الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
839 - " بَابُ المِعْرَاجَ
"
980 -
عَنْ أنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، عن مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما: أن نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عن لَيْلَةَ أُسْرِيَ بهِ قَالَ: " بَيْنَمَا أنا في الْحَطِيم -ورُبَّما قَالَ في الْحِجْرِ- مُضْطَجِعَاً إِذ أَتَاني آتٍ فَقَدْ قَالَ، وسَمعته يَقُول: فَشَقَّ ما بَيْنَ هذِهِ إلى هَذِهِ - قَال الراوي: مِن ثُغْرة نَحْرِهِ إلى شِعْرَتِهِ، فاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إيمَاناً، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أعِيدَ، ثُمَّ أتِيتُ بِدَابَّةٍ، دُونَ البَغْلِ، وفَوْقَ الْحِمَارِ، أبيَضَ، قَالَ الرَّاوِي: وهُوَ الْبُرَاقُ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أقصَى طَرَفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حتى أتى السَّمَاءَ الدُّنيا، فاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وقد أرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أبوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَليْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بالابنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ حتى أتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فاسْتَفْتَحَ قِيل: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاء، فَفَتَحَ،
ــ
كون الحديث يدل على إثبات الإِسراء الذي ترجم له البخاري.
839 -
" باب المعراج "
والأكثرون على أنه كان في ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وقيل في رجب، وعن الزهري أنه بعد البعثة بخمس سنين، ورجحه القرطبي والنووي.
فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قالَ: هَذَا يَحْيَى وَعيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ، فردَّا، ثُمَّ قَالا: مَرْحَبَاً بالأَخ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحْ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إلى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قال: جِبرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ: قِيلَ مَرْحَباً بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبَاً بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبِيِّ الصَّالِحْ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ، قِيلَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذا
ــ
980 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث أصحابه عن قصة عروجه إلى السماء في تلك الليلة المباركة، فذكر لهم أنه بينما كان مضطجعاً في الحطيم، وربما قال في الحجر - أي في حجر إسماعيل وهما بمعنى واحد، جاءه ملك فشق صدره من ثغرة نحره إلى شعرته. بكسر الشين. أي شق ما بين الثغرة التي في الرقبة إلى عانته فاستخرج قلبه الشريف، وغسله بماء زمزم ثم جاء بطست ذهبي مملوء إيماناً ويقيناً، فأفرغ في قلبه. كما في رواية أخرى حيث قال فيها:" ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيماناً، فأفرغه في صدري ثم أطبقه ".
ؤإنما غسل قلبه الشريف، وملىء إيماناً ويقيناً، إعظاماً وتأهباً لما يلقى هناك، مثل الوضوء للصلاة لمن كان متنظفاً، كما أفاده ابن أبي جمرة. ثم جاءه جبريل بالبراق وهو دابة بيضاء أصغر من البغل، وأكبر من الحمار، ذات سرعة غريبة تخطو الخطوة الواحدة فتضعها عند منتهى ما يراه البصر، فهي أسرع من الضوء
إِدْرِيسُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بالأخِ الصَّالِحِ، والنَّبِيِّ الصَّالِح، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى السَّمَاءِ الخامِسَةِ، فاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ، قِيلَ: وقَدْ أرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فإِذَا هارُونُ، قَالَ: هَذا هَارُونُ فَسَلّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بالأخ الصَّالِحِ، والنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى السَّمَاءِ السادِسَةِ، فاسْتَفتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ، قِيلَ: وقَدْ أرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذا
ــ
فركب النبي صلى الله عليه وسلم تلك الدابة، وطارت به إلى بيت المقدس حيث التقى هناك بالأنبياء، وصلّى بهم إماماً، ثم انطلق مواصلاً رحلته إلى السماء (1) قال ابن أبي جمرة:"إنما خص صلى الله عليه وسلم بركوب البراق زيادة له في التشريف والتعظيم، لأن غيره من الدواب يقدر غيره على ملكه والتمتع به، والبراق لم ينقل أن أحداً ملكه وتمتع به، أما لماذا لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم قوة حتى يصعد بنفسه، فإنه لو صعد بنفسه لكان ماشياً على رجليه، والراكب أعز من الماشي، فأعطي البراق ليركب عليه، فيكون أعز وأشرف له كما أفاده ابن أبي جمرة. وظاهر حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البراق في الإِسراء والمعراج معاً، لأنه لم يذكر غيره وجاء في رواية أخرى: " أنه صلى الله عليه وسلم أسري به على البراق، وعرج به على المعراج " وهو مصعدٌ بين السماء والأرض، لا يقال: كيف هو؟ ولا على أي صورة هو، لأنا لا نعلم حقيقته، صعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس بصحبة جبريل عليه
(1) على المعراج وهو سلم أرسله الله إليه ليصعد عليه إلى السماء.
مُوسَى فَسَلّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَباً بالأخ الصَّالِحِ، والنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ. مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أبكِي لأنَّ غُلاماً بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أمَّتِهِ أكثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فاسْتَفْتَحَ جِبْرِيْلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدُ، قِيلَ: وقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلصْتُ فإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذا أبوكَ فَسَلّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، قَالَ: مَرْحَباً بالابن الصَّالِحِ، والنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلَ قِلالِ هَجَرَ، وِإذَا وَرَقُهَا مِثلَ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ:
ــ
السلام. حتى أَتى السماء الدنيا - أي الأولى، وسميت بذلك لأنها أقرب السموات إلى الأرض، فاستأذن جبريل من الملائكة هناك، وطلب منهم أن يفتحوا له، فسألوه من أنت. ومن معك؟ فأجابهم: أنا جبريل ومعي محمد، فسألوه: هل أمر بالعروج؟ فقال نعم، فرحبوا به واستقبلوه بالحفاوة والتكريم، وهم يقولون:" مرحباً به فنعم المجيء جاء " أي فقد كان مجيئه مباركاً محموداً، فلما فتحت السماء الدنيا وجد فيها آدم عليه السلام، وعرفهما جبريل ببعضهما، وتبادلا التحية، ورحب به أبوه آدم، ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فالثالثة فالرابعة الخ والتقى فيها بالأنبياء آدم ويحيى وعيسى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم عليهم السلام، واستمر في رحلته قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلما تجاوزت" أي لما تجاوزت موسى " بكى قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي " ولم يكن بكاء موسى حسداً، لأن الحسد منزوع من ذلك العالم السماوي، وإنما كان
هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وِإذَا أرْبَعَةُ أنْهَارٍ، نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أما الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ في الْجَنَّةِ، وأمَّا الظَّاهِرَانِ فالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ (1)، ثم أُتِيْتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وإنَاءٍ مِنْ لَبَن، وَإنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأخَذْت اللَّبَنَ، فَقَالَ، هِيَ الْفِطرةُ أنْتَ عَلَيْهَا، وأمَّتكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْم، فَرَجَعْت، فَمَرَرْتُ عَلَى
ــ
أسفاً على ما فاته من الأجر بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة، قال صلى الله عليه وسلم:" ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر " وهي جرار كبيرة تسع قربتين " وإذا ورقها كآذان الفيلة " ولم يتجاوزها أحد سوى نبينا صلى الله عليه وسلم ولذلك سميت سدرة المنتهى قال النبي صلى الله عليه وسلم " وإذا أربعة أنهار، نهران ظاهران ونهران باطنان " أي وإذا بتلك السدرة ينبع من تحتها أربعة أنهار تجري في الجنة، نهران منهما باطنان - أي لم يرهما أحد من البشر لأنّه لا يراهما أحدٌ إلاّ في الدار الآخرة، وهما السلسبيل والكوثر، ونهران منهما ظاهران، نراهما في الدنيا، وهم النيل والفرات وهو معنى قوله:" فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان نهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات " قال صلى الله عليه وسلم: " ثم رفع لي البيت المعمور، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك " فلا يعودون إليه مرة أخرى، وهو في السماء السابعة حيال الكعبة قال صلى الله عليه وسلم:" ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن، وقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك " قال الحافظ: أي دين الإِسلام يعني أن هذا الشراب الذي اخترته هو الشراب الطيب الموافق لدينك وشريعتك، والموافق للطبيعة البشرية، لأنه أوّل شيء يدخل بطن المولود، ويشق أمعاءه ويغذي جسمه
(1) هكذا في رواية الكشميهي بزيادة: يدخله كل يوم سبعون ألف ملك وفي الرواية الأخرى بدون هذه الزيادة.
مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْم، قَالَ: إِنَّ أُمَّتك لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْم؟ وِإنِّي واللهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فارْجِعْ إلى رَبِّكَ فأسْالهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً، فَرَجَعْتُ إلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْراً، فَرَجَعْت إلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْم، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ
ــ
أثناء طفولته، ويكون له غذاءً ودواء وسقاء أثناء الرضاعة، بخلاف الخمر، فإنها شراب خبيث يفتك بشاربه صحياً وجسمياً، أما العسل فقد شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، قال: بم أمرت، قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم " أي لا تقدر على ذلك " وإني والله قد جربت الناس قبلك " يعني بني إسرائيل " وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة " أي عانيت منهم كثيراً " فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك " بالتنقيص من عدد الصلوات تيسيراً وتسهيلاً عليهم ليتمكنوا من أداء ما فرض الله عليهم دون مشقة أو عناء " فرجعت فوضع عني عشراً " أي فلما عدت إلى ربي، وسألته التخفيف نقص عني عشراً من الخمسين فصارت أربعين " فرجعتُ إلى موسى فقال مثله " أي فلما رجعت إلى موسى، وأخبرته أن الله قد وضع عني عشراً لم يكتف بذلك، وإنما أعاد عليَّ قوله الأوّل، فقال لي أن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال صلى الله عليه وسلم:" فرجعت، فوضع عني عشراً " فصارت ثلاثين " فرجعت إلى موسى فقال مثله " أي قال لي: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
بخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْم، فَرَجَعْتُ إلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمسِ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْم، قَالَ: إِن أُمتك لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْم، وِإنِّي قَدْ جَرَّبْت النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْت بني إسْرَائِيلَ أشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْألة التَّخْفِيفَ لأمَّتِكَ، قَلَ: سَألْت رَبِّي حَتَّى استحْيَيْت، ولكِنْ أرْضَى (1) وأُسَلِّم، قَالَ: فلَمَّا جَاوَزْت نَادَانِي منَادٍ: أمْضَيْت فَرِيْضَتِي، وخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي".
ــ
" فرجعت " إلى ربي " فوضع عني عشراً " فصارت عشرين صلاة " فرجعت إلى موسى فقال مثله " أي مثل قوله الأول، " فرجعت " إلى ربي " فأمرت بعشر صلوات " أي بعشر صلوات في اليوم والليلة قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فرجعت " إلى موسى " فقال مثله " أي فقال لي: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك " فرجعت فأمرت بخمس " أي فأمرني الله تعالى بخمس، يعني فصارت خمس صلوات في اليوم، واستقر الأمر على ذلك حيث قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:" أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي " أي نفذت حكمي وجعلت الصلاة خمساً، تخفيفاً على عبادي من هذه الأمة المحمدية، فلله الحمد والمنة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن من المعجزات العظيمة الثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة الإِسراء والمعراج (2)، والصحيح أنهما وقعتا في
(1) قال الحافظ: " قوله: ولكن أرضي وأسلم " فيه حذف، تقدير الكلام: سألت ربي حتى استحييت فلا أرجع، فإني إن رجعت صرت غير راض ولا مسلم ولكني أرضي وأسلم. اهـ.
(2)
قال الإمام أبو حنيفة في " الفقه الأكبر": " وخبر المعراج حق، فمن رده فهو ضال مبتدع، وقال القاري في شرحه عليه: من أنكر المعراج ينظر إن أنكر الإسراء من مكة إلى بيت المقدس فهو كافر، ولو أنكر المعراج من بيت المقدس لا يكفر.
ليلة واحدة قبل الهجرة بسنة (1) وإنما كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف ليكون في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتقوية لنفسه الشريفة على ما يواجهها من المصاعب.
وقد رويت قصة الإسراء والمعراج عن كثير من الصحابة عَدَّد منهم في " المواهب اللدنية " ستة وعشرين صحابياً. واختلف السلف والخلف: هل كان الإسراء بالروح فقط أو بالروح والجسد معاً، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح، وأنه رؤيا منام، وإلى هذا ذهب معاوية وابن مسعود وعائشة والحسن البصرى في رواية كما في " الشفاء " للقاضي عياض، واحتجوا بقوله تعالى:(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) لأن الرؤيا لا تطلق إلاّ على ما يشاهد في النوم، أما ما يشاهد في اليقظة فإنه يسمى رؤية لا رؤيا، قالوا: فلما سمّى الله المعراج رؤيا علمنا أنه كان مناماً، واحتجوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقوله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات: " بينا أنا نائم بالحطيم " وقول أنس رضي. الله عنه " وهو نائم في المسجد الحرام " وذكر القصة ثم قال في آخرها: فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام. اهـ. غير أن الإمام ابن القيم " نفي عن معاوية وعائشة أنهما يقولان بأن الاسراء كان مناماً، فقال في " زاد المعاد ": وعائشة ومعاوية لم يقولا كان مناماً، وإنما قالا أسري بروحه، لم يفقد جسده، وفرّق بين الأمرين، بأن ما يراه النائم قد يكون أمثالاً مضروبة للمعلوم في الصور الحسيّة، فيرى أنه قد عرج به إلى السماء، أو ذهب به إلى مكة وأقطار الأرض، وروحه لم تصعد، ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له الأمثال. اهـ. وذهب معظم السلف والخلف إلى أن الإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح معاً، وهو قول ابن عباس وجابر وأنس وابن المسيب وابن شهاب والحسن البصري والنخعي، وهو قول أكثر المتأخرين، وأجابوا بأن قوله تعالى:
(1) وبه جزم النووي، وأما شهره، فقيل كان في ربيع الأول، وقيل في ربيع الآخر وقيل في رمضان، وقيل في شوال، وقيل في رجب، حكاه ابن عبد البر، وجزم به النووي في الروضة، وأما ليلته فقيل في السابع والعشرين، وقيل في السابع عشر، والله أعلم. (ع).
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ليس نصاً صريحاً على نفي الرؤية بالبصر، فإن الرؤيا لا تختص بالرؤيا المنامية وحدها، فتخصيصها بما يرى في النوم غير صحيح من عدة وجوه، منها ما ذكره السهيلي من أن الرؤيا تأتي في كلام العرب بمعنى ما يشاهد في اليقظة ويرى بالعين أيضاً، ومن ذلك قول الراعي:
وَكَبَّرَ للرُّؤيَا وَهَشَّ فُؤادُهُ
…
وَبَشَّرَ قَلْباً كَانَ جَماًّ (1) بَلابِلُهْ
ومنها، وهو أقواها أن ابن عباس رضي الله عنهما فسر الرؤيا في الآية بأنها رؤيا بصرية لا منامية حيث قال:" هي رؤيا عين رآها النبي صلى الله عليه وسلم لا رؤيا منام " وابن عباس رضي الله عنهما حجة في اللغة ولسان العرب، وأهل مكة أدرى بشعابها، ولو كانت مناماً ما افتتن به الناس حتى ارتد كثير ممن أسلم. وأما قول عائشة رضي الله عنها:" ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) فإنه يعارض قول أبيها الصديق رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به: طلبتك يا رسول الله في مكانك فلم أجدك، فأجابه: " إنّ جبريل حملني إلى المسجد الأقصى " أخرجه البيهقي وابن مردويه، والصديق أدرى من عائشة بما وقع في تلك الليلة، لأنها كانت إذا ذاك طفلة صغيرة، لا يتجاوز عمرها على أقرب الروايات سبع سنوات، هذا إذا قلنا إنه صلى الله عليه وسلم أسرى به قبل الهجرة بعام، أما على القول بأن الإسراء كان قبل الهجرة بخمس سنوات فإن عمرها إذ ذاك لا يتجاوز ثلاث سنين، فهل نأخذ بقولها أو بقول أبيها: على أنها رضي الله عنها لم تتحدث بذلك عن مشاهدة، لأنها لم تكن زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، فلماذا يرجح
(1) قوله: كان جماً بلابله، أي كان كثير الأشواق والهواجس النفسية.
(2)
قال القاري في " شرح الفقه الأكبر ": وقد أغرب شارح العقائد في تأويل قول عائشة رضي الله عنها: " ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج " حيث قال: معناه ما فقد جسده عن الروح، بل كان معه روحه، قال: وغرائبه لا تخفى، والتأويل الصحيح لقول عائشة أن المعراج كان بمكة في أوائل البعثة حين لم تولد عائشة، أو يقال: القضية كانت متعددة.
حديثها على حديث أبيها الذي قاله عن مشاهدة ومعاينة وحضره بنفسه؟. اهـ. كما أفاده القاضي عياض. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " بينا أنا نائم في المسجد الحرام " وذكر القصة فقد قال عياض: ليس في الحديث أنه كان نائماً في القصّة كلها، فلعله كان نائماً، فلما جاءه جبريل أيقظه كما قال في رواية أخرى فهمزني بعقبه، وأما قوله " ثم استيقظت وأنا في المسجد الحرام " فلعل معناه أنّه لما عاد صلى الله عليه وسلم نام بقية تلك الليلة فلما استيقظ في الصباح وجد نفسه في المسجد الحرام.
واستدل القائلون بأن الإسراء والمعراج كانا بالجسد والروح معاً بقوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حيث افتتحها الله بالتسبيح المشعر باستعظام ما كان في الأمر، والتعجب منه، لأنه حادث خارق للعادة، مخالف للسنن الكونيّة، فلو كان الإسراء بالروح فقط لم يكن ثمة ما يقتضي هذا لأنه أمر عادي يقع لكل واحد. ثم إنه قال " بعبده " وهو نص قاطع في الموضوع، لأن العبد لا يطلق إلاّ على الشخص المكون من الروح والجسد واستدلوا أيضاً بما جاء في أحاديث الإسراء والمعراج من أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بذلك هاج هائجهم، وقامت قيامتهم، فمنهم الواضع يده على رأسه تعجباً، ومنهم المصفق بيده، وارتد بعض من كان على الإِسلام، فهل ترى أن ذلك كله كان من أجل رؤيا منامية أخبرهم عنها صلى الله عليه وسلم. كما أن في القصة ما هو أكثر وأقوى دلالة من هذا وهو أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن عيرهم فأجابهم بأنه مر بها، وقد ند منها بعير فانكسر، وأنه مر بعير أخرى قد ضلوا ناقة لهم، وكان معهم قدح من الماء فشربه صلى الله عليه وسلم، فسألوهم عندما قدموا مكة: فصدقوا ذلك، فهل ترى أن الروح هي التي شربت وقد قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في " مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم " "ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح (1) من المسجد الحرام
(1)" مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم " للشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.