الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصلت هذه الفوضى لأسماع السلطان أدركته الغبرة وأراد أن يقف دون هذه الشرور وأن ينقذ أهالى البلدتين الطيبتين من بلاء القحط والغلاء فألغى نظارات الدشيشة كلها، ورفعها ثم أمر بأن تضم جميع النظارات تحت نظارة واحدة بعد أن خصص ألف إردب قمحا لهذه النظارة كما عرف صورته فى الأمر العالى الذى سيأتى فيما بعد، وهذا التصرف دليل واضح على ما أولاه السلاطين العثمانيون من الرعاية والحرمة نحو الحرمين الشريفين ولا شك أن رعاية هذه البقاع المقدسة وتطييب خاطر سكانها فرض عين على العامة والخاصة ولا سيما الملوك العظام.
صورة الأمر المرسل إلى المحافظ إبراهيم باشا من قبل السلطان والخاصة
بنظارة الدشيشة الكائنة فى مصر:
هذا الحكم الصادر لإبراهيم باشا وزيرى فى محافظة مصر، لما كانت مكة ووادى البطحاء غير ذى زرع ولما كان انتعاش سكان الحرمين ومعاشهم متوقفا على الجراية والحبوب التى ترسل من الديار المصرية ووصولها إليهم، وأن دشائش الأوقاف مثل الدشيشة الكبيرة والمحمدية والخاصكية وغلال الجراية والصدقات لم تكن ترسل فى وقتها منذ عهد المرحوم المغفور له والدنا العظيم، وذلك لعدم اهتمام أمير الأمراء بإرسالها وبسبب كثرة أطماع النظار ومشايخ العربان وقلة تدينهم، فضلا عن إرسالها ناقصة، فزادت حالة فقراء الحرمين الشريفين والخدم والمجاورين بؤسا بسبب القحط والغلاء وصاروا يعانون الآن جميعا من الضيق الشديد، لمّا ألقى إلى مسامعنا السلطانية بحثنا عن سبب هذا الإهمال فوجدنا أن لكل دشيشة ناظرا ومباشرا خاصّا وأن النظار وأمراء الحج لا يحرصون على إيصال العربان الدشائش وغلال الصدقات ونقلها بجمالهم فى أوقاتها، بل يحرصون على نقل غلالهم الخاصة التى سيبيعونها كما أن بعض الأشخاص من الخارج يؤجرون جمال العربان لينقلوا غلالهم الخاصة.
وعدم نقل غلال الدشيشة فى وقتها وأكلها بالاتفاق بين النظار والعربان من الأمور التى اعتادوا عليها، ورأينا أن حل هذه المشكلة أن تلغى نظارات الدشيشة الكبيرة، والمرادية والمحمدية والخاصكية وغلال الصدقات والجرايات، وأن توحد نظارتها وتسند إلى إنسان موثوق فيه، يعتمد عليه، رجل متدين قانع يكتفى بما يأخذ من الرسوم العوائد العادية، فلا يطمع فى حق الفقراء ولا يتجاوز حقه، كما أن مشايخ العربان عندما يرون قناعة الناظر وعفة نفسه فإنهم لا يخونون ولا يتجاوزون الاعتدال فى تعاملهم، وبهذا يمكن أن تنقل غلال الدشيشة والجراية والصدقات إلى أماكنها فى أوقاتها تماما هذا ما نهاه إلينا بعض أهل الخير وأصحاب العارفين بحقيقة الأمر، والآن لما كان احترام أقدس بقاع الأرض الحرمين الشريفين ورعاية جانب سكانهما ومساعدتهم من واجب العامة والخاصة ولا سيما السلاطين العظام، ولما كان أجدادنا السلف الصالح قد حملوا لقب خادم الحرمين الشريفين واستحقاق هذا اللقب قائم على رعاية سكان الحرمين الشريفين واحترام وتحسين حالتهم المعيشية بتوسيع أرزاقهم ونفقاتهم وأن ثبات هذه النعمة السلطانية العظيمة ودوامها لا يتيسر إلا بإقبال هذه الطائفة من الناس الصالحين بالدعاء المجاب لها فارغى البال ومترفى الحال، وهذا ما جزم به اعتقادى السلطانى، لذا فأقصى مرادى ومبتغى فؤادى أن تصل غلال الدشائش والصدقات والجرايات إلى أصحابها فى وقتها فى عز سلطنتى الميمونة فمن هنا قررت أن تلغى جميع نظارات الدشائش المذكورة وتجمع كلها تحت نظارة واحدة، وإننى أرى أن يكون هذا الشخص داود أغا من خدم الحرم المحترمين سابقا ومعتمد المتقاعد حاليا فى المحمية المصرية قدوة الخواص، والمقربين ومعتمد الملوك والسلاطين، وبما أننى أعتمد على وفرة تدينه وأمانته وفرط استقامته رأيت أن أعينه ناظرا على جميع الدشائش، وكذلك رأيت أن توضع دشيشة الملك قايتباى تحت نظارة المشار إليه داود أغا بناء على رأيك وبناء على شرط الواقف؟ الذى جعلنى ناظرا عليه أصالة وجعلك ناظرا بالوكالة، وصدر أمرنا عليه أن توضع جميع الدشائش تحت نظارة داود أغا.
ولتوزع بعد ذلك دشائش الحرمين الشريفين على جمال العربان التى ستحمل غلال الدشيشة والصدقات والجراية على قدر ما تتحمل جمالهم، ويجب ألا يتعدى أمير الحاج أو غيره على جمل واحد من جمال العربان أو يتعرض إليه قبل أن تنقل الأشياء المذكورة إلى بندر السويس، كما يدبر من مخازن مصر ألف إردب قمحا وصدقة باسم جلالتى وتنقل إلى الحرمين الشريفين قبل جميع الدشائش التى ترسل عقب إرسال صدقتى، هذا ما صدر به أمرى العالى مقرونا برسالتى.
وقد تفضلت بمجرد وصول أمرى هذا أن توضع دشائش الدشيشة الكبيرة، والأشرفية، والمرادية والمحمدية والخاصكية وكذلك نظارة الصدقات الأخرى والجرايات تحت تصرف المشار إليه، وتوزع الدشائش التى عينت إلى مشايخ العربان لتنقل بواسطتهم إلى ميناء السويس، ولتحرص على ألا يتعرض أمير الحاج أو شخص آخر إلى جمل من جمال الحمل والنقل وما عين من قبل جلالتى مجددا من ألف إردب قمحا من مخازن مصر صدقة لأهل الحرمين وأن تنقل بعدها الدشائش الأخرى وغلال الصدقات والجراية، منبها بألا ينقص قدح قمح واحد عند إرساله ونقله وإننى أعتمد فى هذا الخصوص على تدينك وأمانتك ومهارتك واستقامتك وحسن فراستك ومزيد كياستك وإن ثقتى فيك لا يعلو عليها شئ.
وزد اهتمامك بهذا الموضوع لأن الدشائش والصدقات والجرايات من حق الفقراء فإذا ما وصلت تامة كاملة وفى وقتها المحدد، أنقذ فقراء الحرمين من القحط والغلاء ويعمهم الرخص والسعة ويخلو بالهم وتتحسن حالتهم المعيشية فيقبلون على الدعاء بالغدو والآصال لدولتى وعلو شأنها.
وإذا ما أبرز أحد من أغوات الحرمين المحترمين أو واحد من أمراء مصر أو غيرهم أمرا أو إذنا من قبل ديوانى السلطانى أو إدارتى المالية، بعد فرمانى السلطانى هذا، فلا يلتفت إليه ويسحب منه رخصته ويرسل إلى عتبتى
السلطانية، وابعث إلىّ بأسماء الذين يعوقون وصول الدشائش أو يؤخرون وصولها، والذين يتدخلون فى أمور جمال العربان ويتعرضون لهم، ويجب عليك أن تتخذ حكمى السلطانى هذا دستور عملك وأن تصونه من التغيير والتبديل وقف دون الذين يريدون مخالفة ما جاء فى مضمونه.
تحريرا فى سنة ثلاث عشرة وألف. انتهى.
وقد جدد السلطان أحمد خان فى يوم جلوسه الميمون أبسطة حرم السعادة وستائر الكعبة المعظمة والحجرة المعطرة المزركشة، والكسوة التى فوق قبر حضرة فاطمة-رضى الله عنها-وغطاءى
(1)
عمودى الحنان والمنان وأرسل خمسة آلاف دينار لتوزيعها على أهالى الحرمين الشريفين كصدقة سلطانية، وأرسل لوحة غالية الثمن تتكون من 227 قطعة ماسية، وقد سبق تعريفها فى مقالة خاصة، على أن تعلق مكان الكوكب الدرى الذى فى ضريح السعادة وذلك فى سنة 1012 هـ.
وبعد أن علق لوحة الكوكب الدرى المزينة، دليل حبه السلطانى الذى يفوق الحد للنبى صلى الله عليه وسلم، فى ضريح ظاهر الأنوار كشارة لوحة النبى الكريم، فى تعليقها فوق الباب الذى يطلق عليه باب التوبة، وكانت لوحة جميلة مصنوعة من الفضة الخالصة ومزينة غاية التزيين، وذلك فى سنة 1026 هـ،وكان طول اللوحة ذراعين وعرضها ذراع واحد كتب عليها تاريخها باللغة العربية.
لوح السلطان أحمد أهداه حبا خالصا وقطع وقفا على أعتابك يا سيدى لتقبيل تراب عتبتك وياله من تراب، وقمنا تجاه الوجه نرجو الشفاعة إلى الله فى بحر الإساءة والذنب.
وقد علقت هذه اللوحة على الكمر الخارجى لباب التوبة وكانت ترى من داخل الروضة المطهرة.
وقد ضم السلطان أحمد خان لصرة الحرمين ألف قطعة ذهبية سنويا، وأنعم بعطايا كثيرة لأيتام السادة والأشراف لا تعد ولا تحصى، وأمر رجال الدولة أن
(1)
قطعة القماش هذه كانت نسجت من 18151 مثقال من الخيوط الذهبية.