الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
790 - " بَابُ ذِكْرِ الْمَلاِئكَةِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ
"
897 -
عن عبد الله رضي الله عنه قَالَ:
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قال: " إِنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطنِ أمِّهِ أربَعِينَ يَوْماً، ثم يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثم يَبْعَثُ اللهُ مَلَكاً، فَيُؤْمَرُ بأربع كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ
ــ
790 -
" باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم "
897 -
معنى الحديث: يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخبرنا رسول الله وهو الصادق فيما يخبر به المصدوق في كل ما يوحى إليه من عند ربه: أن الجنين في بطن أمه يمرُّ في تكوينه بأربعة أدوار، فيكون في الدور الأوّل لمدة أربعين يوماً نطفة، أي حيواناً منوياً يجتمع ببويضة الأنثى فيلقحها، وتحمل المرأة بإذن الله تعالى، ثم يتحول في الدور الثاني لمدة أربعين يوماً إلى علقة، أي نقطة دموية جامدة تعلق بالرحم، ثم يتحول في الدور الثالث لمدة أربعين يوماً مضغة، أي قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ الإنسان في الفم، ثم في الدور الرابع يبدأ تشكيله وتصويره، ويكون قد أكمل أربعة أشهر، فيرسل الله إليه الملك الموكل بالأرحام وكتابة الأقدار ويأمره بكتابة أقداره الأربعة فيكتب أعماله التي يفعلها طيلة حياته خيراً أو شراً، ورزقه مادياً، كالمال والطعام والشراب واللباس والسكن والصحة، أو معنوياً كالعلم والذكاء والمهارة وغيرها ويكتب أجله، وعمره، ومدة حياته ومتى تنتهي، وفي أي مكان تنقضي. ويكتب خاتمته ومصيره الذي ينتهي إليه إن كان من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة، من أهل الجنة أو النار، فكم من رجل يعمل طول حياته - في نظر الناس بعمل أهل الجنة حتى يكون منها في غاية القرب، فإذا دنا أجله ختم له بالشقاوة لأنه سبق عليه الكتاب في بطن أمه.
لَه: اكْتبْ عَمَلَه، ورِزْقَه، وأجَلَه، وشَقِي أو سَعِيدٌ، ثمَّ ينْفَخ فِيهِ الرُّوحَ، فَإنّ الرَّجلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَل حَتَّى مَا يَكون بَيْنَه وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِق عَلَيْهِ كِتَابه فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكونَ بَيْنَه وَبَيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِق عَلَيْهِ الكِتَاب فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ".
ــ
فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، والعكس بالعكس، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" فإن الرجل منكم ليعمل " أي يعمل بعمل أهل الجنة " حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلاّ ذراع " وهو كناية عن غاية القرب " فيسبق عليه كتابه " أي فيكون قد كتب عليه سابقاً في بطن أمه أنه شقي، فيختم له بالشقاوة " فيعمل بعمل أهل النار " فيدخلها كما سبق به القدر " ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلاّ ذراع " أي وقد يعمل الرجل بعمل أهل النار حتى يقترب منها غاية القرب " فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل الجنة " فيدخلها (1). والمطابقة: في قوله: " ثم يبعث الله ملكاً ".
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: بيان مراحل تكوين الجنين في بطن أمه، حيث يمرّ بأربعة مراحل. الأولى: مرحلة التلقيح المنوي وهو المشار إليه بقوله: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً " أي يجمع الله هذا الحيوان التناسلي المنوي بالبويضة فيحصل التلقيح والحمل، وقد ثبت علمياً أن النقطة الواحدة من ماء الرجل تحمل ألوف الحيوانات المنوية، وحيوان واحد منها هو الذي يلقح البويضة، وتوجد فيه كل خصائص الأب
(1) والذي يحل الإشكال في هذا الحديث، ما جاء في " الصحيحين " من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ". فهناك أشياء لا يطلع عليها إِلا الله تعالى الذي يعلم أعمال العباد ونياتهم، فعلى حسب ذلك تكون خواتيمهم. (ع).
وصفاته الجسمية، كالطول والقصر ونحوها، وصفاته العصبية والعقلية والنفسية من ميول واتجاهات وانحرافات واستعدادات. الثانية: مرحلة العلقة: وهي التيِ تتحول فيها الخلية إلى نقطة دموية جامدة عالقة بالرحم، ومدتها أربعون يوماً أيضاً. الثالثة: مرحلة المضغة، التي يصبح فيها الجنين قطعة لحم صغيرة، ومدتها أربعون يوماً. الرابعة: مرحلة التكوين العضوي حيث تتحول قطعة اللحم الصغيرة بعد أن يكون الجنين قد أتم أربعة أشهر إلى جسم بشري مكون من هيكل عظمي، ولحم ودم، وقلب وأمعاء، ورأس وحواس وأعضاء، وبذلك يكمل تصويره وتشكيله، وتتكامل أعضاؤه وحواسه الجسمية. ثانياً: كتابة أقدار كل إنسان وهو ما زال جنيناً في بطن أمّه بعد استكمال تشكيله وتصويره، وتكامل أعضائه وحواسه، حيث دل الحديث على كتابة عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ولذلك فإن خاتمة الإِنسان مرتبطة " قدراً " بما كتب عليه في بطن أمه، فالسعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه، ولا شك أن هذه المقادير تكتب مرتين، مرة في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلائق لما في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " أخرجه مسلم، والمرة الثانية في بطن أمه قال ابن رجب: وقد روي عن ابن مسعود أن الملك إذا سأل عن النطفة أمر أن يذهب إلى الكتاب السابق، ويقال له: إنك تجد فيه قصة هذه النطفة. ثالثاً: وجوب الإيمان بالقدر، سواء تعلق بالأعمال أو بالأرزاق والآجال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في هذا الحديث أن كل إنسان يكتب عليه قدره في بطن أمه، والقدر نوعان:(أ) قدر حتمي ليس للعبد فيه كسب واختيار، وهو ما يتعلق بالأرزاق والآجال، والصحة والمرض، ونحوها، وكذلك الاستعدادات الفطرية، والمواهب والقدرات البشرية، من ذكاء وفطنة ونحوها، فإنها كلها حتمية لا حيلة فيها للإنسان ولا اختيار له فيها، ولا يقع تحت مسؤوليته، وقدر للإِنسان فيه كسب
واختيار: وهو ما يتعلق بالأعمال من طاعة ومعصية، وكفر وإيمان، فهذه الأعمال التي قدرها الله على الإِنسان، وعلم بوقوعها منه ليست حتمية عليه، ولا هو مجبور عليها، وإنما يفعلها بمحض إرادته واختياره، ولذلك كان مسؤولاً عنها، مثاباً على الخير، معاقباً على الشر. قال الخطابي:" قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمون، وإنما معنى القدر الإِخبار عن تقدم علم الله تعالى بما يكون من اكتسابات العبد. اهـ. وقد أمر الله الخلق بالإِيمان والطاعة، ونهاهم عن الكفر والمعصية، وفي هذا حجة الله البالغة على عباده، لأنهم إنما كلفوا بالأمر والنهي، أما القضاء والقدر فإنما أمروا بالإِيمان به دون الاحتجاج به في ارتكاب المعاصي ". وقد سئل فضيلة الأستاذ الشعراوي (1): عن القدر الذي هو علم الله بالأشياء قبل وقوعها هل هو صفة جبر فأجاب: بأن العلم ليس صفة جبر، إنما هي صفة انكشاف فقط يكشف الأشياء على ما هي عليه، وضرب لذلك مثلاً بسيطاً فقال: أنت جئت تزورني وعندي خادم، فأرسلته ليحضر كازوزة من البقال فتأخر فقلت لك: هل تعرف لماذا أبطأ، هناك ولد آخر على ناصية الشارع مستولٍ على هذا الولد حينما يراه خارجاً لشراء حاجة يلعب معه، ويأخذ نقوده، والنقود ضاعت من الولد وهو خائف أن يأتي، فلما جاء الخادم سألناه ما الحكاية، فقال: كما قلت أنا، فهل ترى عندما قلت إنه سيحصل منه كذا وكذا أرسلت معه قوة لترغمه على فعل ما قلته لك. فكيف قلت أنا هذا الكلام؟ قلته: لأنني أعرف سوابقه، ومعرفتي لسوابقه للعلم فقط، كذلك ولله المثل الأعلى علم الله تعالى أزلاً ما يكون من عبده المختار، فقال: سيكون من عبدي كذا وكذا، فهو عز وجل كتب لا ليلزم، ولكنه كتب لأنه عالم بما يكون من العبد، والفرق
(1)" القضاء والقدر " لفضيلة الشيخ الشعراوي.
898 -
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كانَ على كُلِّ بَابٍ من أبوَابِ الْمَسْجِدِ المَلَاِئكَةُ يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فالأوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وجاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ".
ــ
بين الصورتين أن العلم في البشر قد يتخلف فيه شيء لكن الحق لا خطأ عنده في علمه، فالحق كتب قديماً، لأنه علم ما يكون من عبده باختياره، فهو لا يكتب ليلزم، لأن العلم صفة انكشاف وليس صفة تأثير كالقدرة. اهـ.
رابعاً نفخ الروح في الجنين بعد استكمال تكوينه، وقد اختلفت الأحاديث هل نفخ الروح أولاً أو كتابة المقادير أولاً؟ فدلت رواية البيهقي على أن نفخ الروح أولاً، حيث جاء فيها ثم يبعث الملك فينفخ فيه الروح، ثم يؤمر بأربع كلمات إلخ، ودلت رواية البخاري هذه على أن كتابة المقادير أولاً. خامساً: إثبات وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم. وهم مخلوقات لطيفة نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
898 -
معنى الحديث: أن الملائكة يقفون يوم الجمعة على جميع أبواب المسجد، على كل باب طائفة لكتابة الوافدين إلى صلاة الجمعة، وتسجيل أسمائهم الأول فالأول، مع كتابة الوقت الذي حضروا فيه، ولا يزالون وقوفاً على الأبواب حتى يصعد الإِمام إلى المنبر، فإذا جلس الجلسة الأولى طووا تلك الصحف، وأوقفوا التسجيل، ودخلوا المسجد ليستمعوا إلى الخطبة. الحديث: أخرجه الستة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجود الملائكة كما تقدم بيانه في الحديث السابق، وهم عالم غير منظور من عالم الغيب لا يظهرون
899 -
عَنْ أبِي هُريْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيل اللهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: أيْ فُلُ هَلُمَّ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: ذَاكَ الَّذِي لا تَوى عَلَيْهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أرْجُو أن تَكُونَ مِنْهُمْ ".
ــ
إلا لمن اصطفاه الله للنبوة، أو لمن شاء من عباده، كما ظهر جبريل لمريم عليها السلام، وقد كلف الله الملائكة بمهام مختلفة، فمنهم السفراء بين الله ورسله كجبريل عليه السلام، ومنهم الحفظة، ومنهم كتبة الأعمال، كهؤلاء الملائكة الذين يكتبون الوافدين لصلاة الجمعة. ثانياً: أن الناس يتفاضلون في المثوبة يوم الجمعة بحسب تبكيرهم إلى الصلاة، فكلما بكّر العبد إلى صلاة الجمعة كان ثوابه أكثر، كما يدل عليه قوله:" يكتبون الأول فالأول " أي يكتبون في هذه الصحف درجات السابقين الأول فالأول، ويسجلون أوقات حضورهم. والمطابقة: في قوله: " كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة ".
899 -
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أنفق زوجين في سبيل الله " أي من تصدق بشيئين من صنف واحد درهمين أو دينارين أو ثوبين ابتغاء مرضاة الله سواء كان ذلك صدقة على فقير، أو معونة لمحتاج، أو علاجاً لمريض، أو تجهيزاً لمجاهد في سبيل الله، أو معونة لأهله " دعته خزنة الجنة: أي فُلُ " أي نادته خزنة الجنة من الملائكة " يا فلان " باسمه الذي يعرف به في الدنيا " هلم " أي تعال إلى الجنة ونعيمها، فإنها مفتحة الأبواب لك، " فقال أبو بكر: ذاك الذي لا ثوى عليه " أي ذلك الذي تفتح له أبواب الجنة وتستقبله ملائكتها هو السعيد حقاً الذي نجا من الهلاك وأمن من الخسران. " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكون منهم " ورجاؤه
900 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: " يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرأ عَلَيْكِ السَّلَامَ، فَقَالَتْ وَعَلَيْهِ السلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لا أرَى، تُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ".
ــ
صلى الله عليه وسلم محقق إن شاء الله.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجود الملائكة، ومنهم خزنة الجنة هؤلاء، وعلى رأسهم رضوان. كما أن منهم خزنة جهنم وعلى رأسهم " مالك ". ثانياً: فضل الإِنفاق في سبيل الله، وبذل المال في وجوه البر، وأنه سبب في دخول الجنة واستقبال الملائكة على أبواب الجنة (1).
الحديث: أخرجه الشيخان. والمطابقة: في قوله: " دعته خزنة الجنة ".
900 -
معنى الحديث: تحدثنا عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام " وفي رواية " يقرئك السلام " أي يهديك السلام، ويحييك بتحية الإِسلام " فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته " فردّت التحية بأحسن منها، ثم قالت " ترى ما لا أرى، تريد النبي صلى الله عليه وسلم " أي إنك يا رسول الله ترى جبريل الذي لا أراه فهنيئاً لك بالوحي والنبوة، ورؤية الملائكة الكرام البررة. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إثبات وجود الملائكة وأنهم أصناف متعددة مكلفون بأعمال مختلفة فمنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم الحفظة، ومنهم جبريل الأمين سفير الله إلى أنبيائه. ثانياً: فضل عائشة رضي الله عنها ومكانتها، وعلو منزلتها حتى إن جبريل أمين الله على
(1) أي أن الملائكة تستقبل هؤلاء المنفقين على أبواب الجنة كما يستقبل الملوك بالحفاوة والترحيب قائلين لهم: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).
901 -
عَن سَعِيدٍ بن جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: " أَلا تَزُورُنا أكثرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " قَالَ: فَنَزَلَتْ (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا) الآية.
ــ
وحيه وسفيره إلى أنبيائه يهديها السلام، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والمطابقة: في قوله: " هذا جبريل يقرأ عليك السلام ".
901 -
معنى الحديث: يقول ابن عباس رضي الله عنهما: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ألا تزورنا أكثر مما تزورنا " قال العيني: كلمة ألا هنا للعرض والحض ويجوز أن تكون للتمني. قلت: ويحتمل أن تكون لجميع المعاني والمعنى أننا نعرض عليك الإكثار من زيارتنا ونحضك عليها ونتمنى لو أجبتنا إلى ذلك، لنستأنس بك، " فنزلت " الآية الكريمة " (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) " فإذا أمرنا بالنزول نزلنا " (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) " أي وما كان الله لينسى رسوله وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم وإن تأخر عنه الوحي، فإن للوحي أوقات محددة، يرسله إن شاء، ويوقفه إن شاء.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجود الملائكة، وعلى رأسهم جبريل ملك الوحي. ثانياً: أن للوحي أوقات محددة ولا ينزل إلّا بأمر الله تعالى. ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينقطع عنه الوحي أحياناً فيشتاق إلى جبريل، فإذا حضر إليه عرض عليه أن يكثر من زيارته، فيعتذر له جبريل بأنه عبد مأمور لا ينزل إلاّ بأمر إلهي. والمطابقة: في قوله: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل " الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي.
***
902 -
عَنْ أبِي ذَر رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: " قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ، أوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ، قَالَ: وإنْ زَنَى وِإنْ سَرَقَ قَالَ: وإنْ ".
903 -
عن أبي طَلحَةَ رضي الله عنه أنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتَاً فيهِ كَلْبٌ ولا صُورَة تَمَاثِيلَ ".
ــ
902 -
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " قال لي جبريل من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً " أي من مات مؤمناً موحداً لله تعالى " دخل الجنة، أو لم يدخل النار " أي كان مصيره إلى الجنة، ولا يخلد في النار " قال: وإن زنى وإن سرق " قال: وإن " أي قال جبريل: وإن زنى وإن سرق، وهو من باب حذف فعل الشرط والاكتفاء بأداة الشرط عنه.
الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن المؤمن الموحد مصيره إلى الجنة، فإن ارتكب كبيرة فعوقب عليها في الدنيا فهو كفارة له، وإن لم يعاقب عليها في الدنيا فهو إلى الله إن شاء عاقبه وأدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه، ولا يخلد في النار خلافاً للخوارج. ثانياً: وجود الملائكة.
والمطابقة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " قال لي جبريل ".
903 -
معنى الحديث: أن الملائكة وهم مخلوقات طاهرة شريفة، وعباد مكرمون أصفياء، سخرهم الله لخدمة البشر، فهم يدخلون البيوت لخدمة من فيها من الناس والعناية بهم، ولكنهم يمتنعون عن دخول بيت فيه
904 -
وعنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأتَهُ إِلى فِرَاشِهِ فَأبَتْ فبَاتَ غَضْبَان عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حتى تُصْبِحَ ".
ــ
كلب غير مأذون فيه شرعاً، أو صورةٌ لِإنسان أو حيوان - لأنها محرمة، والملائكة تكره المحرمات (1). الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجود الملائكة لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتاً " إلخ. ثانياًً: تحريم الصور الحيوانية، وتحريم اقتناء الكلاب عدا المأذون فيها شرعاً، مثل كلاب الصيد والماشية والحرث، لأن الملائكة إنما تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة أو كلب لأن الصورة محرمة، والكلب نجس قذر (2) محرّم شرعاً إلا لحاجة مشروعة. والمطابقة: في قوله: " لا تدخل الملائكة بيتاً ".
904 -
معنى الحديث: أن المرأة إذا دعاها زوجها للمباشرة وتمنعت عليه، وبات ساخطاً عليها " لعنتها الملائكة حتى تصبح " أي تدعو عليها بالطرد من رحمة الله حتى الصباح، لأنها عصت زوجها ومنعته حقه الشرعي، وفي بعض روايات البخاري " لعنتها الملائكة حتى ترجع ".
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجود الملائكة لقوله صلى الله عليه وسلم: " لعنتها الملائكة حتى تصبح ". ثانياًً: أنه يحرم عصيان المرأة لزوجها، سيما فيما يتعلق بالفراش والمعاشرة الزوجية، وكونه كبيرة، وإلّا لما ترتب
(1) قال في " هداية الباري ": في إطلاق الملائكة شمول للحفظة واستظهره فريق، وقصره غير واحد على غيرهم.
(2)
قال في " هداية الباري ": والمعنى المانع ما يتعلق بالأوّل من النجاسة، والصورة معصية فاحشة لما فيها من مضاهاة خلق العلي الكبير المتفرد بالايجاد والتصويت.