم، لأن كل حادث لا بد له من محدث، وكل مصنوع لا بد له من صانع، وهذا يقتضى أن الكائنات كلها مخلوقة، والله هو خالقها ومبدعها، وأوّل هذه المخلوقات الماء في الجهة السفلى، والعرش في الجهة العليا. ثالثاً: أن القلم أوّل المخلوقات المعنوية لقوله صلى الله عليه وسلم: " وكتب في الذكر كل شيء ". رابعاً: أن وجود اللوح المحفوظ من الحقائق الإِيمانية الثابتة التي يجب الإِيمان بها. خامساً أن الكلام في حدوث العالم وعجائب المخلوقات من صميم الدين
894 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَال النبي صلى الله عليه وسلم: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ، ومَا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَشْتِمَنِي، ويُكَذِّبَنِي، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، أمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِيَ وَلداً، وَأمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأني ".
ــ
لما فيه من الدلالة على وجود الله وتوحيده في ربوبيته. والمطابقة: في كون الحديث يدل على بدء الخلق.
894 -
معنى الحديث: أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي يتجرأ عليَّ هذا الإنسان بما لا أستحقه منه، وقد خلقته ورزقته، وأنعمت عليه بشتى النعم، فلم يقابل ذلك بالإيمان بالله وتوحيده، وتقديسه وتنزيهه عما لا يليق به، وإنما قابل هذه النعم العظيمة بالشرك والكفر والنكران، فبعض هؤلاء البشر شتمني، والبعض منهم كذبني. فأما الذين شتموا الله عز وجل فقد نسب إليه اليهود والنصارى وبعض المشركين الولد، وهو لا يليق به عز وجل حيث إنه يقتضي المجانسة والمشابهة، وهو عز وجل الواحد الأحد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأما الذين كذبوا بالله فقد أنكروا البعث، واستبعدوه مع علمهم بأن الله هو الذي خلقهم على غير مثال سابق، فكيف يخلقهم ابتداءً، ثم يعجز عن إعادتهم مرة أخرى، مع أن الإعادة أسهل كما قال تعالى:(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن نسبة الولد إلى الله تعالى شتيمة وإنكار لوحدانيته، وتشبيه له بغيره، وهو شرك به، لأن الولد يشبه أباه، وهو عز وجل واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، فكيف يكون له ولد يشبهه. ثانياً: أن إنكار البعث تكذيب لله ولوعده. ثالثاً: أنّ الله هو الذي بدأ الخلق، وهو الذي يعيده، وفي ذلك إثبات لحدوث العالم وإعادة