الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستخرجة غاية فى اللطف وكان لونها قريبا من اللون الوردى، فسّر أفراد الهيئة وأهالى المدينة من هذا الأمر وقالوا:«إن ظهور هذا المعدن من جملة ما وفق فيه السلطان» .
وهذا عين الصواب، ولا يخفى على الذين يقفون على الوقائع التاريخية لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الملوك الذين بذلوا المساعى والجهود لتعمير مآثر البلدة النبوية لم يوفقوا فى كشف معدن مثل ذلك واضطروا لجلب تلك الحجارة اللازمة للتعمير من مصر والجهات الأخرى البعيدة، وقد ظهر هذا المعدن اللطيف فى وادى
العقيق
الذى عظم قدره بحديث مخصوص.
العقيق
كما عرف فى مكانه واد مبارك، كان اسمه القديم السليل، ولما قال تبع الحميرى هذا عقيق الأرض فعرف باسم العقيق، ومن المحتمل تسميته بهذا الاسم لاحمرار رماله.
غريبة
بينما كان إبراهيم أغا يتحرى عن الحجارة فى الجبال مع أصحاب الوقوف من أهل المدينة، ظهر شخص على شكل أعرابى وقال له: «يا إبراهيم أغا إننى أعرف فى هذه الأماكن معدنا، تعالى أريك إياه. قد ينفعك فقادهم وهو سائر أمامهم إلى الجبل الأحمر حتى وجد ذلك المعدن فى هذا المكان وأراه لهم، وسر إبراهيم أغا من مروءة هذا الأعرابى وأراد أن يكافئه بعطية، إلا أن الأعرابى قد اختفى عن الأنظار فى الحال.
إن هذه الإشارة علامة شاملة البشارة على أن خدمات والد السلطان كثير المحامد قد حظيت بحسن القبول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونصب حليم أفندى على الجبل المذكور الخيم وبعث الآلات والأدوات اللازمة: النجارين، والحجارين وفتح منجما فى قمة الجبل، ورفع الصخور التى عليه فاستخرج قطع حجارة كبيرة وأمر بنحتها لتكون صالحة للاستعمال.
لأن الحجارة التى استخرجت كانت غير قابلة للنقل من جهة إلى أخرى فضلا عن نقلها وحملها على الجمال، وفى الآخر سوى الطرق التى بين الجبل المذكور والمدينة المنورة، وهيأ مكانا واسعا خاصا بالحجارين، وبعد مدة عين محمد رشيد أفندى محافظ المدينة وكيلا له ثم عين شريف أفندى من أقاربه لرياسة معتمر العمال، ولما ذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج انقطعت أنفاسه الأخيرة فى منى وارتحل عن دنيانا، ورحل حليم أفندى الذى أتى من باب السعادة كما أن أشرف أفندى هو الآخر قد ارتحل عن دنيانا فى منى أيضا بعد وفاة حليم أفندى.
وكان هذا الشخص قد أرسل من قبل حليم أفندى إلى باب السعادة بعض ذهب مجيدى من فئة مائة، وإثر وفاته قد اخذت هذه المبالغ الذهبية بمعرفة الحكومة وأرسلت إلى شورى هيئة البناء المقدس. وإن كان حليم أفندى قضى ما يقرب من ستة أشهر فى مهمة البناء المقدس وبذل جهده لأداء عمله على أحسن وجه إلا أنه فى أثناء هذه المدة وجد المعدن المذكور وسهل الصعوبات التى ظهرت فى نقل تلك الحجارة من الجبل الأحمر ومهده وبنى محلا خاصا لتقطيع الحجارة ونحتها فى موقع يطلق عليه دار الضيافة وجهز الآلات والأدوات اللازمة فقط ومن هنا لم تتقدم عمليات مسجد السعادة.
وعقب وفاة حليم أفندى أرسل رجل يصدق لدى الباب العالى درايته وأهليته، لكشف أبنية مسجد المدينة المسعودة ومعاينتها إلى دار السكينة، وقرر فى مجلس الوزراء الخاص تفويض هذا الأمر الجليل إلى محمد أسعد
(1)
مؤلف «دريكتا» من أجلاء العلماء المتبحرين الذى قرر أن يذهب فى تلك السنة إلى
(1)
محمد أسعد أفندى المشار إليه يعرف باسم إمام زاده وكان فى ذلك الوقت من أعضاء المجلس الأعلى.
أراضى الحجاز لأداء فريضة الحج، واستأذن السلطان فى هذا الأمر وصدرت الإرادة السنية بذلك وأخبر بذلك أسعد أفندى وكان فى هذا الكشف الثانى والى الحجاز آكاه باشا أيضا ولما فسر قرار مجلس الوزراء بخصوص كيفية كشف ذلك المقام السامى بطريقة مع داود باشا شيخ الحرم النبوى، وبين له المهمة التى كلف بها ثم استفسر منه فى أثناء حديثه عن الذين يقتضى وجودهم معه فى أثناء كشف الأماكن المقدسة، وسر داود باشا من اختيار محمد أسعد لهذه المهمة وبين له أصحاب المعلم فى هذا الموضوع ذكر أسماؤهم وأسرع بتشكيل هيئة كشف من سادات البلد وموظفى الحكومة ومن العالمين بكشف المكان وأصحاب الوقوف فيه.
وقد كشفت تلك الهيئة وعاينت داخل حرم السعادة وخارجه وعثرت على الجدران المتشققة والقباب التى بليت والسقوف التى مالت للسقوط والانهيار وبعد أن رأى تلك الأماكن قال شيخ الحرم، السيد المحترم، قد عرفتم أن تعمير الحرم الشريف قد وصل إلى درجة الاستحالة، فإذا ما أصلح بعض أماكنه بإنفاقه نقود طائلة، فمن البديهى أن المواقع الأخرى ستحتاج إلى الإحكام والإصلاح وهذا بديهى، وإذا التزم جانب إصلاحه وتعمير بعض أماكنه فعلى هذا التقدير سيكون قد فتح باب لصرف نفقات باهظة بإصلاحه كل عام.
إلا أن محمد أفندى أسعد قال: «إن المبالغ التى ستنفق لتعمير أبنية الحرم النبوى تقتضى أن تكون من الحلال الطيب المطلق» ،وألمح أنه ليس مع الذين يريدون أن يعمروا الحرم النبوى كاملا وبين أنه يمكن إحكام الحرم النبوى بتعمير بعض جهاته، وأسكت الذين يقولون بأن تعمير بعض جهات الحرم النبوى مضر للخزانة السلطانية.
وقد تأثر شيخ الحرم داود باشا
(1)
من رأى محمد أسعد أفندى أعظم تأثر كما
(1)
منذ أن دخل الحجاز فى حوزة السلاطين العثمانيين إلى يومنا هذا لم ير الناس شيخا للحرم فى نبل داود باشا.
أن الأهالى عامة تغيروا منه ولم يلتزموا جهة إقناعه بإتيان أدلة مقنعة ولكنهم بالاتفاق توجهوا ناحية سلطان الأنبياء-على نبينا وعليهم التحايا-وعطفوا النظر إلى الحجرة المعطرة وحصروا أنظارهم قبل حضرة النبى صلى الله عليه وسلم لعله تصدر منه إشارة معنوية، وسكتوا عن الأمر.
ولما رأى محمد أفندى أسعد تأثر داود باشا وأعاظم أهل المدينة وساداتها وعلمائها واغبرارهم، ندم على أنه اتخذ رأيا يؤدى إلى إنقاص الخاطر، إلا أنه على حق لأنه ما كان يستطيع أن يتصرف خلاف التعليمات التى صدرت له من الباب العالى.
سقوط قبة-كان ذلك عقب أداء صلاة الصبح بعد أن شكل محمد أسعد أفندى الهيئة الكشفية لكشف ومعاينة مسجد السعادة، وعقب القرار أخذت تسقط قطع طلاء قبة من القباب التى فى مقدمة الجهة القبلية من حرم السعادة، وكأنها تخطر بلسان حالها لزوم تجديد أبنية المسجد، الشريف المقدسة، إن هذه الحالة قد أقنعت إمام زاده بلزوم تجديد المسجد، قد أدت الأنقاض التى سقطت من القبة إلى مقتل الشيخ محمد إسكندر الذى كان يقف أمام نافذة المواجهة النبوية وفى النقطة التى يقف فيها من يزورون عمر بن الخطاب-رضى الله عنه-ولو وجدت الهيئة الكشفية فى النواحى التى وقعت الأنقاض فيها فى هذه الساعة، لحدثت مصائب أكثر من ذلك، قد توفى محمد أفندى متأثرا بإصابته بالجرح فى رأسه وتوفى قبل أن ينقل إلى الحى الذى يسكن فيه، وكان من الإسكندرية ومن أجلاء طلاب الشيخ الصاوى وكان رجلا فطنا وغاية فى الإخلاص، رحمه الله رحمة واسعة وانهار عقب هذه الواقعة جهة سقف من سقوف مسجد السعادة فى الجهة الشرقية وبما أنه لم يكن تحته إنسان لم يتسبب فى أية خسائر فى الأرواح.
ولما ظهرت تلك المعجزة المذكورة استيقظ إمام زاده من نوم غفلته الثقيل وفهم رأيه السقيم وأذعن لخطئه وأخذ يستغفر نادما وصدق قرار مجلس المدينة سالف الذكر ونقل مكانه مدير الخزانة النبوية عبد اللطيف أفندى وعين بدرى أفندى من
الكتبة لكتابة مصاريف الأبنية السعيدة، وأمر بفتح المضيفة التى فى الجهة الشامية من المسجد وجعلها سكنا للكتاب والعمال كما عين إسطبلات عديدة للحيوانات التى تستخدم فى عمليات البناء وعاد بعد ذلك إلى باب السعادة وكتب تقريرا عن مشاهداته الذاتية ومطالعاته من أولها إلى آخرها.
ويناء على المضبطة التى فهمت من قبل الباب العالى وبناء على التقرير الذى قدمه محمد أسعد صدرت الإرادة من الخلافة المعظمة بسرعة إجراء ما يقتضيه الحال.
ولما عاود العمال العمل مرة أخرى فى إعمار حرم السعادة كان العربان يتعدون على العمال، وقد دامت هذه الاضطرابات فترة طويلة وفى النهاية أرسل من باب السعادة الفريق الحاج خالد باشا فشتت شملهم وذلك فى سنة 1274 هـ.
وكان محمد رائف باشا فى أثناء عصيان العربان يسعى لأداء مهمته ويهتم بالمحافظة على الجهات التى فى الجبل الأحمر وطريقه ومع ذلك يتأسف ويحزن كلما رأى حال مؤخر حرم السعادة المؤسف ويضطرب، لأن فى الوقت الذى بين وفاة حليم أفندى وتاريخ وصوله إلى المدينة توقفت عمليات بناء الأبنية المقدسة فساءت حالة بعض جهات مؤخر حرم السعادة وأوشكت على الانهيار فجأة وبناء عليه قد قويت الأعمدة التى اعوجت بدعامات وبهذا قد أنقذت لوقت قليل من المخاطر الآتية، بعد ما أحكم محمد رائف باشا تلك الدعائم كشف وعاين بكل دقة وعناية حرم السعادة وفهم أنه إذا لم تقتلع الأعمدة المعوجة وتركز أعمدة جديدة رصينة فى أماكنها لن يسلم سقف مؤخر المسجد النبوى من الخطر، ولن تنقذ الساحة الرملية من الضيق والازدحام إلى أن يفتح باب فى الجدار الشامى وذلك بنقل قبة الشمع الكائنة فى الساحة الرملية إلى خارج الجدار الشامى، ونظم فى هذا الخصوص خريطة كاملة وعرضها على من يهمه الأمر وقال: «إنه يجب أن يطلق على هذا الباب، الباب المجيدى وتنشأ على جهتى هذا الباب مدارس فوقه وتحت وأن نطلق عليها، مكاتب مجيدى، وأرسل نسخة من هذه
الخريطة إلى الباب العالى ليعرض على الأنظار السلطانية وإذا ما استلم هذه الخريطة فإنه سيحدد مؤخر حرم السعادة وفقا لهذه الخريطة.
ولما كان نقل قبة الشمع خارج الجدار الشامى وإنشاء مدارس خاصة من أجل الصبيان خدمة عظيمة تسدى لرعية المسجد النبوى الشريف.
من هنا كان تدبير محمد رائف باشا الواقعى من جميع الوجوه يستحق التقدير بل الحمد والثناء لأن أطفال سكان المدينة المنورة كانوا يتلقون تعليمهم الابتدائى قبل قباب مؤخرة حرم السعادة فى حالة متفرقة وكانوا يقومون حسب الصباوة بحركات غير لائقة، ولما كانت هذه الحالة تخالف الحديث الشريف الذى رواه ابن ماجة عن واثلة بن الأسقع والذى يقول ما معناه:«أبعدوا عن مساجدكم أطفالكم ومجاذيبكم وامنعوا البيع والشراء والخصومات وإقامة الحدود ورفع الأصوات وسل سيوفكم واجتنبوا مثل هذه الحالات وداوموا فى تبخير مساجدكم أيام الجمع»
(1)
.
ولما كانت فى تلك الأوقات فى الحرم الشريف نظيفة، كما أنه لم تنعم جماعات الموحدين فى الحرم الشريف بالسكون من وقاحة من يسمون بالمجاذيب من الحمقى غير المتدينين، كما أنه لم يبق مجال للتأمل والتفكير أمام المواجهة النبوية من ثرثرة المزورين والأغوات، ووجود قبة الشمع فى الساحة الرملية وإدخال الجمال التى تحمل زيت الوقود من باب الرحمة إلى حوض تلك القبة قد أخلت نهائيا بالتعظيم والرعاية اللازمين للحرم الشريف.
وقد حظيت الخريطة المرسلة إلى باب السعادة بالتقدير وأمر أن يجدد مؤخر الحرم الشريف كما جاء فى الخريطة المذكورة وأن يحول اسم الباب المجيدى إلى أسم باب التوسل وأن يؤخذ آراء ورضا أهل المدينة بخصوص الأماكن التى
(1)
ونص الحديث: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم، وأصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم، وجمروها فى سبع واتخذوا على أبواب مساجدكم المطاهر» وحديث واثلة رواه ابن ماجة ورواه الطبرانى عن أبى الدرداء وأمامة وواثلة، وينحوه عن معاذ بن جبل وانظر: مجمع الزوائد للهيثمى 25/ 2 - 26.
يقتضى الأمر تجديدها، بهذا صدر الأمر السلطانى وأبلغت الكيفية إلى محمد رائف باشا بالرسالة وبناء على التحريرات السامية التى وردت عرض الباشا تلك التحريرات إلى من يقتضى الأمر عرضها عليهم وبين أنه سيعمل وفق هذه الأوامر السلطانية وإن كان بعض الأهالى اعترضوا على تغيير الأساطين وقالوا:«لا لزوم لتغيير الأساطين، وإذا ما غيرنا الأعمدة التى ظلت لمدة مديدة فى مؤخرة حرم السعادة وجاورت الحجر المعطرة نكون قد ارتكبنا نوعا من عدم الرعاية؛ ولأجل ذلك يقتضى الأمر إبقاء هذه الأعمدة فى أماكنها وتقويتها بدعائم كما أن القباب التى تحملها تجدد بهذا الشكل» .وبهذا التزموا القول الذى يقول بإبقاء جميع الأعمدة التى فى مؤخرة حرم السعادة وأن تعمر وتجدد دون أن يحدث أى تغير فى جميع جهات الحرم النبوى الشريف.
وإذا ما لم تغير هذه الأعمدة فالقباب التى تقرر تجديدها مهما كانت خفيفة تحطم الأعمدة القديمة التى يراد إبقاؤها كما أنها تقتل من تحتها منهارة بعد مرور وقت قليل، وإذا لم نهتم بالمخاطر المعروضة وبنينا القباب، نكون قد بذرنا الأموال بعملنا وهذا عمل يخالف الشريعة الغراء وهو عمل غير معقول لا تقبله ضمائر الموحدين، وإذا ما استرخصنا بصنع القباب التى صدر الأمر السلطانى بتبديلها بالبناء فالقباب الخشبية التى سنصنعها لا تتحملها هذه الأعمدة القديمة، وإذا ما سمحتم فلنقتلع أولا واحدا من هذه الأعمدة ونعاينها».
فإن لم يتحقق ما قلته نبقيها على هيئاتها الأصلية، وإذا كانت الأخرى نلجأ لرأى عموم الناس وفكرهم ونتحرك وفق رأى الأهالى وقرارهم وبهذا الجواب المفخم أقنع معترضيه من الوجهاء والأعيان من سكان البلد فقبلوا أن يقتلع أحد الأعمدة لمعاينتها ظانين أنه سيكون فى حالة سليمة متينة نظرا لهيئتها الخارجية وجعل من أحضرهم من نجارى المدينة يعاينون ذلك العمود، وإذا بالعمود كان قد ركز فى أيام قايتباى فوق حجر أسود بال وضع فوقه التراب دون قاعدة والأحجار المذكورة قد تحطمت تحت ثقل القباب وصدمات الزمان المتقلب وتسببت فى اعوجاج الأعمدة والأسياخ الحديدية التى فى أطرافها فدست فى الأرض وتسببت فى انحراف الأعمدة عن مراكزها.
كانت الأسطوانة التى اقتلعت وعرضت على فريق العمل والأهالى كانت مكونة من عدة أعمدة مجوفة وسبب ذلك إبقاء الأعمدة على هيئتها الأصلية كلما عمر حرم السعادة وكل عمود قد صبغ مرة واحدة وهذه الصبغة قد تحجرت بمرور الأيام وظلت على شكل أسطوانة مجوفة. وابتدر قسم من سكان المدينة إذ رأوا الاسطوانة المقلوعة كما وصفها الباشا فوافقوا على تغيير الأساطين رأسا وقال قسم آخر وقد اطلع على الأمر أن الأساطين القديمة ستنتزع والقباب ستعلق فوق الأعمدة وستقلل الأعمدة وستبدل إلى أسطوانتين أو ثلاث قطع من الأعمدة الرخامية المجلاة هذا الإنسان لا يسمع الكلام، ولا يريد أن يراعى هيئات الأبنية العالية المقدسة، ويريد أن يغير ويبدل الأعمدة التى لم يمس طرازها ورسمها، كاملة ويغير أماكنها ويقلل عدد الأساطين.
وأمعنوا، أفكارهم بنشر هذه الأقوال المضرة وعملوا على تشويش أفكار العامة، لكن رائف باشا لم يعر سمعا لهذه الاعتراضات فانتزع جميع الأعمدة التى فى مؤخرة الحرم الشريف بعد أن أسند القباب التى فيه وفق ما جاء فى الخريطة ووضع أسس وقواعد الأعمدة الجديدة التى سيركزها فى نسبة واحدة وبعد أن ملأ البئر التى حفرها بين الباب الشامى وباب الضيافة وخارج سور المدينة المنورة بالتراب والأنقاض التى نتجت عن تلك العمليات، وهدم
الجدار الشامى للحرم الشريف وأخذ يجدده وأسس على طرفى باب التوسل الذى فتحه وسط الجدار المذكور أربع مدارس مجيدية كما أسس أربعة مخازن لوضع زيت الوقود والأشياء الأخرى على الجدار الشامى وبهذا وسع الساحة الرملية قدرا ما.
وهناك فى داخل المدينة المنورة وفى المواقع التى سيأتى ذكرها إحدى عشرة مدرسة أخرى ما عدا المدارس المجيدية التى سبق ذكرها وتلك المدارس من جملة ما بناه محمد رائف باشا.
1 -
فى داخل الرباط الذى فى جهة الطاحونة من مسجد بهرام أغا من أغوات باب السعادة فى العنبرية.
2 -
هذه المدرسة فى السبيل الكائن فوق جسر سيل أبى جيد.
3 -
فى التكية المرادية التى خربت.
4 -
وهذه المدرسة بالقرب من المخبز الأميرى وهى مدرسة سليم أفندى وهو من قرناء السلطان عبد المجيد الرئيسية.
5 -
مدرسة الحوش التاجوري.
6 -
مدرسة بيت الخليفة أمام المناخة.
7 -
مدرسة زاوية العشاقي.
8 -
مدرسة زقاق النخاول.
9 -
مدرسة السلطان محمود خان الأول فى داخل دار توقيت باب السلام.
10 -
مدرسة قبة سيدنا مالك رضى الله عنه.
11 -
مدرسة زقاق قفا.
وكل هذه المدارس خاصة بالصبيان الذكور وهناك مدارس كثيرة خاصة بالإناث ولا حاجة لذكرها.
وكان حفر محمد رائف باشا البئر التى خارج السور لوضع ودفن الأتربة والأنقاض المتبقية من التعمير كان برجاء الأهالى واسترحامهم، لأن الحجارة ذات الحجم الكبير التى نقلت من الجبل الأحمر كانت تصطدم ببعض المنازل ويزعج ذلك الأهالي، وبما أن الأهالى رجوا محمد رائف باشا أن يجد حلا لهذه المشكلة فتح بابا فى سور المدينة فى الجدار الذى يوازى ويحاذى دار الضيافة وبعد الاستئذان أطلق عليه الباب المجيدي.
والمبانى التى يطلق عليها الأهالى قبة الشمع هى المبانى التى فوق حوض زيت الزيتون الذى يحضر من مواقع معلومة والذى حفر لحفظ الزيت ووضعه فيه، وكانت الجمال التى تحمل الزيت تدخل من مدخل باب الرحمة، كما ذكر آنفا وتوصل الزيت داخل تلك الأبنية وكان هذا العمل فد دخل فى حكم العادة بين الجمالين.
وقد وفق محمد رائف باشا بخدماته هذه فى عرض مراسم التعظيم والتفخيم للحجرة المعطرة وذلك بإخراج مبانى القبة المذكورة خارج الجدار الشامى وبتسطيحه الساحة الرملية وسع وسط حرم السعادة ووضع نظاما حسنا بعدم إدخال الجمال فى داخل الحرم الشريف المشحون بالنور، كما هدم وجدد الجدار الذى بين باب الرحمة والمئذنة المجيدية
(1)
والقباب والأساطين الكائنة فى الجهة الغربية من هذا الجدار، والجدار الذى بين باب جبريل والمئذنة الرئيسية، ومع هذا قد اعترض عليه لأنه جدد الجدار الذى فى باب جبريل، وكانت تلك الاعتراضات كلها على غير وجه حق، لأن المحل الشريف الذى هدم وجدد فيما بين باب جبريل والمئذنة الرئيسية، كان فى الجهة الشرقية من الأبنية العالية المقدسة وكان فى محاذاة قدم السعادة ذات شرف، كان الفراغ بين الحجرة المعطرة والجدار الذى هدم ضيقا جدا وكان يحول دون مرور الزوار وعبورهم وكان هذا الأمر يؤدى بالضرورى إلى ما يخل بآداب الزيارة وأراد
(1)
كان يقال لهذه المئذنة قبل التجديد الشكلية.
محمد رائف باشا أن يزيل ما كان يحدث من عدم رعاية آداب الزيارة وأن يحقق للزائرين الطمأنينة.
وأراد أن يوسع ذلك المكان المذكور قدر الإمكان، فنقل جدار جهة باب جبريل إلى الخارج مقدار خمسة أذرع وجدده وقلل عدد الأعمدة وغير أماكنها وركز اسطوانة رصينة قوية موزونة بدل كل ثلاثة أعمدة وشيد أعمدة وقباب تلك الجهة على طراز جديد وفى شكل جميل متناسق فأعجب الناس من رصانتها وتناسقها، إلا أنه لم يهتم بما فى مؤخرة الحرم الشريف من أشياء أخرى متفرعة وتركها فى حالة خراب.
واستقبح من قبل الأهالى هدمه الجدار الذى فى ناحية القدم النبوى السعيد ونقله إلى الخارج مقدار خمسة أذرع دون أن يأخذ رأى أحد أو رضاهم وأدى إلى قيل وقال وإشاعة أقوال فى حقه ومن هنا طلب بعض خواص الناس أن يعتنى بمؤخرة حرم السعادة أيضا وأن يراعى جانبه، وقال المعترضون من عامة الناس: «إننا لم نستطع أن نبين قلة رعاية هذا الرجل وقد أظهر عدم احترامنا حينما دفن أنقاض الحرم الشريف فى البئر التى حفرها خارج السور، فإذا ما سكتنا لفعله هذا لا نكون قد أحسنّا فعلا ولهذه الحركات التى تدل على عدم الاحترام مسئولية كبيرة وهى فى أعناقنا وقد اقتنع هؤلاء الخاصة بمثل هذه الأقوال وعرضوا الأمر إلى باب صاحب القرار وقد أوردوا أقوالا عجيبة واشتكوا من محمد رائف باشا ورجوا منه أن يعين مكانه شخصا آخر ويرسله إلى المدينة المنورة.
ولما كانت أنقاض حرم السعادة وترابه كلما يتجدد أو يعمر تدفن فى مكان على سفوح جبل أحد وكان هذا المكان قد أحيط بسور من جهاته الأربعة، لذا كان الأهالى محقين فى هذا الخصوص، وما زال هذا المكان موجودا إلى يومنا هذا وهو من المزارات التى يزورها الناس ويصلون هناك ركعتى