الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذ ذاك ورد من الأطباء الحذاق الحارث بن كلدة، فأحضر عدد سبع حبات من بلح العجوة واسحقها وأخذ ماءها وبدأ يعالجنى بها وسقانى من ذلك الماء، وفى الواقع أن بلح المدينة المنورة يجمع خصائص عديدة فمن يأكلونه فى الأوقات التى عينتها الأحاديث الشريفة لا يؤثر فيهم لا السحر ولا سمّ هلاهل المهلك، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«ومن تصبح بسبع تمرات من العجوة لم يضره يومئذ سم ولا سحر» و «من أكل سبع تمرات عجوة ما بين لابتى
(1)
المدينة على الريق لم يضره فى يومه ذلك شئ حتى يمسى وإن أكلها حين يمسى لم يضره شئ حتى يصبح» و «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر» «حديث شريف» .
و «اعلموا أن الكمأة
(2)
دواء العين» و «إن العجوة من فاكهة الجنة، والكمأة من المن وماءها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهى شفاء السم» . «حديث شريف» .
البرنى:
وبما أن البلح المسمى بالبرنى كان من البلح المرغوب لدى الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك مدحه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا: «يا أهالى المدينة إن أفضل أنواع البلح الذى ينبت فى بلدكم البرنى» «حديث شريف» إنه يخرج الأمراض والعلل من بطن آكله وإنه غير مضر ولا يجلب العلل» والحديث الشريف الذى يشمل ذلك المعنى «خير تمركم البرنى يخرج الداء ولا داء فيه» ،ولا نعرف حكمة تخصيص الشفاء بسبعة أعداد من بلح العجوة ولا سره، ولكنه يلزم الاعتقاد بكل إخلاص وطمأنينة لحكم الحديث الشريف وأن يعتمد على أن البلح العجوة يجمع الفيض والبركة، لأن الذين داوموا على أكله قد تواتر شفاؤهم.
إن العجوة معروفة لدى أهل مكة، إنها نوع من البلح يحتوى على الشفاء المحصن، لأنها خلقت من بقايا طين حضرة أبى البشر
(3)
وتجمع بين جميع
(1)
لابتى: معناه التل والربوة.
(2)
كمأة: نوع من عش الغراب ينبت فى أماكن ظليلة وجمعها أكماء. وانظر فى هذه الأحاديث كتاب الطب النبوى لابن القيم ص 2114 وما بعدها. ط 14 دار الوعى-حلب بتحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى.
(3)
جاء فى الحديث الشريف: «أكرموا عماتكم النخلة .. » .انظر تفصيل ذلك فى كتاب النخلة للسجستانى.
الخواص لذا ينقل أنها أنفع الفواكه جميعا للإنسان، وبناء على قول ابن الأثير، إن هذا البلح من نوع أكبر من «الصيحانى» ولكن لونه مائل إلى السواد. وإن كان الإمام داود يذهب إلى أن العجوة أوسط أنواع البلح من إنتاج المدينة وذهب بعض المؤرخين إلى أنها من أنواع بلح مكة، إلا أن الإمام البزار قال:«إن بلح العجوة من جنس البلح الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه» لذلك رجّح أهالى المدينة قول الإمام البزار على سائر الأقوال وينقلون أن اليهود قد أحرقوا نواة تمرة ثم قدموها إلى النبى صلى الله عليه وسلم قائلين يا محمد: أغرس هذه النواة قإذا ما نمت وترعرعت نصدق نبوتك» فأخذها النبى صلى الله عليه وسلم وابتدر بغرس النواة بنفسه ومن هذه النخلة نشأت العجوة وأثمرت الشجرة فى الحال»،وفى سبيل تأييد مدعاهم استدلوا على ذلك بالرائحة الخاصة التى تمتاز بها العجوة، وفى الواقع أن ما يدعيه أهالى المدينة الطيبة مقترن بالصحة إذ يحس فى حين تناولها برائحة طيبة.
ومع هذا ليس هذا البلح عين ما غرسه صاحب المعجزات بيديه السعيدتين من البلح.
ولم يبق فى عصرنا شئ من التمر الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم بيده المؤيدة بالإعجاز، هناك من يدعى وجود نخلة واحدة بين نخيل المدينة المنورة من جنس التمر الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا الادعاء من قبيل الظنيات، وإن كان بلح العجوة موجودا الآن إلا أنه ليس من نوع البلح الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم ولكنه نوع متفرع من بلح يسمى «الجادى» .ويلزم أن يكون تمر النبى من صنف البلح الذى يعرف ب «الحلية» إلا أن العجوة نوع من البلح بين الحلية، وحجمها يشبه حجم الحادى ولونها يشبه لون البلح المسمى «غراب» وطعمها يشبه للحلية، وحجمها يشبه حجم الجادى، لذلك يظن الذين لا يعرفون أشياء عن أجناس البلح أن العجوة بلح النبى صلى الله عليه وسلم، كما أن الذين لا يعرفون عن حقيقة بلح الحلية شيئا يدعون أنه لم يبق بلح من جنس بلح النبى صلى الله عليه وسلم، كما ذكر آنفا إلا أن أهل الخبرة أثبتوا مدعاهم بكثير من الأدلة المقنعة والتى تؤكد على أن لهم خبرة ومهارة فى تعيين جنس البلح أثبتوا أن بلح الحلية من جنس بلح النبى صلى الله عليه وسلم.
ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب العجوة حبا جمّا أمر ورغب أهالى مكة فى أكل هذا البلح، ولما كان الأصحاب الكرام يعملون بموجب الأمر النبوى أحبوا بلح العجوة وأقبلوا على أكله وفق تعليمات النبى صلى الله عليه وسلم، وما زال أهل المدينة يراعون هذه الأصول إذ يجمعون بلحهم فى موسم الجنى ويملئون به أزيار ويأكلونه فى أيام الشتاء وإنهم يحرصون على حفظ البلح أكثر من أى شئ آخر، وليس هناك مدنى لم يحفظ فى أيام الصيف ما يكفيه من العجوة لأيام الشتاء.
وفى إستانبول يعد الناس الحطب والفحم، وفى البلاد العثمانية الأخرى يعدو للشتاء جريش البر المسلوق «برغل، وما يلزم لحساء «طارخنة»
(1)
والذين لا يخزنون هذه الأشياء فى مواسمها يعانون كثيرا فى الشتاء ويتعبون، هكذا يعانى من لم يخزن بلح العجوة فى الشتاء من سكان دار السكينة ويتعبون كثيرا، وما زالت هذه العادة قائمة إلى الآن بين أهالى المدينة، ولكن ما جمعوه وادخروه من البلح على أنه عجوة ليست من العجوة المأثورة، ويطلع على ما يدخرونه من البلح «مجلات وحشية» وهو خليط ومزيج من هجين نوع من البلح، ولما كان هذ النوع من البلح أرخص ثمنا فعربان البوادى والفقراء من الناس يرغبون فى تخزينه ظنا منهم أنهم يخزنون بلح العجوة، أما الأغنياء من الناس يخزنون للشتاء بلحا من جنس «حلية، شقرى، بيض، حلوة» وثمن هذه الأنواع أغلى بالنسبة للبلح المخلوط.
ويبين مؤرخو المدينة الطيبة سبق تسمية بلحها بأسماء معينة ويقولون فى تعريف بلح الصيحانى: إن نخلة قد صاحت مصدقة للنبوة أو أن البلح نبت أولا فى حديقة يطلق عليها الصيحانى، والذى نقل القول الأول هو جابر بن عبد الله الأنصارى، ولما كان هذا القول يروى مستندا إلى أسانيد جيدة يرجح على القول الثانى وتؤتى هذه الرواية بكرامة أهل البيت وقربتهم وشرفهم.
وقال حضرة جابر وهو يبين سبب تسميته بلح الصيحانى، كنت قد ذهبت يوما
(1)
نوع من الحساء يصنع من الزبادى أو الحليب المتخمر ويخلط بالدقيق أو بماء اللحم ثم ينشف فيطحن.
مع النبى-عليه صلوات الله الملك المنان-إلى بساتين النخيل، وكان معنا على بن أبى طالب وكانت يده المؤيدة بالفيض فى يد النبى صلى الله عليه وسلم.
وكان كلاهما أمامى بعدة خطوات، ومرا بجانب نخلة وكانت تلك النخلة موزونة القامة فصاحت صيحة شوق وابتهاج وقالت «إن ذلك الشخص سيد الأنبياء محمد «عليه صلوات الأحد» وبجانبه سيد الأولياء أبو الأئمة الطاهرين» كذلك نطقت إحدى النخيل القريبة منها وقالت صائحة:«إن هذا الشخص محمد رسول الله وبجانبه على سيف الله» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا على «فلتسم هذه الأشجار بعد هذا «بصيحانى» ،وانتشر الخبر بين الأهالى وشاع وأخذوا يطلقون لهذا الجنس من النخيل «الصيحانى» انتهى.
وإن كان بلح المدينة كثير الأجناس مختلف الأنواع إلا أننى استطعت أن أعد ما يقرب من مائة وثلاثين نوعا «ولا يشبع للطاقة نوعى العجوة والبرنى وحلاوة مذاقها» .
بناء على ما فصل فى الصورة الثانية من الوجهة الأولى لم تبق من أنواع البلح فى زماننا القدر الذى ذكره المرحوم السمهودى، لذا قرر أن يطلق على جميع أنواع البلح «اللون»
(1)
ما عدا الأسماء التى ذكرت فى الوجهة المذكورة وعددت.
(1)
روى فى بعض كتب التاريخ أن أول من غرس النخلة هو شيث عليه السلام.