الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
815 - بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
- "
ــ
" خاتم النبيين " أنها لا تحدث نبوة في أحد من البشر بعد ظهوره صلى الله عليه وسلم وتحليه بها.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن شريعة الإسلام هي أكمل الشرائع، لأن الله تعالى قد شرع فيها من الأحكام ما لم يكن موجوداً في الشرائع السابقة، ووضع فيها من التشريعات ما يتلاءم مع حاجة الناس ومصلحة البشر منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، في حين أن الشرائع السابقة وإن كانت ملائمة لعصرها، إلاّ أنها غير ملائمة للبشرية في العصور الأخرى، بخلاف دين الإِسلام فإنه الدين المتكامل الذي اشتمل على جميع الأحكام في العبادات والمعاملات والجنايات والأحوال الشخصية والشؤون القضائية والسياسية والعسكرية، ولهذا أوجب الله على أهل الأديان السابقة جميعاً اعتناق هذا الدين، وأخذ عليهم الميثاق باتباع محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره، وبين صلى الله عليه وسلم أنه لا دين إلاّ دينه، ولا شريعة إلاّ شريعته حيث قال صلى الله عليه وسلم:" لو كان موسى حياً ما وسعه إلاّ اتباعي ". ثانياً: أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، فلا يمكن أن يظهر نبي بعده صلى الله عليه وسلم أو تحدث نبوة لأحد من البشر بعد (1) تحليه بها، ولا ينافي ذلك ظهور عيسى في آخر الزمان، لأنه كان نبياً قبل أن يظهر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنه حين ينزل يتعبد بشريعة الإِسلام التي نسخت كل الشرائع. مطابقة الحديث للترجمة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " وأنا خاتم النبيين " الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي.
815 -
" باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم "
أي هذا باب يذكر فيه من الأحاديث ما يدل على صفاته الجسمية والأخلاقية وغيرها.
(1)" هداية الباري " ج 1 للطهطاوي.
944 -
عَن أنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:
"كَانَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْس بالطَّوِيلِ، ولا بالقَصِيرِ، أزهَرَ اللَّونِ، لَيس بأبيَضَ أمْهَقَ ولا آدَمَ، لَيْس بِجَعْدٍ قَطِطِ، ولا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وهُوَ ابْنُ أرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وبالمَدِينَةِ عَشْر سِنينَ، وقُبِضَ وليس في رَأسِهِ ولِحْيَتهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ".
ــ
944 -
معنى الحديث: أن أنساً رضي الله عنه يحدثنا عن بعض صفات نبينا صلى الله عليه وسلم الجسمية، فيقول:" كان النبي صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم " بسكون الباء وقد تفتح أي مربوع القامة، متوسط الطول بين الطويل المفرط في الطول، والقصير الشديد القِصر، أما لون بشرته فقد كان " أزهر اللون " أي أبيض مشرباً بحمرة " ليس بأبيض أمهق " أي لم يكن خالص البياض كلون الجير " ولا آدم. " أي ولا أسمر اللون. أما شعره فإنه كان " ليس بجعد قطط " بفتح الطاء أي ليس شعره خشناً شديد الخشونة كشعر الحبشة " ولا سَبط " بفتح السين وكسر الباء أي ولا ناعم الشعر شديد النعومة " رَجلٌ " قال الحافظ: رجل بكسر الجيم، ومنهم من يسكنها، وهو مرفوع على الاستئناف، أي هو رَجل يعني منسرح الشعر، والمعنى، أن شعره صلى الله عليه وسلم لم يكن ناعماً شديد النعومة كشعور الأعاجم ولا خشناً شديد الخشونة كشعر الأحباش، وإنما هو مسترسل فيه بعض التكسر، ثم قال:" أنزل عليه، وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين "، والصحيح أنه مكث بمكة ثلاثة عشر عاماً. " وبالمدينه عشر سنين وقبض، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء " وفي رواية عن أنس رضي الله عنه " ولم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة " أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي و" الموطأ ".
945 -
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بُعِثْتُ من خَيْرِ قُرُونِ بَني آدَمَ قرْناً فقرْناً، حتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الذي كُنْتُ فِيهِ".
946 -
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
" أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسدُلُ شَعْرَهُ، وكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤسَهُمْ، وَكَانَ أهْلُ الكِتَابِ يَسْدُلُونَ رُؤسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهلِ، الكِتَابِ فيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأسَهُ ".
ــ
945 -
معنى الحديث: أن الله اختار نبيه صلى الله عليه وسلم من خير طبقات البشر طبقة بعد طبقة، فكان صلى الله عليه وسلم ينتقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة، حتى ظهر أخيراً من البيت الهاشمي أشرف بيوتات العرب، وأعرقها نسباً، وأعلاها منزلة في جزيرة العرب كلها. الحديث: أخرجه البخاري.
946 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة كان في أوّل هجرته " يسدل شعره " بفتح الياء وسكون السين وكسر الدال وضمها أى يرخي شعر ناصيته ويرسله على جبهته، ويتركه مجتمعاً دون أن يفرقه: وكان المشركون " يفرقون رؤوسهم " بضم الراء وكسرها أي يلقون شعر رأسهم إلى جانبيه ولا يتركون منه شيئاً على جبهتهم كما أفاده العيني. " فكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم " أي يرسلون شعر رؤوسهم على جبهتهم " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء " هذا تعليل وبيان للسبب الذي من أجله سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره عند أول هجرته إلى المدينة، أي إنما سدَل رسول الله شعره في ذلك الوقت موافقة لأهل الكتاب، لأنه صلى الله عليه وسلم كان
947 -
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو قَالَ:
لَمْ يَكنْ رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشَاً ولا مُتَفَحِّشَاً، وَكَانَ يَقولُ:" إِنَّ مِنْ خِيَارِكمْ أحسَنَكمْ أخْلاقاً ".
ــ
يحب موافقتهم في الأعمال التي لم يؤمر بضدها، وهو معنى قوله:" وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء " قال الحافظ: أي فيما لم يخالف شرعَهُ، لأن أهل الكتاب في زمانه كانوا متمسكين ببقايا من شرائع الرسل، فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عباد الأوثان قال:" ثم فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي ثم لما أسلمت قريش وغيرها من قبائل العرب، أحب النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب - كما قال الحافظ. فألقى شعر رأسه على جانبيه ورفعه عن جبهته. الحديث: أخرجه الستة.
947 -
معنى الحديث: أن ابن عمرو رضي الله عنهما يصف لنا أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، وكيف كان مهذباً في كلامه مع الناس فيقول:" لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً " أي لا يصدر منه الكلام القبيح طبعاً ولا تطبعاً ومجاراة لغيره، فلا يستفزه السفهاء فيجاريهم في سفههم، لأنه أملك الناس لغرائزه وانفعالاته النفسية، فإذا تجرأ عليه سفيه بالشتيمة لا يرد عليه بمثلها امتثالاً لأمر ربه الذي أدّبه بقوله:(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) قال: " وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً " أي من أهل المؤمنين إيماناً أكثرهم تمسكاً بفضائل الأخلاق ومحاسن الشيم، قال الحافظ. وأفضل مكارم الأخلاق بشاشة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى، فهذه هي أمهات الفضائل. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي.
948 -
عن أنس رضي الله عنه قَالَ:
" مَا مَسِسْتُ حَرِيراً ولا دِيبَاجاً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولا شَمِمْتُ رِيحاً أو عَرْفاً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رِيحِ أو عَرْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ".
949 -
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
" مَا عَابَ النبي صلى الله عليه وسلم طَعَاماً قَطُّ، إِنْ اشْتَهَاهُ أكَلَهُ، وِإلَّا تَرَكَهُ ".
ــ
948 -
معنى الحديث: أن أنساً رضي الله عنه يصف لنا نعومة بشرته صلى الله عليه وسلم وطيب رائحته صلى الله عليه وسلم فيقول: " ما مسست حريراً ولا ديباجاً " بكسر السين الأولى، ويجوز فتحها " ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم " أي ما لمست من الأشياء الناعمة حريراً أو ديباجاً، أو غيرها مما يضرب به المثل في الرقة والنعومة شيئاً أرق ولا أنعم من كف النبي صلى الله عليه وسلم ونعومة بشرتها. ولا يتعارض ذلك مع حديث هند ابن أبي هالة أنه صلى الله عليه وسلم كان شثن الكفين والقدمين، أي غليظهما في خشونة الذي أخرجه الترمذي فإن المراد بحديث الباب، كما قال الحافظ: اللين، في الجلد، وبحديث الترمذي الغلظ في العظام، ثم قال:" ولا شممت ريحاً أو عرفاً " بفتح العين (1) ومعناه ريحاً أيضاً " أطيب من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه وسلم " أي ولا شممت رائحة زكية أجمل من رائحته صلى الله عليه وسلم وفي رواية عن أنس: ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث: أخرجه الشيخان.
949 -
معنى الحديث: أن أبا هريرة رضي الله عنه يصف لنا كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر نعمة الله تعالى فيقول: " ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط " أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يذم طول حياته أي طعام من الأطعمة المباحة، سواء كان من الأطعمة الفاخرة أو الأطعمة البسيطة، وسواء أحبته نفسه أو لا، لأن الطعام
(1) عَرْفاً بفتح العين وسكون الراء.
950 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
" أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يحَدِّث حَدِيثاً لَوْ عَدَّة الْعَادُّ لأحْصَاهُ ".
951 -
وَعَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ:
" إِنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكمْ ".
ــ
نعمة من نعم الله يجب تقديرها، وشكر الله تعالى عليها " إن اشتهاه أكله وإلّا تركه " دون أن يعيب فيه. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي.
950 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا تكلم تكلم كلاماً واضحاً. بيناً مفصلاً لفظاً لفظاً، وكلمة كلمة، بحيث لو أراد المستمع إليه أن يعد كلماته كلمة كلمة لفعل. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي بألفاظ.
951 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأنى ويتمهل في كلامه، فلا يسرع في النطق بالكلمات ليتمكن السامع من فهمه واستيعابه لأن الإسراع في الحديث يؤدي إلى خفاء معانيه، وهو معنى قول عائشة رضي الله عنها:" لم يكن يسرد كسردكم "، قال العيني: أي لم يكن صلى الله عليه وسلم يتابع الحديث استعجالاً، لئلا يلتبس على المستمع. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي.
فقه أحاديث الباب: دلت هذه الأحاديث على ما يأتي: أولاً: أنها بينت لنا صفات النبي صلى الله عليه وسلم البدنية والخلقية فمن هذه الصفات ما يتعلق بجسمه وصورته الظاهرة، من لون وبشرة وشعر وقامة إلى غير ذلك، وكلها قد بلغت غاية الكمال والجمال باتفاق المؤرخين والمحدثين. فقد كان صلى الله عليه وسلم مربوع القامة أبيض اللون، مشرباً بحمرة، ليس بالأشقر الخالص البياض كلون الجير، ولا بأسمر اللون، ورد في بعض الروايات وصفه بالسمرة وجمع الخطابي بين حديثي السمرة والبياض بأن السمرة فيما برز للشمس من جسمه الشريف والبياض فيما تواريه الثياب، ويؤيده ما جاء في رواية ابن أبي هالة رضي الله عنه أنه قال: "كان
أنور التجرد" وقال ابن حجر الهيتمي: الأولى حمل السمرة على الحمرة التي تخالط البياض، والعرب تطلق على من كان كذلك أنه أسمر لأن الحمرة إذا اشتدت حكت السمرة وشابهتها، أي أنه صلى الله عليه وسلم " كان أبيض مشرباً بحمرة حتى أنه لشدة حمرته يخيّل للناظر إليه أنّه أسمر اللون " والله أعلم. أما بقية صفاته الجسمية: فقد كان شعره صلى الله عليه وسلم أسود مسترسلاً ليس بشديد النعومة كشعور الأعاجم، ولا بالشديد الخشونة كشعور الأحباش، وإنما كان مسترسلاً فيه بعض التثني والتكسر، وتلك هي سمات الشَّعرِ العربي. وكان ناعم البشرة ذكي الرائحة كما قال أنس رضي الله عنه في وصفه: ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست هذه الرائحة الشذية صادرة عن الطيب الذي يتطيب به، وإنما هي رائحته الذاتية المنبعثة من جسده الشريف صلى الله عليه وسلم كما أفاده الشهاب الخفاجي. أما بقية صفاته التي لم تذكر في أحاديث الباب، أو في الأحاديث التي سقناها فهي أنه صلى الله عليه وسلم كان مشرق الصورة، مستدير الوجه في إشراقة البدر واستدارة القمر، وكان كما في حديث كعب: " إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر " وكان كما وصفه ابن أبي هالة: " يتلألأ تلألؤ القمر ليلة البدر، وكان صلى الله عليه وسلم واسع العينين شديد سواد الحدقة، أهدب الأجفان " أي كثير شعر الأجفان " أبلج الوجه " أي مشرق الوجه بالأنوار البهيّة " أزج الحاجبين (1)، كث اللحية. واسع الفم من غير إفراط " والعرب تتمدح بذلك، لدلالته على الفصاحة " يبلغ شعر رأسه شحمة أذنيه، ويتجاوزها إلى منكبيه " قال البراء بن عازب:" ما رأيت من ذي لمّة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكان صلى الله عليه وسلم واسع الصدر عريض الظهر، غليظ الكتفين، بين كتفيه خاتم النبوة وهو غدة حمراء مثل بيضة النعامة، كما كان صلى الله عليه وسلم رحب الكفين، واسع القدمين ". " وكان صلى الله عليه وسلم إذا افترّ ضاحكاً افترّ عن مثل سنا البرق، وعن مثل حب الغمام (2)، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من ثناياه " أما صفاته الخلقية
(1) أي دقيق شعر الحاجبين.
(2)
أي ابتسم عن أسنان تشبه البرَد المتساقط عن السحاب.
فقد جمع الله فيه كل مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، إذ كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في سلوكه الخلقي قولاً وفعلاً، فلا يصدر منه القول القبيح طبيعة ولا تطبعاً لأنّه صلى الله عليه وسلم حليم النفس، يحافظ على مشاعر غيره، حتى لو أساء إليه فلا يواجه إنساناً بما يكره وكان صلى الله عليه وسلم مهذباً في معاملته للناس، متواضعاً لين الجانب، رقيق المشاعر، مرهف الإِحساس، يحسن إلى الناس، ويتودد إليهم، ويعود مرضاهم، ويشيع جنائزهم، يعطي ولا يبخل بالعطاء، ولا يرد سائلاً، أما أدبه في الحديث: فقد كان بليغ المنطق، فصيح الكلام واضح البيان، إذا نطق تأنى في نطقه وأتى بكلامه بيناً مفصلاً جملة جملة، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً يفهمه السامع ويعيه وهذا من فصاحته وحرصه على إفهام الخاطب وقد نزه الله منطقه صلى الله عليه وسلم عن التمتمة (1) والفأفأة (2) والتنطع (3) والتمطق (4) والتفيهق (5) وجعله جارياً على السليقة العربية الأصيلة (6) - لا تصنع فيه ولا تكلف. أما نسبه فهو من أشرف الأنساب، وأكرم بيوتات العرب، صانه الله من سفاح الجاهلية، ونقله من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة جيلاً بعد جيل، فاصطفي من ولد إسماعيل كنانة، ومن كنانة قريش، ومن قريش بني هاشم فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار. ثانياًً: أن في هذه الأحاديث من الأحكام جواز فرق شعر الرأس وسدله إلاّ أن الفرق أفضل، لأنه آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم فهو سنة مستحبة لما في رواية ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله، ثم فرق بعد ذلك، فكان الفرق
(1) وهي رد الكلام إلى التاء والميم.
(2)
وهي ترديد الفاء.
(3)
وهي التعمق في إخراج الحروف.
(4)
وهو رفع الشفتين ورفع اللسان إلى الأعلى.
(5)
وهو ملء الفم بالألفاظ.
(6)
" محمد المثل الكامل " للأستاذ محمد أحمد جاد المولى.